الرئيسية / الدراسة / ميثولوجيا رومانية في ضواحي جنزور

ميثولوجيا رومانية في ضواحي جنزور

للوصول إلى  هذا الموقع عليك بالتوجه إلى غرب مدينة طرابلس عند الكيلو متر 13 على طريق طرابلس الزاوية وجنوب الطريق الساحلي بحوالي 500 متر يصل بك المطاف إلى موقع آثار جنزور الذي يعتبر من أهم الأماكن الجنائزية في منطقة طرابلس فهي فترة تاريخية لحوالي 400 سنة تقريباً تبدأ من القرن الأول الميلادي وتنتهي بالقرن الرابع الميلادي وتحتوي على ثلاث فترات حضارية مهمة من تاريخ البلاد وهي الحضارة الليبوفينيقية ثم الرومانية المتأخرة (البيزنطية)وينعكس ذلك جلياً على مدافن المنطقة وطرق الدفن بها والأثاث الجنائزي الخاص بكل مرحلة .

الخبير الأثري /رمضان إمحمد الشيباني

ظروف الاكتشاف

 

في يوم شتوي بارد من عام 1958م بينما كان أحد الفلاحين في ضواحي مدينة جنزور يمهد الأرض بمحراثه لاستزراعها فإذا بالارض تهوى تحت محراثه إلي حفرة من العالم السفلي كما كان يسمى في أساطير المجتمعات القديمة ووصل الخبر إلي أهل الاختصاص (مصلحة الآثار) لتتوجه بخبرائها و منقبيها إلي عين المكان و بـدأت  اعمال التنقيب والحفر وأدى ذلك إلي اكتشاف المدفن رقم (1) وهو مـن أهم مدافن الـمنطقة ،وسنتطرق له بنوع من التفصيل فيما بعد تم، بعد ذلك توالت الاكتشافات على فتـرات متعاقبة حتى تم اكتشاف مايقرب من 25 مدفنا بالـمنطقة  وتـم بناء متحف محلي صغير خاص باللقى المكتشفة بهذه المدافن .
والواقع أن مكتشفات  هذه الحفائر تعود إلي فترة زمنية طويلة غطت حوالي أربعة قرون من الزمن توالت عليها حضارات عظيمة ولذلك كانت المدافن مختلفة ومتنوعة من حيث الشكل والحجم والأثاث الجنائزي وطقوس الدفن من مدفن إلي آخر و يـمكن  تقسيــم هـذه المدافن إلي الأنواع التالية:
– مدافن ليبوفينيقية .
– مدافن ليبوفينيقية رومـــانيـة .
– مدافن رومـــانـيـة مـتـأخــــرة .

أماكن جنائزية استثنائية

تنوعت على مدى أربعة قرون

مدافن ليبو فينيقية :

 

وهي أكثـر الـمدافن المكتشفــة بالــموقع وتعود إلي الـفترة من الـقرن الأول الـميلادي حتى الـقرن الثاني الـميلادي وهي عبارة عن مدافن عائلية حفـرت تـحت سطح الأرض وتتكون من حفــرة مـكشوفة بأسفلها مـدخل يـؤدي إلـي حجـرة الـدفن التـي كانت تـختلف مـن مـقبرة إلي أخـرى مابين حجـرة واحــدة وثلاث حجـرات وكان الـموتى يـوضعون فـي داخل حجـرات الـدفن كالنائمين علـى ظهـورهم وحـولهم الأثاث الـجنائزي الـخاص بهم وهو عبـارة عن أواني وجرار وأطباق وأدوات زينة مثل الدبابيس والمراود والمصابيح وغيرها من الفخار أو البرونز أوالزجاج أو الرصاص .

 مدافن ليبوفينيقية رومـــانيـة .

 

فـي بـعض الأحيان نـجد أن المدافن الليبوفينيقية السابقة الذكر قد استعملــت فـي فتـرة لاحقة تبدأ من القرن الثاني الميلادي حتى الــقرن الــثالث الــميلادي ولكــن طريقة الــدفن فيها تغيرت حيث استحدثت طريقة دفن جديدة أستعمل فيها حـرق الـميت وحفظ رماد ورفاة جثتة فــي أواني خـــاصة كانت تـصنع مـن الـفخار أوالــزجاج أو الـرصاص أو الرخام او تنحت في الحجر كتوابيت صغيرة حسب الحالة المادية للميت.

المدافن الرومانية المتأخـــرة :

تمثل هـذه المدافن الـفترة الأخيرة من مقابر المنطقة الـمكتشفة  إلـى حـد الآن وتـعـود إلـى الــفترة مــن أواخر الـقرن الثالث الميلادي حتى الــقرن الــرابع الميلادي وربما بعد إنتشار الــمسيحية وهي مدافن فـردية عبارة عن حفرة بحجم الميت تــقريبًا يبلــغ عمقهــــا حــوالي 90 سم يــوضع بأسفلها الــميت ويُغطى بالرمال .

  (المدفن رقــــــم  1)

بـعد هــذه اللمحة البسيطة عــن أهم أنــواع المقابر المكتشفة بــمنطقة جنزور الأثرية وطرق الدفن بها نذكر بصـــورة خاصة المدفن رقم   (1) بالمنطقة وهي أصل مقابر الـمنطقة والــمقبرة الوحيدة الـمصورة بالــرسوم الــجدارية الــجميلة  التــي تــمثل بـعض الأساطير والمعتقدات الجنائزية التي تغطي جدران المدفن وسقفها وهـي مناظر مختلفة .

أسطورة العبور من الحياة الي الموت بالعالم القديم.

اكتشاف ما يقرب عن 25 مدفن

داخل حفرة من العالم السفلي !

جداريات ملونة

تصور طقوس رحلة العبور من الحياة إلى الموت

لطالما كان هاجس الموت والانتقال إلي العالم الآخر (مابعد الموت) سرا من أسرار المجتمعات القديمة فقد نسجوا له قصصاً وأساطير من الخيال كل حسب معتقداته وأفكاره فقد دونوا ذلك في منحوتاتهم ونقائشهم على المدافن وعلى أثاثهم الجنائزي الذي كان بصحبة الميت في مدفنه كزاد يتزود به في رحلته الي العالم الاخر بعد الموت .

وقد صُور على جدران وسقف ما أطلقنا عليه المدفن رقم (1)   بدقة متناهية رسوم جدارية ملونة (فريسكو) تمثل مراحل وطقوس رحلة العبور إلي العالم الآخر كما هي معروفة في الأساطير الإغريقية والرومانية بشكل دقيق جداً في تجسيد قمة في الروعة والإبداع مند أكثر من 2000 عام تقريًبا .

وها هي رحلة العبور إلي العالم السفلي والذي يعرف بمملكة هاديس المظلمة كما نسجت بأساطير العالم الروماني والإغريقي (وهاديس هو مؤله الموت عند الإغريق والرومان) وقد رسمت على الجدار الشمالي للمدفن وهذه ترجمة تفاصيل الرحلة حسب الترقيم الموجود في الصورة  على النحو التالي :

1.. أهل الميت وهم يؤدون طقوس الوداع الأخير لميتهم .

2.. الميت يتم تسليمه من أهله الي أحد الكهنة والميت بدوره يعطي قطعة العملة كأجرة للعبور بالمركب والتي في العادة يتم العثور على قطعة العملة هذه في يد الميت أو في فمه.

3.. الكاهن الذي يتولى استلام الميت .

4.. نهر أستيكوس الذي يفصل الحياة عن العالم السفلي (عالم الموتى).

5.. مركب خارون الذي يتولى نقل الميت الي العالم السفلي .

6.. الميت يمسك به كاهنين وأمامهم قائد المركب لتسليمه إلي العالم السفلي .

7.. هاديس مؤله العالم السفلي “عالم الأموات” وتسمى أ يضا “مملكة هاديس المظلمة ” هذا العالم الذي يحرسه الكلب الشرس” كيدبيرس ” ذو الرؤس الثلاث. نجد أن الرسام في إيحاء منه صور أهل العالم السفلي متوشحين بالسواد في أرديتهم ليعكس مدى الحزن والظلمات بمملكة هاديس… بعكس الأحياء بأرديتهم الملونة والمزهرة .

أما على الجدار الجنوبي للمدفن والذي يقع على يمين الداخل إلي المدفن فما أن ترفع عينيك إلي الأعلى قليلا يلفت نظرك أن أحدهم مفتول العضلات ويجر كلب بثلاثة رؤوس قد رُبط بسلسلة من عنقه فترجع بك ذاكرتك إلي بعض الأفلام الخيالية التي تعرض تفاصيل الأساطير الرومانية  ” الميثولوجيا الرومانية ” فهذا الرجل القوي هو (هراقل) الذي اشتهر بأعمال خارقة وهي المآثر الاثنا عشر التي قام بها وإحدى هذه المآثر قد رسمت على هذا الجدار وهذه المآثر هي 

  • قتل أسد  نيميا – قتل الهايدرا – تنظيف حضائر أوجياس – احضار تفاحات هيسبريدس من ليبيا وهيسبريدس هي بنغازي في الفترة الإغريقية – قتل ثور كريت – إحضار نطاق هيبوليتا ملكة الأمازونات لابنة اريثوس –إحضار ثيران جيرون – مهاجمة طيور استنفاليا المفترسة – إحضار دب اركاديا – قتل المارد كاكس – القبض على الرجل الذي كان يأكل خيول بوميدس التراكي –إحضار الكلب كيربيرويس حارس مدخل العالم السفلي وذلك بمساعدة مولهة الحكمةأثينا وهيرميس مؤلهة التجارة . وهاهي المأثرة الأخيرة نراها مجسدة في رسوم ملونة على هذا الجدار بكل دقة مند 2000 عام تصور هراقل يجر الكلب (كيربيروس) بسلسلة وخلفه غابة مظلمة تمثل مملكة هاديس وأمامه المؤلهة أثينا (مينيرفا) وكذلك المؤله  هيرميس (ميركوري) وهما المؤلهان اللذان ساعدا هيراقل في انجاز عمله هذا .وفي الجدار الشرقي المواجه للمدخل وكما هو معتاذ في بعض المدافن الأخرى مثل مدفن ميترا بغوط الشعال نجد رسماً يجسد أحد الكهنة واقفًا بجانب مبخرته يضع بعض البخور.

أما سقف المدفن فنجده مزداناً بأزهار الخشخاش وأكاليل الزهور وأغصان الاشجار والنباتات وفي كل ركن من أركان السقف تزينه الايروسات المجنحة .

 موقع آثار جنزورإلي العالمية

في يوم 29 يونيو 2021م تم إدراج موقع آثار جنزور في قائمة التراث بمنظمة الايسيسكو لما لها من أهمية للتاريخ الانساني ولما تحمله مكوناتها الأثرية من شواهد وأدلة مهمة لتاريخ الحضارات الانسانية التي مرت بالمنطقة وقد أدرج الموقع بهذه القائمة لقيمته المتميزة والتي انطبقت عليها هذه المعايير وهي المعيار الثاني والثالث الخاصة بالادراج وتتمثل في كون الموقع :

  • يعتبر شاهداً استثنائياً ومميزًا حيت استمر فيه الدفن لفترة زمنية طويلة تصل إلى اكثر من 400 سنة مرورا بعدة حضارات من الحضارة البونيقية إلي الرومانية الي الرومانية المتأخرة (البيزنطية) كما ان الرسوم الجدارية الملونة الموجودة بالمقبرة رقم (1) التي سبق وأن أسلفنا تجسد وتصور جانباً من الميثولوجيا الرومانية في مشهد رائع ونادر يصور كيفية انتقال الإنسان بعد موته عبر نهر الاستيكوس من الحياة الدنيا إلى مملكة هاديس بالعالم السفلي.

-طرق الدفن في موقع آثار جنزور تنوعت على مدى أربعة قرون وكان بعضها نتيجة تأثيرات ثقافات  أخرى جاءت  من شمال البحر المتوسط وشاعت بالإقليم التريبوليتاني منها طريقة الدفن بحرق الميت وحفظ رفاته في أوان إما من الرخام أو الزجاج أو الفخار أو الرصاص وقد دخل هذا الأسلوب من الدفن إلى الإقليم التريبوليتاني في القرن الثاني الميلادي .

 

شاهد أيضاً

بسبب كسل العائلة أم ضعف التعليم العام .

في بيتنا معلمة شنطة .. معلم خصوصي ((مفردة دخلت قاموسنا الليبي ليس حديثآ وليس مبكرآ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *