عندما تلتقي الثقافة العربية بالإنجليزية في مطبخ لغوي فخم!
منذ فترة، بدأنا نلاحظ ظاهرة جديدة تنتشر بسرعة بين الناس ، حيث أصبحوا يتبنون كلمات إنجليزية وكأنها «تأشيرة» للحداثة والانفتاح! في وسط الشوارع والمقاهي، أصبحنا نسمع كلمات مثل «شوبينغ»، «شوز»، و«لانش بوكس» وهي تنسل من أفواههم، كأنهم لا يتحدثون معك بل يخططون لمشروع عالمي! هل هذه الظاهرة تعكس حوارًا ثقافيًا أم مجرد فوضى لغوية، حيث أصبحت «لقمة القاضي» تتحول إلى «Hot Golden Balls» في عالم السوشيال ميديا؟!
» استطلاع : منى توكه
هل حقًا يجب أن نفقد صلتنا بجذورنا لنكون «كول»؟ أم أن بإمكاننا، بلا تقليد أعمى، التعبير عن هويتنا بثقة واعتزاز بلغتنا الأصلية؟
بين أصوات ترى أن الظاهرة انعكاس لعولمة لا مفر منها، وأخرى تعتبرها تنازلاً عن هوية لا تُقدر بثمن،في هذا الاستطلاع رصدنا آراء الناس حول ما إذا كانت «موضة الكلمات الأجنبية» تعبر عن اندماج ثقافي أم عن ضياع متسارع للهوية.
«كانت الفتاة تقول، وأنا أضحك، إنها طلبت ‹Hot Golden Balls› من المحل. أول ما سمعتها، قلت في نفسي: «شني هذه؟» أكيد وصلت مرحلة جديدة من التسويق، لقمة القاضي صارت الآن «كُرات ذهبية حارة»! يبدو أنه هناك تحولا ثقافيا لم اُواكبه، يعني من الحلو الذي يذوب في فمك للترف والغموض« خلاص» بعد اليوم سأقول للناس: «خذوا Hot Golden Balls بدلاً من لقمة القاضي، يمكن طعمها أغلى وفيها لمسة من الفخامة.» تقول سعادة جبريل.
وتتابع «بعد أن آحضرت ‹Hot Golden Balls›، كنت متأكدة أنها جاءت لنا بشيء جديد من أفلام هوليوود، وليس من حلوياتنا البسيطة. يعني لو كان اسمها ‹لقمة القاضي›، كان الموضوع واضحاً، حلوة وسريعة وبسيطة. لكن ‹Hot Golden Balls›، تشعر أنه يجب أن يكون في علبة فاخرة وورقة تغليف ذهبية، وكل «قضمة» فيها تشعر أنك في مهرجان عالمي لكن هي نفسها وفوقها فستق!! . يمكن لو قلت للناس عن «لقمة القاضي» بعد مدة من زمن بدلاً من المسمى الجديد الفاخر ، سيسألونك هل هو نوع جديد من العملة؟!
اللغة العربية أصبحت مثل فيلم رعب! تخيلي لو أرادت فتاة شراء معطف ، لازم تقول «ترانش كوت» بدل «معطف» ، و بلوفر و هودي « بدل» فنيليا»، و»شوز» بدل حذاء، وإلا ستُتهم بأنها من الزمن الماضي. لو استخدمت كلمة «حذاء» ربما تتعامل كأنها من عصور ما قبل الحداثة، و قد تُعتبر أنها جاءت من عصر فجر الإسلام!
لا أفهم لماذا اللغة العربية أصبحت كأنها «عار»؟ حتى المطاعم صارت تنزل قوائم الطعام باللغة الإنجليزية وكأن اللغة العربية ستهبط من مستوى المكان!. وإذا قلت «مكرونة بالجبنة » بدل «الفريدو» ينظر لك« الجرسون »«ولد بلادك » وكأنك «كائن غريب.» أما الجروبات والصفحات العربية، فأصبح معظمها يعتمد على الإنجليزية، والمحال ( الستورز) أصبحت تعلن عن منتجاتها بلغة إنجليزية فقط، وكأن الزبائن الأجانب هم الأغلبية.
الناس تناست أصلها، وصارت تحاول جاهدة لاتباع «عقدة الأجنبي». المشكلة ليست في الكلمات الأجنبية، ولكن في استبدال كلماتنا العربية الليبية بها فقط لاعتبارها «مودرن» أو «كلاس»! وهكذا نخلق جيلًا لا يعرف لغته الأم ولا يستطيع التواصل بها.
لا بد أن نستيقظ، وإلا سنضيع في هذا الطريق بلا رجعة! لنحترم لغتنا العظيمة التي يكفي فخرًا أنها لغة القرآن ولغة أهل الجنة.
دخلت مطعماً جديداً فتح في طرابلس، سمعت الناس تتكلم عن الأكل الفخم فيه، فقررت أن اٌجرب. يروي شرف الدين محمد ويتابع دخلت المطعم، ووجدت قائمة الطعام كلها إنجليزي وفيها أسماء معقدة ومواضيع غريبة كأنه في مطعم في باريس أو نيويورك وليس في طرابلس!!.
«جلست، واخذت القائمة، ووجدت نفسي لا أفهم أي كلمة! أصلاً بدأت أشعر أني في اختبار انجليزي. وأنا لا أعرف حتى كيف أنطقها! قلت لل«جرسون» ، «يا أخي بالله، شنو هذه الأسماء؟ ما فيش ‹مكرونة باللحم الوطني ‹ ولا ‹كسكسي بالخضرة›؟ المهم، وجدت كلمة ‹BBQ›، قلت أكيد هذه ستكون مثل الشوي الذي أعرفه، وطلبتها.»
عندما وصل الطلب وجدت أنه عبارة عن صحن فيه قطعة صغيرة من اللحم مغمورة في صوص غامق، و3 شرائح بطاطا، وفوقهم ورق خضار. وبالفاتورة، الحساب كان أضعاف سعر« غدوة » عائلية كاملة في بيتنا!
خرجت من المطعم وأنا لا أزال جائعاً ، وقلت لنفسي: «خيرها في غيرها، نرجع للمطاعم اللي تعرفنا وتفهمنا، أحسن ما نضيع بين ‹سيزار سالاد› و›بورغر بيف مع كراميلايزد أنيون› وفلوسنا تمشي في الهوا.»
ويقول عثمان صالح أصبحت أسماء المحال والمقاهي والمطاعم كلها بالإنجليزية؟ وكأن البلاد ممتلئة بالسياح «اللي واخدين عطلتهم» من بلاد العالم كلها «ومقطعين شلايكهم علينا» ، وكلهم شوق ليعرفوا أماكن الأكل لدينا! وكأنه إذا قرؤوا اسم «بيت المشاوي « سيصابون بالحيرة، أما «Grill House» فستكون أكثر فهمًا «لذائقتهم الأجنبية»!
هل حقاً انتهت الكلمات العربية الجميلة لتسمية الأماكن تخيلوا حتى المقاهي أصبحت بأسماء غريبة مثل «Just Coffee» و «تورلاند» . هل كانت الأسماء العربية «موضة قديمة « أكثر من اللازم؟ حتى صار الشاب يفتخر بزيارة «Café de roma» ولا يجرؤ أن يقول إنه شرب قهوته في «مقهى مسعود «؛ فكأنها كلمة من العصر الحجري.
الظاهرة غريبة ومضحكة، وكأن الأسماء العربية عار يجب إخفاؤه ! حتى الأسواق القديمة أصبحت تتحول إلى «Mall» و»Outlet» كأن سوق «الجمعة» و»الخميس» بُعثا من الرماد باسم «Friday Market» و«ThursdayBazaar» ليتناسبوا مع «روح العصر»!
لو هويتك تائهة.. ابحث عنها في الحي الشعبي تقول جميلة موسى وتتابع في السنوات الأخيرة، أصبحنا نشهد موضة جديدة من «ضائعي الهوية»، شباب تتداخل عندهم اللغة العربية بكلمات إنجليزية غريبة، تجدهم يقولون: «أوكي، أنا ماشي المول بندير شوبينغ وأكيد» الشوز كومبليت مع التي-شيرت هذا!»… والأكثر طرافة أنهم قد لا يجيدون الإنجليزية، لكنهم يشعرون بأن استخدام هذه الكلمات يجعلهم «إنترناشونال» على طريقة الأفلام!
أمينة شهاء ترى أن حكاية هؤلاء الشباب بدأت مع انفتاح العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأن هذا الموضوع غير متعمد أحياناً ، ولكن ترى أن الكثير منهم يتابعون «فلوغرز» غربيين ويقلدونهم في كل شيء، من الأكل، الملابس، وحتى طريقة الكلام. يمكنك أن تجد شاباً يجلس في مقهى شعبي، لكنه يطلب مشروباً بـ»نايس تاست» و»فرش»، وكأن فنجان القهوة المعتاد لم يعد كافياً لطموحاته العالمية!
وتضيف «الطريف في الموضوع أنه في لحظة ما قد يكتشف هؤلاء أنهم ليسوا على وفاق مع «النسخة الدولية» التي يحاولون التظاهر بها، فتجده يتحدث بصوت عالٍ مع صديقه عندما يقوم بتصرف غريب قائلاً: «عموماً، أنت كرينج !»… ليتفاجأ بأن صديقه لا يفهم كلماته فيرد عليه قائلاً: «بلله تكلم من غير تعويج!»
وترى أسماء مطير أن الشباب هنا يمشون على أسلوب «كوكتيل الثقافات»، وكأنهم يجمعون عادات وثقافات من كل بلد، دون أن يفهموا سياقها الأصلي. يمكنك أن ترى في الأفراح أنهم يرقصون على الأغاني الغربية دون فهم معانيها وأحياناً تجد شباباً يستمعون إلى الأغاني الأجنبية ويرقصون على «ترندات » في «التيك توك » ولكن في الغالب لا يعرفون معانيها وكذلك يرددون بعض الكلمات الغريبة مثل «كرينج» و«ريد فلاغ» و «نرم» ليكونوا مواكبين
وتتابع «الأمر ببساطة لا يحتاج إلى الانبهار بكل شيء أجنبي لنكون «كول». بالعكس، ممكن أن نكون «رائعين « ونحن متمسكون بثقافتنا، دون اللجوء إلى كل هذه الكلمات الأجنبية التي تربك المحادثات وتجعل البعض يتوقف لحظات ليحاول استيعاب المقصود!
وجهات نظر مختلفة
يرى البعض أن استخدام كلمات أجنبية يعكس مرونةً وقدرةً على التكيف مع العصر، ويجعل الشباب أكثر قدرة على التواصل مع ثقافات متعددة.
يقول أحمد جمال، وهو طالب جامعي: «إضافة كلمات إنجليزية في حديثنا اليومي تتيح لنا التواصل بسهولة مع غيرنا، خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا والأعمال، التي أصبحت لغتها الأساسية هي الإنجليزية»
تعتقد ليلى العماري ، وهي ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذا الأسلوب في الكلام يعكس انفتاح الشباب ورغبتهم في تعلم ثقافات جديدة: «التداخل بين الثقافات في الحديث اليومي يعطينا فرصة للتعبير عن أنفسنا بشكل مميز. نحن جيل نشأ على الإنترنت، من الطبيعي أن نكون متأثرين بعوالم مختلفة ونعبر عن ذلك بطرق مبتكرة.»
في بيئة عمل تتطلب مهارات لغوية متعددة، يرى البعض أن هذه الظاهرة تخدم الشباب بتهيئتهم لسوق عملٍ عالمي. يقول يوسف المنصوري، وهو موظف في شركة دولية: «مزج الكلمات الإنجليزية بالعربية يسهل علينا التفاهم في بيئة العمل؛ معظم المصطلحات التقنية باللغة الإنجليزية، وأصبح من الطبيعي أن تستخدم اللغة المختلطة مع زملائك.»
تعتقد سارة محمد، وهي طالبة في الثانوية، أن هذه الظاهرة أصبحت نوعًا من الموضة، وتضيف لمسة «ستايل» حديثة للشباب: «التحدث بطريقة ‹كوكتيل› أصبح يعبر عن الشخصية العصرية، ويمنحنا إحساسًا بأننا جزء من العالم. حتى أنه يعطي انطباعًا بأننا مواكبون لأحدث صيحات الموضة في كل شيء، من الكلام للملابس.»
لغة تفاعلية على وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر عائشة عبد الله مندوبة مبيعات ولها متجر إلكتروني أن هذه الطريقة تجعل المحتوى أكثر جذباً وتفاعلاً على وسائل التواصل: «تجد الشباب أكثر انجذاباً للمحتوى الذي يستخدم مصطلحات أجنبية، لأنهم يعتبرونه ‹مودرن› و›كلاس› إذا كنت أتكلم بلغة تقليدية تماماً، يمكن أن يفقد البعض الاهتمام.»