الرئيسية / الدراسة / نريد أن نكون ‹كول› أم نضيع هويتنا؟ الثقافة الغربية والأناقة المفقودة!

نريد أن نكون ‹كول› أم نضيع هويتنا؟ الثقافة الغربية والأناقة المفقودة!

عندما‭ ‬تلتقي‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬في‭ ‬مطبخ‭ ‬لغوي‭ ‬فخم‭!‬

منذ‭ ‬فترة،‭ ‬بدأنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬ظاهرة‭ ‬جديدة‭ ‬تنتشر‭ ‬بسرعة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحوا‭ ‬يتبنون‭ ‬كلمات‭ ‬إنجليزية‭ ‬وكأنها‭ ‬‮«‬تأشيرة‮»‬‭ ‬للحداثة‭ ‬والانفتاح‭! ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الشوارع‭ ‬والمقاهي،‭ ‬أصبحنا‭ ‬نسمع‭ ‬كلمات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬شوبينغ‮»‬،‭ ‬‮«‬شوز‮»‬،‭ ‬و«لانش‭ ‬بوكس‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تنسل‭ ‬من‭ ‬أفواههم،‭ ‬كأنهم‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬معك‭ ‬بل‭ ‬يخططون‭ ‬لمشروع‭ ‬عالمي‭! ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تعكس‭ ‬حوارًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬أم‭ ‬مجرد‭ ‬فوضى‭ ‬لغوية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬لقمة‭ ‬القاضي‮»‬‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬Hot Golden Balls‮»‬‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا؟‭!

  » استطلاع‭ : ‬منى‭ ‬توكه

هل‭ ‬حقًا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفقد‭ ‬صلتنا‭ ‬بجذورنا‭ ‬لنكون‭ ‬‮«‬كول»؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬بإمكاننا،‭ ‬بلا‭ ‬تقليد‭ ‬أعمى،‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬هويتنا‭ ‬بثقة‭ ‬واعتزاز‭ ‬بلغتنا‭ ‬الأصلية؟

بين‭ ‬أصوات‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الظاهرة‭ ‬انعكاس‭ ‬لعولمة‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها،‭ ‬وأخرى‭ ‬تعتبرها‭ ‬تنازلاً‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬لا‭ ‬تُقدر‭ ‬بثمن،في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬رصدنا‭ ‬آراء‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬موضة‭ ‬الكلمات‭ ‬الأجنبية‮»‬‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬اندماج‭ ‬ثقافي‭ ‬أم‭ ‬عن‭ ‬ضياع‭ ‬متسارع‭ ‬للهوية‭.‬

‮«‬كانت‭ ‬الفتاة‭ ‬تقول،‭ ‬وأنا‭ ‬أضحك،‭ ‬إنها‭ ‬طلبت‭ ‬‹Hot Golden Balls›‭ ‬من‭ ‬المحل‭. ‬أول‭ ‬ما‭ ‬سمعتها،‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬‮«‬شني‭ ‬هذه؟‮»‬‭ ‬أكيد‭ ‬وصلت‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التسويق،‭ ‬لقمة‭ ‬القاضي‭ ‬صارت‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬كُرات‭ ‬ذهبية‭ ‬حارة‮»‬‭! ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬هناك‭ ‬تحولا‭ ‬ثقافيا‭ ‬لم‭ ‬اُواكبه،‭ ‬يعني‭ ‬من‭ ‬الحلو‭ ‬الذي‭ ‬يذوب‭ ‬في‭ ‬فمك‭ ‬للترف‭ ‬والغموض‮«‬‭ ‬خلاص‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬اليوم‭ ‬سأقول‭ ‬للناس‭: ‬‮«‬خذوا‭ ‬Hot Golden‭ ‬Balls‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬لقمة‭ ‬القاضي،‭ ‬يمكن‭ ‬طعمها‭ ‬أغلى‭ ‬وفيها‭ ‬لمسة‭ ‬من‭ ‬الفخامة‭.‬‮»‬‭ ‬تقول‭ ‬سعادة‭ ‬جبريل‭.‬

وتتابع‭ ‬‮«‬بعد‭  ‬أن‭ ‬آحضرت‭  ‬‹Hot Golden Balls›،‭ ‬كنت‭ ‬متأكدة‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬لنا‭ ‬بشيء‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬هوليوود،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حلوياتنا‭ ‬البسيطة‭. ‬يعني‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬‹لقمة‭ ‬القاضي›،‭ ‬كان‭ ‬الموضوع‭ ‬واضحاً،‭ ‬حلوة‭ ‬وسريعة‭ ‬وبسيطة‭. ‬لكن‭ ‬‹Hot Golden Balls›،‭ ‬تشعر‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬علبة‭ ‬فاخرة‭ ‬وورقة‭ ‬تغليف‭ ‬ذهبية،‭ ‬وكل‭ ‬‮«‬قضمة‮»‬‭ ‬فيها‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬عالمي‭ ‬لكن‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬وفوقها‭ ‬فستق‭!! . ‬يمكن‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬للناس‭ ‬عن‭ ‬‮«‬لقمة‭ ‬القاضي‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المسمى‭ ‬الجديد‭ ‬الفاخر‭ ‬،‭ ‬سيسألونك‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬العملة؟‭! 

اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬رعب‭! ‬تخيلي‭ ‬لو‭ ‬أرادت‭ ‬فتاة‭ ‬شراء‭ ‬معطف‭ ‬،‭ ‬لازم‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬ترانش‭ ‬كوت‮»‬‭ ‬بدل‭ ‬‮«‬معطف‮»‬‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬بلوفر‭ ‬و‭ ‬هودي‭ ‬‮«‬‭ ‬بدل‮»‬‭ ‬فنيليا‮»‬،‭ ‬و»شوز‮»‬‭ ‬بدل‭ ‬حذاء،‭ ‬وإلا‭ ‬ستُتهم‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭. ‬لو‭ ‬استخدمت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬حذاء‮»‬‭ ‬ربما‭ ‬تتعامل‭ ‬كأنها‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحداثة،‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬تُعتبر‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬فجر‭ ‬الإسلام‭! ‬

لا‭ ‬أفهم‭ ‬لماذا‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬كأنها‭ ‬‮«‬عار»؟‭ ‬حتى‭ ‬المطاعم‭ ‬صارت‭ ‬تنزل‭ ‬قوائم‭ ‬الطعام‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وكأن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ستهبط‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬المكان‭!. ‬وإذا‭ ‬قلت‭ ‬‮«‬مكرونة‭ ‬بالجبنة‭ ‬‮»‬‭ ‬بدل‭ ‬‮«‬الفريدو‮»‬‭  ‬ينظر‭ ‬لك‮«‬‭ ‬الجرسون‭ ‬‮»«‬ولد‭ ‬بلادك‭ ‬‮»‬‭ ‬وكأنك‭ ‬‮«‬كائن‭ ‬غريب‭.‬‮»‬‭ ‬أما‭ ‬الجروبات‭ ‬والصفحات‭ ‬العربية،‭ ‬فأصبح‭ ‬معظمها‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬والمحال‭ ( ‬الستورز‭) ‬أصبحت‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬منتجاتها‭ ‬بلغة‭ ‬إنجليزية‭ ‬فقط،‭ ‬وكأن‭ ‬الزبائن‭ ‬الأجانب‭ ‬هم‭ ‬الأغلبية‭.‬

الناس‭ ‬تناست‭ ‬أصلها،‭ ‬وصارت‭ ‬تحاول‭ ‬جاهدة‭ ‬لاتباع‭ ‬‮«‬عقدة‭ ‬الأجنبي‮»‬‭. ‬المشكلة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الكلمات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬استبدال‭ ‬كلماتنا‭ ‬العربية‭ ‬الليبية‭ ‬بها‭ ‬فقط‭ ‬لاعتبارها‭ ‬‮«‬مودرن‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬كلاس‮»‬‭! ‬وهكذا‭ ‬نخلق‭ ‬جيلًا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لغته‭ ‬الأم‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬التواصل‭ ‬بها‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نستيقظ،‭ ‬وإلا‭ ‬سنضيع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬بلا‭ ‬رجعة‭! ‬لنحترم‭ ‬لغتنا‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬يكفي‭ ‬فخرًا‭ ‬أنها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬ولغة‭ ‬أهل‭ ‬الجنة‭. ‬

‭ ‬دخلت‭ ‬مطعماً‭ ‬جديداً‭ ‬فتح‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬سمعت‭ ‬الناس‭ ‬تتكلم‭ ‬عن‭ ‬الأكل‭ ‬الفخم‭ ‬فيه،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬اٌجرب‭. ‬يروي‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬ويتابع‭ ‬دخلت‭ ‬المطعم،‭ ‬ووجدت‭ ‬قائمة‭ ‬الطعام‭ ‬كلها‭ ‬إنجليزي‭ ‬وفيها‭ ‬أسماء‭ ‬معقدة‭ ‬ومواضيع‭ ‬غريبة‭ ‬كأنه‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬أو‭ ‬نيويورك‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭!!.‬

‭ ‬‮«‬جلست،‭ ‬واخذت‭ ‬القائمة،‭ ‬ووجدت‭ ‬نفسي‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭! ‬أصلاً‭ ‬بدأت‭ ‬أشعر‭ ‬أني‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬انجليزي‭.  ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬حتى‭ ‬كيف‭ ‬أنطقها‭! ‬قلت‭ ‬لل«جرسون‮»‬‭ ‬،‭ ‬‮«‬يا‭ ‬أخي‭ ‬بالله،‭ ‬شنو‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء؟‭ ‬ما‭ ‬فيش‭ ‬‹مكرونة‭ ‬باللحم‭ ‬الوطني‭ ‬‹‭ ‬ولا‭ ‬‹كسكسي‭ ‬بالخضرة›؟‭ ‬المهم،‭ ‬وجدت‭ ‬كلمة‭ ‬‹BBQ›،‭ ‬قلت‭ ‬أكيد‭ ‬هذه‭ ‬ستكون‭ ‬مثل‭ ‬الشوي‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه،‭ ‬وطلبتها‭.‬‮»‬‭ ‬

عندما‭ ‬وصل‭ ‬الطلب‭ ‬وجدت‭ ‬أنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صحن‭ ‬فيه‭ ‬قطعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬مغمورة‭ ‬في‭ ‬صوص‭ ‬غامق،‭ ‬و3‭ ‬شرائح‭ ‬بطاطا،‭ ‬وفوقهم‭ ‬ورق‭ ‬خضار‭. ‬وبالفاتورة،‭ ‬الحساب‭ ‬كان‭ ‬أضعاف‭ ‬سعر‮«‬‭ ‬غدوة‭ ‬‮»‬‭ ‬عائلية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭!‬

خرجت‭ ‬من‭ ‬المطعم‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬جائعاً‭ ‬،‭ ‬وقلت‭ ‬لنفسي‭: ‬‮«‬خيرها‭ ‬في‭ ‬غيرها،‭ ‬نرجع‭ ‬للمطاعم‭ ‬اللي‭ ‬تعرفنا‭ ‬وتفهمنا،‭ ‬أحسن‭ ‬ما‭ ‬نضيع‭ ‬بين‭ ‬سيزار‭ ‬سالاد‭ ‬وبورغر‭ ‬بيف‭ ‬مع‭ ‬كراميلايزد‭ ‬أنيون‭ ‬وفلوسنا‭ ‬تمشي‭ ‬في‭ ‬الهوا‭.‬‮»‬

ويقول‭ ‬عثمان‭ ‬صالح‭ ‬أصبحت‭ ‬أسماء‭ ‬المحال‭ ‬والمقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬كلها‭ ‬بالإنجليزية؟‭ ‬وكأن‭ ‬البلاد‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالسياح‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬واخدين‭ ‬عطلتهم‮»‬‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭ ‬‮«‬ومقطعين‭ ‬شلايكهم‭ ‬علينا‮»‬‭ ‬،‭ ‬وكلهم‭ ‬شوق‭ ‬ليعرفوا‭ ‬أماكن‭ ‬الأكل‭ ‬لدينا‭! ‬وكأنه‭ ‬إذا‭ ‬قرؤوا‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬المشاوي‭ ‬‮«‬‭ ‬سيصابون‭ ‬بالحيرة،‭ ‬أما‭ ‬‮«‬Grill‭ ‬House‮»‬‭ ‬فستكون‭ ‬أكثر‭ ‬فهمًا‭ ‬‮«‬لذائقتهم‭ ‬الأجنبية‮»‬‭!‬

هل‭ ‬حقاً‭ ‬انتهت‭ ‬الكلمات‭ ‬العربية‭ ‬الجميلة‭ ‬لتسمية‭ ‬الأماكن‭ ‬تخيلوا‭ ‬حتى‭ ‬المقاهي‭ ‬أصبحت‭ ‬بأسماء‭ ‬غريبة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬Just Coffee‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬تورلاند‮»‬‭ . ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬الأسماء‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬موضة‭ ‬قديمة‭ ‬‮«‬‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم؟‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الشاب‭ ‬يفتخر‭ ‬بزيارة‭ ‬‮«‬Café de roma‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬شرب‭ ‬قهوته‭ ‬في‭ ‬‮«‬مقهى‭ ‬مسعود‭ ‬‮«‬؛‭ ‬فكأنها‭ ‬كلمة‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭.‬

الظاهرة‭ ‬غريبة‭ ‬ومضحكة،‭ ‬وكأن‭ ‬الأسماء‭ ‬العربية‭ ‬عار‭ ‬يجب‭ ‬إخفاؤه‭ ! ‬حتى‭ ‬الأسواق‭ ‬القديمة‭ ‬أصبحت‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬Mall‮»‬‭ ‬و‮»‬Outlet‮»‬‭ ‬كأن‭ ‬سوق‭ ‬‮«‬الجمعة‮»‬‭ ‬و»الخميس‮»‬‭ ‬بُعثا‭ ‬من‭ ‬الرماد‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬Friday Market‮»‬‭ ‬و‮«‬ThursdayBazaar‮»‬‭ ‬ليتناسبوا‭ ‬مع‭ ‬‮«‬روح‭ ‬العصر‮»‬‭!‬

لو‭ ‬هويتك‭ ‬تائهة‭.. ‬ابحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الشعبي‭ ‬تقول‭ ‬جميلة‭ ‬موسى‭ ‬وتتابع‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أصبحنا‭ ‬نشهد‭ ‬موضة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬‮«‬ضائعي‭ ‬الهوية‮»‬،‭ ‬شباب‭ ‬تتداخل‭ ‬عندهم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بكلمات‭ ‬إنجليزية‭ ‬غريبة،‭ ‬تجدهم‭ ‬يقولون‭: ‬‮«‬أوكي،‭ ‬أنا‭ ‬ماشي‭ ‬المول‭ ‬بندير‭ ‬شوبينغ‭ ‬وأكيد‮»‬‭ ‬الشوز‭ ‬كومبليت‭ ‬مع‭ ‬التي‭-‬شيرت‭ ‬هذا‭!‬‮»‬‭… ‬والأكثر‭ ‬طرافة‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬لكنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬يجعلهم‭ ‬‮«‬إنترناشونال‮»‬‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الأفلام‭!‬

أمينة‭ ‬شهاء‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬حكاية‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬انفتاح‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬غير‭ ‬متعمد‭ ‬أحياناً‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬يتابعون‭ ‬‮«‬فلوغرز‮»‬‭ ‬غربيين‭ ‬ويقلدونهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬الأكل،‭ ‬الملابس،‭ ‬وحتى‭ ‬طريقة‭ ‬الكلام‭. ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬شاباً‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬شعبي،‭ ‬لكنه‭ ‬يطلب‭ ‬مشروباً‭ ‬بـ»نايس‭ ‬تاست‮»‬‭ ‬و»فرش‮»‬،‭ ‬وكأن‭ ‬فنجان‭ ‬القهوة‭ ‬المعتاد‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كافياً‭ ‬لطموحاته‭ ‬العالمية‭!‬

وتضيف‭ ‬‮«‬الطريف‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكتشف‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬على‭ ‬وفاق‭ ‬مع‭ ‬‮«‬النسخة‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يحاولون‭ ‬التظاهر‭ ‬بها،‭ ‬فتجده‭ ‬يتحدث‭ ‬بصوت‭ ‬عالٍ‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬عندما‭ ‬يقوم‭ ‬بتصرف‭ ‬غريب‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬عموماً،‭ ‬أنت‭ ‬كرينج‭ !‬‮»‬‭… ‬ليتفاجأ‭ ‬بأن‭ ‬صديقه‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬كلماته‭  ‬فيرد‭ ‬عليه‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬بلله‭ ‬تكلم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تعويج‭!‬‮»‬

وترى‭ ‬أسماء‭ ‬مطير‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬هنا‭ ‬يمشون‭ ‬على‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬كوكتيل‭ ‬الثقافات‮»‬،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يجمعون‭ ‬عادات‭ ‬وثقافات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بلد،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفهموا‭ ‬سياقها‭ ‬الأصلي‭. ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬أنهم‭ ‬يرقصون‭ ‬على‭ ‬الأغاني‭ ‬الغربية‭ ‬دون‭ ‬فهم‭ ‬معانيها‭ ‬وأحياناً‭ ‬تجد‭ ‬شباباً‭ ‬يستمعون‭ ‬إلى‭ ‬الأغاني‭ ‬الأجنبية‭ ‬ويرقصون‭ ‬على‭ ‬‮«‬ترندات‭ ‬‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬توك‭ ‬‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬معانيها‭ ‬وكذلك‭ ‬يرددون‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬الغريبة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬كرينج‮»‬‭ ‬و«ريد‭ ‬فلاغ‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬نرم‮»‬‭ ‬ليكونوا‭ ‬مواكبين

وتتابع‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬ببساطة‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الانبهار‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬أجنبي‭ ‬لنكون‭ ‬‮«‬كول‮»‬‭. ‬بالعكس،‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬‮«‬رائعين‭ ‬‮«‬‭ ‬ونحن‭ ‬متمسكون‭ ‬بثقافتنا،‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تربك‭ ‬المحادثات‭ ‬وتجعل‭ ‬البعض‭ ‬يتوقف‭ ‬لحظات‭ ‬ليحاول‭ ‬استيعاب‭ ‬المقصود‭!‬

وجهات‭ ‬نظر‭ ‬مختلفة‭ ‬

يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬كلمات‭ ‬أجنبية‭ ‬يعكس‭ ‬مرونةً‭ ‬وقدرةً‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬العصر،‭ ‬ويجعل‭ ‬الشباب‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬ثقافات‭ ‬متعددة‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬أحمد‭ ‬جمال،‭ ‬وهو‭ ‬طالب‭ ‬جامعي‭: ‬‮«‬إضافة‭ ‬كلمات‭ ‬إنجليزية‭ ‬في‭ ‬حديثنا‭ ‬اليومي‭ ‬تتيح‭ ‬لنا‭ ‬التواصل‭ ‬بسهولة‭ ‬مع‭ ‬غيرنا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مثل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والأعمال،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬لغتها‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬الإنجليزية‮»‬

تعتقد‭ ‬ليلى‭ ‬العماري‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬ناشطة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬يعكس‭ ‬انفتاح‭ ‬الشباب‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬ثقافات‭ ‬جديدة‭: ‬‮«‬التداخل‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬اليومي‭ ‬يعطينا‭ ‬فرصة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أنفسنا‭ ‬بشكل‭ ‬مميز‭. ‬نحن‭ ‬جيل‭ ‬نشأ‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬متأثرين‭ ‬بعوالم‭ ‬مختلفة‭ ‬ونعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بطرق‭ ‬مبتكرة‭.‬‮»‬

في‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬تتطلب‭ ‬مهارات‭ ‬لغوية‭ ‬متعددة،‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تخدم‭ ‬الشباب‭ ‬بتهيئتهم‭ ‬لسوق‭ ‬عملٍ‭ ‬عالمي‭. ‬يقول‭ ‬يوسف‭ ‬المنصوري،‭ ‬وهو‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬دولية‭: ‬‮«‬مزج‭ ‬الكلمات‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بالعربية‭ ‬يسهل‭ ‬علينا‭ ‬التفاهم‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل؛‭ ‬معظم‭ ‬المصطلحات‭ ‬التقنية‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬اللغة‭ ‬المختلطة‭ ‬مع‭ ‬زملائك‭.‬‮»‬

تعتقد‭ ‬سارة‭ ‬محمد،‭ ‬وهي‭ ‬طالبة‭ ‬في‭ ‬الثانوية،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬أصبحت‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الموضة،‭ ‬وتضيف‭ ‬لمسة‭ ‬‮«‬ستايل‮»‬‭ ‬حديثة‭ ‬للشباب‭: ‬‮«‬التحدث‭ ‬بطريقة‭ ‬كوكتيل‭ ‬أصبح‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الشخصية‭ ‬العصرية،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬إحساسًا‭ ‬بأننا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يعطي‭ ‬انطباعًا‭ ‬بأننا‭ ‬مواكبون‭ ‬لأحدث‭ ‬صيحات‭ ‬الموضة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬للملابس‭.‬‮»‬

‭ ‬لغة‭ ‬تفاعلية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تعتبر‭ ‬عائشة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬مندوبة‭ ‬مبيعات‭ ‬ولها‭ ‬متجر‭ ‬إلكتروني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تجعل‭ ‬المحتوى‭ ‬أكثر‭ ‬جذباً‭ ‬وتفاعلاً‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭: ‬‮«‬تجد‭ ‬الشباب‭ ‬أكثر‭ ‬انجذاباً‭ ‬للمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬مصطلحات‭ ‬أجنبية،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعتبرونه‭ ‬مودرن‭ ‬وكلاس‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬أتكلم‭ ‬بلغة‭ ‬تقليدية‭ ‬تماماً،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬البعض‭ ‬الاهتمام‭.‬‮»‬

شاهد أيضاً

حيثمـــا توجـــد اللغـة يوجـــد الشعــر ..!! 

ربما‭ ‬يُصدم‭ ‬القارئ‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬الشعر‭ ‬الإفريقي‭ ‬أقدم‭ ‬من‭ ‬‮«‬إفريقيا‮»‬‭ ‬نفسها،‭ ‬وأكثر‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *