الإعلام يحتاج لضخ الميزانيات المستمر لينجح في كسب ثقة متابعي
عواطف الطشاني :
» حاورتها : ربيعة أبوالقاسم
» تصوير :إيمان بن عامر
درست الابتدائية في مدرسة الجلاء بناصية شارع ميزران ثم الإعدادية في مدرسة الجلاء الواقعة وسط الشارع نفسه ، وفي طرابلس الثانوية للبنات درست الثانوية، وفي جامعة طرابلس أصبحت طالبة في كلية القانون، وتعددت وظائفها وتنوعت كما يتنوع حضورها و شخصيتها ، فهي تمتلك ابتسامة الطفولة، وحنان الأمومة ، و مطرقة القضاء، وقوة الكلمات حين ترتدي الرداء الأسود، وفي إدارة المؤسسات لها حضور تفاعلي مع كل موظفيها .. عواطف الطشاني في بداية اللقاء سألتها بأي الصفات تفضلين أن تكون بداية الحديث إجابة دون تفكير الأم و كان لها هذا..
أشعر بالارتياح النفسي المطلق
بين جدران بيتي الدافيء
ماذا تعني الأمومة بالنسبة إليك؟
أفتخر بكوني أم، فالأمومة هبة منحها الله للمرأة وحدها، و لايمكن أن ينافسها عليها الرجل، وهي الأقدر على تشكيل أسرة متزنة وتأهيل أطفالها ليكونوا نافعين في المجتمع بتوفيق إلهي محض، لذا أجد نفسي دائماً أبذل قصارى جهدي ليكون أطفالي محور حياتي و اهتمامي الأول و من بعد تأتي وظيفتي و دوري في المجتمع، رغم أن الجميع يعتقد أني شغوفة بالعمل بينما الحقيقة أنا إنسانة «بيتوتية»، بيتي مملكتي الخاصة وأشعر بالارتياح النفسي المطلق عندما يحضنني أطفالي و جدران بيتي الدافيء، فأنسى المكاسب و الشهائد و الأوسمة والتكريم و الوجاهة، كل هذا يتبخر و أنا أستمع لأطفالي و هم يحكون لي أحداث يومهم ، هذه اللحظات اليومية المتكررة تساوي الدنيا عندي و لو الخيار بيدي لاخترت أن أكون أم ثم أم ثم أم و لكنها الاقدار والمشيئة الإلهية .
لماذا اعترضت على دخول ابنتك (الاء) كلية القانون ؟
هي عاطفة الأم من أشفقت عليها و اعترضت بهدوء، وما اعتراضي إلّا بحكم تجربتي، فهذا المجال صعب يحتاج خوض معارك في المحاكم والوسط القضائي والتنازل عن عدة أمور ومباديء، إضافة إلى المعترك السياسي الأشد صعوبة و الخطورة ، حاولت بكل لطف الأمومة إقناعها بأن تتخلى عن فكرتها و الحمد لله اقتنعت و قررت دخول طب الاسنان مع أختها وكان ذلك، بل تفوقت فيه .
ما الغاية من اصرارك على وجودهما معاً في كلية واحدة؟
لأني أريدهما دوماً سنداً لبعضهما ليس كأختين فقط بل حتى رفيقات و صديقات و زميلات تدرسان معا وتذهبان للكلية معا كتابهما واحد مدرجهما واحد ومنهجهما واحد، أريدهما معاً في البيت وعلى الطريق وداخل الجامعة ، لا أريدهما مجرد شقيقتين تجمعهما غرفة نوم ذات سريرين و طاولة أكل والسلام، فالأخت سند للأخت خاصة في وقت اختلطت فيه الأمور و البحث عن صديقة تكون رافداً قوياً و نقياً لا يمكن أن يتحقق إلّا بالأخت الصديقة، و هذا فعلاً ما تحقق بين ابنتيّ، اليوم هما صديقتان وفيتان لبعضهما ، أحيانا يتآمران معاً ضدي وأقبل بهذا التآمر و أسعد به جداً في سبيل بقائهما معاً ، وهو مؤشر لتحقق ما أسعى إليه وأريده .
أين يكمن تأثير دور أمك في حياتك ؟
أمي موجودة في كل تفاصيل حياتي ، بفضلها لم أشعر باليتم و الانكسار بفقدان والدي الذي توفي وعمري 3 سنوات، أمي احتوتنا أنا و إخوتي ال (6) وتحملت كل المسؤوليات على أكمل وجه، و رغم نظرتنا كبشر للايتام نظرة شفقة ، إلّا إن لله كلمته فأينما يوجد اليتيم توجد الرعاية و الحضوة الإلهية، أمي كانت و مازالت مليئة بالعطاء أغدقت علينا كل ما نحتاجه من حنان، ومازالت أمي تجمعنا كإخوة متحابين متماسكين مهتمين ببعضنا، وهذا ما انعكس على حياتي واتخذته منهجا في تربية اطفالي .
دخلت كلية القانون دون رغبة و أكملت دراستك بشغف.. لماذا ؟
صحيح دخلت كلية القانون دون رغبة ، ومن أول سنة تغيرت فكرتي وتفاعلت مع المواد لأن «دكاترتنا» الأجلاء كانوا بارعين في الطرح والشرح منهم الكوني عبودة، عبد الغني رويمض محمد باره فائزة الباشا ومحمد الحراري، كانوا فقهاء في القانون ومحاضراتهم غزيرة بالمعلومات و طريقتهم في العرض و الشرح سلسة و مشوقة لدرجة كنت أنتظر التخرج حتى أدخل أروقة المحاكم و أترافع بكل ثقة مستندة على معلوماتهم ، التي خرجتنا مؤهلين للعمل كمستشارين قانونيين و محامين.
متى كانت أول مرافعة لك ؟ و كيف دخلت أروقة المحاكم ؟
بعد أول من يوم تخرجي وحصولي على قرار قبولي في نقابة المحامين المفيد بأني محامية تحت التدريب، ومن فرحتي توجهت إلى شارع الاستقلال و المقريف و دخلت مكتب المحامين (سليمان الشماخي و بلقاسم ابوالهول) استقبلني المحامي (رستم قرادة) لطلب فرصة عمل وعندما رأى قراري استغرب استعجالي، و وعد بتبليغ الأستاذين بطلبي فانصرفت، وفي ذات الشارع قابلتني لافتة المحامي (عبدالكريم نوري القرقني ..محام لدى المحكمة العليا والمحاكم الليبية) فطرقت بابه وعندما سألني الموظفون عن هويتي؟ قلت بكل ثقة و جرأة (المحامية عواطف الطشاني.. أريد مقابلة السيد القرقني) فأذن لي بالدخول ، حقيقة ذهلت برؤيته كان مهاب الشخصية وقورً، اشتغل وكيل نيابة و قاضياً ورئيس محكمة، تدرج في السلك القضائي بكل مهنية، كان يكتب، توقف عن الكتابة و أشار لي بالجلوس، وطلب ما يفيد بهويتي، وهذا أول درس تعلمته منه واتخذته منهجاً في العمل وقال (كل انسان مشروع مدع إلى أن يثبت صفته) .
كيف كان اللقاء المهيب كما وصفتيه؟
أخبرته بأني لم أعمل في أي مكان من قبل، كانت لحظات اختبار حقيقي بالنسبة لي، مد لي قلماً و ورقات ، وقال بصوت جهوري و رصين اكتبي ما أمليه عليك الآن ، و بعد طباعتها من قبل سكرتيره وتصويب الأخطاء اعتمدها ونسخها من صورتين تسلمت الأصل و الصورة وختمتهما بختم مكتبه ، وضع كل المستندات في ملف القضية المدنية ضد الدولة الليبية لصاحبها (أحمد النايض) تعويض عن عقار، وسلمني إياه و امرني بالاطلاع عليه كاملاً مع حفظ اسم الموكل و التركيز على نقاط قوة المستندات الداعمة للدعوى، و أخذ ورقة كتب فيها و ختمها و سلمني إياها عندما اطلعت عليها وجدت (تفويض من المحامي الأصيل (عبدالكريم القرقني للزميلة المحامية عواطف الطشاني بحضور الجلسة) تفاجأت واختلطت مشاعر الفرح بالرهبة لأن الجلسة في اليوم التالي مباشرة و لا أعرف مكان المحكمة و لا كيفية الدخول ولا توقيت الجلسة، وكأنه قرأ الحيرة على ملامحي فأجاب على حيرتي وشجعني بكلمات كانت و مازالت سندي في مواقف مشابهة في حياتي، و أيقنت أن الثقة في النفس والكلام الواضح و المحدد و الموزون أهم أسس النجاح ، وكالعادة هرعت لأمي التي شجعتني على عدم خذلان ثقة الأستاذ، و بقيت طوال الليل أحفظ و كأني امام القاضي وفي الصباح توجهت للمحكمة، وكلما ذكرت اسم أستاذي (القرقني) أجد الترحيب و التقدير، و ترافعت أمام القاضي وقدمت دفوعي و طلبت حجز الجلسة للحكم ، وعندما أمر القاضي كاتب الجلسة اُكتب (حضرت الأستاذة المحامية عواطف الطشاني بتكليف من المحامي عبدالكريم القرقني) امتلكني شعور لم أعرف كيف أصفه إلى الآن، و لحظة الانصراف وجدت أستاذي ورائي وما حضوره إلّا لدعمي، كان راضياً بما قدمته وقال لي «قبولك محامية في مكتبي يعني التبني الكامل لك» منه عرفني الكثيرون و صنفوني محامية تخرجت من مدرسة القانون والتعامل الإنساني اللبق مدرسة (عبدالكريم القرقني) رحمه الله ، الذي لا يترافع في قضايا مشبوهة، مهما كان المقابل مجزياً، ولا يتسلم أتعابه أو ملف قضية خارج مكتبه ، كان مرجعيتي في الاستشارات القانونية استعنت به عندما دخلت هذا المجال وتأهلت لأكون قريبة من مؤسسات الدولة الثقافية، كان ينصحني بالتريث وعدم قول لا أعلم لتقديم استشارة صحيحة و مثمرة، كان يردد على مسامعي (قبل اعداد صحيفة الدعوي لابد أن أتخيل نفسي بجناح الحجة و الأسندة القانونية و جناح الاستعطاف والإنسانية، و أن تكون المذكرة ممزوجة ببصمتي و مفرداتي الخاصة لأني سأحيلها لكائن له روح
إذا تحدثنا عن الثقافة و المجتمع المدني، كيف كان دخولك إليهما ؟
دخلت هذا المجال عن طريق صديقتي(حليمة الزروق) تعمل في مجمع اللغة العربية كنت وكيلتها في قضية (إرث) ونجحت في كسب الحكم لصالحها ، ذاك المجمع رفيع الطراز لم أكن أعلم بوجوده في ليبيا اطلاقا، كان يترأسه حينها الدكتورالقامة (علي فهمي خشيم) ولأني من عشاق اللغة العربية قدمت طلب فرصة عمل للمدير الإداري الدكتور(الفتحلي) ، وبعد أسبوع أصدر لي الدكتور(خشيم) قرار متعاون كمستشارة قانونية في المجمع ومن خلاله فتحت أمامي أبواب التعاون مع أغلب الجهات التابعة لوزارة الثقافة حينها التي طالب أمينها(المهدي امبيرش) انتقالي للعمل معهم بعد قراءته و إعجابه بصياغة مذكرة قانونية باسم المجمع للثقافة ، لكني رفضت التخلي عن مكان أعشقه تعرفت فيه عن قرب على أدباء وقامات و مدارس ليبية منها علي مصطفى المصراتي، محمد وريث و عمار جحيدر وعلي الصادق حسنين و غيرهم ، و بقيت في المجمع بالتزامن مع الثقافة و مركز بحوث ودراسات الموسيقا العربية برئاسة الموسيقار حسن عريبي 3 محطات ثقافية كنت مستشارها القانوني، وكان لها وقع جميل جداً في نفسي و مخزون مفرداتي.
دخلت المؤسسة العامة للصحافة كقانونية و إعلامية؟
لم أدخل الوسط الإعلامي كاعلامية، بل كمستشار قانوني في مؤسسة الصحافة، و صحيفة مال و اعمال مع الأستاذ فتحي بن عيسى وتقربت من الإعلاميين ، ثم انتقلت إلى امانة شؤون الخارجية بمؤتمر الشعب العام قبل ثورة فبراير بسنتين كنت مستشار قانونياً و مهتمة بملف المنظمات الدولية ومنها حدثت لي نقلة من قطاع الثقافة و السياسات الخارجية والدبلوماسية وحصرت تركيزي علي المجتمع المدني إلى أن قامت ثورة فبراير2011 و شاركت بشكل واضح في تفعيل دور المجتمع المدني.
كيف جاء منصب وكيل وزارة الثقافة؟
دوري و ما اكتسبته من خبرة قانونية و مجتمعية أعتقد أنه وراء ترشيحي لمنصب وكيل وزارة الثقافة والمجتمع المدني في حكومة (زيدان)، وفيها أسست مركز دعم وتأسيس وتنظيم مؤسسات المجتمع المدني، وكان نواة لمفوضية المجتمع المدني في ليبيا، و شكّلت لجنة برئاسة الأستاذة عزة المقهور، و تم إعداد مشروع قانوني بالخصوص، نال موافقة كل الوزراء و رئاسة الحكومة حينها و اعتبرت تلك الموافقة إنجازا كبيرا و من ملامح الدولة المدنية التي نطمح إليها .
لماذا قدمت استقالتك من حكومة علي زيدان ؟
بسبب خلاف بيني و بين الوزير(الحبيب الأمين) وكنت مصرة على الاستقالة رغم رفض الرئيس لها، و أوضحت أسبابي الصحية و رغبتي في استكمال دراستي العليا، وعدت لمدرج جامعة طرابلس و دخلت الامتحانات النهائية و نجحت في تصفية كل المواد و لم يبق إلّا إعداد الرسالة و أهداف الماجستير، وعدت للعمل كمستشارة قانونية في مكتب وزير العدل المستشار صلاح المرغني، و عضو قانوني في لجنة تابعة لوزارة النفط لإعداد مشروع خاص بمؤسسة تنقب عن النفط في بنغازي وكان مشروعاً وطنياً كبيرا حسب اعتقادي، إلى أن جاءت حكومة الوفاق الوطني اشتغلت مستشارة قانونية و إعلامياً في مكتب المستشار الإعلامي للرئيس الأستاذ (حسن الهوني) والذي لا أُنكر دعمه الكبير لي، و توليت إدارة مكتب اللجان الوزارية كذلك.
كيف كان تكليفك برئاسة «قناة الوطنية»؟ وما دور وزيرالاتصال الحكومي(وليد اللافي) فيها؟
تكليفي بمنصب مديرعام شبكة قناة و راديو الوطنية ، يعتبر تحدياً كبيرا بالنسبة لي لكوني لم أشتغل على رأس وسيلة إعلامية من قبل، إضافة إلى ما تعانيه القناة من تعثرات و ما تحتاجه من تطوير في الكوادر والمبني، و لكن الوزير (وليد اللافي) صاحب الخبرة في تأسيس عدة قنوات واطلاقها قال بأنه سيكون سنداً لي ومعي خطوة بخطوة و لن يبخل عن تقديم المشورة المناسبة في الجانب الفني و الاستشاري أما الإداري و القانوني فهو مسؤوليتي ، و هاهي اليوم قناة الوطنية و مكوناتها و كوادرها تظهر في حلة جديدة متطورة تنال استحسان متابعيها.
ماذا تضمنت خطة تطوير الإعلام التي اعتمدتيها؟
هي خطة كاملة لتطوير الإعلام و قناة الوطنية وضعتها لجنة فنية برئاسة الأستاذ (عبدالرزاق الداهش) لم تشجع الإدارة السابقة على تنفيذها، و تسلمتها و اعتمدتها كمديرة عام للقناة و بدأنا في اطلاق البرنامج التطويري القائم على 5 مشاريع تنموية و هي تطوير المحتوى الإعلامي و الصحافي، و تدريب الكوادر الإعلامية، وتطوير الاستوديوهات و إدخال التقنية و كان اهتمامنا الكبير و المستمر هو التدريب ثم التدريب ثم التدريب، لنواكب كل جديد في وقت تغول فيه الإعلام الخاص .
ما العائق الذي مازال تحدياً لك اليوم ؟
تطوير وتكوين الكوادر الوظيفية والصحافية كذلك التكدس الوظيفي من غير المؤهلين وغيرالمتخصصين و تقطع الميزانية، فالإعلام يحتاج لضخ الميزانيات باستمرار لينجح في كسب ثقة متابعيه، من هنا فكرنا في إيجاد بدائل توفر موارد مالية تساعدنا على الاستمرار، رغم أني امرأة تقود هذه المؤسسة ذات 3700 موظف أغلبهم رجال لم أجد صعوبة فيه، بل أعمل بجدية و قراراتي الإدارية حاسمة و جريئة و واثقة من نفسي لإيماني بأن المرتعش لا يقدر على القيادة ، ولأن للتلفزيون تفاصيل و المرأة تهمها جداً تفاصيل التفاصيل، و لابد من ترك بصمتي في قناة الوطنية قبل مغادرتها .