بلغة شعرية غنية ومكثفة، تجمع بين الفصحى البليغة والتعبيرات الشعبية المحلية، وبنية سردية مشوقة تربط التاريخ بالجغرافيا والثقافة وتمزج البحث الأكاديمي بالأسلوب الأدبي في طابع إنساني عميق، ناقش الكاتب والباحث «عبد الفتاح الشلوي»، في كتابه الذي صدر حديثاً (فيضان درنة بين البحر والسدين) تفاصيل الفيضان المدمر الذي ضرب مدينة درنة إثر إعصار «دانييل». مسلطاً الضوء على الأسباب الجيولوجية والطبيعية التي أدت إلى الفيضان، وكذا العوامل البشرية التي ساهمت في تفاقم حجم الكارثة، دون إغفال الكوارث التي واجهتها المدينة على مدار العقود الماضية.
»عبد الفتاح الشلوي
كتــــاب يمــــزج التاريـــخ بالجغرافيــــا والثقافـــــة
الكتاب يحاول تمرير رسائل مبطنة تنقد عدم كفاية التدابير الوقائية أو ردود الفعل الحكومية في مواجهة الكارثة
ينقد الكتاب الحالة الاجتماعية والسياسية التي مرت بها درنة وليبيا بشكل عام، في محاولة لتمرير رسائل مبطنة، تنقد عدم كفاية التدابير الوقائية أو ردود الفعل الحكومية في مواجهة الكارثة، دون الوقوع في فخ التوجيه المباشر أو الخطابية الزائدة.
من الجوانب المهمة في الكتاب تركيزه على القصص الشخصية للناجين والشهود، حيث قام المؤلف بربط الأحداث الزمنية الكبرى بالتفاصيل اليومية لحياة السكان، مما أضفى عليه لمسة إنسانية عميقة. حيث تطرق للحقب التاريخية للمدينة وقدم وصفاً دقيقاً لجغرافيتها، مستخدماً سرداً رفيعاً، وسلاسة في الانتقال بين الحاضر والماضي، بين الأحداث السياسية والتحولات الاجتماعية بطريقة تجعل القارئ يعيش التجربة بنفسه، وبطريقة تجعل من يقرأ يشعر بأن درنة ليست مكاناً جغرافياً، بل كائن حي ينبض بالحياة، يمر بمراحل من النمو والتطور والتراجع، تماماً كما هو الحال مع الإنسان.. من الجوانب المفيدة في الكتاب، أنه قدم مقاربة من شأنها أن تساعد في نقل حجم الكارثة بشكل ملموس، بما تضمنه من تحليلات للأسباب التي أدت إلى الفيضان، إلى جانب العوامل الجيولوجية والهيدرولوجية. وهو ما جعل الكتاب ذو قيمة كبيرة، من ناحية كونه أداة توعية، ووثيقة تاريخية اجتماعية لا تكتفي بالناحية الأدبية فقط.
أثبت الشلوي في كتابه هذا أن الأدب مرآة تعكس أعماق المجتمعات، ويتجاوز حدود المكان والزمان ليكون شاهدا على مراحل التحول والنضج التي تمر بها الشعوب والأمم. حيث يعرف الباحث بإسهاماته المتميزة في مجالات الأدب والتاريخ، والتي يحاول من خلالها، بما تتسم به من تنوع وعمق، استكشاف الهوية الثقافية والتاريخية الليبية.
جدير بالذكر أن أعمال الكاتب تساهم بشكل كبير في إثراء المكتبة الليبية، وتقدم للقارئ الليبي والعربي نظرة معمقة على التاريخ وثقافة ليبيا.