يعتبر قوس ماركوس أوريليوس في مدينة طرابلس القديمة بمنطقة باب البحر من أهم المعالم الأثرية بالمدينة، وهو النصب الوحيد الباقي من المدينة أويا ، الكلاسيكية الذي يمكن مشاهدته اليوم وهو في موقعه الأصلي ، فقد بقي صامداً منذ تأسيسه ويظهر في الخرائط والرسومات منذ القرن السادس عشر حتي اليوم شاهدا على عظمة هذه المدينه وازدهارها .
»الخبير الأثري :رمضان إمحمد الشيباني
نص لاتيني يكشف أن قوس ماركوس بناه مواظن طرابلسي على حسابه الخاص !!
و قـــد أقيــم هذا القوس عند تقاطع الطريقين الرئيسيين فـي مدينة أويا وربما كان في وسط الـســوق الـعامة للـمدينة ” الـفورم ” وللقوس أربع واجهات كل واجهـه تقابل أحد جانبي الـطريقين وتمر طريقان من أسفل الــقوس وتلاحظ أن الــواجهتين الــشمالية الشرقية والـجنوبية الـغربية أكثــر اتساعا مـن الــــواجهتين الآخــرتين للــقوس وله قبــته مــثمنة الأضلاع مــكونة مـن قطـع رخام مـخروطية الشكل متراصة بجانب بعضها الـبعض وتغلق الــقبة من أعلى قطعة رخام مثمنة الــشكل , ومـداخل الـقوس الأربعة مــعقودة مزينة ببعض الأعمدة وتماثيل الأباطرة و منحوثات تصور المؤله أبولو والمؤلهة أثينا الحاميان لمدينة أويا و شعاريهما وهي الخوذة والدرع والرمح والبومة وغصن الزيتون للمؤلهة أثينــا والـقيثارة والــقوس لللمؤله أبولو وكذلك توجد منحوتات خاصة بمؤلهة النصر فيكتوري.
والمنحوتات في القوس من الجانب الشمالي الغربي والـجنوبي الـشرقي متشابهان إلي حد كبير وتتكون كل واجهة من مدخل معقود مزخرف جميل وعلـى جـانب كل مـدخل دعامات عليها مـنحوتات لبعض الأسـرى مـن الـسكان المحليين وفـي زاوية القوس يوجد نحت يصور مؤله الموسيقى أبولو يقود عجلة يجرها اثنان من الجريفين المجنح وهو ( مخلوق اسطوري له جسم أسد ورأس نسر وقد كرس قديما لعبادة المؤله أبولو ) وتحتها شعارات هذا المؤله وهي الـقيثارة والـقوس وغصن الـغار ويقابل هذا النحت مـن زاوية الـمدخل الأخـرى نـحت لمؤلهة الحكمة مـينيرفا تركب عجلة يجرها اثنان من الاسفنكس ” أبـوالهول الـمجنح ” وهو أيضا ( حيوان أسطوري مجنح بجسم أسد أو لبوة ورأس إمراءة ويعني بالاغريقية الخانقة اذا يروي عنها سكان طيبة اليونانية أنها كانت تعترض المسافرين وتلقي عليهم الالغاز والاحاجي ومن يعجز في حلها تبادر في خنقه ) وأسفل هذا النحت نجد شعارات للمؤلهة مينيرفا وهي الــخوذة وفوقها البومة والدرع والرمح وغصن الزيتون.
ونرى في الإفريز الرخامي الذي يعلو المنحوتات المذكورة نقش كتابي باللغة اللاتينية يوضح مراسم تكريس القوس للامبرطورين الأخوين بالتبني: ماركوس أوريليوس ولوكيوس فيروس.
وفيما يلي نصه:
“إلى الإمبراطور قيصر ماركوس أوريليوس أنطونينوس أوغسطس، أبي الوطن
والامبراطور قيصر لوكيوس أوريليوس فيروس أوغسطس، المنتصر على أرمينيا.
سيرفيوس كورنيليوس {سكيبيو سالفيدينوس أورفيوس} البروقنصل، بالاشتراك مع آتيديوس مارسيللوس مساعده الخاص “للمجلس السينتوري”، قاما بمراسم تكريس هذا القوس،
والذي بناه كايوس كالبورنيوس سيلسوس:
القيم على الأعمال العامة،
والراعي لإحدى العروض الفنية الشعبية،
وأحد القاضيين “الدومفير” لمدة خمسة أعوام،
وكاهن الشعلة الخالدة.
قيام أهل طرابلس بتحويل القوس إلي مسجد مكَّن أهل المدينة من افشال محاولة هدمه وأخذ رخامه لإعادة استعماله في بنايات جديدة
لقد بنى هذا القوس على حسابه الخاص على أرض من الأملاك العامة وأكمله بالرخام الخالص.”
لقد صرح هذا النقش اللاتيني الخالد بأن القوس قد بناه مواطن طرابلسي من مدينة “أويــــا” موظف في المجلس البلدي للمدينة تدرج في أهم مناصب الوظيفة العامة كما هو موضح أعلاه ولكنه أراد أن يقوم ببناء هذا القوس على حسابه الخاص.
وقد انتزع هذا النص من قبل الانجليز عند إحتلالهم لمدينة طرابلس سنة 1943م وتم إهدائه الي المتحف البريطاني بلندن ولازال هناك .
ومــن الـجدير بالـذكر أن بـعض الـرحالة الـعرب ذكروا الـقوس عندما مروا بـمدينة طرابلس مثل الـرحالـة الـمغربــي الـعبـدري الــذي مـر بـــمدينة طـرابلس سنــة 1289 م وهو في طريقه الي الحج ويصفه وصفا يدل على عمق إعجابه به فيقول “… قبة بباب البحر من بناء الاوائل في غاية الاتقان ونهاية الاحكام مبنية من صخور منحوتة في نهاية العظم منقوشة بأحسن النقش مرصوفة بأعجب الرصف متماثلة المقدار علويها وسفليها ولاملاط بين الصخور من طين وغيره ومن العجيب ترتيب تلك الصخور ورصفها في الاساس فضلا عن رفعها الي السقف ووصولا الي هناك مع إفراط عظمتها وفي مقعد القبة صخرة مستديرة منقوشة يحار الناظر في حسن وصفها وعلى القبة قبة اخرى عالية ومباني مرتفعة ورأيت للقبة السفلى بابا مسدودا وعليه من خارجها صورة أسدين قد اكتنفاه مصورين من تلك الصخور بإبدع صنعة وأغربها وهما متقابلان على الباب وفي كل واحد منهما صورة لجام أمسك بعناية شخص واقف وراءه وقد منعه أشد المنع …” وبعد العبدري يقوم الـــرحالة التيجــــاني1307 م بوصفه للقوس اذ يقول بأنه “… مبنى من المباني القديمة العجيبة وهو شكل قبة من الرخام المنحوت المتناسق الاعالي والتحوت التي لا تستطيع المئة نقل القطعة الواحدة منها قامت مربعة فلما وصلت السقف ثمنت على أحكام بديع واتقان عجيب صنيع وهي مصورة بأنواع التصاوير العجيبة نقشا في الحجر وقد بني عليها الان مسجدا يصلى فيه وأخبرت بأن ذلك كان لان بعض الكبراء حاول هدمها وأخد رخامها وعلى بعض قطعها من الجهة الشمالية أسطر مكتوبة بخط رومي ….”
ان قيام أهل طرابلس بتحويل القوس الي مسجد كان القصد منه منع هولاء الكبراء من هدمه وأخد رخامه وإعادة إستعماله في بنايات جديدة وبذلك أمكن أهل المدينة من إفشال تلك المحاولة والحفاط على هذا المعلم التاريخي الذي ارتبط بتاريخ مدينتهم وذكــره كذلك بعض الأوربيين أثناء وجودهم وإقامتهم بالمدينة .
استعمالات القوس
فكما اشرنا الي القوس دشن سنة 163م تكريما للامبراطورين ماركوس أوريليوس ولوكيوس فيروس ليكون قوس نصر تخليدا للانتصارات التي تحققت على البارثيين وقد استخدم في ذلك الوقت لتوسطه الشارعين الرئيسيين في المدينة لمرور العربات وانقطعت الاخبار عن استعمالاته الي ان وصفه الرحالة التيجاني 1307 والذي يشير الي ان اهل طرابلس بنوا به مسجد يصلون به.
والجراح الفرنسي الاسير جيرارد سنة 1668 يقول بأن كل جوانبه سدت واستخدم مخزن لحفظ اشرعة السفن وحبالها وشباك البحارة .
والانسة توللي 1783 تقول بأنه بنيت داخله دكاكين وحوانيت.
والرحالة الانجليزي ليون 1818 قال بأنه استعمل كمخزن .
والرحالة الالماني 1846 يذكر بأنه استخدم كحانة لبيع الخمور . واستمر بهذا الشكل حتى سنة 1896 عندما استغل كمطعم يديره شخص يوناني وعاد في سنة 1898 الي نشاطه الاول كخمارة لبيع الخمور وفي سنة 1901 كملهى ليلي وفي سنة 1906 اصبح حانوتا للبقالة .
وفي بداية الاستعمار الايطالي استغل كدار للخيالة ( السينما ).
لإبراز الأثر الروماني السلطات الايطالية ضحت بعديد المباني العربية والإ سلامية المحيطة بالقوس
أعمال الحفر والتنقيب بالقوس :
قامت السلطات العسكرية الايطالية بشراء القوس وجزء من محيطه من عائلة القرقني في 23/2/1912م لانه كان ملكا لهم وقد قامت بإخلاء المتاجر الملتصقة بالقوس وشرعت في إزالتها وبدأت بأعمال الحفر والتنقيب وانتهت في شهر 7/1918م .
وقام فيما بعد بترميم القوس عالم الاثار (جياكومو كابوتو) والمعماري (فاوستو) سنة 1937م
كانت العديد من الاراء قد برزت في تلك الفترة تطالب بالتوسع في عمليات الهدم والازالة للمنطقة المحيطة بالقوس حتى يضمن بيئة مناسبة جديرة بإبرازه وتوضيح معالمه المميزة وكان ذلك يتطلب التضحية بمجموعة من المباني العربية الاسلامية التي أكسبت مدينة طرابلس هويتها العربية الاسلامية وماكان هم الايطاليين الا إبراز ذلك الاثر الروماني وإزالة العديد من معالم طرابلس لسلخها من هويتها ويجب أن نشير هنا الي أن صوت ايطالي هو صوت فرانشيسكو كورو ارتفع من بين الاصوات التي نادت للدفاع عن تلك المباني لافتا النظر الي أهميتها وضرورة الحفاظ عليها .
وبالرغم من أهمية مدينة أويا هي وشقيقاتها لبدة وصبراته الا اننا لانرى في مدينة أويا مانراه في لبدة وصبراته من معالم معمارية مميزة مثل المسارح والمعابد والحمامات وغيرها من مكونات المدن الرومانية والسبب الرئيسي يرجع الي أن مدينة طرابلس كانت دائما حاضرة في كل المراحل التاريخية التي مر بها اقليم المدن الثلاث فقد بنيت على أنقاض بعضها الي يومنا هذا ومن هنا نجد أن قوس ماركوس أوريليوس يعتبر من أهم الشواهد المعمارية المميزة الذي يعطي انطباع مهم على عظمة مدينة أويا وأزدهارها وقد أصبح من المزارات الرئيسية لاي سائح يزور المدينة وقد سجل مؤخرا كمعلم تراث عالمي بمنظمة الايسيسكو .