الرئيسية / الرئيسية / التاريخ الطبيعي للفشل (1)

التاريخ الطبيعي للفشل (1)

د. الصديق بودوارة 

لا‭ ‬داعي‭ ‬لكتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬طبيعي‭ ‬للنجاح،‭ ‬لأن‭ ‬النجاح‭ ‬يكتب‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه،‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يدونه‭ ‬أو‭ ‬يدون‭ ‬عنه،‭ ‬لنهتم‭ ‬إذن‭ ‬بالفشل،‭ ‬فهو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يتوارى‭ ‬دائماً‭ ‬خلف‭ ‬الأسباب،‭ ‬ويتدثر‭ ‬بالحجج،‭ ‬ويتستر‭ ‬بالأعذار‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنال‭ ‬منه‭ ‬سهام‭ ‬النقد،‭ ‬ثمة‭ ‬ميزة‭ ‬أخرى‭ ‬لهذا‭ ‬الكائن‭ ‬المراوغ،‭ ‬إنه‭ ‬طويل‭ ‬العمر،‭ ‬واسع‭ ‬الانتشار،‭ ‬يتكاثر‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬دود‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬الاعتذار‭ ‬للدود‭ ‬فهو‭ ‬مخلوق‭ ‬مفيــــد ‭ ‬للتربـــــة‭ ‬على‭ ‬أقـــل‭ ‬تقدير‭. ‬

دعونا‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬التشخيص‭ ‬من‭ ‬سطره‭ ‬الأول،‭ ( ‬ربما‭ ‬أعتذر‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬«تشخيص»،‭ ‬لأني‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬أشخص‭ ‬مرضاً،‭ ‬بل‭ ‬أكتب‭ ‬تاريخاً‭ ‬لفعل (محدد)‭،‭

وسوف‭ ‬نكشف‭ ‬أولاً‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬كلمة‭ ‬»الفشل»‭ ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬لنعرف‭ ‬أن‭ ‬الفشل‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬فعلاً‭ ‬فهو«فشل »،«يفشل »،مصدرهما فشل ،و(فشل الرجلُ لحيته )، أي «نفشها».ونفش الشي يعطيه دائماً أكبر من حجمه  الأصلي ،ألا يذكركم هذا بما يفعله الفاشلون وهم يضخمون ذواتهم على عكس ما هي عليه في الأصل …؟

أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬اسماً‭ ‬فهو‭ ‬بمعنى‭ ‬الخيبة‭ ‬وعدم‭ ‬تحقيق‭ ‬المأمول،‭ ‬وهو‭ ‬((فشل))‭ ‬بمعنى‭ ‬ضعف‭ ‬وتراخٍ‭ ‬وكسل‭. ‬والرجل‭ ‬الفشل‭ ‬هو‭ ‬الرجل‭ ‬الضعيف‭ ‬الجبان‭.. ‬والشاعر‭ ‬يقول‭: ‬

‭ ‬وقد‭ ‬أدركتني‭ ‬والحوادث‭ ‬جمة‭ ‬

‭.                                                                       ‬أسنة‭ ‬قوم‭ ‬لا‭ ‬ضعاف‭ ‬ولا‭ ‬فشل‭.‬

‭ ( ‬وتروى‭ ‬أيضاً‭: ‬اولا‭ ‬عزل‭ ) ‬

أما‭ ‬اعلي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالبب‭ -‬كرّم‭ ‬الله‭ ‬وجهه‭-  ‬فيقول‭ ‬مخاطباً‭ ‬أبا‭ ‬بكر‭ ‬الصديقب‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- : ((‬كنت‭ ‬للدِّين‭ ‬يَعْسُوباً‭. ‬أَولاً‭ ‬حين‭ ‬نفر‭ ‬الناسُ‭ ‬عنه،‭ ‬وآخِراً‭ ‬حين‭ ‬فَشِلوا‭. ))‬،‭ ‬وفي‭ ‬محكم‭ ‬التنزيل‭ : (( ‬وَلاَ‭ ‬تَنَازَعُوا‭ ‬فَتَفْشَلُوا‭ ‬وَتَذْهَبَ‭ ‬رِيحُكُمْ‭ )). ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬بكسر‭ ‬الفاء‭ ‬وتسكين‭ ‬اللام‭ ‬فهو‭ ‬افِشل‭ ‬بمعنى‭ ‬استر‭ ‬الهودج،‭ (‬الذي‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬الجمل‭ )‬،‭ ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬شيء‭ ‬كالبساط‭ ‬يوضع‭ ‬لتجلس‭ ‬عليه‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬هودجها‭. (‬يستحق‭ ‬الفشل‭ ‬إذاً‭ ‬أن‭ ‬نجلس‭ ‬عليه‭ ‬لعلنا‭ ‬نكتم‭ ‬أنفاسه‭ ‬فنستريح‭) .‬

إن‭ ‬الفشل‭ ‬يبدو‭ ‬ناجحاً‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬القواميس،‭ ‬فهو‭ ‬غني‭ ‬في‭ ‬مفرداته‭ ‬وصفاته‭ ‬وتعدد‭ ‬أشكاله‭ ‬وتنوع‭ ‬صيغه،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬محتوى‭ ‬لا‭ ‬يغادره،‭ ‬فهو‭ ‬مفردة‭ ‬تفيد‭ ‬دائماً‭ ‬بناحية‭ ‬سلبية،‭ ‬وهو‭ ‬دائماً‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ستر،‭ ‬إلى‭ ‬غطاء‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يظهر،‭ ‬وإذا‭ ‬ظهر‭ ‬جلياً‭ ‬لا‭ ‬خوف‭ ‬ولا‭ ‬حياء،‭ ‬فهو‭ ‬نذير‭ ‬بأن‭ ‬المجتمع‭ ‬قد‭ ‬أصيب‭ ‬بوباء‭ ‬عام،‭ ‬فالمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يتجول‭ ‬فيه‭ ‬الفشل‭ ‬عارياً‭ ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬فاشل،‭ ‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬للمجتمع‭ ‬إذا‭ ‬فشل‭ .‬

ولعل‭ ‬تعدد‭ ‬مفرداته‭ ‬دون‭ ‬تعدد‭ ‬معانيه‭ ‬يؤكد‭ ‬ثبات‭ ‬طبيعته‭. ‬فهل‭ ‬اكتفينا‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬به‭ ‬القواميس؟‭ ‬اسمحوا‭ ‬لي‭  ‬إذن‭ ‬أن‭ ‬أعرض‭ ‬لكم‭ ‬بقية‭ ‬المشهد‭ ‬لعلنا‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬فشل،‭ ‬ولعل‭ ‬الفشل‭ ‬نفسه‭ ‬يرق‭ ‬لنا‭ ‬قلبه‭ ‬فيرحل،‭ ‬هذا‭ ‬لو‭ ‬اتفقنا‭ ‬أن‭ ‬للفشل‭ ‬قلباً‭.‬

شاهد أيضاً

أول مصممة أزياء ليبية ذاع صيتها في العالم

ربيعة بن بركة   »حاورتها :عبير المحجوب  أجهز لعودة قوية وأول عروضي ستكون في طرابلس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *