حوار مع الشاعر والروائي ‘‘عبدالحفيظ العابد’’:
» إشراف : مصطفى حمودة
واحد من الشعراء والروائيين البارزين في ليبيا. يتميز بقدرته على التقاط تفاصيل الواقع المحلي وتحويلها إلى لوحات شعرية وروائية تجذب القارئ وتعكس عمق المجتمع وتحولاته، عبر صوت يتجاوز الأطر التقليدية ويحاول بناء عالمه الأدبي الخاص.
بدأ رحلة الإبداع شاعراً، ثم وجد في الرواية مساحة واسعة للتعبير عن حدود تجربته الشخصية وصوغ تصورات أكثر عمقاً عن الإنسان والحياة، ليثمر دأبه رواية «اسليمة» التي أخذت شهرة محلية وعربية واسعة، بعد ترشحها إلى القائمة الـ(9) لأفضل الأعمال المشاركة في جائزة «كتارا» للرواية العربية.
جاء حوارنا مع «العابد» مشبعاً بالصدق والتأمل، ونابضاً بفهم عميق لتناقضات الإنسان، وللكتابة بوصفها كشفاً يتجاوز حدود الجماليات التقليدية. في هذا اللقاء نكتشف عوالم الكاتب الأدبية، وملامح من تجربته الإبداعية، والتحولات التي دفعته للانتقال من نظم الشعر إلى السرد الروائي. نستعرض فلسفته في الكتابة، وموقفه من القارئ، ورؤيته للواقع الثقافي الليبي.
تحولت من الشعر إلى الرواية.. لأنّ الرواية جنس يتسع
للشعر وغيره دون أن يتخلّــى الشاعـــر عن لغتــه الشعريــــة
حوار: مصطفى علي
وهذا نص الحوار:
الليبية: متى وكيف بدأت رحلتك مع عالم الكتابة؟ وهل هناك لحظة معينة ألهمتك للكتابة؟
عبدالحفيظ العابد: بدأت الكتابة أواخر تسعينيات القرن الماضي. بدأتُ شاعراً يقتفي حوافر الشعراء من قبله، كأية تجربة شعرية ناشئة تأنس بنار الشعر المتقدة في الذاكرة لتجوب عتمة المعنى.
كل اللحظات هي داخلية؛ الشعر استجابة لتحولات الذات، وعندما يحين موسمه يفيض حبراً، يغزو شساعة الورق.
الليبية: هل ترى نفسك شاعراً أم روائياً؟ وأي منهما يجعلك قادراً على التعبير بشكل يرضي تطلعاتك؟
عبدالحفيظ العابد: الحكم موكول للقارئ، لكنّي تحولت من الشعر إلى الرواية؛ لأنّ الرواية جنس يتسع للشعر وغيره، فتتيح للشاعر أن يكتب نصاً سردياً يُموضع فيه ذاته دون أن يتخلّى عن لغته الشعرية. لأنها، أي الرواية، تنهض على تعدد المستوى اللغوي. إنها براح أوسع، وهذا ما قد يفسّر اقتراب قصيدة النثر من مناطق السرد وتوظيف بعض تقاناته.
الليبية: ما هي القضايا التي تحاول طرحها عبر أعمالك الشعرية؟ وهل لديك رسائل معينة تريد إيصالها من خلالها؟
عبدالحفيظ العابد: الإنسان هو محور كل القضايا؛ الإنسان في بعده الآدمي البشري، لا في بعده المثالي الأخلاقي. الإنسان في تناقضاته، الإنسان الذي يظلّ متسخاً بطين الخطيئة رغم كلّ الماء المسفوح عليه.
النص الإبداعي يقدّم رؤى في الإنسان والحياة والكون، وليس معنياً بتقديم خطاب أخلاقي. فالرسائل، إن وجدت، فهي مبطّنة.
الكتابة تضع المجتمع في مواجهة عيوبه التي يرفض الاعتراف بها
الليبية: حدثنا عن التحديات التي واجهتها ككاتب في مسيرتك، وكيف تغلبت عليها؟
عبدالحفيظ العابد: التحديات كثيرة، انطلاقاً من تحديات الذات في ركونها إلى الكمون والكسل؛ لأن الكتابة عمل شاق، زاده القراءة والسؤال لاكتشاف جوانب جديدة في الذات والحياة. وصولاً إلى التحديات الخارجية المرتبطة بالنشر ودوره الذي يمارس سلطة قمعية على الكاتب، إما بالتجاهل أو الاستغلال.
الليبية: ما الشعور الذي خالجك بمجرد وصول روايتك «اسليمة» إلى قائمة الـ(9) لأفضل الأعمال المشاركة في الدورة الـ(10) لـ»جائزة كتارا للرواية العربية»؟ وهل كنت تتوقع هذا الترشيح؟
عبدالحفيظ العابد: كنتُ في فورة فرحي لأنّ «اسليمة»، الغائصة في محلّيتنا الليبية، استطاعت أن تلفت انتباه القارئ العربي. في الحقيقة، لم يكن توقّعاً محضاً، كان توقّعاً ممزوجاً بالتمنّي.
الأدب منحاز للإنسان، بعيداً عن توجهاته.
إنه يتخذ من المشترك الإنساني قيمته الرئيسة، ولذلك ينبغي له ألا يكون خطاب كراهية.
الليبية: ترشيح الأعمال الليبية في الجوائز العربية والدولية، هل ترى أنه يساهم في إضاءة الأدب المحلي ويدفع به إلى الواجهة؟
عبدالحفيظ العابد: بالتأكيد. القارئ النمطي مسكون بالجوائز، وليس لديه الوقت ولا الرغبة لاكتشاف الأعمال المهمة بنفسه. والثقافة، مثل أنماط كثيرة من الحياة، صارت «ترنداً»، وأمزجة القراء في الغالب يتمّ التحكّم فيها وتوجيهها. ولذلك، لابد للكاتب كي يدخل دائرة الضوء أن يدفع بأعماله للجوائز المهمة.
الليبية: ما هو الدور المنتظر أن يلعبه الأدب في توعية المجتمع؟
عبدالحفيظ العابد: أولى خطوات الوعي هي الفضيحة؛ أن يفتضح الأدب ما تواريه سلطة المجتمع الذي يعيش على كذبة التعافي والمثالية الأخلاقية. الكتابة تعرّي، لا بهدف التعرية، وإنما لكي تضع المجتمع في مواجهة عيوبه التي يرفض الاعتراف بها.
لابد للكاتب كي يدخل دائرة الضوء أن يدفع بأعماله
للجوائز المهمة
الليبية: هل ترى الأدب يحقق هذا الدور اليوم؟
نعم، الكتابة السردية والشعرية في ليبيا تلتفت بشكل كبير لليومي والهامشي لتضعه في متن الاشتغال الإبداعي. فهي بذلك تسهم في خلخلة الوعي السائد، حتى وإن قوبلت بالرفض والإقصاء، لكنها على الأقل قدّمت هذا المجتمع عارياً أمام مرآته.
الليبية: كيف ترى دور الأدب في التعبير عن الأزمات والصراعات التي يمر بها المجتمع الليبي؟ وكيف يمكنه أن يكون أداة فعّالة للسلام؟
عبدالحفيظ العابد: الأدب منحاز للإنسان، بعيداً عن توجهاته. إنه يتخذ من المشترك الإنساني ثيمته الرئيسة، ولذلك ينبغي له ألا يكون خطاب كراهية.
الليبية: كيف تنعكس الأحداث السياسية والاجتماعية على أعمالك الأدبية؟
عبدالحفيظ العابد: الرواية نمذجة للواقع، ولذلك تتخذ من الأحداث السياسية والاجتماعية مرجعاً لها لابتناء متخيّلها السردي. لكنها، وبخلاف التاريخ، معنية بالهامش، بالإنسان المعذّب لا بالساسة. إنها تجعل الهامش متناً، فيخبو بريق السياسي ويصبح مثل الخلفيات الديكورية تتحرّك أمامها شخصيات هامشية وعادية جداً.
الليبية: كيف يمكن وصف واقع الحراك الثقافي في بلادنا حاليًا؟ وهل تراه في تقدم أم أنه يعاني من تحديات؟
عبدالحفيظ العابد: الواقع الثقافي الليبي متقدّم جداً على مستوى كتابة النص، ومتأخّر على مستوى الإشهار والنشر والتسويق. ولهذا، أغلب التجارب التي حقّقت نجاحات كانت نجاحات فردية خارجية، لم تسهم أية مؤسسة حكومية أو مدنية فيها.
الليبية: هل لديك مشاريع جديدة مرتقبة؟
عبدالحفيظ العابد: أُحضر الآن لعمل روائي جديد.