مدينـــة غدامـــس القديمـــة هـــي نمـــوذج فريـــد للتجمعـــات ً الحضريـــة والعمـــارة الصحراويـــة، حيـــث تعكـــس تفاعـــلاً بشـــريا مذهـــلاً مـــع الظـــروف البيئيـــة القاســـية.. تقـــع المدينـــة فـــي منطقــة مــا قبــل الصحــراء الليبيــة، بيــن بحــر الرمــال الأعظــم وهضبـــة الحمـــادة الحمـــراء الصخريـــة.. غدامـــس، هـــذه الجوهـرة المختبئـة فـي قلـب الصحـراء الليبيـة، ليسـت مجـرد مدينـــة، بـــل هـــي كائـــن حـــي ينبـــض بالحيـــاة، يجمـــع بيـــن ٍ تاريــخ ٍ غنــي ومســتقبل واعــد. فــي كل زاويــة منهــا، حكايــة ُ ٍ شــع بإشــراق لا مثيــل تنتظــر مــن يكتشــفها، وروح المدينــة ت لــه، تجعــل كل زائــر يشــعر وكأنــه دخــل فــي مغامــرة تاريخيــة ُنســـى..غدامس مدينـــة ذات تاريـــخ عريـــق وأهميـــة لا ت اقتصاديـــة كبيـــرة. موقعهـــا الاســـتراتيجي جعلهـــا بوابـــة ً للتجـارة ونقطـة عبـور بيـن المـدن السـاحلية الصحـراء ومركـزا فـــي شـــمال أفريقيـــا والأســـواق فـــي أفريقيـــا
کانـــت غدامـــس معروفـــة بتنظیـــم القوافـــل التجاریـــة الصحراویـــة وأداء دور الوســـیط التجـــاري بیـــن الموانـــئ المتوســـطیة والأســـواق الأفریقیـــة. وظهـــرت أهمیـــة میـــاه عیـــن الفـــرس فـــي نشـــأة المدینـــة وتطویـــر نظـــام ري دقیـــق یخـــدم الســـکان. ً بعـــدة مســـمیات مثـــل ُعرفـــت غدامـــس قدیمـــا عدیمـــس، ســـیدامة، کیدامـــوس، کیدامـــي، وغدامـــس، ومدینـــة الجلـــود والنحـــاس.
غدامس القديمة ُ
ذکـــر المـــؤرخ نقـــولا زیـــادة أنـــه عثـــر فـــي غدامـــس علـــی آثـــار مـــن العصـــور الحجریـــة القدیمـــة والحدیثـــة، ُ وهـــذا یعنـــي أنهـــا ســـکنت قبـــل نحـــو 12000 ســـنة، ً لکـــن تاریـــخ بنـــاء المدینـــة أو الواحـــة لا یـــزال مجهـــولا. وقــد تمیــزت المدینــة بوجــود ثقافــات العصــر الحجــري مـــن الفتـــرة 1300-3500 ق.م، ویمکـــن رؤیـــة ذلـــك فـــي بعـــض الشـــواهد الموجـــودة بالمدینـــة مثـــل رســـم
لحیوانــات مــا قبــل التاریــخ بمقبــرة قنجــة، و بمنطقــة الســـانیات، بالإضافـــة إلـــی لـــوح غدامـــس الـــذي أشـــار إلیــه أریــك بیتــس فــي کتابــه «اللیبیــون الشــرقیون» عـــام .1905 ُجریـــت دراســـة جیوفیزیائیـــة هیدروجیولوجیـــة لعیـــن أ الفـــرس بغدامـــس مـــا بیـــن عامـــي 2003-2002 مـــن قبــل برنامــج الأمــم المتحــدة الإنمائــي، ووجــد أن عمــر الخـــزان الجوفـــي، أي الخـــزان الأوســـط طبقـــة نالـــوت الجیولوجیـــة، یعـــود إلـــی 16,900 ســـنة، وعمـــر الخـــزان الســطحي 4000 ُ ســنة. عرفــت العیــن بعــدة مســمیات، مثــل عیــن بلــد غدامــس فــي دفاتــر وســجلات العیــن، ُ کمـــا عرفـــت باســـم «غســـوف» فـــي لهجـــة غدامـــس المحلیـــة، واشـــتهرت باســـم «عیـــن الفـــرس» نســـبة إلـــی أســـطورة العیـــن. الفترة الرومانية هـــزم لوســـیوس کورنیلیـــوس بالبـــوس الأصغـــر LUcius cornelius balbus the younger (الجرمنـت، وهـم شـعب بربـــري صحـــراوي، فـــي عـــام 19 قبـــل المیـــلاد وأســـس حامیـــة رومانیـــة فـــي غدامـــس. أطلـــق علـــی المدینـــة اســـم ســـیداموس (Cydamus(، وأصبحـــت الحامیـــة الرومانیـــة دائمـــة تحـــت إدارة حکـــم ســـبتیمیوس ســـیفیروس (septimius severus (کمرکـــز متقـــدم بقـــوات مـــن الفیلـــق الأوغســـطي الثالـــث (III Legio Augusta(. فـــي العصـــر البیزنطـــي (القرنیـــن الرابـــع والخامـــس)، أصبحـــت ســـیداموس
(Cydamus (أســـقفیة بهـــا کنیســـة وأســـقف.
بقايا الآثار القديمة –
قصـــر مقـــدول: یقـــع غـــرب ســـور المدینـــة، ویتمیـــز ُ بتصمیمـه الدائـري وبابـه المخفـي الـذي کان یسـتخدم ُ للمراقبــة. یعتقــد أن الإمبراطــور الرومانــي کــرکلا بنــی هـــذه الحصـــون فـــي مدینـــة غدامـــس لتأمینهـــا مـــن الهجمـــات الجرمانتیـــة.
آثار تمسمودين:
تقـــع فـــي الجانـــب الجنوبـــي الغربـــي مـــن المدینـــة. هـــذه الآثـــار قدیمـــة، ومـــع ذلـــك، یوجـــد بعـــض العلمـــاء الذیـــن یعتقـــدون أنهـــا تنتمـــي إلـــی الحضـــارة الجرمانتیـــة التـــي کانـــت ســـائدة فـــي جنـــوب لیبیـــا ً لفتــرة مــن الزمــن قبــل وصــول الرومــان، ویعتقــد أیضــا بأنهـــا آثـــار محلیـــة. أجریـــت العدیـــد مـــن الدراســـات علـــی هـــذه البقایـــا، وتوجـــد تفســـیرات مختلفـــة حـــول طبیعتهـــا. والکثیـــر یعتقـــد أنهـــا أضرحـــة برجیـــة ً نظـــرا لوجـــود جماجـــم تحتهـــا، وقـــد تکـــون جـــزء مـــن المنظـــر الجنائـــزي والمدافـــن الســـائد فـــي منطقـــة مـــا قیـــل الصحـــراء. تظـــل هـــذه الآثـــار شـــاهدة علـــی التاریـــخ المعقـــد والغنـــي للمنطقـــة، وتســـتمر فـــي إثـــارة الفضـــول والدراســـات بیـــن الباحثیـــن والمؤرخیـــن
غدامس في العصر الإسلامي ُ
یقـــال إن غدامـــس فتحـــت ثـــلاث مـــرات: قیـــل إنهـــا ُفتحــت ســنة 24هــ بســریة بعثهــا عمــرو بــن العــاص، ُ وقیـــل فتحـــت ســـنة 42هــ بقیـــادة عقبـــة بـــن نافـــع، وفـــي قـــول آخـــر إن عبـــد االله بـــن أرطـــة هـــو الفاتـــح. قـد فتحهـا عقبـة مرتیـن، الأولـی حوالـي سـنة 42هــ،
والثانیـــة ســـنة 49هــ. مـــع الفتـــح الإســـلامي لشـــمال ً ً هامـــا. ً أفریقیـــا، أصبحـــت غدامـــس مرکـــزا إســـلامیا تأثـــرت المدینـــة بالعمـــارة الإســـلامیة وشـــهدت بنـــاء المســـاجد والمکتبـــات. بفضـــل موقعهـــا الاســـتراتیجي، اســـتمرت کمرتکـــز تجـــاري رئیســـي بیـــن شـــمال وجنـــوب الصحـــراء الکبـــرى، وجذبـــت العلمـــاء والتجـــار مـــن مختلـــف الأنحـــاء.
الفترة العثمانية
الفتـــرة العثمانیـــة (1905-1840): خـــلال القـــرن الثامـــن عشـر، کانـت غدامـس تحـت سـیطرة الدولـة العثمانیـة، ً للقوافـــل التجاریـــة ونقطـــة وأصبحـــت مرکـــزاً مهمـــا للتجـــارة بیـــن الحواضـــر الإفریقیـــة. تعتبـــر غدامـــس واحـــدة مـــن أهـــم مـــدن شـــمال أفریقیـــا التـــي لعبـــت ً فـــي تلـــك الفتـــرة، حیـــث کانـــت ً ُ مهمـــا دوراً تجاریـــا الصحـــراء الکبـــرى محطـــة للقوافـــل التـــي تمـــر عبرهـــا.
فترة الاستعمار الإيطالي (1943-1924)
بعـــد طـــرد المجاهدیـــن اللیبییـــن للجیـــش الإیطالـــي مـــن غدامـــس فـــي ،1915 عـــاد الإیطالیـــون فـــي 1924 بقیـــادة الرائـــد فولبینـــي (Battista Giovan Major Volpini(. اجتمـــع أهالـــي غدامـــس وقـــرروا عـــدم المقاومـــة بســـبب قلـــة العـــدد والســـلاح. عندمـــا وصـــل الجیـــش الإیطالـــي، دخلـــوا المدینـــة وقتلـــوا أحـــد المواطنیـــن واســـتولوا علـــی الأغنـــام. عینـــوا ً مـــن الأعیـــان رئیســـا للبلدیـــة وقائمقـــام. فـــي ،1924 ً عیـــن الکولونیـــل قرتـــي حاکم ُ ـــا وعـــرف بقســـوته، ثـــم تبعـــه عـــدة قـــادة إیطالییـــن آخریـــن بنفـــس الأســـلوب
فـــي ،1928 أعـــاد التینینتـــي بتشـــیلي سیاســـة جلـــد المواطنیـــن وأمـــر ببنـــاء فنـــدق ومدرســـة لتدریـــس ُ اللغـــة الإیطالیـــة. عیـــن الشـــیخ أحمـــد بشـــیر مالـــك ً للغـــة العربیـــة وســـعی لتقویـــة الطـــلاب فـــي مدرســـا اللغـــة العربیـــة والمبـــادئ الإســـلامیة. الأحـــداث تعکـــس قســـوة الاحتـــلال الإیطالـــي ومعانـــاة أهالـــي غدامـــس.
فترة الاستعمار الفرنسي (1950-1943)
تعرضـــت غدامـــس لغـــارة فرنســـیة عـــام 1943 إبـــان الحـــرب العالمیـــة الثانیـــة، ممـــا أدى لســـقوط عشـــرات المدنییـــن، وتهدمـــت الکثیـــر مـــن البیـــوت والمعالـــم الهامـــة للمدینـــة. الیـــوم تواجـــه غدامـــس تحدیـــات جدیـــدة، مثـــل التنمیـــة العمرانیـــة العشـــوائیة والســـیاحة الجماعیـــة، تهـــدد بتغییـــر طابعهـــا الأصیـــل. ومـــع ذلـــك، فـــإن الجهـــود المبذولـــة للحفـــاظ علـــی هـــذا التـــراث الغنـــي لا تـــزال مســـتمرة، یعمـــل الســـکان المحلیـــون والســـلطات المعنیـــة جاهدیـــن للحفـــاظ علـــی هویـــة المدینـــة وتراثهـــا المعمـــاري والثقافـــي للأجیـــال القادمـــة. فـــي ضـــوء التحدیـــات التـــي تواجههـــا غدامـــس، ومـــن خـــلال التعـــاون الدولـــي فـــي الحفـــاظ علـــی التـــراث اللیبـــي بعـــد ثـــورة ،2011 بـــدأ مشـــروع «إدارة التـــراث الثقافـــي فـــي لیبیـــا
» (MaLiCH (عـــام 2020 کمبـــادرة
تعاونیـــة بیـــن کلیـــة کینجـــز کولیـــج لنـــدن (s›King London College(، جهـــاز تنمیـــة وتطویـــر مدینـــة غدامـــس، مؤسســـة قصـــر النیـــل فـــي القاهـــرة، ومصلحـــة الآثـــار اللیبیـــة. یمـــول هـــذا المشـــروع مـــن قبـــل منظمـــة «ألیـــف» (التحالـــف الدولـــي لحمایـــة التـــراث فـــي مناطـــق النـــزاع). رکـــز المشـــروع علـــی توثیـــق التـــراث الثقافـــي المـــادي وغیـــر المـــادي، بمـــا فـــي ذلـــك المعرفـــة التقلیدیـــة والحـــرف الیدویـــة، باســتخدام تقنیــات الدرونــز والتصویــر الفوتوغرامیتــري کجـــزء مـــن الجهـــود لإزالـــة موقـــع التـــراث العالمـــي مـــن لائحـــة الخطـــر للیونســـکو. حصـــل مشـــروع التـــراث الثقافـــي فـــي ً مالیـــك، المعـــروف رســـمیا باســـم «إدارة التـراث الثقافـي اللیبـي»، مؤخـراً علـی جائـــزة إیکروم-الشـــارقة المرموقـــة للممارســـات الجیـــدة فـــي الحفـــاظ علـــی التـــراث الثقافـــي وحمایتـــه فـــي المنطقـــة العربیـــة. یحتفـــل هـــذا التقدیـــر بالنهـــج المبتکـــر للمشـــروع للحفـــاظ علـــی مدینـــة غدامـــس القدیمـــة التاریخیـــة، وهـــي أحـــد مواقـــع التـــراث العالمـــي للیونســـکو. تمثلـــت المرحلـــة الأخیـــرة مـــن هـــذا المشـــروع فـــي ترمیـــم وإعـــادة تأهیـــل ً باســـتخدام تقنیـــات مبنـــی تاریخـــي متهـــدم جزئیـــا البنـــاء التقلیدیـــة. وکان التوثیـــق الدقیـــق لـــکل ً مـــن العمـــل لضمـــان نقـــل مرحلـــة جـــزءاً أساســـیا المعرفـــة والمهـــارات التقلیدیـــة الالمرتبطـــة بالبنـــاء للأجیـــال القادمـــة. بعـــد اکتمـــال الترمیـــم، تـــم تحویـــل المبنـــی إلـــی مرکـــز للـــزوار ومرکـــز ثقافـــي یهـــدف
لـــی الحفـــاظ علـــی التـــراث الغنـــي لغدامـــس وتعزیـــز مشـــارکة المجتمـــع المحلـــي وبنـــاء القـــدرات لضمـــان الإدارة العملیـــة والمســـتدامة للتـــراث الثقافـــي لصالـــح المجتمعـــات المحلیـــة. تـــم التعـــاون مـــع مرکـــز تدریـــب المـــرأة فـــي غدامـــس لتعزیـــز الشـــعور القـــوي بالملکیـــة داخـــل المجتمـــع، حیـــث أدخلـــت الحرفیـــات المحلیـــات ِ عناصــر مــن فــن الزنجفــور التقلیــدي (الفــنّ التشــکیلي الغدامســـي) فـــي المســـاحات الداخلیـــة للمرکـــز، مســـتخدمات مـــواد وتصامیـــم تقلیدیـــة. کمـــا یقـــوم المشــروع بتوثیــق الســمات الثقافیــة الملموســة وغیــر المادیـــة الفریـــدة لغدامـــس، بمـــا فـــي ذلـــك الحـــرف التقلیدیـــة والتقنیـــات المعماریـــة، لضمـــان حفـــظ هـــذه الســـمات للأجیـــال القادمـــة.
الفترة المعاصرة
رغـــم التحـــولات الإقتصادیـــة والسیاســـیة، احتفظـــت غدامـس بطابعهـا التاریخـي والثقافـي. یحافـظ أهالـي غدامـس علـی بعـض العـادات والتقالیـد المتوارثـة عبـر الأجیـــال، والتـــي تعکـــس عمـــق جذورهـــم الثقافیـــة والاجتماعیـــة. واحـــدة مـــن أبـــرز هـــذه العـــادات هـــي إقامـــة مهرجـــان التمـــور، مهرجـــان غدامـــس الثقافـــي، ومهرجـــان غدامـــس الســـیاحي الســـنوي. یحظـــی هـــذا المهرجـــان بشـــعبیة کبیـــرة، حیـــث یجتمـــع الآلاف مـــن الـــزوار مـــن داخـــل لیبیـــا وخارجهـــا للاحتفـــال بهـــذه المناســـبة. یمثـــل المهرجـــان فرصـــة لتســـلیط الضـــوء علـــی التقالیـــد الزراعیـــة والمحاصیـــل المحلیـــة، وکذلـــك یبـــرز اللوحـــات والمعـــارض التـــي تعبـــر عـــن عـــادات وتقالیـــد البلـــد وصناعاتهـــا التقلیدیـــة وأســـالیب الحیـــاة والممارســـات الاججتماعیـــة، ویعـــزز الشـــعور بالانتمـــاء والفخـــر لـــدى أبنـــاء المدینـــة. کمـــا یســـاهم فـــي تعزیـــز العلاقـــات الثقافیـــة والاجتماعیـــة بیـــن مختلـــف المجتمعـــات ویعیـــد إحیـــاء الأجـــواء التراثیـــة التـــي تشـــتهر بهـــا غدامـــس. ً شـهدت المدینـة تطـوراً فـي البنیـة التحتیـة وتحسـنا ُ فـــي الخدمـــات العامـــة. تعتبـــر الیـــوم وجهـــة ســـیاحیة عالمیـــة، حیـــث یزورهـــا الســـیاح مـــن جمیـــع أنحـــاء العالـــم لاستکشـــاف جمالهـــا التاریخـــي ومعمارهـــا الفریـــد. ً فریـــداً ّقدمـــت غدامـــس عبـــر العصـــور، للعالـــم نموذجـــا للتعایـــش بیـــن الحضـــارات والثقافـــات، وتظـــل حتـــی عریـــق ومســـتقبل واعـــد. ٍ ٍ الیـــوم شـــاهدة علـــی تاریـــخ تعتبـــر منـــارة علمیـــة وثقافیـــة فـــي لیبیـــا، وهـــي مـــن أهـــم مراکـــز العلـــم والحضـــارة. قدمـــت هـــذه المدینـــة العدیــد مــن العلمــاء والفقهــاء الأجــلاء الذیــن کان لهــم دور ریـــادي فـــي تعزیـــز العلـــم ونشـــر الإســـلام فـــي مختلـــف بقـــاع العالـــم الإســـلامي. تتمیـــز غدامـــس بعمـــارة تقلیدیـــة فریـــدة مـــن نوعهـــا تعکـــس حکمـــة وتجـــارب الأجیـــال الســـابقة، حیـــث تتداخـــل المنـــازل البیضـــاء ذات الأزقـــة الضیقـــة لتشـــکل متاهـــة ســـاحرة ومتداخلـــة مـــع البســـاتین المحیطـــة بهـــا. یتـــم حمایـــة المجموعـــة الحضریـــة بالجـــدران الخارجیـــة المعـــززة للمنـــازل. تتمیـــز هـــذه المنـــازل فـــي غدامـــس کمثـــال رائـــع علـــی التکیـــف مـــع البیئـــة الصحراویـــة القاســـیة. فالطابـــق الأرضـــي، المحمـــي ُ مـــن تقلبـــات الحـــرارة، یســـتخدم لتخزیـــن الإمـــدادات الغذائیـــة والمـــؤن، ممـــا یضمـــن توفرهـــا طـــوال العـــام. أمـــا الطابـــق الأول، فیمثـــل قلـــب المنـــزل حیـــث تعیـــش العائلـــة، ویتصـــل بالأزقـــة المغطـــاة التـــي توفـــر بیئـــة بــاردة ومظللــة. وفــي الطابــق العلــوي، تتمتــع النســاء بمســـاحة خاصـــة بهـــن، حیـــث یقضیـــن أوقاتهـــن فـــي الأنشـــطة الاجتماعیـــة والتواصـــل مـــع جاراتهـــن وإطـــلالات علـــی المدینـــة. یعتبـــر نســـیج غدامـــس الحضـــري أحـــد أبـــرز ممیزاتهـــا، حیـــث تتداخـــل الشـــوارع والأزقـــة بـــذکاء لتوفیـــر الظـــل والحمایـــة مـــن الحـــرارة الشـــدیدة. المســـاحات الداخلیـــة للمبانـــي فـــي غدامـــس تعکـــس جمالیـــات معماریـــة رائعـــة، مـــع اســـتخدام المـــواد المحلیـــة والتصمیـــم الـــذي یلبـــي احتیاجـــات الحیـــاة الیومیـــة. فبالإضافـــة إلـــی التقســـیم الرأســـي الممیـــز للمنـــازل، ً لـــکل مـــن التخزیـــن والســـکن والـــذي یخصـــص طابقـــا والاجتماعـــات، فـــإن التفاصیـــل الدقیقـــة فـــي الأبـــواب ٍ والنوافـــذ والســـطوح تکشـــف عـــن مســـتوى عـــال مـــن التفکیـــر فـــي التصمیـــم والوظیفـــة.
أسطح المنازل بمدينة غدامس القديمة
إن کل عنصـــر مـــن عناصـــر المنـــزل الغدامســـي، مـــن لأبـــواب إلـــی النوافـــذ وا الســـطوح، یعمـــل بتناغـــم مـــع العناصـــر الأخـــرى لخلـــق بیئـــة معیشـــیة مثالیـــة فـــي ظــل الظــروف الصحراویــة القاســیة. فالتقســیم الرأســي للمنـــازل، والأبـــواب الثقیلـــة، والنوافـــذ الصغیـــرة، والشـــرفات الداخلیـــة، کلهـــا عناصـــر تســـاهم فـــي تحقیـــق العـــزل الحـــراري، والحفـــاظ علـــی الخصوصیـــة، وتوفیـــر تهویـــة طبیعیـــة. الهندســـة المعماریـــة الفریـــدة لغدامـــس هـــي شـــهادة علـــی براعـــة ســـکانها الذیـــن تکیفـــوا مـــع البیئـــة الصحراویـــة القاســـیة علـــی مـــدى قـــرون. إن النســـیج الحضـــري للمدینـــة، واســـتخدام المـــواد الطبیعیـــة، والترکیـــز علـــی الخصوصیـــة والأمـــن یجعلهـــا دراســـة حالـــة رائعـــة للمهندســـین المعمارییـــن والمخططیـــن الحضرییـــن علـــی حـــد ســـواء. وتکشـــف عـــن فهـــم عمیـــق للمبـــادئ المعماریـــة الأساســـیة، وتؤکـــد علـــی أهمیـــة التـــراث الثقافـــي فـــي صیاغـــة الهویـــة المعماریـــة للمـــکان. باختصـــار، فـــإن الخصائـــص المعماریـــة للمنـــازل الغدامســـیة لیســـت مجـــرد عناصـــر جمالیـــة، بـــل هـــي نتـــاج تطـــور حضـــاري وتکیـــف مـــع البیئـــة، وهـــي تعکـــس الحکمـــة والمعرفـــة التـــي تراکمـــت عبـــر الأجیـــال. هـــذه الخصائـــص تســـاهم فـــي الحفـــاظ علـــی حیـــاة صحیـــة ومســـتدامة لســـکان غدامـــس، وتجعـــل ً یحتـــذى بـــه فـــي مجـــال مـــن هـــذه المدینـــة مثـــالا العمـــارة المســـتدامة.
نظام توزيع المياه ً ً
رائعـــا ُیعتبـــر نظـــام توزیـــع المیـــاه فـــي غدامـــس مثـــالا لتقنیـــات إدارة المیـــاه القدیمـــة. یجعـــل تصمیمـــه الفریـــد وتکیفـــه مـــع البیئـــة وأهمیتـــه التاریخیـــة مـــن ّ الأصـــول القیمـــة للمدینـــة والعالـــم. ومـــع ذلـــك، یواجـــه ً بیـــن ً ً تحدیـــات تتطلـــب حـــلا متوازنـــا النظـــام أیضـــا الحفـــاظ علـــی تراثـــه وتطویـــره لمواجهـــة المســـتقبل. تشـــمل هـــذه التحدیـــات النمـــو الســـکاني، تغیـــر المنـــاخ، التلـــوث، والحاجـــة إلـــی التحدیـــث. یعتمـــد نظـــام توزیـــع المیـــاه فـــي غدامـــس، المعـــروف بالقـــادوس، علـــی عیـــن الفـــرس، وهـــي نبـــع طبیعـــي ً یقـــع فـــي قلـــب المدینـــة. کان النبـــع مصـــدر ً ا حیویـــا للمیـــاه لســـکان المدینـــة لعـــدة قـــرون. تتجـــاوز أهمیـــة عیــن الفــرس دورهــا کمصــدر للمیــاه؛ فقــد لعــب النبــع ً فـــي الحیـــاة الثقافیـــة والاجتماعیـــة فـــي دوراً مهمـــا ً لتجمـــع ســـکان المدینـــة لأجیـــال، غدامـــس. کان مکانـــا ً مـــا یکـــون موقعلااًللمهرجانـــات والاحتفـــالات. وغالبـــا ً عزیـــزاً فـــي الیـــوم، لا تـــزال عیـــن الفـــرس معلمـــا غدامـــس، وهـــي شـــهادة علـــی تاریـــخ المدینـــة الغنـــي وتقالیدهـــا الراســـخة. یعتمــد النظــام علــی سلســلة مــن القنــوات الجوفیــة، التـــي تـــم بناؤهـــا منـــذ تأســـیس المدینـــة. ، ثـــم یتـــم توزیـــع المیـــاه علـــی المســـاجد والمنـــازل والمـــزارع مـــن خـــلال شـــبکة مـــن القنـــوات والأنابیـــب الصغیـــرة. ً ً رائعـــا ُیعتبـــر نظـــام توزیـــع المیـــاه فـــي غدامـــس مثـــالا لتقنیـات إدارة المیـاه القدیمـة. یجعـل تصمیمـه الفریـد ّ وأهمیتـــه التاریخیـــة مـــن الأصـــول القیمـــة للمدینـــة ً تحدیـــات والعالـــم. ومـــع ذلـــك، یواجـــه النظـــام أیضـــا تحتـــاج إلـــی معالجـــة مـــن أجـــل ضمـــان اســـتدامته ومرونتـــه فـــي مواجهـــة التغییـــرات المســـتقبلیة. اعتبـــرت منظمـــة الیونســـکو مدینـــة غدامـــس القدیمـــة ً عـــام ،1986 وذلـــك لمـــا تتمتـــع بـــه مـــن ً عالمیـــا تراثـــا قیمـــة تاریخیـــة ومعماریـــة اســـتثنائیة. تعتبـــر غدامـــس واحـــدة مـــن أهـــم الوجهـــات الســـیاحیة فـــي لیبیـــا، وذلـــك لمـــا تتمتـــع بـــه مـــن تاریـــخ عریـــق وعمـــارة فریـــدة وطبیعـــة خلابـــة. الیـــوم، تواجـــه غدامـــس تحدیـــات جدیـــدة، مثـــل التنمیـــة العمرانیـــة العشـــوائیة والســـیاحة الجماعیـــة، تهـــدد بتغییـــر طابعهـــا الأصیـــل. ومـــع ذلـــك، فـــإن الجهـــود المبذولـــة للحفـــاظ علـــی هـــذا التـــراث الغنـــي لا تــزال مســتمرة. یعمــل الســکان المحلیــون والســلطات المعنیـــة جاهدیـــن للحفـــاظ علـــی هویـــة المدینـــة وتراثهـــا المعمـــاري والثقافـــي للأجیـــال القادمـــة. ُ المشـــهد الثقافـــي فـــي غدامـــس یعـــد واحداًمـــن أکثـــر ً فـــي العالـــم، حیـــث یمتـــاز المواقـــع التراثیـــة جذبـــا بنســـیجه الحضـــري الفریـــد والطابـــع المعمـــاري المذهـــل ُ لمســـاحاته الداخلیـــة. تظـــل جمیـــع الهیـــاکل الحضریـــة ُوتحیـــط بهـــا حدائـــق وفیـــرة. رغـــم أهمیـــة غدامـــس التاریخیـــة، فـــإن المدینـــة، وهـــي موقـــع تـــراث عالمـــي للیونســـکو، تواجـــه تحدیـــات خطیـــرة مثـــل التخلـــي عـــن المنـــازل والإهمـــال بســـبب الوضـــع السیاســـي غیـــر المســـتقر. ُ ومـــع ذلـــك، یعتقـــد أن غدامـــس یمکـــن أن تکـــون ً ً ممتـــازا للتـــراث الثقافـــي فـــي الشـــرق نموذجـــا الأوســـط، ممـــا یســـاهم فـــي الفخـــر الثقافـــي والفـــرص الاجتماعیـــة والإقتصادیـــة التـــي تدعـــم التنمیـــة الإقتصادیـــة الشـــاملة لشـــعبها فـــي منطقـــة الصحـــراء. مدینـــة غدامـــس، بموقعهـــا الفریـــد وتصمیمهـــا الحضـــري, تظـــل جوهـــرة ثقافیـــة فـــي قلـــب الصحـــراء اللیبیـــة. علـــی الرغـــم مـــن التحدیـــات التـــي تواجههـــا، إلا أن إرثهـــا التاریخـــي والمعمـــاري یعکـــس عمـــق حضارتهـــا وتأثیرهـــا عبـــر العصور.