الرئيسية / موضة / محليات / صناعـة الفقر

صناعـة الفقر

كيف‭ ‬تتحول‭ ‬الحاجة‭ ‬إلـى‭ ‬مهنـة‭..‬؟‭

قصص‭ ‬مؤلمة‭

عـن‭ ‬الأطفـال‭ ‬

والشحـاذة‭ !!

في‭ ‬ظهيرة‭ ‬يوم‭ ‬قائظ،‭ ‬كان‭ ‬عليّ،‭ ‬الطفل‭ ‬ذو‭ ‬الأعوام‭ ‬الثمانية،‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬زاوية‭ ‬الطريق‭ ‬ممسكًا‭ ‬بعلبة‭ ‬صدئة،‭ ‬يطرقها‭ ‬بخفة‭ ‬كلما‭ ‬اقترب‭ ‬أحد‭ ‬المارة،‭ ‬محاولًاً‭ ‬أن‭ ‬يلفت‭ ‬انتباههم‭ ‬بعيونه‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬حكاية‭ ‬صامتة‭ ‬عن‭ ‬العوز‭ ‬والحرمان‭. ‬تحت‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس،‭ ‬ينتظر‭ ‬عليّ‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يملؤون‭ ‬الأرصفة‭. ‬وجوههم‭ ‬تملؤها‭ ‬آثار‭ ‬التعب‭ ‬وعيونهم‭ ‬تبحث‭ ‬بقلق‭ ‬بين‭ ‬الحشود‭ ‬عن‭ ‬أياد‭ ‬رحيمة‭ ‬قد‭ ‬تلقي‭ ‬بقطع‭ ‬معدنية‭ ‬في‭ ‬أيديهم‭ ‬الصغيرة‭.‬

و‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬الوضع‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مغايراً‭ ‬ففي‭ ‬صباح‭ ‬شتوي‭ ‬بارد‭ ‬كانت‭ ‬مريم،‭ ‬الطفلة‭ ‬ذات‭ ‬الشعر‭ ‬المجعد،‭ ‬الهاربة‭ ‬خصلاته‭ ‬على‭ ‬وجهها‭ ‬من‭ ‬حجابها‭ ‬الذي‭ ‬يغطي‭ ‬أكتافها‭ ‬تمسك‭ ‬بيد‭ ‬أخيها‭ ‬الأصغر،‭ ‬تحاول‭ ‬تهدئته‭ ‬بأن‭ ‬تروي‭ ‬له‭ ‬قصصاً‭ ‬عن‭ ‬أيامٍ‭ ‬أفضل‭.. ‬كانت‭ ‬ترتجف‭ ‬بردًا‭ ‬تحت‭ ‬معطف‭ ‬رثّ‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يقيها‭ ‬قسوة‭ ‬الرياح‭. ‬و‭ ‬تمد‭ ‬يديها‭ ‬الصغيرتين‭ ‬،‭ ‬تترقب‭ ‬نظرة‭ ‬عطف‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مارٍّ‭ ‬يمنحها‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الدفء‭. ‬يعيشان‭ ‬يومهما‭ ‬بين‭ ‬قسوة‭ ‬الصقيع‭ ‬وغياب‭ ‬الأمل‭ ‬،‭ ‬يظهر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬كأنهم‭ ‬ظلٌ‭ ‬دائم‭ ‬للمدينة،‭ ‬يعكس‭ ‬واقعهم‭ ‬المؤلم‭.

تحقيق‭ : ‬زهرة‭ ‬موسى‭

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬التسول‭ ‬مهنة‭ ‬لآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭  ‬و‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬ليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع‭ ‬وقسوة‭ ‬الظروف‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬يومي‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه‭. ‬وبين‭ ‬براءة‭ ‬ضائعة‭ ‬وظروف‭ ‬قاسية،‭ ‬نبدأ‭ ‬حكايتنا‭ ‬لاستكشاف‭ ‬ظاهرة‭ ‬“امتهان‭ ‬التسول”؛‭ ‬لنفهم‭ ‬قصصهم،‭ ‬معاناتهم،‭ ‬وأثر‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬ككل‭. ‬يُعد‭ ‬التسول‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تتفاقم‭ ‬آثارها‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬البلاد‭ ‬،‭ ‬وتقول‭ ‬‮«‬خديجة‭ ‬أحمد‭ ‬ناشطة‭ ‬مدنية‭ ‬‮«‬‭ ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬النساء‭ ‬و‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬للتسول‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬من‭ ‬يعيل‭ ‬الأسرة‭ ‬مالياً‭ ‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬يرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يصنف‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬والتفكك‭ ‬الأسري،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الأطفال‭ ‬والأمهات‭ ‬عرضة‭ ‬للتسول‭ ‬كوسيلة‭ ‬للعيش‭.‬

و‭ ‬تضيف‭ ‬‮«‬‭ ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬الخيرية‭ ‬أو‭ ‬قصور‭ ‬دورها‭ ‬على‭ ‬مواسم‭ ‬معينة‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬يعاني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬والمحتاجين‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الدعم‭ ‬اللازم،‭ ‬ما‭ ‬يدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬التسول‭ ‬كحلّ‭ ‬أخير،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الدعم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬و‭ ‬احتياجات‭ ‬أطفال‭ ‬ولكنها‭  ‬متقطعة‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬فكيف‭  ‬تدبر‭ ‬الأسر‭  ‬قوتها‭ ‬لباقي‭ ‬أيام‭ ‬السنة؟‭.‬

و‭ ‬ترى‭ ‬‮«‬‭ ‬زينب‭ ‬خليفة‭ ‬‮«‬‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬استغلال‭ ‬الأطفال‭ ‬للتسول‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أسرهم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شبكات‭ ‬منظمة‭ ‬أصبحت‭ ‬متزايدة،‭ ‬حيث‭ ‬يُجبر‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬المال‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬وإكراه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البالغين‭.‬

و‭ ‬تضيف‭ ‬‮«‬‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬بالتحديد‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬العمل‭ ‬و‭ ‬البحث‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬و‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يستغلون‭ ‬براءة‭ ‬الأطفال‭ ‬و‭ ‬حاجتهم‭ ‬لاكتناز‭ ‬المال‭ .‬

يرى‭ ‬المواطن‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬علي‭ ‬‮«‬‭ ‬أنه‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬استرزاق‭ ‬عند‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬الذين‭ ‬يديرون‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬،‭ ‬ففي‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬ينتشرون‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬و‭ ‬الأماكن‭ ‬الحيوية‭ ‬و‭ ‬خاصة‭ ‬الطرق‭ ‬و‭ ‬أمام‭ ‬المحال‭ ‬و‭ ‬الأسواق‭ ‬يجمعون‭ ‬‮«‬غلتهم‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬اليوم‭ ‬يجمعونهم‭ ‬يأخذون‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬و‭ ‬يلقون‭ ‬ببضع‭ ‬دينارات‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬و‭ ‬النسوة‭ ‬فهم‭ ‬مجرد‭ ‬واجهة‭ ‬لعصابات‭ ‬إجرامية‭.‬

ذكرت‭ ‬‮«‬‭ ‬حليمة‭ ‬أبوبكر‭ ‬ناشطة‭ ‬‮«‬‭ ‬أقترح‭ ‬على‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بقضايا‭ ‬الأطفال‭ ‬و‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تركيز‭  ‬الجهود‭ ‬لمحاربة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وذلك‭ ‬بتنظيمها‭ ‬حملات‭ ‬توعوية‭ ‬حيث‭ ‬تحاول‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬مخاطر‭ ‬التسول‭ ‬وأهمية‭ ‬التكاثف‭ ‬المجتمعي‭ ‬لمساعدة‭ ‬المحتاجين‭ ‬بطرق‭ ‬منظمة‭ ‬وآمنة‭.‬

نوهت‭ ‬‮«‬‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬فعالة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬التسول‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬العمل‭ ‬على‭  ‬دمج‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تركهم‭ ‬عرضة‭ ‬للتسول،‭ ‬خاصة‭ ‬أطفال‭ ‬المهاجرين،‭ ‬ففي‭ ‬سبها‭ ‬توجد‭ ‬مدارس‭ ‬إفريقية‭ ‬،‭ ‬فبدل‭ ‬من‭ ‬ترك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬للفقر‭ ‬و‭ ‬الجهل‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ادماجهم‭ ‬بمدارس‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬استحداث‭ ‬فصول‭ ‬إضافية‭ ‬لمدارس‭ ‬الجالية‭ ‬الإفريقية‭ ‬القائمة‭ ‬لاستيعابهم‭.‬

التسول‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة

تقول‭ ‬‮«‬‭ ‬سلمى‭ ‬خالد‭ ‬‮»‬‭ ‬البعض‭ ‬فعلا‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬على‭ ‬التسول‭ ‬للحاجة‭ ‬انما‭ ‬يعتبرها‭ ‬مصدرا‭ ‬للرزق‭ ‬،‭ ‬قرأت‭ ‬أحد‭ ‬المنشورات‭ ‬لصديقة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تقول‭ ‬فيه‭ ‬إنها‭ ‬احتاجت‭ ‬هي‭ ‬و‭ ‬رفيقاتها‭ ‬لطبخات‭  ‬‮«‬طييبات‭ ‬‮»‬‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬عامة‭ ‬كبيرة‭ ‬بمدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬لهذا‭ ‬رغبن‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬المتسولات‭ ‬عند‭ ‬احدى‭ ‬التقاطعات‭  ‬بالمدينة‭ , ‬حتى‭ ‬يستفدن‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭ ‬ولا‭ ‬يقفن‭ ‬في‭ ‬الشمس‭ ‬و‭ ‬ربما‭ ‬يصبح‭ ‬لهن‭ ‬مهنة‭ ‬يسترزقن‭ ‬منها‭.‬

تتابع‭ ‬‮«‬‭ ‬أن‭ ‬الفتاة‭ ‬و‭ ‬رفيقاتها‭ ‬ذهبن‭ ‬لـ‭ ‬4‭ ‬سيدات‭ ‬عرضن‭ ‬عليهن‭ ‬العمل‭ ‬و‭ ‬لكن‭ ‬أو‭ ‬ل‭ ‬ما‭ ‬نطقت‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬كم‭ ‬راتبنا؟‭ ‬و‭ ‬كم‭ ‬يستغرق‭ ‬وقت‭ ‬العمل؟‭ ‬،‭ ‬فأخبرنها‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬لن‭ ‬يتجاوز‭ ‬3‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتقاضين‭ ‬500‭ ‬دينار‭ ‬لكل‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬مع‭  ‬طعام‭ ‬لعائلاتهن‭ ‬و‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتبقى‭ ‬من‭ ‬الحفل‭ ‬،و‭ ‬أنهن‭ ‬يحتجن‭ ‬ل15‭ ‬شخص‭ ‬للقيام‭ ‬بمهام‭ ‬المناسبة،‭  ‬رفضت‭ ‬ضاحكة‭ ‬و‭ ‬قالت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬أستطيع‭ ‬جمع‭ ‬ضعف‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬عرضته‭ ‬،‭ ‬وقفت‭ ‬الفتاة‭ ‬مذهولة‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬كتبت‭ ‬أنها‭ ‬تتساءل‭ ‬كم‭ ‬تجني‭ ‬هذه‭ ‬السيدة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد‭ ‬؟‭.‬

تقول‭ ‬الشيخة‭ ‬‮«‬‭ ‬هاجر‭ ‬محمد‭ ‬‮»‬‭ ‬التسول‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬شرعا‭  ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬ثلاث‭ ‬قد‭ ‬بينها‭ ‬النبي‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الصحيح‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭ ‬عن‭ ‬قبيصة‭ ‬بن‭ ‬مخارق‭ ‬الهلالي،‮ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬أنه‭ ‬قال‭:‬‮ ‬‭ ‬‮«‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬لأحد‭ ‬إلا‭ ‬لثلاثة‭: ‬رجل‭ ‬تحمل‭ ‬حمالة‭ ‬فحلت‭ ‬له‭ ‬المسألة‭ ‬حتى‭ ‬يصيبها‭ ‬ثم‭ ‬يمسك،‭ ‬ورجل‭ ‬أصابته‭ ‬جائحة‭ ‬اجتاحت‭ ‬ماله‭ ‬فحلت‭ ‬له‭ ‬المسألة‭ ‬حتى‭ ‬يصيب‭ ‬قوامًا‭ ‬من‭ ‬عيش،‭ ‬ورجل‭ ‬أصابته‭ ‬فاقة‭ ‬فقال‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الحجى‭ ‬من‭ ‬قومه‭: ‬لقد‭ ‬أصابت‭ ‬فلانًا‭ ‬فاقة،‭ ‬فحلت‭ ‬له‭ ‬المسألة‭ ‬حتى‭ ‬يصيب‭ ‬قوامًا‭ ‬من‭ ‬عيش ثم‭ ‬قال‭:‬‮ ‬ما‭ ‬سواهن‭ ‬من‭ ‬المسألة‭ ‬يا‭ ‬قبيصة‭ ‬سحت‭ ‬يأكله‭ ‬صاحبه‭ ‬سحتًا‮»‬‭.‬

فهذا‭ ‬الحديث‭: ‬قد‭ ‬أوضح‭ ‬فيه‭ ‬النبي‭ ‬أنواع‭ ‬المسألة‭ ‬المباحة،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬سواها‭ ‬محرم،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬عنده‭ ‬ما‭ ‬يسد‭ ‬حاجته‭ ‬من‭ ‬راتب‭ ‬وظيفة‭ ‬أو‭ ‬تجارة‭ ‬أو‭ ‬غلة‭ ‬وقف‭ ‬أو‭ ‬عقار‭ ‬أو‭ ‬كسب‭ ‬يدوي‭ ‬من‭ ‬نجارة‭ ‬أو‭ ‬حدادة‭ ‬أو‭ ‬زراعة‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬ذلك‭ ‬حرمت‭ ‬عليه‭ ‬المسألة‭.. ‬أما‭ ‬من‭ ‬اضطر‭ ‬إليها‭ ‬فلا‭ ‬حرج‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسأل‭ ‬بقدر‭ ‬الحاجة،‭ ‬وهكذا‭ ‬من‭ ‬تحمل‭ ‬حمالة‭ ‬لإصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬أو‭ ‬النفقة‭ ‬على‭ ‬أهله‭ ‬وأولاده‭.‬

وترى‭ ‬“‭ ‬زينب‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬“‭ ‬الأخصائية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أن‭ ‬امتهان‭ ‬التسول،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأطفال،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬قلق‭ ‬بالغ‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لهذا‭ ‬السلوك‭. ‬من‭ ‬منظور‭ ‬اجتماعي،‭ ‬ترى‭ ‬الأخصائية‭ ‬أن‭ ‬التسول‭ ‬يمثل‭ ‬فشلاً‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬الأساسية،‭ ‬مثل‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬والأمان،‭ ‬والنمو‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬صحية‭. ‬عندما‭ ‬يُدفع‭ ‬الأطفال‭ ‬للتسول،‭ ‬يُحرمون‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬كريمة،‭ ‬وقد‭ ‬يخضعون‭ ‬لأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الاستغلال،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عائلاتهم‭ ‬أو‭ ‬شبكات‭ ‬إجرامية‭.. ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬‭ ‬تأثير‭ ‬التسول‭  ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬النفسي،‭ ‬فهو‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬تدريجي‭ ‬لثقة‭ ‬الطفل‭ ‬بنفسه‭. ‬إذ‭ ‬يضطر‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬التفاعل‭ ‬يومياً‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬غرباء‭ ‬ويتعرض‭ ‬للإهانات‭ ‬أو‭ ‬التجاهل،‭ ‬مما‭ ‬يترك‭ ‬آثاراً‭ ‬نفسية‭ ‬مثل‭ ‬الإحساس‭ ‬بالدونية،‭ ‬والقلق،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الرفض‭. ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬تشكل‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬بطريقة‭ ‬مشوهة‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬صورة‭ ‬ذاتية‭ ‬سلبية‭ ‬لديه،‭ ‬وقد‭ ‬ينتهي‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سلوكيات‭ ‬إجرامية‭ ‬أو‭ ‬عدوانية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بسبب‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭.‬

تؤكد‭ ‬الأخصائية‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬امتهان‭ ‬الأطفال‭ ‬للتسول‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬الصلة‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬المجتمع،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬إدماجهم‭ ‬صعبة‭. ‬وتضيف‭ ‬أن‭ ‬الحلول‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الداعمة‭ ‬للأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬والتوعية‭ ‬المجتمعية‭ ‬حول‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يستغل‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭.‬

إكراه‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الشحاذة

‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬جرائم‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬وإستغلال‭ ‬القٌصر‭ ‬

يقول‭ ‬‮«‬القانوني‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬شها‭ ‬‮»‬‭ ‬يُعتبر‭ ‬التسول،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يُستغل‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬إكراههم‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬هذا‭ ‬النشاط،‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وخرقاً‭ ‬لقوانين‭ ‬حماية‭ ‬الطفولة‭.  ‬و‭ ‬ينظر‭ ‬القانون‭ ‬الليبي‭ ‬إلى‭ ‬التسول‭ ‬كجريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون،‭ ‬ويتفاوت‭ ‬مستوى‭ ‬العقوبة‭ ‬حسب‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يُعاقب‭ ‬الشخص‭ ‬البالغ‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬التسول،‭ ‬وقد‭ ‬يُواجه‭ ‬عقوبات‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ثبوت‭ ‬استغلاله‭ ‬للأطفال‭ ‬أو‭ ‬إجبارهم‭ ‬على‭ ‬التسول‭.‬

حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬11‭) ‬لسنة‭ ‬1961‭ ‬بشأن‭  ‬تعديل‭  ‬بعض‭ ‬أحكام‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المادة‭ (‬3‭) ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬عام‭  ‬أو‭ ‬مفتوح‭  ‬للجمهور‭  ‬بطريقة‭  ‬منفرة‭  ‬أو‭ ‬مزرية‭ ‬أو‭ ‬باختلاق‭  ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬عاهة‭  ‬أو‭ ‬باستعمال‭ ‬الشعوذة‭ ‬يعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬مدة‭ ‬لاتزيد‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ .. ‬يشدد‭  ‬على‭ ‬أن‭ ‬استغلال‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬التسول‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬جرائم‭ ‬الاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬القُصّر،‭ ‬وهي‭ ‬جرائم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬عقوباتها‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭. ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬حماية‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬الطفل‭ ‬الليبي،‭ ‬الذي‭ ‬يجرم‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الاستغلال‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬الذي‭ ‬يعرّض‭ ‬سلامة‭ ‬الطفل‭ ‬الجسدية‭ ‬أو‭ ‬النفسية‭ ‬للخطر‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬شبكات‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬التسول،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬أو‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بتشغيل‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭.‬

‭ ‬ويرى‭  ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التشدد‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬وردع‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬عبر‭ ‬إجراءات‭ ‬سريعة‭ ‬وعادلة‭ ‬لحماية‭ ‬الأطفال‭ ‬وإعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬صحية‭ ‬وسليمة‭.‬مؤكداً‭   ‬على‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬وحده‭ ‬ليس‭ ‬كافياً،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬تفعيل‭ ‬منظومة‭ ‬حماية‭ ‬اجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬شمولاً،‭ ‬و‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬الوعي‭ ‬لدى‭ ‬الأسر‭ ‬والجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭.                             

ختاما

يظل‭ ‬التسول‭ ‬ظاهرة‭ ‬متشابكة‭ ‬ومعقدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬تتطلب‭ ‬جهوداً‭ ‬شاملة‭ ‬ومنسقة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمواطنين‭. ‬إن‭ ‬معالجة‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬واحتواء‭ ‬آثارها‭ ‬يتطلب‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬تستهدف‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬يبقى‭ ‬الأمل‭ ‬معقوداً‭ ‬على‭ ‬مبادرات‭ ‬جديدة‭ ‬وشراكات‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التسول‭ ‬وتوفير‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬

شاهد أيضاً

البدينات يحظين بنصيب الأسد

ركزت الأرتست زينب فريد هذا الموسم على الفئة المهمشة((البدينات)) ووضعت لمساتها بشكل متقن بين الألوان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *