قد يجمعنا حائط واحد، ولكن عوالم افتراضية تفرقنا في الوقت نفسه. . هل نسميها عزلة اجتماعية؟ وهي مفردة جديدة على قاموسنا، أم ننحت لها تسمية اندماج افتراضي أو من هذا اللون؟
لقد صنعت ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة حياة أخرى وسلوكاً مختلفاً. . وكان تأثير ثورة أو فورة الاتصالات كبير على مجتمعنا الليبي الأكثر ترابطاً.
» استطـــلاع : نعيمــة علـي
» تصوير : حسن المجذوب
فأجسادنا في بيت واحد، وتحت سقف واحد، ولكننا نمضي في رحلة افتراضية لقارات الدنيا التى صارت زقاقاً صغيراً . . هل هذا هروب أم لجوء لملاذات منزوعة الضغط ؟
ماذا عن مشاعر الوحدة والعزلة داخل الجماعة وأسئلة أخرى في استطلاع ربما يكون جديراً بالمتابعة .
إبرهيم الترهوني (عمل حر) سألناه هل تميل إلى الانعزال عن الآخرين في بعض الأحيان؟ قال:-
بمفهوم العزلة أي عدم مخالطة الناس لا.
أحياناً عندما أمرّ بظرف معين أحتاج لبعض الوقت مع نفسي فقط، فترة قصيرة وتمر ..فأنا بطبعي أحب الاختلاط والخروج مع الأصحاب فى أي وقت
محمد ناصر «طالب جامعي» هل ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي «الانترنت والهواتف الذكية» تسبب فى عزلة اجتماعية ؟أجاب :-
بكل تأكيد أغلبنا نحن الشباب نرى أن الانترنت هو ملاذنا ويأخذ الكثير من وقتنا لأنه يوفر لنا ما نحتاجه وما لانجده في حياتنا الواقعية وفجأة نجده قد سرق وقتنا وحياتنا وأعتقد المبالغة في استخدامه لم تعد مقتصرة على الشباب فقط بل نرى حتى كبار السن يستخدمونه بكثرة ومن الطبيعي كثرة الاستخدام والجلوس بالهاتف لساعات تجعل الشخص يختفي لوقت قد يطول وقد يقصر على حسب.
أريج عمر «طالبة جامعية» ماهو مفهومك للعزلة الاجتماعية؟ وهل تشعرين أحيانا أنك تحتاجين للانفراد بنفسك؟
كل انسان يحتاج لعزلة مع نفسه بسبب ضغوطات الحياة في العمل والدراسة وغلاء المعيشة، بحيث يستطيع أنه يرتب أفكاره وبعدما يشعر بتحسن ينطلق من جديد، هذا مفهومي للعزلة يعني تكون عزلة ايجابية وليست سلبية.
-كيف تكون العزلة سلبية؟
بمعنى يعتزل مع نفسه ويبدأ فى تدمير ذاته مثلاً كان عنده مشروع وفشل ويظل يردد أنه شخص فاشل وغيره من الكلام السلبي هذا مثال وغيره من الامور الأخرى فمثلاَ نحن الطلبة خصوصاً المجدّين فى الدراسة فكرة الرسوب لوحدها ممكن تجعلنا ننطوي على أنفسنا ونتعب نفسياً وتبدأ الأفكار والكلام السلبى يهجم على تفكيرنا حتى نصل لمرحلة من الصعب الخروج منها إلا بمساعدة الأهل.
فؤاد المعيوفي ( موظف ورب أسرة) سألناه متى تكون العزلة الاجتماعية سلبية ؟ومتى تكون إيجابية؟ وما رأيه في فكرة الانعزال بشكل عام؟ قال:-
الانعزال الدائم عن الناس والمجتمع هذا أمر سلبي ومشكلة خطيرة ومخلفاته على النفسية لها آثار سلبية كثيرة تصل حدود المرض النفسي لاقدر الله لما يعاني فيها الإنسان من الوحدة والفراغ لدرجة تراوده أفكار وهلوسات خطيرة قد تصل به إلى التفكير في الانتحار هذا الجانب السلبى من العزلة، أما الجانب الايجابي فأعتقد أن الانسان يختار أن يأخذ وقتاً مع نفسه حتى يتمكن من ترتيب أفكاره وأيضاً الابتعاد عن الضوضاء لعدة أيام فقط يعني عملية تنظيمية لا أكثر ولا أقل يخرج بعدها أفكاره مرتبة وذهنه صاف ولديه طاقة لمواجهة مسؤوليات الحياة والمجاملات الاجتماعية مع الأسرة والأصحاب .
- الانعزال عن المجتمع والناس مشكلة كبيرة إذا كانت اختياراً .
سالم احميدة « موظف ورب أسرة » سألناه متى تكون العزلة الاجتماعية سلبية ومتى تكون إيجابية؟وما رأيه في فكرة الانعزال الاجتماعي بشكل عام ؟ قال :-
الانعزال عن المجتمع والناس مشكلة كبيرة إذا كانت اختياراً أما إذا كانت العزلة نتيجة مرض نفسي كالانطواء والاكتئاب فهذا جانب آخر يحتاج منا كأهل أن ندعم القريب أو الصديق أو الابن أو الأخ وعدم تركه لوحده يعاني الأمرين أما من جانب اختيار العزلة الاجتماعية من باب الراحة الذهنية والبعد عن الاختلاط فهذه والله مشكلة كبيرة جداً . فنحن كبشر مخلوقات اجتماعية ولا يمكن للإنسان أن يعيش منفرداً لوحده .. حياتنا الإجتماعية هي مجموعة علاقات متبادلة المصالح والمنافع …
برأيك ألا ترى أهمية للإنعزال المؤقت لترتيب الأفكار والأهداف في حياتك ؟
الأفكار تأتي مع الجماعة والمشورة فمثلاً أي رجل صاحب عائلة أرهقته ضغوطات الحياة والمسؤوليات هل الأفضل له أن يتشارك مع أبنائه أو زوجته أفكاره وترتيب حياتهم بشكل جماعي أم أن ينعزل مع نفسه ويفكر لوحده ثم يخرج بقرارات وافكار قد لاتناسب الأسرة والزوجة
ماذا استفاد من عزلته.. ؟ لاشيء ! من مصلحته أن يفكر بصوت عال مع أفراد عائلته بالحوار وشرح أسباب الضغوطات وكيفية علاجها بوضع استراتيجيات جماعية حتى يضع أبناءه وزوجته في الصورة للتغلب على الصعوبات فهو لايعيش لوحده ! هو يعيش مع جماعة تبدأ من عائلته الصغيرة ثم عائلته الأكبر المتمثلة في الأهل الأب والأم والإخوة والأخوات . لايمكن أن تفصل نفسك عنهم بحجة الراحة النفسية وراحة الفكر وترتيب الأفكار فأنت بحاجة لهم وهم أيضاً بحاجة لك .. نحن نتحدث عن العزلة الاجتماعية التي يلجأ إليها البعض نتيجة ضغوطات كما سبق وقلت – أما العزلة المرضية التي يعاني منها البعض بسبب جينات وراثية أو نتيجة المراهقة عند الشباب والفتيات فهذه يجب أن نتعامل معها بطريقة صحيحة من خلال الدعم النفسي ، من خلال العلاج وغيرها من الحلول .
لايمكن أن أعتزل عائلتي وأحفادي .. أحب حسهم ووجودهم حولي
الحاجة عزيزة مفتاح وهى (ربة منزل وأم وجدة)
كما أخبرتنا – سألناها هل العزلة عن الناس راحة نفسية أم مرض نفسي ؟
قالت ماذا أقول – ياابنتي – أنا أم لرجال ونساء والحمد لله استقلوا بحياتهم وكونوا عائلات ، ولا أذكر مرة في حياتي فكرت أعتزل عن عائلتي وأحفادي .. أحب حسِّهم في البيت ووجودهم حولي .. وهذه نعمة والحمد لله ربي يديمها لي ولكن موضوعك «خطر» عليّ جارتي وصاحبتي ورفيقة عمري ربي يطول في عمرها .. مرت بهذه الحالة لفترة طويلة ولم أستطع أنا ولا بناتي ولا أولادي أن نخرجوها من انعزالها .. فجأة نفسيتها تعبت وصارت تبتعد وترفض دعوتي لها للإفطار مع بعض أو شرب قهوة « العشية »!! يعلم الله أني لم أتركها ومازلت وراءها سنداً حتى أنتشلها من وحدتها .
- يابنتي – الإنسان أحياناً عندما يتقدم به العمر ليس هو من يختار الابتعاد والوحدة.
- قالتها بنبرة فيها مرارة – صويحبتي أرملة وليس لها أبناء ترمَّلت في سن مبكرة وظّلت مع أهلها . فأحياناً العزلة هي التي تختارك وليس أنتِ من يختارها . !
هناك سبب اجتماعي بيئي يسبب العزلة الاجتماعية لابد من الانتباه له .
الأستاذ علي أبوصلاح متخصص في علم النفس والتربية ويدير عدة مدارس ومراكز متخصصة في تنمية وانتباه وسلوك وشخصية الأطفال ويعتبر تخصصه وقائياً أكثر منه علاجياً .
وبالتالي فقد حدثنا عن مفهوم العزلة الإجتماعية وأسبابها وكيف نتعامل معها ونخلق منها عزلة (منتجة) .
في البداية لابد أن نعرف أن البيئة هي أول عامل لتشكيل شخصيتنا ، المجتمع الذي نعيش فيه ، الزمن هو المسؤول عن تشكيل الدماغ الاجتماعي ، التكنولوجيا السريعة التي نعيشها اليوم وقدرتنا على مواكبتها أبطأ. فالبعض منا إن لم نقل الأغلب صار يتخذ منها كهفاً خاصاً به و يستأنس بها لأنها لا تُقيم انفعالاتنا ولا أفعالنا مثل الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء مع أنها واقع افتراضي .
أيضاً البيئة المحيطة « الأسرة » قد تكون أحد أهم أسباب العزلة، من خلال عملي ولقائي بأولياء أمور بعض الأطفال ممن يعانون من حالة « تسمى الذاتوية» وهي ليست حالة توحد ولكن الطفل يحب أن يظل مع نفسه لأنه لا يستطيع أن يتفاعل مع أقرانه، تفاجأت بأن الأم نفسها محدودة الصداقات والأب تنعدم لديه العلاقات الاجتماعية وهذا سبب اجتماعي بيئي ينعكس على الطفل وكأن الأبوين اتفقا اتفاقاً غير مصرح لطفلهما بأن يتخذ نفس السلوك فأصبح مثلهما .. بوادر العزلة في سن المراهقة واضحة لديّ، يجب الإسراع بمعالجتها
ويضيف الأستاذ أبوصلاح :-
العزلة الاجتماعية هي أخطر مرحلة قد يمر بها الإنسان وكأنه حكم على نفسه « بالسجن الانفرادي» عندما تكون أسبابها مؤثرة مثل التنمر أو عدم التقبل من المجتمع ، وعلاجها يكون بأن يتعلم الفرد المهارات الاجتماعية وأقصد هنا القدرة على التعامل مع الأشخاص المتلونين الذين لهم تأثير في الحكم علينا وغالباً نراها ضمن المراهقين . وبوادر العزلة في هذه المرحلة تظهر واضحة ويجب الانتباه لها ومعالجتها مبكراً وهذا يقع ضمن اختصاص علم النفس الوقائي .
معرفة المشكلة مبكراً والإسراع بمعالجتها ، ولهذا نقول :
متى يجب زيارة الاخصائي النفسي للاستشارة؟
ودائماً ما أجيب : نزوره عندما لانحتاج أن نزوره .
لتدارك مسببات المشكلة والتي قد تكون نتيجتها « العزلة» .
- هناك أشخاص يتقنون العزلة ويعرفون كيفية الوصول للسلام النفسي.
* ما الطريقة الصحيحة للاستفادة من العزلة وجعلها مرحلة إيجابية في حياتنا ؟
الطريقة الصحيحة هي أن يكون الفرد مستمتعاً بعزلته قبل كل شيء وأن يعرف بأن عزلته هذه ستكون مُنتجة ، هناك أشخاص يتقنون العزلة ويعرفون كيفية الوصول للسلام النفسي . في حين أن آخرين لايتحملون فكرة البقاء لوحدهم ويفشلون في عزلتهم . فالإنتاج نقطة مهمة كنتيجة للعزلة . يخرج منها إنسان جديد برؤية واضحة وحيدة للحياة والعمل . وأنصح بالخطة الأسبوعية لأنها من أنجح الخطط للأفراد العاديين من أجل ترتيب أولوياتهم ولكي تكون مرحلة « العزلة الاجتماعية» إيجابية لابد أن يختار الشخص التوقيت الصح ، والمكان الصح ، وأن تكون عزلة مؤقتة ، هذه هي العزلة التي تجعلك تتذوق حرية النجاح، فالعزلة في هذه الحالة محببة جداً لمراجعة الذات ، خصوصاً مراجعة بعض العلاقات الاجتماعية ، أيها نحتفظ بها ، وأيها نلغيها من حياتنا؟ . فالعزلة هي طباع بشر تتغير ، إذا لم نستطع أن نتعامل مع هذه المتغيرات ستظل العزلة مفروضة علينا سواء من بيئة العمل أو المجتمع أو غيرهم .