«السوشيال ميديا»
فضاء للحريات أم ساحة للانتهاكات؟!
استطلاع : منى توكة
تواجه النساء والفتيات تحديات تمييزية معقدة تجعلهن عرضة لخطابات الكراهية عبر الإنترنت. تشمل هذه التحديات أشكالًا متعددة من التحرش النصي، والإساءة الصورية، وانتشار الفيديوهات المزيفة، ونشر المعلومات الشخصية، فضلاً عن متابعة النساء بشكل مريب.
وفقًا لدراسة أجراها المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للدول العربية في إبريل 2020، والتي شملت النساء في ثماني دول عربية، بما في ذلك ليبيا، اتضح أن حوالي 49 % من المشاركات في الدراسة عبرن عن شعورهن بعدم الأمان نتيجة للتحرش الإلكتروني.
و نشاهد بين الفينة والأخرى قصص نساء مع هذا الخطاب إذ نستذكر مراسلة التلفزيون التونسي فدوى شطورو، التي تعرضت لحملة سخرية من بعض مستخدمي موقع (فيسبوك) أثناء نقلها لوقائع التفجير الانتحاري الذي حصل في محيط السفارة الأمريكية بتونس في مارس٢٠٢٠ بظهورها دون مساحيق تجميل أثناء تغطيتها وكذلك الحال مع المصرية نيرة أشرف، التي قُتلت ذبحاً في وضح النهار على يد زميلها، وبعد وفاتها تعرضت لحملة تشويه إلكتروني وطعن في أخلاقها. يثير التحريض والكراهية تساؤلات حول تبريرات البعض لهذه الأفعال، حيث يُلقى اللوم على المظهر الشخصي والعمل.
ليبيا ليست بمنأى عن هذه المشكلة حيث تتعرض عديد السيدات، وخاصة الناشطات المدنيات والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي ، لهجمات عبر الإنترنت.
و تحدثت الناشطة المدنية مريم مشمور عن تجربتها مع خطاب الكراهية الإلكتروني ، حيث قالت إن إحدى الصفحات على( فيسبوك )التي تتخذ من التحريض على النساء محتوىً لها قامت بنشر صور لها ولزميلاتها في ندوة توعية انتخابية، مرفقة بتعليقات مهينة وافتراءات تحرض على الكراهية.
وتتابع إنه من حسن حظها، تلقت تعليقات داعمة من أصدقائها الذين تفاعلوامع المنشور بنفي الادعاءات الموجهة ضدها وزميلاتها.
وفيما يتعلق بتفاعل عائلتها، أكدت أنهم يعرفون جيدًا نشاطها ودورها كمواطنة مخلصة وناشطة مدنية وأنها معرضة لمثل هذه المواقف . كما أشارت إلى تعرض النساء الناشطات لمواقف مشابهة، مما يجعل الكثيرات يخفين هوياتهن خوفًا من تعرضهن للكراهية والتشويه والتنمر.
و تشاركنا فاطمة ، الشابة في العشرينيات من عمرها، تجربتها المروعة مع الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. قالت إنها تنشر يومياتها بانتظام على حسابها في تطبيق «إنستقرام» الخاص الذي به 8 آلاف متابع والتي تسمح فيه فقط الفتيات بمتابعتها، مشيرة إلى أنها اعتادت على ذلك. وصفت أحد المواقف حيث تم نقل صورتها بدون علمها إلى تطبيق «تيك توك» وتعرضت لتشويه وانتقادات قاسية، مؤكدة أن معظم التعليقات كانت مسيئة ومهينة لها ولعائلتها.
بعد تداول صورتـي دون علمي على تطبيق «تيك توك» ،اضطررت مرغمةلتعليق دراستي لعام كامل، وتعهد صارم بعدم فتح أي حساب في وسائل التواصل الاجتماعي والاكتفاء بجهاز هاتف غير ذكي
و أوضحت فاطمة كيف شعرت بالاستياء عندما رأى أخوها الأكبر الصورة التي أُخذت من حسابها على الانستقرام والتي انتشرت بشكل واسع على «تيك توك». أشارت إلى أنه تم تناقل التعليقات السلبية التي استهدفت عائلتها، مما جعله يفقد هدوءه المعتاد ويندفع للتصرف بغضب.
و كشفت «فاطمة» عن تبعات هذه التجربة الصادمة، حيث اضطرت لمواجهة أوقات عصيبة وتجربة حياة صعبة. بينما كانت تعاني من الهجوم والإهانة، أجبرها أخوها على الابتعاد عن التواصل مع العالم الخارجي بعد منعها من استخدام هاتفها. وتحت تأثير عقوبة قاسية، اضطرت مرغومة لترك مؤسستها التعليمية وتعليق دراستها لعام كامل، ولكن عادت بعد تعهد صارم بعدم فتح أي حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي والاكتفاء بجهاز هاتف غير ذكي .
وتروي «خديجة» موظفة أنها في يوم صادفت منشوراً حول فتاة تم قتلها من قبل أخيها تحت ذريعة الشرف واستنكرت الجريمة بتعليق تم شتمي وتهديدي برسائل وتعليقات في صفحتي الشخصية وحظرت العديد منهم ولكن من خلال معلوماتي
توصلوا إلى زوجي وأرسلوا له رسائل سب وشتم ووصفوني بأني قليلة الحياء وأنه «الخال ميلاد» حتى طلب مني زوجي أن أترك وسائل التواصل الاجتماعي أو أن أبقى فيها بحساب باسم وهمي دون كتابة آراء أو تعليق أو مشاركة وجهات نظري… أصبحت أبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي تدريجياً أما زوجي فحذف حسابه في( الفيسبوك).
وفي استطلاع مع نشطاء وإعلاميين عن تأثير وأسباب وطرق التصدي لهذا الخطاب قال فتحي الفلاني، ناشط و صحفي إن هناك خطابات كراهية تتمثل في نشر رسائل وإعلانات تحمل في طياتها التعصب والتمييز والكراهية تجاه النساء، خاصة من قبل أصحاب الفكر الديني المتعصب.
يشير إلى أنه في مهرجان صيف بنغازي كمثال، يوجد خطاب شعبوي يدعو إلى استبعاد النساء من المشاركة في المهرجان، حيث تعرضت بعض الفتيات للاستهزاء والتنمر عليهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التحرش بحضور النساء بشكل عام.. ويعتقد أنه يمكن مواجهة هذه الظاهرة عبر تجاهل هذه الجهات السلبية وعدم التفاعل معها، بالإضافة إلى نشر ثقافة الانفتاح والسلام كبديل لهذه الخطابات المثيرة للكراهية والتمييز.
• نجلاء حمدي، المديرة التنفيذية لمنصة «نحو الحقيقة»، تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من حدة العنف ضد النساء. وتشير إلى أنه عندما تنشر امرأة مواداً على هذه المنصات، تتعرض لموجة من التنمر والهجوم. على سبيل المثال، في ليبيا، يعتبر مجموعة كبيرة من محتويات تقييم الطعام من صنع الرجال، ومع ذلك، عندما قامت فتاة مؤخراً بنشر محتوى مشابها، تعرضت لكميات هائلة من التعليقات السلبية والتنمر. تشير إلى أن مشكلة الكراهية تجاه النساء لا تزال مستمرة.
وتعتبر هذه المشكلة ظاهرة عالمية، حيث يستمر التمييز حتى في الدول المتقدمة. وتشير إلى أن النساء الليبيات اللاتي يسعين للنجاح والتعليم في الخارج يواجهن انتقادات وتشويها لإنجازاتهن، بينما يحظى الرجال بالتشجيع والإشادة.
•ويعتقد عبدالحكيم الطويل، «كاتب وقاص» أن وسائل الإعلام هي مجرد مرآة أمينة للفكر الجمعي لأي مجتمع، إنها وسيلة حديثة ساهمت بشكل كبير وسريع جداً في كشف حقيقة المخبوء من العقلية الغالبة في أي مجتمع تجاه أي قضية! فهي بذلك نتيجة وليست سبباً! مشيراً إلى أنها أظهرت بوضوح المقدار الكبير لسخرية الذكور الليبيين تجاه الزوجة شريكة الحياة وأي ليبية تتبوأ منصباً، خصوصاً التي لا تغطي رأسها أو وجهها أو كليهما.
ويتابع موضحاً أنه في السنوات الأولى لاستخدامه ال « فيسبوك »، كان محتوى الكراهية تجاه النساء أكبر بكثير. منوهاً أن العقلية التي تعتبر المرأة، حتى الزوجة، مجرد جارية للمتعة وتربية الأبناء والبقاء في المنزل. يعتمد ذلك على قراءات دينية مغلوطة تهدف إلى تفوق الذكر على الأنثى. مضيفاً، قام شخصيًا وكثيرون من المتنورين، بمهاجمة هذا المحتوى بشكل مضاد باستخدام المنطق والآيات القرآنية داعياً المتنورين أن يستمروا في دورهم الطوعي لرفع الظلم عن 50 % من أفراد المجتمع.
ويعتقدأن المستخدمين العاديين يمكنهم المساهمة في خلق بيئة أكثر احترامًا وتسامحًا على منصات التواصل الاجتماعي بإعادة نشر محتوى يساهم في تأسيس بيئة أكثر احترامًا وتسامحًا في صفحاتهم الشخصية، مع احترام حقوق نسبة لأعمال المتنورين والمصلحين.
يقاطعون صفحات الفاسدين والمتطرفين ويحظرونها، ويبلغون عن انتهاكات معايير التواصل الاجتماعي. هذا سيقلل من شهرتهم وانتشارهم، ويجعلهم يخاطبون بعضهم البعض في دائرة فسادهم وتطرفهم الضيقة
الصحفي سالم الحريك يشدد على أن وسائل التواصل الاجتماعي تمارس تأثيرًا سلبيًا وإيجابيًا عمومًا، مؤكدًا أنها تساهم بشكل حاسم في نشر رسائل الكراهية ضد فئات مختلفة في المجتمع، وأن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على النساء بل تشمل الجميع، حيث يرفض التفكير الجماعي للمجتمع أي شكل من أشكال التمييز بغض النظر عن الجنس أو الفئة..
ويقترح تعزيز بيئة تواصل اجتماعي محترمة ومسالمة من خلال رفض جميع أشكال الكراهية وعدم التفاعل معها، والالتزام بسياسات ومعايير المنصات الاجتماعية من خلال الإبلاغ عن هذه الظاهرة كخطاب كراهية.
وتتفق الاذاعيتان حفصة إحميد و فيحاء العاقب على أن رواد وسائل التواصل الاجتماعي يوجهون ويعبرون عن الكراهية بصراحة، مشيرتان إلى زيادة ملحوظة في انتشار الكراهية ضد النساء. خاصة النساء المؤمنات بقضايا اجتماعية أو الصحفيات فهن الأكثر تعرضًا لهذه الكراهية.