الرئيسية / مقال / سمكة ومؤسسات!

سمكة ومؤسسات!

» حسام‭ ‬الوحيشي 

هل‭ ‬يمكنكم‭ ‬أن‭ ‬تسمحوا‭ ‬لي‭ ‬بإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬‮«‬البنية‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬نظراً‭ ‬لبراءتها‭ ‬من‭ ‬التهم‭ ‬المنسوبة‭ ‬إليها‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الازدهار؟

قد‭ ‬أتغاضى‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬وصم‭ ‬‮«‬البنية‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬بالجرم،‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬المسألة‭ ‬متعلقة‭ ‬بإخفاق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬لأنني‭ ‬قد‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬تحليلي‭ ‬لم‭ ‬يتكامل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لإنتاج‭ ‬حكم‭ ‬قاطع‭. ‬الشعوب‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬جزء‭ ‬منها،‭ ‬تتميز‭ ‬الدولة‭ ‬ككائن‭ ‬سياسي‭ ‬محض‭ ‬بعلامة‭ ‬فارقة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬المؤسسات‮»‬،‭ ‬منها‭ ‬ينبع‭ ‬كل‭ ‬الدفق‭ ‬الضابح‭ ‬في‭ ‬أوردة‭ ‬جسدها‭ ‬الهرمي‭.‬

حتى‭ ‬مراجعة‭ ‬معلقة‭ ‬لقضية‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بفشل‭ ‬الأمم،‭ ‬يمكننا‭ ‬تحفظاً‭ ‬تركها‭ ‬لتتعفن‭ ‬وراء‭ ‬قضبان‭ ‬السجن‭ ‬الاحتياطي‭ ‬بتهمتها،‭ ‬وأرجو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬بكفالة‭ ‬مهما‭ ‬ارتفعت‭ ‬قيمتها‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭.‬

السياسات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬تخلف‭ ‬الدول،‭ ‬هذه‭ ‬جملة‭ ‬جازمة‭ ‬لدي‭. ‬إن‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬العرق،‭ ‬الدين،‭ ‬العقيدة،‭ ‬الأجداد،‭ ‬التاريخ،‭ ‬الثقافة‭ ‬براء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينسب‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬هراء‭. ‬سأكافح‭ ‬هنا‭ ‬بصرامة‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يخلط‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والدولة‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬الفروقات‭ ‬الجوهرية‭ ‬للمفهومين،‭ ‬وقد‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التطرّف‭ ‬أصفهم‭ ‬فيها‭ ‬بالتعصّب‭ ‬أو‭ ‬السذاجة‭ ‬بلا‭ ‬مواربة‭ ‬في‭ ‬اللفظ‭ ‬رغم‭ ‬قسوة‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬وتشدده‭. ‬ولتبرر‭ ‬لي‭ ‬الغاية‭ ‬لو‭ ‬تفضلت‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬لن‭ ‬ألقي‭ ‬بالاً‭ ‬للأمر‭. ‬يغمرني‭ ‬شعور‭ ‬بأهمية‭ ‬الطرح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬يعصف‭ ‬بالمرونة‭ ‬ومشتقاتها‭.‬

‮«‬إنها‭ ‬السياسة‭ ‬الحمقاء‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬النخبة‭ ‬العفنة‭ ‬على‭ ‬جسد‭ ‬مصالحها‭ ‬غير‭ ‬الوطنية،‭ ‬إنه‭ ‬ثوب‭ ‬مصالح‭ ‬الطبقة‭ ‬المتنفذة‭ ‬الضيّقة‭ ‬الذي‭ ‬يخنق‭ ‬عافية‭ ‬جسم‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكريس‭ ‬القيم‭ ‬المتخلفة‭ ‬حيثما‭ ‬وجدتها‭ ‬داخل‭ ‬الخرائب‭ ‬الثقافية‭ ‬الخائرة،‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬المريض،‭ ‬من‭ ‬خرافات‭ ‬القدماء،‭ ‬من‭ ‬هثرمات‭ ‬الحاضر،‭ ‬من‭ ‬العطن‭ ‬المجايل‭ ‬إلخ‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬دكنا‭ ‬كرة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية‭ ‬فسنقول‭ ‬إنها‭ ‬حمّالة‭ ‬أوجه‭. ‬تستطيع‭ ‬المؤسسات‭ ‬عبر‭ ‬سياساتها‭ ‬أن‭ ‬تستدعي‭ ‬ما‭ ‬شاءت‭ ‬من‭ ‬ملامحها‭ ‬وتهجر‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬بقبضتها‭ ‬السلطوية‭ ‬المفعمة‭ ‬بالقوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬والتكتيكات‭ ‬والخزائن‭ ‬والتنفيذيين‭ ‬والقضبان‭ ‬والسبطانات‭ ‬والطائرات‭ ‬غير‭ ‬المُخيّرة‭.‬

لا‭ ‬بأس‭ ‬أبداً،‭ ‬ليسمح‭ ‬لي‭ ‬الإخوة‭ ‬رغم‭ ‬قداستهم‭ ‬العاجية‭ ‬بوصمهم‭ ‬بكل‭ ‬إجلال‭ ‬ممكن‭ ‬بالقليل‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬البشرية‭. ‬أعني‭ ‬بلطف‭ ‬أن‭ ‬السمكة‭ ‬تفسد‭ ‬من‭ ‬رأسها‭ ‬للأسف،‭ ‬وأن‭ ‬الشعب‭ ‬وبنيته‭ ‬الثقافية‭ ‬مجرد‭ ‬ذيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعمعة‭. ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬كحكم‭ ‬جازم‭ ‬آخر‭. ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬البنية‭ ‬الثقافية،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الجغرافية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬التضاريس،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التاريخية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬و‭… ‬و‭… ‬و،‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬الأولى‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬لفشل‭ ‬سياسات‭ ‬الثانية‭ ‬والعكس‭ ‬ليس‭ ‬صحيحاً‭.‬

التبسيط‭ ‬فيما‭ ‬سلف‭ ‬متعمد‭ ‬جداً‭ ‬وليس‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬عضلات‭ ‬التعقيد‭ ‬الامبراطورية‭ ‬لدى‭ ‬الكاتب‭..‬

قد‭ ‬يتبع‭..‬

شاهد أيضاً

فــي لقــاء بالشاعــر الفلسطيني المقيـم في ليبيا ‘‘ربحي أحمد الطيماوي’’

فـي‭ ‬ليبيا‭ ‬أمتلك‭ ‬مســــاحة‭ ‬واسعـــــة‭ ‬فـي‭ ‬الكتابة‭ ‬بسبب‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬والتضامنـــي‭ ‬مــع‭ ‬شعبنـــا‭ ‬وقضيتــــه‭ بخـلاف‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *