الرئيسية / الرئيسية / الفتـى الـذي اكتـــشف أنـــه اثنــان .. !

الفتـى الـذي اكتـــشف أنـــه اثنــان .. !

»مصطفى‭ ‬علي

إنّها‭ ‬قرية‭ ‬لو‭ ‬سافرت‭ ‬إليها‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬شيء‭ ‬سيثير‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬التساؤلات‭ ‬منظر‭ ‬ذاك‭ ‬الكوخ‭ ‬المنعزل‭ ‬ذي‭ ‬اللون‭ ‬الأبيض‭ ‬المخالف‭ ‬لبقية‭ ‬الأكواخ،‭ ‬والذي‭ ‬ستجده‭ ‬أقرب‭ ‬البيوت‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر‭. ‬كما‭ ‬ستجده‭ ‬محاطاً‭ ‬بحديقة‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬حدائق‭ ‬القرية،‭ ‬والتي‭ ‬ترسو‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركانها‭ ‬عربة‭ ‬خشبية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬يسار‭ ‬الداخل‭ ‬من‭ ‬الباب‭. ‬وبالقص‭ ‬الأيمن‭ ‬حيث‭ ‬شجرة‭ ‬توت‭ ‬مربوط‭ ‬في‭ ‬غصنها‭ ‬أرجوحة‭ ‬ومشدود‭ ‬إليها‭ ‬فرسٌ‭ ‬أصيلة‭ ‬شهباء‭ ‬اللون‭. ‬وتلك‭ ‬الأرجوحة‭ ‬أنشأها‭ ‬صاحبا‭ ‬الكوخ‭ ‬لطفليهما‭ ‬الذي‭ ‬اعتقدا‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنهما‭ ‬يشكان‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬ذكراه‭ ‬الجميلة‭.‬

لقد‭ ‬صار‭ ‬أبواه‭ ‬يتخيّلانِه‭ ‬جالساً‭ ‬يلعب‭ ‬بلعبته‭ ‬المفضلة‭ ‬–الأرجوحة‭- ‬ببراءة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬بينما‭ ‬ستشعر‭ ‬أنت‭ ‬بأن‭ ‬البيت‭ ‬وكأنه‭ ‬بيتك‭ ‬وكأنك‭ ‬سكنت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬وسيشدك‭ ‬الحنين‭ ‬لتلك‭ ‬الأرجوحة‭ ‬التي‭ ‬ستجلس‭ ‬عليها،‭ ‬وبينما‭ ‬أنت‭ ‬تتأرجح‭ ‬بها‭ ‬ستتذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬تفُتك‭ ‬بل‭ ‬تعقّبتك‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭.. ‬ولكن‭ ‬أين؟‭ ‬ومتى؟

وستظل‭ ‬تقلّب‭ ‬في‭ ‬ذكرياتك‭ ‬لترجمة‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬ذهنك،‭ ‬لكنك‭ ‬لن‭ ‬تفهم‭ ‬شيئاً،‭ ‬لكن‭ ‬صدقني‭ ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬أنت‭ ‬ذاك‭ ‬الولد‭ ‬الذي‭ ‬اختفى‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غامضة،‭ ‬فهو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يمت‭.. ‬وإلا‭ ‬فأين‭ ‬جسده؟‭ ‬وأين‭ ‬رفاته؟

وإذا‭ ‬ما‭ ‬صعدت‭ ‬قليلاً‭ ‬نحو‭ ‬الغرب‭ ‬فستجد‭ ‬سهلاً‭ ‬فائق‭ ‬الروعة،‭ ‬ستفترشه،‭ ‬ولنقل‭ ‬أنك‭ ‬مسيّر‭ ‬ولا‭ ‬تدري‭ ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬فاعله،‭ ‬أفلا‭ ‬تشعر‭ ‬بأن‭ ‬يداً‭ ‬خفية‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تراها‭ ‬تحركك‭ ‬على‭ ‬هواها‭. ‬ستنبهر‭ ‬بذاك‭ ‬الصوت‭ ‬الندي‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬تحديده‭ ‬إذ‭ ‬أنك‭ ‬ستلتفت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬حتى‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يناديك‭ ‬هي‭ ‬الزهور‭ ‬التي‭ ‬دُسْتَ‭ ‬عليها‭ ‬وهي‭ ‬تدعوك‭ ‬لكي‭ ‬تقطفها‭ ‬وتستمتع‭ ‬بعبق‭ ‬أريجها،‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬الرفض‭ ‬أمام‭ ‬سحرها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬رفضت‭ ‬سترتكب‭ ‬ذنباً‭ ‬ربما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إرجاعك‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتيت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬اشتممت‭ ‬رائحتها‭ ‬حتما‭ ‬ستنتعش‭ ‬وستذب‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬أوصالك،‭ ‬وستضفي‭ ‬عليك‭ ‬روح‭ ‬المغامرة،‭ ‬ولن‭ ‬يهنأ‭ ‬لك‭ ‬بال‭ ‬حتى‭ ‬تحل‭ ‬لغز‭ ‬هذه‭ ‬القصة،‭ ‬وحتماً‭ ‬ستعيش‭ ‬أحداث‭ ‬قصة‭ ‬بطل‭ ‬القصة،‭ ‬ستراه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬رؤيتك،‭ ‬ولكنك‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬له‭.‬

وعقب‭ ‬استنشاقك‭ ‬لعبير‭ ‬الزهور‭ ‬سترى‭ ‬أشجار‭ ‬التفاح‭ ‬تقترب‭ ‬منك‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬وستقدم‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ ‬ثمارها،‭ ‬متوسلة‭ ‬إليك‭ ‬أن‭ ‬تأكل‭ ‬منها،‭ ‬وأن‭ ‬تأخذ‭ ‬معك‭ ‬بعضاً‭ ‬منها‭ ‬لذاك‭ ‬الكوخ‭ ‬الأغر،‭ ‬لكنك‭ ‬لن‭ ‬تفهمها،‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تفقه‭ ‬لغة‭ ‬الشجر،‭ ‬وستظن‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬حلم‭. ‬ستنسى‭ ‬نفسك‭ ‬للحظات،‭ ‬وستغفو‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬شجرة،‭ ‬وعندما‭ ‬تزحف‭ ‬الشمس‭ ‬مقتربة‭ ‬منك‭ ‬ستوقظك‭ ‬بنعومة‭ ‬ودفء‭ ‬أصابعها،‭ ‬وسترى‭ ‬عندها‭ ‬ما‭ ‬يسر‭ ‬ناظريك،‭ ‬قطعان‭ ‬من‭ ‬الغزلان‭ ‬تحيطك،‭ ‬جواميس‭ ‬وأغنام،‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬أعناقها‭ ‬أجراس‭ ‬توقظ‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬طال‭ ‬سباته،‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬نشوة‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصابها‭ ‬الملل‭ ‬والفتور،‭ ‬وستطرب‭ ‬نفسك‭ ‬لعذب‭ ‬الألحان‭ ‬الذي‭ ‬تشجيه‭ ‬الأجراس‭. ‬ستندفع‭ ‬وتنحدر‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬السهل‭ ‬باتجاه‭ ‬القرية،‭ ‬وبينما‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬يدفعك‭ ‬للحاق‭ ‬بالقطعان‭ ‬ستتوقف‭ ‬فجأة‭ ‬على‭ ‬منظر‭ ‬عجوز‭ ‬متكئ‭ ‬على‭ ‬عكازٍ‭ ‬مهترئ‭ ‬يكاد‭ ‬يقع‭ ‬به،‭ ‬سيشدك‭ ‬منظره‭ ‬وستدفعك‭ ‬الشفقة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬كي‭ ‬تسأله،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬أنت‭ ‬ذلك‭ ‬سيسبقك‭ ‬وسيكون‭ ‬سؤاله‭ ‬لك‭ ‬وبدون‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬شفتاه‭: ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬أنا؟‭ ‬ستهرع‭ ‬لهذا‭ ‬المنظر،‭ ‬وستنسى‭ ‬أنك‭ ‬أنت‭ ‬بمجرد‭ ‬تفكيرك‭ ‬في‭ ‬سؤاله،‭ ‬وعندها‭ ‬سينتقل‭ ‬إحساسك‭ ‬لجسده،‭ ‬وستعم‭ ‬الطفولة‭ ‬في‭ ‬أوصاله‭ ‬وستبقى‭ ‬أنت‭ ‬كما‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬بأنت،‭ ‬سيذهب‭ ‬العجوز‭ ‬بل‭ ‬الطفل‭ ‬تاركاً‭ ‬إياك‭ ‬وحيداً‭ ‬لقدرك‭ ‬المحتوم‭ ‬وسيبقى‭ ‬مصيرك‭ ‬معلقاً‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬له‭ ‬مرسىً‭ ‬إن‭ ‬صارت‭ ‬قصتك‭ ‬حكايةً‭ ‬يسردها‭ ‬الأجداد‭ ‬لأحفادهم،‭ ‬وعندها‭ ‬لن‭ ‬يفكر‭ ‬أحد‭ ‬بالاقتراب‭ ‬منك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يأخذ‭ ‬مكانك،‭ ‬لذا‭ ‬ستظل‭ ‬تنتظر‭ ‬أحداً‭ ‬ليأخذ‭ ‬مكانك،‭ ‬ويحاول‭ ‬الاقتراب‭ ‬منك،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬بلا‭ ‬جدوى،‭ ‬فقد‭ ‬يطول‭ ‬انتظارك،‭ ‬عندها‭ ‬فلتؤمن‭ ‬بأنك‭ ‬لن‭ ‬تحيا‭ ‬ولن‭ ‬تموت‭. ‬

سترى‭ ‬العجوز‭ ‬بل‭ ‬الطفل‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬انتظرت‭ ‬كي‭ ‬ترى‭ ‬سكّانه،‭ ‬وسيخرج‭ ‬مسرعاً‭ ‬ليتجه‭ ‬صوب‭ ‬الجبال،‭ ‬ويصعد‭ ‬المنحدر‭ ‬إلى‭ ‬قمته‭ ‬وستشعر‭ ‬بأن‭ ‬التعب‭ ‬يدبّ‭ ‬في‭ ‬أوصالك‭ ‬مع‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تبذل‭ ‬جهداً،‭ ‬وستراقب‭ ‬الصغير‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬يعتلي‭ ‬القمة،‭ ‬سيلوح‭ ‬لك‭ ‬بريق‭ ‬يتلألأ‭ ‬جراء‭ ‬انعكاس‭ ‬الضوء‭ ‬من‭ ‬الواجهات‭ ‬الزجاجية‭ ‬لقصور‭ ‬المدينة،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الجبال‭ ‬تحول‭ ‬بينك‭ ‬وبينها،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تظنن‭ ‬نفسك‭ ‬بأنك‭ ‬فردٌ،‭ ‬بل‭ ‬إنك‭ ‬اثنان‭ ‬،‭ ‬وأنك‭ ‬لست‭ ‬في‭ ‬مكان،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مكانين،‭ ‬وستكتشف‭ ‬لاحقاً‭ ‬بأنك‭ ‬لا‭ ‬تعاصر‭ ‬زمناً‭ ‬واحداً‭ ‬بل‭ ‬زمنين‭..‬

شاهد أيضاً

تأخر بروز الأسنان لدى الأطفال إشارات تستدعي الانتباه

توجد‭ ‬عديد‭ ‬الإشارات‭ ‬الاستفهامية‭ ‬حول‭ ‬طب‭ ‬أسنان‭ ‬الأطفال‭ ‬فى‭ ‬عدم‭ ‬بروز‭ ‬الأسنان‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬الرضع‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *