الرئيسية / مقال / أصوات من القبور

أصوات من القبور

» عفاف عبد المحسن 

مكللة‭ ‬بالمواجع‭ .. ‬أعبر‭ ‬برفعة‭ ‬منتصر‭ ‬أمام‭ ‬الأعين‭ ‬إذ‭ ‬سمعت‭ ‬اليوم‭ ‬صوتي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬وكأنه‭ ‬حقاً‭ ‬صدى‭ ‬من‭ ‬جوف‭ ‬الأرض‭ ‬يأتي‭ .. ‬مايزال‭ ‬يقول‭ ‬أنا‭ ‬هنا‭ .. ‬أستنشق‭ ‬عبير‭ ‬الحياة‭ ‬وإن‭ ‬باغتني‭ ‬الزمن‭ ‬بسنين‭ ‬تغير‭ ‬ملامحي‭ .. ‬وتبطئ‭ ‬من‭ ‬حركتي‭ .. ‬وقد‭ ‬تجلب‭ ‬كثير‭ ‬الآلام‭ ‬التي‭ ‬يشخصها‭ ‬الأطباء‭ ‬‮«‬‭ ‬دواعي‭ ‬العمر‭ ‬‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يحبطني‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬إيماناً‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬وطالما‭ ‬الروح‭ ‬وثابة‭ ‬نحو‭ ‬كل‭ ‬عطاء‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يثني‭ ‬الجسم‭ ‬عن‭ ‬الاستمرارية‭ ‬بطاقة‭ ‬وإن‭ ‬خفت‭ ‬فلن‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بتوقف‭ ‬القلب‭ ‬عن‭ ‬الخفق‭ ‬والذهن‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ .. ‬فتحت‭ ‬المذياع‭ ‬فإذا‭ ‬بصوت‭ ‬آخر‭ ‬لمن‭ ‬ننعتهم‭ ‬مسؤولاً‭ ‬خرقت‭ ‬كلماته‭ ‬قلبي‭ ‬كرصاص‭ ‬أصوات‭ ‬عفا‭ ‬عليها‭ ‬الزمن‭ ‬وكأنها‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬المقابر‭ ‬تنهدت‭ ‬وغيرت‭ ‬الموجة‭ ‬لأثير‭ ‬آخر‭ ‬هذا‭ ‬صوتي‭ .. ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬صوتي‭ ‬الذي‭ ‬اعتدته‭ ‬مرحاً‭ ‬متفائلاً‭ ‬ناعماً‭ ‬متلاعباً‭ ‬بالأحبال‭ ‬الصوتية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مرمى‭ ‬لمادة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭ ‬كنهاً‭ ‬وموضوعاً‭ ‬وتركيبة‭ ‬جملية‭ ‬؟‭. ‬قلت‭ ‬محدثة‭ ‬نفسي‭ ‬بصوت‭ ‬مسموع‭ ‬لا‭ ‬تحزني‭ .. ‬ألهذا‭ ‬الحد‭ ‬ألسن‭ ‬حادة‭ ‬لا‭ ‬تزن‭ ‬كلماتها‭ ‬قد‭ ‬تقتل‭ ‬الروح‭ ‬بينما‭ ‬الجسم‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬؟‭. ‬أغلقت‭ ‬المذياع‭ ‬بتوتر‭ ‬وفي‭ ‬ذهني‭ ‬‭.. ‬تماسكي‭ .. ‬فكلنا‭ ‬للموت‭ ‬وما‭ ‬الخلود‭ ‬والدوام‭ ‬إلا‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ .. ‬نحن‭ ‬أرواح‭ ‬تسكن‭ ‬أجساداً‭ ‬تتلبسنا‭ ‬أنفس‭ ‬بيننا‭ ‬الأمارة‭ ‬بالسوء‭ ‬والأخرى‭ ‬الأقل‭ ‬حظاً‭ ‬اللوامة‭ .. ‬جميعنا‭ ‬هياكل‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬البسيطة‭ ‬المتعبة‭ ‬تحت‭ ‬أقدامنا‭ ‬لا‭ ‬تئن‭ ‬لثقل‭ ‬أوزان‭ ‬بقدر‭ ‬أنينها‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬ذنوب‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ..‬‭ ‬نتعب‭ ‬ونجاهد‭ ‬ونكافح‭ ‬عاملين‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬كي‭ ‬نبني‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعيشها‭ ‬بسعادة‭ ‬حينما‭ ‬نتأكد‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬أننا‭ ‬نسعد‭ ‬آخرين‭ ‬نعرفهم‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نعرفهم‭ ‬نقابلهم‭ ‬مصادفة‭ ‬فيشكروننا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬عطاء‭ ‬كلامي‭ ‬فقط‭ ‬ساعدناهم‭ ‬فرفعنا‭ ‬عنهم‭ ‬هماً‭ ‬يثقل‭ ‬قلوبهم‭ ‬لحاجة‭ ,‬وحزناً‭ ‬كان‭ ‬يسكنهم‭ ‬لفقد‭ ,‬ويأساً‭ ‬داهمهم‭ ‬لهدف‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬وأمنية‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ .. ‬وبيتاً‭ ‬أعدنا‭ ‬ترتيبه‭ ‬دون‭ ‬قصد‭ ‬ونحن‭ ‬نحثهم‭ ‬على‭ ‬التفاهم‭ ‬والتحابب‭ ‬وتنظيم‭ ‬الأولويات‭ ‬فساروا‭ ‬على‭ ‬الخطوات‭ ‬ووصلوا‭ ‬للمبتغى‭ ‬واستقامت‭ ‬المعيشة‭ ‬وعادوا‭ ‬لأحضان‭ ‬أسرهم‭ ‬هانئين‭ … ‬كم‭ ‬نغتبط‭ ‬لهذا‭.. ‬نحن‭ ‬إذن‭ ‬في‭ ‬الدرب‭ ‬السليم‭ ‬سرنا‭ ‬وعملنا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ومايلفظ‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬إلا‭ ‬لديه‭ ‬رقيب‭ ‬عتيد‮»‬‭ ‬نحن‭ ‬راقبنا‭ ‬أقلامنا‭ ‬وتابعنا‭ ‬خط‭ ‬سير‭ ‬أصواتنا‭ ‬فلم‭ ‬نكتب‭ ‬إلا‭ ‬خيراً‭ ‬ولم‭ ‬نقل‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬اطمأنت‭ ‬له‭ ‬ضمائرنا‭ ‬،عملنا‭ ‬ببيت‭ ‬حكيم‭ ‬لبعض‭ ‬الشعراء‭ ‬‮«‬‭ ‬ولا‭ ‬تكتب‭ ‬بقلمك‭ ‬غير‭ ‬شيء‭ .. ‬يسرك‭ ‬في‭ ‬القيامة‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬‮»‬‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وتكتشف‭ ‬أن‭ ‬محيطك‭ ‬لا‭ ‬يعير‭ ‬هذا‭ ‬اهتماماً‭ ‬بل‭ ‬يعيّرك‭ ‬بجملة‭ ‬‮«‬‭ ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المتحدث‭ ‬محترماً‭ ‬لبقاً‭ ‬أما‭ ‬غيره‭ ‬الأكثر‭ ‬سوءاً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية‭ ‬فيجابهك‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬عمرك‭ ‬أويزيد‭ ‬‮«‬‭ ‬أفسحوا‭ ‬مجالاً‭ ‬لأصوات‭ ‬جديدة‭ .. ‬لجيل‭ ‬جديد‭ .. ‬اكتفى‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬المقابر‭ ‬فلتكن‭ ‬في‭ ‬الأرشيف‭ ‬تاريخاً‭ ‬ربما‭ ‬استذكرناه‭ ‬يوماً‭ ‬‮«‬‭ ‬وتذكرني‭ ‬سفاهة‭ ‬الجمل‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬بعض‭ ‬العقلاء‭  ‬‮«‬‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬الجهل‭ ‬مقبرة‭ .. ‬والعلم‭ ‬يفضح‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬خلل‮»‬‭  ‬تتخبطنا‭ ‬الأفكار‭ ‬العقيمة‭ ‬كمس‭ ‬كهربائي‭ ‬شديد‭ ‬لا‭ ‬يهلكنا‭ ‬وإن‭ ‬حرق‭ ‬دواخلنا‭ ‬ونصمد‭ ‬أمام‭ ‬الصدمات‭ ‬حين‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬مآلات‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬حقيقها‭ ‬وواضحها‭ .. ‬ولن‭ ‬يجرجرنا‭ ‬هذا‭ ‬لنشعر‭ ‬أن‭ ‬قضي‭ ‬الأمر‭ ‬فليدفنوا‭ ‬أحياء‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مرت‭ ‬عليهم‭ ‬الحقب‭ ‬ولم‭ ‬يُقْبَضوا‭ ‬بعد‭ ‬لتخلو‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬أعمدتها‭ ‬والمؤسسات‭ ‬من‭ ‬مؤسسيها‭ ‬ولنسلم‭ ‬أن‭ ‬الحكمة‭ ‬ليست‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الكبار‭ ‬سناً‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الكبار‭ ‬تجربة‭ ‬وعلماً‭ ‬ومعارف‭ ‬وأعود‭ ‬فأقول‭ ‬إذا‭ ‬خلت‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬ومن‭ ‬صقلتهم‭ ‬التجارب‭ ‬وانزووا‭ ‬على‭ ‬الأرفف‭ ‬المغبرة‭ ‬منتظرين‭ ‬قابض‭ ‬الأرواح‭ ‬وترك‭ ‬لهم‭ ‬الله‭ ‬فرصة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬لحكمة‭ ‬وفي‭ ‬حكم‭ ‬المجتمع‭  ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬المعاش‭ ‬إذن‭ ‬‮«‬سبحة‭ ‬وصلاية‭ ‬وادعي‭ ‬بحسن‭ ‬الخاتمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬لهجتنا‭ ‬الليبية‭ ‬بل‭ ‬الصحيح‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ :‬

‮«‬‭ ‬إن‭ ‬حشد‭ ‬العقلاء‭ ‬أمر‭ ‬معقد‭ ‬بعكس‭ ‬حشد‭ ‬القطيع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلا‭ ‬لراع‭ ‬وكلب‭ ‬وفيّ‮»‬‭ .‬

شاهد أيضاً

فــي لقــاء بالشاعــر الفلسطيني المقيـم في ليبيا ‘‘ربحي أحمد الطيماوي’’

فـي‭ ‬ليبيا‭ ‬أمتلك‭ ‬مســــاحة‭ ‬واسعـــــة‭ ‬فـي‭ ‬الكتابة‭ ‬بسبب‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬والتضامنـــي‭ ‬مــع‭ ‬شعبنـــا‭ ‬وقضيتــــه‭ بخـلاف‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *