الرئيسية / مقال / أبطال بدون بنادق

أبطال بدون بنادق

إلى اللقاء 

أبطال بدون بنادق 

» عبدالرزاق الداهش

لم‭ ‬يكن‭ ‬سيلفستر‭ ‬ستالون‭ ‬الذي‭ ‬أظهرته‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬رامبو،‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬الجندي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬ذليلا‭ ‬في‭ ‬أحراش‭ ‬فيتنام‭ ‬ويداه‭ ‬على‭ ‬رأسه‭.‬

فما‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والخيال،‭ ‬مسافة‭ ‬أبعد‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬هوليود،‭ ‬وهانوي،‭ ‬حيث‭ ‬أبطال‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الخيال‭ ‬وغيرهم‭ ‬يصنعون‭  ‬التاريخ‭.‬

‭”‬لي‭ ‬دوان‭” ‬رجل‭ ‬لم‭ ‬يجىء‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أغلفة‭ ‬روايات‭ ‬أنطوان‭ ‬تشيخوف،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬غبار‭ ‬المعارك،‭ ‬ودموع‭ ‬الانتصارات‭.‬

هزم‭ ‬امريكا‭ ‬بقاذفاتها‭ ‬العملاقة‭ ‬التي‭ ‬أنزلت‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬يصارع‭ ‬الغزاة‭ ‬بعد‭ ‬الغزاة‭.‬

خرج‭ ‬اليابانيون‭ ‬نتيجة‭ ‬لمقاومة‭ ‬عنيفة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬أخرى،‭ ‬ليجيء‭ ‬المحتل‭ ‬الفرنسي‭.‬

وما‭ ‬ان‭ ‬هرب‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬فيتنام‭ ‬تحارب‭ ‬نفسها،‭ ‬الجنوب‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي،‭ ‬والشمال‭ ‬سوفبتي‭.‬

وبعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬تخرج‭ ‬امريكا‭ ‬تجرجر‭ ‬حقائبها‭ ‬وبقايا‭ ‬أعلامها‭ ‬ونحو‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬تابوت،‭ ‬ومئة‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬يعانون‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭.‬

وكان‭ “‬لي‭ ‬دوان‭” ‬هو‭ ‬رجل‭ ‬الحرب،‭ ‬الذي‭ ‬أحرق‭ ‬أصابع‭ ‬امريكا،‭ ‬ونتف‭ ‬أهدابها‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬النهر‭ ‬الأحمر‭. ‬

ويظل‭ ‬التاريخ‭ ‬يكرر‭ ‬نفسه،‭ ‬ويقول‭ ‬لبطل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬ما‭ ‬قالها‭ ‬الإنجليز‭ ‬لتشرشل،‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬الكونية‭ ‬الثانية‭:‬

‭”‬رجال‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬ينفعون‭ ‬لإدارة‭ ‬السلام‭”.‬

وخسر‭ “‬لي‭ ‬دوان‭” ‬معركة‭ ‬فيتنام‭ ‬ضد‭ ‬الفقر،‭ ‬والمرض‭ ‬والجوع‭.‬

طار‭ ‬معدل‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬بما‭ ‬يلامس‭ ‬800‭ ‬بالمئة‭ ‬وحتى‭ ‬أكثر‭.‬

ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬مخيفة،‭ ‬مع‭ ‬احتكار‭ ‬الدولة‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬باستثناء‭ ‬الهواء‭.‬

وهكذا‭ ‬خسر‭ “‬دون‭” ‬نفسه‭ ‬وتحول‭ ‬من‭ ‬بطل‭ ‬إلى‭ ‬مأساة،‭ ‬وحالة‭ ‬تراجيديا‭.‬

وجاء‭ “‬فان‭ ‬لين‭” ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الأكاديميات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وقدم‭ ‬نموذج،‭ (‬السلطة‭ ‬شيوعية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬رأسمالي‭).‬

وقاد‭ ‬معركة‭ ‬إصلاح‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬دوي‭ ‬بوي‭) ‬وبدأت‭ ‬مليارات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬التدفق‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬يحقق‭ ‬اسرع‭ ‬حركة‭ ‬نمو‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

وزاد‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تحقق‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬نمو‭.‬

وتحول‭ ‬البلد‭ ‬الجائع‭ ‬إلى‭ ‬ثالث‭ ‬مصدر‭ ‬للأرز‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمي‭.‬

وصار‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬يستعملون‭ ‬هواتف‭ ‬سام‭ ‬سونج‭ ‬هناك‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬صنع‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭.‬

‭ ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬ماركات‭ ‬الأزياء‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬تصنع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬12‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬التعليم‭.‬

وامريكا‭ ‬عدو‭ ‬الأمس‭ ‬صارت‭ ‬شريك‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬أضحي‭ ‬الجار‭ ‬الصيني‭ ‬منافسا‭ ‬قويا‭ ‬وليس‭ ‬أخاً‭ ‬في‭ ‬الأيديولوجيا‭.‬

الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬في‭ ‬الصناعة،‭ ‬والزراعة،‭ ‬وإدارة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري،‭ ‬وليس‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬المتفجرات‭..‬أبطال‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬يرتدون‭ ‬بدلة‭ ‬الشغل،‭ ‬وليس‭ ‬المـــــلابس‭ ‬العسكريــــة‭ ‬المــــرقطــة،‭ ‬ويقـــــودون‭ ‬الجــــــرارات‭ ‬وليس‭ ‬الدبابـــــات‭.‬

شاهد أيضاً

الفليم الذى يقدم رسالة الحياة وقيمة الفرحة

من‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬المشاهد،‭ ‬جيلاً‭ ‬بعد‭ ‬جيل،‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬فهمه‭ ‬للحياة‭. ‬قدم‭ ‬المخرج‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *