في خضم سباق الفضائيات العربية ، وزخم الإ نتاج الدرامي اللامتناهي ،تبرز الدراما الليبية كنجمة خافتة في سماء الإبداع التلفزيوني. رغم تاريخها الفني العريق، تعاني الساحة الفنية الليبية من ندرة الإنتاج الدرامي و البرامجي مما يثير تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع.. هل هي تحديات مادية؟ أم نقص في الكفاءات الفنية؟ أم ربما هي مزيج من كل هذه الأسباب؟ في هذا التحقيق نستكشف الأسباب الحقيقية، ونلقي الضوء على أصوات المبدعين الليبيين الذين يحاولون بشغف إحياء المشهد الفني والثقافي في ليبيا.
تحقيق : نعيمة سويسي
حدثنا المخرج الأستاذ )مصطفى كرماجي( عن أسباب ارتباط المسلسلات المرئية الليبية بشهر رمضان عن باقي الأشهر؟ فقال:
لأن الأمر مرتبط بالعملية الإنتاجية، فخلال شهر رمضان ينشط فيه المنتجون والرعاة بشكل عام.
#الليبية/ ولماذا لايوجد إنتاج مستمر .؟ هل يعاني الفن الليبي من أزمة نص؟
المشكلة تكمن في الإنتاج وليس في النص، النص موجود والحمدلله، لدينا أسماء كبيرة في مجال الدراما وفي كتابة النص، ولكن تظل مشكلة من يتبنى هذه الأعمال ، أي (المنتج).
#الليبية/ ماهي المعوقات التي تواجهك كمخرج؟
المعوقات أيضاً تظل إنتاجية صرفة، لو توفر الإنتاج الجيد، وتوفرت الميزانية الجيدة ،سيكون العمل جيداً، سواء من ناحية النص أو من الناحية الإخراجية.
# وماهي رؤيتكم لتطوير صناعة الدراما الليبية؟
تتطور الصناعة الدرامية إذا توفرت ميزانية جيدة تكون في مستوى أي نص، عندها سيكون هناك تطوير في الدراما،وإذا لم تتوفر ميزانية جيدة سنظل نشتغل بالإمكانات المتاحة والبسيطة، ومن ثم سنظل في نفس المرحلة الحالية.
الأستاذ «أيمن خنفر» مدير فرع هيئة المسرح والسينما بالجبل الأخضر ذكر لنا أسباب ندرة الأعمال المرئية وارتباط عرضها بشهر رمضان من وجهة نظره ،فقال :
في الحقيقة إن كافة القنوات الليبية الخاصة تعمل على البرامج الحوارية والإخبارية لأنها أقل تكلفة من المسلسلات، بحيث يكلف البرنامج الحواري قيمة أقل من المسلسل بكثير من حيث التكلفة المادية، أما المسلسلات فتكلفة قيمتها المالية باهظة (حسب إنتاج العمل ) وهذا ما يجعل القنوات تضع المسلسلات في خانة العمل الموسمي ، أما فيما يخص بعض القنوات فتتحكم فيها مجموعات معينة مسيطرة على الإنتاج ، وهذه تعتمد على علاقة منتجي المسلسلات بعلاقة مديري القنوات والمُخلصين داخل القنوات … وهنا نقصد بالمُخلصين هم أشخاص يعملون داخل القنوات ويمارسون الضغوط على المنتجين لدفع نسبة لهذا المخلص لتسريع عملية سداد عقد الإنتاج .
الليبية/ لماذا لا نشاهد إنتاجاً مستمراً للأعمال التلفزيونية الليبية؟هل يعاني الفن الليبي من أزمة نص؟
عدم استمرارية الإنتاج المرئى مرتبط بعدة عناصر منها :
إن قيمة العمل الذي تقوم بشرائه القنوات الليبية لا يغطي تكاليف العمل وهذا ما رأيناه في عديد الأعمال وإذا اتجهنا إلى الإنتاج حسب قيمة شراء العمل من القنوات فهذا يعني رداءة العمل ..
الأمر الثاني أزمة النص ،تعد من أهم العراقيل فلا يوجد نص حقيقي ليس للتلفزيون فقط بل حتى على صعيد المسرح والسينما لذلك تجدنا نستورد نصوصاً من مجتمعات أخرى فالكتابة الليبية على صعيد النص والسيناريو والحوار تعاني من حالة عقم ،فعدد من يكتب في المجال المرئي والمسرح والسينما بسيط جداً والبقية لا نستفيد إلا من أفكارها
الليبية/ ماهي المعوقات والمشاكل التي تواجه المخرج والكاتب الليبي؟
عدم وجود رعاية حقيقية أو اهتمام وتشجيع ، فأصبح الاخراج والفن يتم رعايتهم من قطاعات الدولة حسب علاقة المخرج بالدولة وهنا أشير إلى شركات الاتصالات المختلفة التي تدعم ملف المسؤولية الاجتماعية أو ملف الإعلام لديها فتقوم بدعم مخرجين وقنوات خاصه ، بمبالغ كبيرة جدا فنجد أعمالاً ضخمة ولكن عناصرها غير ليبية كمصورين و فنيين و دراما تاجيديا على سبيل المثال تونس أو تركيا لهذا لن يتقدم الإنتاج الليبي ولن تبصر الدراما الليبية النور بهذه العقول .
الليبية/ ماهي رؤيتكم لتطوير صناعة الدراما الليبية حتى تنافس الأعمال العربية؟
عدم وجود مدارس ودورات تدريب و تطوير أعتقد أن مسؤولية جهات الاختصاص هي إيفاد عدد من الكُتاب والمخرجين والفنيين في دورات متخصصة في مدارس عربية و أوروبية لمواكبة التطور والرفع من قدراتهم وخلق جيل جديد
سالم عيسى
ومن وجهة نظر فنية يخبرنا الممثل الفنان «سالم عيسى» عن رأيه فيما يقدم من اعمال مرئية ليبية اليوم حيث قال:
مازالت صناعة الدراما في ليبيا تفتقد للكثير من العمل الجاد لتطويرها لكي تواكب تطور الدراما في الدول العربية خصوصاً على صعيد الكتابة والسيناريو و الإنتاج .
الليبية/ هل اختلفت رؤية المشاهد الليبي في هذا الزمن لدرجة أصبح ناقداً ومحللاً؟
بالتأكيد النضج والتطور المعرفي لدى المتلقي الليبي أصبح مختلفاً و متطوراً بشكل كبير خصوصاً بعد ثورة الاتصالات التي ساعدت على اتساع الأفق الثقافي والفني للمتتبعين للأعمال الدرامية وأصبح كل متلق يملك ملكة النقد و التحليل و يستطيع أن يتذوق أدوات العمل الفني و ما ينقصه و بالتالي نحن أمام مشاهد ليس بالبسيط بل مشاهد ذكي وقادر على التحليل لنقد .
الليبية/ ماهي المعوقات والمشاكل التي تواجهك كممثل؟
ما ينقص الممثل الليبي والمعوقات التي تواجهه بالتأكيد عندما تتطور صناعة الدراما في ليبيا سيصاحبها تطور في أداء الممثل الليبي الذي تعود على تقديم «الاسكتشات» والأعمال المسرحية فقط أكثر من الأعمال الدرامية المرئية.
أخبرنا الممثل والمخرج صبري أبو شعالة عن أسباب اقتصار المسلسلات الدرامية على شهر رمضان، فقال :
جرت العادة في ليبيا وكل دول الوطن العربي على التركيز في انتاج البرامج المرئية في شهر رمضان، حيث يستغل المنتجون وقت الذروة ألا وهو وقت الإفطار وتجمع العائلة للفرجة، لعرض أعمالهم.
كما أن الإنتاج في ليبيا تلفزيوني، بعكس العالم الآخر يكون الإنتاج سينمائياً إذاعيا مرئيا دائماً، وبالتالي نجد أن التسابق يكون أيضا في توقيت عرض العمل المرئي واختيار فترة الإفطار باعتبارها أكثر فترة مشاهدة. ايضا الجانب المادي سبب آخر في ندرة البرامج والمسلسلات المرئية فنجد المخرج أو المنتج لايهتم بانتاجها لأن العمل ليس له عائد مادي كبير.والعمل كذلك اقترن بالإعلانات والمعلنين الذين يبحثون ايضا عن وقت الذروة وعن الفرصة المتمثلة في شهر رمضان. لذلك قلة الانتاج الفني في ليبيا سببا مادي بحت.وبالتالي لو أتيح الصرف المادي في أي وقت .لرأينا إنتاجاً مرئياً مستمراً.
الليبية/ وماذا عن النص؟ ..هل يعاني الفن الليبي من أزمة نص؟
نعم، نعاني من أزمة نص ( السيناريو) المصنوع مشهدياً ، السيناريست في ليبيا نادر وقليل جدا، فهو ليس نص قصة، هو كتابة حرفية محبوكة ، نفتقر للسيناريو الأكاديمي وإن وجد فهو أسماء أصبحنا نفتقدها كل يوم إما من يرحل عنا لرحمة الله تعالى ،أو منهم من صار عاجزاً عن الكتابة. والسيناريست الجدد للأسف لم يدرسوا السيناريو بأسلوبه الجديد المتطور. كتابة السيناريو تحتاج لحرفية كبيرة ،الحبكة، والصناعة، والتسلسل الدرامي، تقطيع المشاهد. حتى أن بعض النصوص التي تُقدم اليوم للأسف كان مركوناً لسنوات وأزيح عنه الغبار وقُدم، ليس قصوراً في الكاتب أو المنتج ولكن بسبب أنه وجدت له إمكانية انتاج.
الليبية/ ماهي المعوقات والمشاكل التي تواجه الكاتب والمخرج؟
غياب المخرج المؤهل تأهيلاً أكاديمياً ، ونادر جدا وجود مخرجين اكاديميين على الساحة أيضاً من المعوقات التي تواجه المخرج عدم وجود النص الذي يمكن أن يقدم من خلاله رؤيته وذلك يرجع لغياب كتّاب «السيناريست» ، أيضا عائق المنتج، فقد لاتجد المنتج الذي يتبناه ، القصور يطال الممثلين والطاقم الفني الذي سيختاره، فمن النادر ان تجد من هو مؤهل لتمثيل الدراما المرئية ومجاراة مخرج بقدرات هائلة تمكنّه من تقديم شخصية الدور بشكل درامي ناجح.
الليبية/ وماهي رؤيتكم من أجل تطوير الدراما الليبية؟
كل ماذكرته سابقاً إذا ما عولج القصور وحُلّت العوائق ،فتطوير الدراما الليبية يحتاج لجهود جماعية كبيرة جداً، وهذا ليس بالصعب، وإرهاصاته وجودة وظهر لنا بعض ملامحها ، ولكنها تحتاج لثوابت مهمة منها الإعداد الأكاديمي التدريبي الصحيح لكل الكوادر الفنية ولو يكون على شكل مشروع تتبناه الدولة أو شركات إنتاج تمنحها الدولة الدعم الكامل. والخروج من دائرة التعامل مع العمل الفني كعمل وظيفي وليس عملاً فنيا ، العمل الفني له شروطه ومواصفاته. تتمثل في الدراية الواسعة والتجارب الكثيرة والضخمة ،كما أن الدراسة مهمة جداً وأعتقد أن الطاقم التعليمي بحاجة لأن يوضع على السكة الصحيحة. أجور الممثلين أيضاً حتى الآن تعتبر أجوراً ضعيفة جداً مهما كان اسم الممثل ،حتى لو اشترط الممثل أجرا معينا يتم الاستغناء عنه واستبداله بآخر، دون النظر إلى أن هذا الأمر يضعف النص الفني والمادة الدرامية والعمل بشكل عام. غياب النقابات الفنية مثل نقابة مهن سينمائية، نقابة مهن تمثيلية، نقابة مهن موسيقية، باستثناء النقابة العامة للفنانين، لذلك نحتاج لترتيب البيت الدرامي وتبويبه وتنظيمه.