الرئيسية / الرئيسية / الشاعر الصيني الذي رتّب مسكنه قبل رحيله وكأنه قبر.

الشاعر الصيني الذي رتّب مسكنه قبل رحيله وكأنه قبر.

لقد‭ ‬تضمن‭ ‬النتاج‭ ‬الشعري‭ ‬لهذا‭ ‬الشاعر‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تتشكل‭ ‬منها‭ ‬الطبيعة،‭ ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬عناوين‭ ‬قصائده‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭. ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬القمر‭ ‬والشمس،‭ ‬وعن‭ ‬البحر‭ ‬والنهر،‭ ‬وعن‭ ‬حقل‭ ‬القمح‭ ‬وتفتح‭ ‬الأزهار‭ ‬الربيعية‭. ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬الشمال،‭ ‬وعن‭ ‬برودة‭ ‬الأرض‭ ‬والخصوبة،‭ ‬وعن‭ ‬البذور‭ ‬تخترق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتنمو‭ ‬على‭ ‬كف‭ ‬الأمة‭ ‬الرحب‭. ‬وود‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬لمس‭ ‬الأرض‭ ‬الصلبة‭ ‬بحق‭. ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬نفرد‭ ‬له‭ ‬مساحة‭ ‬هنا‭.

‘‘خـاي‭ ‬زي’’‭

‮«‬أيها‭ ‬البرونز‭ ‬الآسيوي،‭ ‬أيها‭ ‬البرونز‭ ‬الآسيوي‭.‬

بعد‭ ‬قرع‭ ‬الطبول،‭ ‬سنعطي‭ ‬دقات‭ ‬قلوبنا‭ ‬التي‭ ‬تخفق‭ ‬في‭ ‬العتمة‭ ‬اسم‭ ‬القم

والجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القمر‭ ‬متشكل‭ ‬منك

متضمناً‭ ‬مختارات‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬نصَّاً‭ ‬للشاعر‭ ‬الصيني‭ ‬‘‘خاي‭ ‬زي’’‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬أيقونةً‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الصيني‭ ‬الحديث،‭ ‬يتحدث‭ ‬كتاب‭ (‬احتضن‭ ‬نمراً‭ ‬أبيض‭ ‬وأعبر‭ ‬المحيط‭) -‬الذي‭ ‬ترجمته‭ ‬يارا‭ ‬المصري‭ ‬وصدر‭ ‬في‭ ‬2017م،‭ ‬عن‭ ‬‮«‬دار‭ ‬النسيم‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‮»‬‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬النشر‭ ‬التابعة‭ ‬لجامعة‭ ‬بكين‭ ‬للمعلمين‮»‬‭ ‬في‭ ‬بكين‭- ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬حياته‭ ‬التي‭ ‬بقي‭ ‬فيها‭ ‬وحيداً،‭ ‬قانعاً‭ ‬بالقليل،‭ ‬وعاشقا‭ ‬للقراءة،‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬مسيرته‭ ‬التي‭ ‬أنتج‭ ‬خلالها‭ ‬نحو‭ ‬مليوني‭ ‬كلمة‭ ‬هي‭ ‬حصيلة‭ ‬الإرث‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬للصين‭ ‬ولشعبها‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬موهوباً‭ ‬للغاية‭ ‬وشخصاً‭ ‬مرهف‭ ‬الإحساس‭. ‬

وأشار‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬لأعماله‭ ‬الشعرية،‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬شعراء‭ ‬صينيون‭ ‬عن‭ ‬حياته،‭ ‬بينها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مقالة‭ ‬لـ»شي‭ ‬تشوان‮»‬‭ ‬يذكر‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬بعد‭ ‬وفاة‭ (‬خاي‭ ‬زي‭) ‬أطلق‭ (‬لوه‭ ‬يي‭ ‬خي‭) ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬الطفل‭ ‬الرضيع،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬محقاً‭ ‬في‭ ‬إعطائه‭ ‬ذلك‭ ‬اللقب،‭ ‬إذ‭ ‬اكتشفنا‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تحمل‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬شخصاً‭ ‬أصفه‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭: ‬نقياً،‭ ‬حساسا،‭ ‬مبدعا،‭ ‬ضجرا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُجرح‭ ‬بسهولة،‭ ‬مغرماً‭ ‬بالأرض‭ ‬المقفرة‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يكترث‭ ‬له‭ ‬وما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭ ‬إيماناً‭ ‬صادقاً‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬رفيعة‭ ‬المنزلة،‭ ‬الساطعة‭ ‬ببريق‭ ‬ذهبي،‭ ‬والتي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الزوال،‭ ‬إنما‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سوف‭ ‬تظل‭ ‬خالدة‭. ‬الاهتمام‭ ‬والإيمان‭ ‬الصادقان‭ ‬هما‭ ‬سبب‭ ‬نجاح‭ ‬مسيرته‭ ‬الإبداعية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭. ‬لقد‭ ‬اختارنا‭ ‬لنكملها‭ ‬بدلا‭ ‬منه‮»‬‭.‬

‭ ‬وضمن‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه،‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬شي‮»‬‭ ‬المرّة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬دخل‭ ‬فيها‭ ‬مسكن‭ ‬صديقه‭ ‬الشاعر‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬المسكن‭ ‬كان‭ ‬نظيفا،‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬قبر‮»‬‭. ‬يقول‭ ‬‮«‬في‭ ‬المرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬فيها‭ ‬مسكنه‭ ‬في‭ ‬تشانغ‭ ‬بينغ‭ ‬لجمع‭ ‬حاجياته،‭ ‬كان‭ ‬بإمكاني‭ ‬سماع‭ ‬صوت‭ ‬ضربات‭ ‬قلبي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬المكان‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬زواية‭ ‬من‭ ‬الغرفتين‭ ‬حملت‭ ‬بصماته‭. ‬ضمت‭ ‬الغرفة،‭ ‬جهة‭ ‬اليسار،‭ ‬فراشاً‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أسفل‭ ‬النافذة،‭ ‬بينما‭ ‬وضع‭ ‬تذكارين‭ ‬حجريين‭ -‬أحضرهما‭ ‬من‭ ‬التبت‭- ‬وألبوم‭ ‬لوحات‭ ‬الرسام‭ ‬اليوناني‭ (‬إل‭ ‬غريكو‭) ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬الحائط‭. ‬أما‭ ‬الغرفة،‭ ‬جهة‭ ‬اليمين،‭ ‬فقد‭ ‬ضمت‭ ‬أربعة‭ ‬رفوف‭ ‬كتب‭ ‬ضخمة،‭ ‬وطاولتين،‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬إحداهما‭ ‬كتاب‭ (‬ملحمة‭ ‬الرمايانا‭) ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬فضلها‭ ‬الشاعر‭. ‬كان‭ ‬جلياً‭ ‬أنه‭ ‬رتب‭ ‬المكان‭ ‬قبل‭ ‬رحيله،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬نظيفاً،‭ ‬وكأنه‭ ‬قبر‮»‬‭.‬

وتذكر‭ ‬المترجمة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬خاي‮»‬‭ ‬طمح‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شمساً،‭ ‬ربما‭ ‬تأثرا‭ ‬واستلهامه‭ ‬للمصريين‭ ‬القدماء‭ ‬والفرس‭ ‬والأزتك‭ ‬في‭ ‬تقديسهم‭ ‬للشمس،‭ ‬وتأثره‭ ‬كذلك‭ ‬بالشاعر‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬هاري‭ ‬كروزبي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬الشمس‭ ‬رمزا‭ ‬قويا‭ ‬وموضوعا‭ ‬لمعظم‭ ‬شعره‭. ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬قريباً‭ ‬منه‭ -‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شي‭ ‬تشوان‭- ‬أو‭ ‬قرأ‭ ‬شعره،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يشعر‭ ‬بتغير‭ ‬الفصول‭ ‬الأربعة،‭ ‬واتجاه‭ ‬هبوب‭ ‬الرياح،‭ ‬ونمو‭ ‬القمح‭. ‬إشراقة‭ ‬وعتمة‭ ‬الأرض،‭ ‬الدفء‭ ‬والمعاناة،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬شكّل‭ ‬جوهر‭ ‬حياته،‭ ‬وشكّل‭ ‬تبعاً‭ ‬له‭ ‬لغة‭ ‬شاعرية‭ ‬فريدة،‭ ‬موجزة،‭ ‬سلسلة،‭ ‬رنانة‭ ‬قوية،‭ ‬وكأن‭ ‬الأرض‭ ‬الصامتة‭ ‬حين‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬صمتها،‭ ‬أمسكت‭ ‬به،‭ ‬واختارته‭ ‬ليصبح‭ ‬صوتها‮»‬‭.‬

ونقل‭ ‬الكتاب‭ ‬رؤية‭ ‬خاي‭ ‬زي،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬في‭ ‬البداية‭ ‬استلهمت‭ ‬الأساطير‭ ‬في‭ ‬شعري،‭ ‬معتمداً‭ ‬على‭ (‬كتاب‭ ‬الأغاني‭) ‬و‭(‬كتاب‭ ‬أغاني‭ ‬تشو‭) ‬كنهرين‭ ‬يغذيان‭ ‬ويثريان‭ ‬شعري‭. ‬ولكن‭ ‬التحكم‭ ‬والتمكن‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬حاملاً‭ ‬للأسطورة‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النفاذ‭ ‬القوي‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الشعر‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التفكيك‭ ‬والإحياء‭ ‬للمواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬المادة‭ ‬والجوهر‭. ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نداء‭ ‬الجوهر‭ ‬القوي‭ ‬وارتجافاته‭ ‬الخفيفة‮»‬‭. ‬

‭ ‬مختارات‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭:‬

الشاعر‭ ‬وحقل‭ ‬القمح‭ : ‬

(أيها‭ ‬الشاعر،‭ ‬ليس‭ ‬بوسعك‭ ‬تعويض‭ ‬

صداقة‭ ‬النور‭ ‬وحقل‭ ‬القمح‭.‬

أمنية

رفق

ليس‭ ‬بوسعك‭ ‬تعويضهما‭.‬

ليس‭ ‬بوسعك‭ ‬تعويض‭ ‬

نجم‭ ‬يلمع

وعلى‭ ‬رأسك‭ ‬تحترق‭ ‬الوحدة‭(

المياه‭ ‬تحتضن‭ ‬‮«‬تشو‭ ‬يوان‮»‬‭ :‬

(المياه‭ ‬تحتضن‭ ‬‮«‬تشو‭ ‬يوان‮»‬‭: ‬عينان‭ ‬تلمعان‭ ‬كالنار

أعلى‭ ‬المياه‭ ‬قطعان‭ ‬خراف‭ ‬عمرها‭ ‬آلاف‭ ‬السنوات

في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬سمعت‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬جميل‭ ‬كلوحة

المياه‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬‮«‬تشو‭ ‬يوان‮»‬‭ ‬هي‭ ‬أنا‭ ‬

بقايا‭ ‬كهذه‭ ‬يصعب‭ ‬انتشالها‭(

‭ ‬برج‭ ‬القفز‭ ‬بالمظلات‭ :‬

(وكان‭ ‬هناك‭ ‬شخص‭ ‬بالفعل‭ ‬

قد‭ ‬بدأ‭ ‬ينير‭ ‬لي‭ ‬

على‭ ‬تلك‭ ‬المنصة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬النائية‭ ‬والمزدحمة

تكونين‭ ‬كالنجوم‭ ‬تضيء‭ ‬لي‭ ‬طريقي‭).‬

‭ ‬أمام‭ ‬البحر‭ :‬

‭(‬جسده‭ ‬المتورم‭ ‬يشبه‭ ‬حبلاً‭ ‬ثقيلاً

يبسط‭ ‬أعلى‭ ‬الموجة

راغباً‭ ‬في‭ ‬الإمساك‭ ‬بالبعيد

ذلك‭ ‬الشيء‭ ‬اللامع‭ ‬الوضاء‭ ‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬ابتسامة‭ ‬الشمس‭ ‬الزائفة‭).‬

شاهد أيضاً

قصيدة من فلسطين

‭(‬1‭)‬ التانجو‭ ‬الأخيـر » سلمان دغش  أُلَمْلِمُ‭ ‬ليْلي‭ ‬الطَّويلَ‭ ‬الطَّويلَ‭ ‬على‭ ‬هُدُبٍ لا‭ ‬يَنامُ‭ ‬على‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *