هل نذهب للرقمنة أم نتركها تأتي ؟
لم تعد الأمية في العالم هي عدم الإلمام بالقراءة والكتابة ، بل بعدم الإلمام بالرقمنة.
لقد تغير العالم ١٨٠ درجة ربما أزيد ،وتحولت تكنولوجيا الاتصالات إلى جزء من حياتنا ، وقد تكون المسألة ليست خيارا بالنسبة لنا نتقبلها أو لا نتقبلها .
في الكثير من الدول قد تجد نفسك مثل أهل الكهف ، تلف المقاهي والمحال التجارية ولا تجد من يأخذ منك نقوداً ورقية .
الدفع الإلكتروني صار وسيلة الدفع الوحيدة حتى في كشك السجائر .
هذا الحياة الجديدة لابد أن تطرح حيرة واسئلة المشروعة .
ونحمل أهم الاسئلة كيف نذهب إلى هذا العالم المرقمن قبل أن يصدمنا داخل بيوتنا
موضوع مهم ،ولعله خطير خاصة بالنسبة لمجتمعات مقاومة لأي تغيير يمس أسلوبها في الحياة .
» استطلاع :سعاد معتوق » تصوير :حسناء سليمان
فمما حدث جراء توقف صرف السيولة النقدية، وتوجه المواطنين إضطرارياً لاستخراج بطاقات ، عندما انقطعت بهم السبل شاهداً حياً على ذلك .
مما دعانا لطرح هذا الموضوع للنقاش، والذي يطرح تساؤلات ملحة لعل أهمها :
هل الليبي يتخوف من الرقمنة ، أويراها معقدة ، أو شيئاً كمالياً؟
من يتحمل مسؤولية هذه النظرية المشوشة ؟ هل المجتمع نفسه، أم جهات أخرى ذات علاقة من بعيد أو قريب ؟
هل يوجد تقصير في خلق ورفع الوعي بين المواطنين بأهمية الرقمنة ؟ وكيف نرشد للاستعمال التطوعي للرقمنة ؟
ويبقى التساؤل الأهم ، في حال التحول الرقمي الكامل لكافة مؤسسات الدولة ، هل سيستجيب المواطنون بإيجابية مطلقة أم سيوجد نوع من التردد ؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها ، رصدنا آراء شرائح و فئات مختلفة من المجتمع، مصحوباً بآراء موظفين مصرفيين وأستاذ مختص في علم الاجتماع كونها ظاهرة اجتماعية ثقافية.
فكانت لنا اللقاءات الآتية ..
التقينا السيد عبد الرحمن محمد موظف في قطاع التعليم .
استأنف قوله : في بادئ الأمر لا مجال للشك أن بطاقات الصرف الآلي من الأمور الجيدة ، وتساهم في سرعة إنجاز الخدمات ، لكن للأسف تعيبها بعض المساوىء والسلبيات ، تجعلها مصدر قلق للمواطن ، و بالتالي يعزف عن استخدامها نذكر منها .
أولاً ، بعض البطاقات محدودة التعامل ، تنحصر في أربعة أو خمسة محال ، موزعة على مناطق متباعدة ، صعب الوصول إليها ، وفوق ذلك تعمل البطاقة بآلية الفاتورة فقط . ثانياً طريقة السحب الآلي تفتقد للمصداقية ، مما ولد الشكوك وأثار مخاوف المواطنين ، من الوقوع فريسة بين يدي أصحاب المحال ، وهذا شيء ملموس ، تتكرر عملية السحب مرتين وثلاث مرات ، ناهيك عن أن استرداد المبالغ يستغرق وقتاً طويلاً و في أحيان لا تسترد الأموال المخصومة
ثالثاً التعامل بالبطاقة يثير قضية جدلية ، حول صحة استخدامها من الناحية الشرعية ، مما يشكل هاجساً لدى البعض
وأخيراً يؤكد أن استخدام البطاقة ، مشروط و مرتبط بمدى المصداقية في التعامل مع أماكن البيع وإلا فهي تقدم خدمة سلسة و تقلل من الوقت المهدور في الانتظار والمعاملات الورقية.
كما قابلنا أحد المواطنين ورفض ذكر اسمه وصفته ، و بمجرد عرض الموضوع عليه ، بادرنا بقوله وبلهجة غاضبة ومتذمرة، فيما يتعلق بالبطاقة ، لم و لن أستخرج بطاقة الآن أو في المستقبل ، فالبطاقة مرفوضة نهائياً شكلاً ومضموماً ، فعلى خلفية إستخدامها يتحمل المستخدم أعباء مالية تؤثر على ذوي الدخل المحدود تتعلق بأمرين أولاً إشكالية رسوم استخراج البطاقة مرتفعة ، ورسوم بدل بطاقة ضائعة تصل إلى 70 ديناراً، الأمر الثاني العمولة المدفوعة للمصرف فكرة غير صائبة ، وهذه أسباب لا يمكن تجاهلها على الأقل من ناحيتي وتدخل رفيقه قائلاً : النظام الرقمي بشكل عام ، والبطاقة المصرفية بشكل خاص ، لا تتماشيان مع طبيعة مجتمعنا، فهي غير ناجحة ، وفي حال حصول إنفراج في الأزمة المالية ، وتوفر السيولة ستركن على الرف ، بطبيعة الحال هذا الأمر حديث يتجاوز الجميع وليس من السهل تغييره هكذا، فقد درجت العادة على التعامل النقدي ، وبرأيي التحول الرقمي في بلادنا يتطلب سنيناً طويلة .
ومن جانبها السيدة خديجة المهدي / ربة بيت قالت .
في ظل الأزمات المالية ، وشح السيولة ، وجدنا أنفسنا مضطرين لاستخراج بطاقات كحل بديل ، وبرأيي وكخيار شخصي أفضل التعامل النقدي، وهو المبدأ السائد بين الأغلبية، فالبطاقة تستنزف الأموال بطريقة مخيفة ، نتيجة عدم التحكم في المبلغ والتصرف به بشكل ملموس .
أما السيد محمد الهادي صيدلي فقال تغير الوقت عن السابق ، الرقمنة موجودة في حياتنا شئنا أم أبينا ، وبما أن صداها لا زال باهتاً بين المواطنين ، ولا بد من نشر الوعي بأهمية التعامل الرقمي ، ومن الملاحظ أن البطاقة لا تحظى باهتمام الأجيال الحديثة ولا فكرة لديهم عن كيفية استخدامها
وهم الأكثر قرباً ومعرفة بالتكنولوجيا ويضيف من خلال احتكاكي وأحاديثي مع الناس، البعض يتوجس من(العمولة) ، ويعتبرونها رباً مضاعفاً.
أما السيد أشرف إبراهيم / موظف فكان له رأي مفاده.
ليس لدي أية مشكلة مع التعامل الرقمي، فبنظرة واقعية ، نحن في توقيت صعب، ومن الضروري التعايش مع التغيرات التي تطرأ، المواطن عالق بين التعامل الورقي والبطاقة الآلية ومن جهتي عند عودة الأمور إلى طبيعتها ، إحتمال كبير لا أتعامل بالبطاقة نهائياً .
ولنستوفي الموضوع توجهنا لأحد المصارف، وتحديداً إدارة البطاقات ، لرصد مدى الإقبال من عدمه على البطاقات المصرفية.
والتقينا السيد سعيد المصراتي/ موظف مصرف بإدارةالبطاقات .
وأفادنا بقوله:- المعاملات الإلكترونية وخدمة البطاقات ، متوفرة من فترة طويلة ، في بادئ الأمر لاقت إقبالاً لافتاً، وتم استخراج بطاقات بأعداد كبيرة ، وتدريجياً تراجع الإقبال، فعندما تتوفر السيولة، تصبح البطاقة غير ضرورية.
ولكن منذ فترة مايقارب ثلاثة أشهر رصدنا تزايداً كبيراً وملحوظاً، لإستخراج بطاقات جديدة، وتسلم بطاقات صادرة من فترة طويلة، أهملها أصحابها ، لم يعيروها اهتماماً.
ولعل الأرقام تتحدث عن نفسها، يقدر عدد البطاقات بحوالي ٢٠٠٠ بطاقة مستلمة ، وتقريباً فوق ٤٠٠٠ بطاقة جديدة .
وأشار قائلاً : برأيي التفاوت بين الإقبال والعزوف، يعود لقلة وعي المواطن بقيمة البطاقة ومزاياها ، فمثلاً شراء سلع معمِّرة كالأثاث أو ماشابه يتطلب حمل مبالغ كبيرة معَّرضة للسرقة ، بخلاف البطاقة أمواله في أمان. وعمن يتحمل مسؤولية العزوف قال تقع على الطرفين ذات العلاقة أولاً المصرف ،لم يسوِّق للبطاقات بشكل مكثَّف، لإعطاء الزبون المعلومات الكافية وتحفيزه من خلال منظومة الإعلانات و المناشير.
ثانياً عدم وعي المواطن وسعيه للحصول على المعلومات عن أحدث الخدمات والمتغيرات، العالم الآخر سبقنا بمراحل بهذا الخصوص كما أفادنا ببعض الإجابات عن التسؤلات التي تثير مخاوف المواطن حول البطاقة جاء فيها.
فيما يخص عملية السحب الآلي من المتاجر أو الأسواق تتخللها عدة أمور منها كثرة الإزدحام، وضعف تغطية الإنترنت، يؤثر سلباً على عملية السحب، وتكرارها أكثر من مرة، فتُسحب مبالغ بالخطأ، لكن لاداعي للتخوف، في السابق كانت الخطوات المتبعة مطولة كشف حساب وطلب كتابي ومعاملات ورقية، لكن حالياً مركز خدمة البطاقات بالمصرف ، يقدم خدمة إرجاع القيمة المسحوبة اتوماتيكياً ، تصحيحاً للأخطاء ، التي تحدث بشكل يومي، وتُسترجع المبالغ خلال ٢٤ أو ٧٢ ساعة إلى حساب الزبون ، قد يتململ الزبون من التأخير بفعل الإجراءات المتبعة والتي تُعدَّ ضرورية للتأكد من صحة البيانات ضماناً وحماية لحقه.
ومن الأمور المهمة أن الزبون يشكك في القيمة المسحوبة، هذا خارج عن إرادة المصرف ، يتعلق بحسن تدبير الزبون لمدخراته المالية وفي المقابل توجد خدمة الرسائل تعرض ماخُصِم من حسابه.
أما شكوى الزبائن من الخصومات والعمولات فهذه حدِّث ولاحرج تردنا بكثرة وعلى وجه الخصوص من ذوي الدخل المحدود وحقيقة هذه الإجراءات المتبعة حول العالم ومن حق المصرف أن يتقاضى لقاء خدماته.
وأخيراً .. من المتوقع أن تحدث طفرة كبيرة، وستكون التعاملات الرقمية أساس الخدمة المصرفية عن طريق الهاتف والتطبيقات، لكنها مسألة وقت،وتعتمد على سرعة الإنجاز،
ومن جهته بادرنا السيد نزار/ موظف مصرف «بإدارة التسويق».
بقوله،للأسف الزبون نفسه يتحمل مسؤولية تأخر التعامل الرقمي،فقد ساهمت بعض المعلومات المغلوطة عن البطاقة،في خلق فجوة،ومن جانبنا كمصرف إتخذنا كافة التدابير للتسويق لهذا الموضوع من خلال نشر الإعلانات والمناشير .
ويضيف لمسنا تكيُّف المواطن تدريجياً مع الاستخدام الرقمي وخدمة الدفع الإلكتروني تلاقي رواجاً وهي منتشرة في جمع الأنشطة سواء المواد الغذائية أو القصابين أو محال الخضروات ….إلخ. وفيما يخص ( عمولة الشراء) شركة المعاملات تخصم من حساب الزبون،وتحولها لحساب التاجر،خدمةتقدمها للطرفين بمبلغ رمزي.
ومن الخدمات الإلكترونية والتي تُبرز دور الرقمنة في تسهيل الخدمات كشراء وبيع أضحية عيد الأضحى تسهيلاً على المواطنين. سواء من يقتني بطاقة أو لا وفي الوقت نفسه بدون عمولة للتاجر أو للزبون.
وأخيراً..نتمنى أن يشارك الجميع في خدمة البطاقات.
وللإحاطة بالموضوع إجتماعياً،إلتقينا المختص في علم الإجتماع .
د.نوري شقلابو/ رئيس قسم علم الإجتماع بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا وأفادنا برأيه قائلاً:-
حقيقة موضوع مهم وحيوي يمس المواطن وعلاقته بالمصرف قد تكون ليست وقتية هي علاقة دائمة مع المصرف عن طريق المرتب الوارد .
وفي الفترة الأخيرة أصبحت المصارف في ليبيا تواكب ما يحدث في العالم من خلال منظومات رقمية،يستفيد منها المواطن بالدرجة الأولى، وفي نفس الوقت تقلل العبء الموجود على المصرف بتسهيل الإجراءات المالية للمواطن و للمصرف.
والسؤال فيما يتعلق بالمواطن وتعامله مع المصرف ، أنه كان يتعامل قديماً بالنقد بتوفر السيولةداخل كل المصارف والآن إتجهت المصارف إلى عملية السحب الآلي عن طريق البطاقة
وبرأيي السبب الرئيس وليس الوحيد وراء عزوف المواطن،أن الرقمنة أتت متأخرة،علاقته بها قريبة جداً، مقارنة بالمجتمعات الأخرى .
سبب آخر هو أن التعامل مع البطاقة يحمل نوعا من الحرص والحذر ومن خلال اطلاعي على سلبيات وإيجابيات البطاقة أجاب أحد المواطنين بقوله : إشكالية الرسوم المفروضة على عملية السحب كل مرة تتعلق بمسألة الثقة فأحياناً المنطومة نفسها تخصم عده مرات يمكن ثقافة التاجر ومعرفته باستخدام الآلة الصغيرة،والتي تتعلق بالسحب الآلي يخصم في غفلة من المواطن وإمكانية استعادة المبلغ تستغرف وقتاً طويلاً قد يكون ثلاثة أشهر ، مما يولد عنده نوعاً من التخوف أو الهاجس ويؤدي إلى حرمانه من التعامل بها ويؤكد قائلاً الإعلام يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية ما يعرف (بالإعلام المصاحب للشيء الجديد) ،، لم ألحظ أي حوارات من خلال المرئية أو المسموعة تهتم بهذا الجانب ، في خلق الوعي وتعريف الجمهور بالرقمنة ، المواطن في هذا المجال يحتاج إلى توعية وتصحيح مفهومه وحتى نتفادى مسألة الثقافة المتأخرة ، والهوة بين استخدام البطاقة وثقافة العزوف لابد أن تدار برامج في شكل مؤتمرات وحوارات علمية وندوات ، عن استخدام البطاقة والتحول الرقمي في برنامج يكون مكتملاً من جانب آخر يقتضي على المصارف ، القيام بحملات إعلامية عبر صفحاتها في وسائل التواصل باستمرار، مرافقة للتطبيقات وشرحها فواحدة من المشاكل الموجودة وخاصة التطبيقات الأخيرة فيما يتعلق بالعملة الصعبة وتحويلها في حساب المواطن عن طريق ( اي – تي – ام )، الخاصة بالجانب المالي للعملة الصعبة ، يجد المواطن صعوبة في ملء البيانات ، قد يتركها فارغة ، أو يخلط بين خانة البطاقة وخانة العملة الصعبة ، إذن لا بد من توفر برامج مرافقة لشرح التطبيق ويشير إلى أنه يمكن تعزيز الاستعمال الطوعي للرقمنة و البطاقة بشكل خاص ، من خلال تشجيع المواطن للإقبال وذلك بإتباع المصرف سياسة عدم فرض عمولة أو خصومات مبدئياً في المرحلة الأولى ، لكن هذه إجراءات متبعة في العالم أجمع وفيما يخص تأثير الفارق العمري بين الجيل القديم والجيل الحالي قال : لو أجرينا دراسة على استخدام التقنية ، سنخرج بنتيجة ، أن الأجيال تحت سن 20 الأكثر إستخداماً ، ومعرفة ، بينما الأكبر سناً استخدامه بسيط و محدود بتطبيقات معينة ، ولكن أحياناً هذه النقطة يتحكم فيها الجانب التعليمي ، فهو مهم جداً ، ويضيف في حال التحول الرقمي لكل المؤسسات سنشهد . تفاعلاً إيجابياً في المستقبل، لأنه من خصائص الظاهرة الجديدة، أنها تصبح إلزامية مع مرور الوقت ، فكما يقول أحد أعلامنا في علم الاجتماع. (لابد من تطبيق الفرد الظاهرة الاجتماعية والزامية تطبيقها)، فتصبح شيئاً بديهياً ويمارسها ، في علاقاته مع الغير، ونرى الآن أن غالبية التعاملات أصبحت عن طريق البطاقة المصرفية من الضروريات ، كما قال ابن خلدون « تتحول الكماليات إلى ضروريات» .. وعن التأخر في الوعي ، هل له علاقة بالتخلف الفكري للمجتمع أفادنا بقوله : لا نحكم على الجانب الفكري للمجتمع الليبي بالمتخلف ، بالعكس المجتمع الليبي متطور جداً فكرياً وثقافياً . ولكن مسألة الوعي باستخدام الشيء هي المشكلة، فالإنسان هو رهين الحاجة، لذلك عندما تكون حاجته للبطاقة المصرفية يستخدمها ، وإلا فلا داعي وجود البديل وهي (النقود)، ولنكون صريحين فعلياً نحن متخلفون في بعض موضوعات الرقمنة ، ولا زلنا في البدايات نتفتح في جانب الرقمنة ، نحتاج إلى سنوات أخرى مستقبلية حتى تكون من البديهيات للناس والمصارف والتعاملات.
كلمة أخيرة .. نتمنى أن نتقدم ونتطور ونستخدم التكنولوجيا لتسهيل الكثير ، نرى في العالم المواطن يسافر سياحياً ببطاقته ، ونأمل من المصارف الليبية أن تتحول إلى هذه الموضوعات ، بحيث تصبح البطاقة دولية ، يسافر المواطن الليبي ببطاقته ويستعملها خارج حدود الوطن.