وأنت نزيل إحدى المصحات الخاصة، يجيئك الطبيب مبتسماً، قد يكون الطبيب نفسه الذي صادفته عبوساً متذمراً في أحد المستشفيات العامة.
يقترب من سريرك يقول لك بود : «ما شاء الله وجهك ناير».
يغادر الطبيب غرفتك بعد كلمة التطمين، تضيف المصحة لبيانات الفاتورة مقابلة زيارة طبيب أخصائي .
هل تحولت المصحات الخاصة إلى دكاكين كما تحول العلاج إلى تجارة ؟!.
ربما ستقول بينك وبين نفسك : مصائب قوم عند قوم فواتير علاج باهظة. ستكتشف أن خزينة المصحة أمامك والمرض خلفك ولن تجد المشافي العامة كمفر .
وستكتشف أيضاً أن مدخرات الناس تتآكل بسبب فواتير العلاج الذي تحول إلى مرض آخر .
تحقيق :سهاد الفرجاني تصوير :حسناء سليمان
وفي هذا الصدد أصدر وزير الاقتصاد والتجارة قرارا رقم (401) في شهر مارس لسنة 2022 بشأن تحديد الحد الأقصى للأسعار الاسترشادية للخدمات الطبية
في حين أصدر وزير الصحة المكلف رمضان أبو جناح قراراً في شهر أغسطس لسنة 2022 يقضي بإيقاف التسعيرة الموحدة بالمصحات الخاصة لإعادة دراسته بعد لقائه باتحاد المصحات الليبي.
ولا عزاء للمواطنين الذين يشتكون من دفع التكاليف الباهظة جراء استغلال المصحات والمستشفيات الخاصة لأمراضهم مع تردي الوضع الصحي للمستشفيات الحكومية مطالبين وزارة الصحة وضع حد للجشع الحاصل لدى بعض الأطباء حيث بات معظمهم يضع التسعيرة وفق سعر الدولار وتقلباته.
كشفت جولة قامت بها (مجلة الليبية) في ردهات المصحات الخاصة حجم المأساة التي يعيشها الليبيون..
من يدخلها يشعر للوهلة الأولى أن ثمة هموما ترتسم على وجوه المترددين من المرضى وما إن تسألهم حتى تنهال عليك تلك الشكاوى..
محفظة تحت الانعاش
بداية يقول/ أحمد مبارك موظف
هل يعقل أن تقفز أجرة الكشف في عيادات الأسنان من 30 د.ل إلى 50 د. ل كما تصل زراعة السن الواحدة إلى 2000 د.ل في بعض العيادات وذلك نظراً لشهرة الطبيب وموقع عيادته حسبما توضحه الإعلانات لتلك العيادات موضحاً: أن البعض يرى كلما زاد سعر الكشف كلما دل على مهارة الطبيب وخبرته وهذا الأمر لايعطيه الحق في زيادة السعر المبالغ فيه خاصة أن معظم المواد المستخدمة بالدينار وليست بالدولار كما يدعون.
أطباء لا رحمة ولاشفقة..
وأضافت / رحاب القاسمي ربة بيت
إن سعر الكشف لدى طبيبة النساء مع متابعة الحمل والأدوية تعد في حد ذاتها فاتورة باهظة الثمن والأنكى من ذلك هو اجبار المريضة على الولادة القيصرية بدلاً من الطبيعية والتي تصل كلفتها في بعض المصحات الخاصة إلى 8000 د.ل،وتساءلت باستنكار أين الرقابة والحرس البلدي؟ ومن المسؤول عن ترك المرضى فريسة لهم تحت مسمى الخدمة الصحية عالية المستوى
تضييق الخناق سببه قفل الحدود مع تونس
وتابعت /عائشة محمد موظفة
إن كلفة علاج شقيقتها التي لم يفلح الأطباء في تشخيص حالتها المرضية بين القطاعين العام والخاص قد وصلت مبالغ كبيرة جداً بدءاً من سعر الكشوفات والتحاليل والأدوية مرورا بصور الأشعة والرنين المغناطيسي دون رحمة أوشفقة، وأثناء دفعك للفاتورة يقابلك ذلك الطبيب بقوله: عليك مقارنة أسعارنا بدول الجوار حتى مع ارتفاع سعر الدولار، وتقول المواطنة: هل تضييق الخناق على المرضى في العيادات الخاصة سببه قفل الحدود مع دولة تونس؟
شح السيولة فخ لامهرب منه
وعبرَّ طارق علي/ موظف عن غضبه إزاء ما حدث مع والدته بعد أن قرر الأطباء إجراء عملية عاجلة لها وذلك لاستئصال ورم خبيث تفاجأ بنقلها من المستشفى العام إلى إحدى العيادات الخاصة والتي يعمل بها الطبيب المعالج بحجة نقص الإمكانات والذي اعتبره المواطن الذي يعاني من شح السيولة فخا لامهرب منه.
الأرباح در الملح على الجروح
في حين خلص استطلاع رأي لمجموعة من الأطباء الممارسين في العيادات الخاصة عبر «الفيسبوك» بأن ارتفاع الأسعار سببه التجار المتحكمون في السوق الدوائي الأمر الذي يجعل الحسابات الشرائية مع ارتفاع أسعار الدولار غير مطابقة للحسابات الربحية.
وبعد رصدنا لآراء بعض المواطنين والأطباء الذين رفضوا ذكر أسماء العيادات والمختبرات التي يعملون بها مخافة فصلهم منها.
توجهنا للجهات المسؤولة، والبداية كانت مع الناطق الرسمي باسم جهاز الحرس البلدي السيد / إمحمد الناعم الذي ذكر : بأن هناك قانونا رقم (106) لسنة 73 في المادة (59) يحدد من خلاله وزير الصحة أجور الكشوفات والعلاج والإقامة ومايتبعها من خدمات الأشعة والمختبرات وغرفة العمليات ونقل الدم والعلاج الطبيعي وكافة الخدمات الطبية التي تؤديها في المؤسسات العلاجية والعيادات الخاصة وأن يحدد جميع ما يقدمه من أجهزة كأطقم الأسنان والنظارات الطبية أو سماعات اأو أطرافاً صناعية أو غيرها موضحاً: أن هذه المادة أعطت الاختصاص لوزير الصحة لتحديد الأسعار العلاجية.
الاتهام دون أدلة افتراء
وحول ما إذا كانت هناك قوائم صادرة لتحديد الأسعار من وزارة الصحة يقول: «الناعم» لا توجد قوائم صادرة لحد الآن حتى يتم تنفيذها على أرض الواقع وهناك عديد المواطنين الذين يلقون اللوم على جهاز الحرس البلدي واتهامه بالتقصير، وهنا لفت: «الناعم» إلى أن هذا القانون من اختصاص وزير الصحة الذي لم يحدد الأسعار فكيف تطالبون الحرس البلدي بمتابعتها ؟
وحول الإجراءات الاحترازية التي تتخذ ضد المخالفين في تقديم الخدمات الطبية يؤكد الناعم : إذا تعرض أي شخص لأخطاء علاجية بإمكانه فتح محضر في مركز الشرطة اومركز الحرس البلدي والذي بدوره يقوم بإحالته لنقابة الأطباء وهي تقوم بتشكيل لجنة أو يحول المحضر للنيابة التي تتقصى من خلال استدعاء خبراء وبعدها تتخذ الإجراءات القانونية حيالهم.
وأشاد: الناعم بالجهود المبذولة من قبل جهاز الحرس البلدي من خلال مراقبة العيادات والمصحات الخاصة والأغذية المقدمة للمرضى رغم أن العديد منها مخالف للضوابط الصحية والاشتراطات المهنية واتخذت الإجراءات القانونية ضدهم.
المسؤولية تقع على الجهات الرقابية والضبطية
من جهته أكد / مدير إدارة الرقابة الداخلية بوزارة الاقتصاد والتجارة السيد: مصطفى العلاقي أن تحديد أسعار المصحات والعيادات الخاصة والقرارات التي تصدر من اجلها هي من ضمن اختصاصات وزارة الاقتصاد والتجارة أما فيما يتعلق بتنفيذها فإن المسؤولية تقع على الجهات الرقابية والضبطية والتي بدورها تقوم بإحالة المخالفين للجهات المختصة.
وحول مطالبة وزارة الاقتصاد موردي الأدوية بضرورة تثبيت الأسعار بهامش ربح معقول رغم إصرارهم على الزيادة وربطها بارتفاع أسعار الدولار يعلق السيد العلاقي: بأن هذا الإصرار يعود لعدم استقرار البلاد
وأوضح العلاقي : بأن وزير الاقتصاد والتجارة قد أصدر قرارا رقم (401) لسنة 2022 بشأن تحديد الحد الأقصى للأسعار الاسترشادية للخدمات الطبية من خلال تكليف فريق عمل لتصنيف المصحات وفقا للمعايير والاشتراطات اللازمة مشيراً إلى أن القرار قد ألزم المصحات والعيادات ومعامل مختبرات التحاليل الطبية بضرورة وضع قائمة لأسعار الخدمات الطبية في مكان بارز وواضح بحيث يسهل على طالب الخدمة الاطلاع عليها وتقديم فاتورة نهائية تفصيلية بقيمة الخدمات المقدمة، وتتولى الجهات الضبطية المختصة متابعتها تنفيذاً لأحكام هذا القرار وضبط المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم طبقا للتشريعات النافذة .كما يستوجب تقديم الإسعافات الأولية للحالات الطارئة قبل المطالبة بمقابل مادي فوري.. مرفقاً لنا صورة من القرار الصادر، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يطبق هذا القرار على أرض الواقع وسط تخبط المسؤولين بوازرة الصحة؟!.
الموردون يضعون التسعيرة وفق أهوائهم الشخصية..
في حين أفاد: رئيس القطاع الخاص بإدارة الخدمات الصحية طرابلس
الدكتور / عاطف التومي:
بأن المسؤول الأول عن وضع الأسعار بالمصحات والعيادات الخاصة هي وزارة الاقتصاد والتجارة وبعدها يتم تعميم التسعيرة عن طريق وزارة الصحة ويتم تنفيذ العمل بها في المؤسسات الصحية في القطاع الخاص داخل ليبيا.
وحول عدم تفعيل القرار الصادر من وزارة الاقتصاد وايقافه من خلال وزارة الصحة يشير الدكتور التومي إلى أن التسعيرة التي تم وضعها من قبل وزارة الاقتصاد وبعد عرضها على اتحاد الأطباء والقطاع الخاص ووزارة الصحة ومناقشتها فيما بينهم خلصوا لضرورة إعادة النظر فيها ووضع بعض التعديلات عليها موضحاً: بأن عدم استقرار أسعار العملة الأجنبية في البلاد قد يكون أحد أهم الأسباب التي تعيق عمل القطاع الخاص .
كما أن الوضع الاقتصادي للبلاد جعل التسعيرة في تزايد مستمر في كافة القطاعات وليس الصحي فحسبا مؤكداً: في الوقت نفسه طالما لاتوجد تسعيرة محددة فإن جميع الجهات المسؤولة كالقطاع الخاص والتفتيش والمتابعة .
وكذلك الجهات الضبطية والرقابية تبقى غير قادرة على ضبطها أو كبح جماح ارتفاعاتها المستمرة خاصة أن دورنا كإدارة للقطاع الخاص يقتصرعلى منح الموافقات في الاشتراطات الصحية للعيادات والمصحات الخاصة .
وهناك إدارات مسؤولة في وزارة الصحة كإدارة الصيدلة باعتبارها مسؤولة عن المواد والأجهزة والمعدات الطبية من لحظة مرورها من المنافذ الجمركية والموافقة على دخولها وتوزيعها وتسعيرها حتى تصل لمكانها الصحيح، وبالتالي يأتي دور الجهات الرقابية والضبطية لمتابعتها.
وعن موردي الأدوية الذين يتلاعبون بالسوق الدوائي حسب أهوائهم الشخصية يقول الدكتور التومي:
نعم يضعون التسعيرة وفق مكاسبهم الشخصية لأن توريد السلعة الدوائية يعتبر تجارة في حد ذاته.
وأشاد الدكتور التومي بالاستقرار الخدمي كعمل الإدارات والوزارات بالدولة، وتبقى المشكلة في الاستقرار الاقتصادي هي العملة الأجنبية والتي تعد كالعقدة في المنشار.
ويرى الدكتور التومي: أن تحديد التسعيرة في الخدمات الطبية من قبل وزارة الاقتصاد وبإشراف وزارة الصحة من خلال إداراتها كإدارة الصيدلة والإمداد الطبي والقطاع الخاص بالإضافة لجسم آخر تحت مسمى اتحاد المصحات لو استطاعوا أن يجتمعوا من خلال الخبرات والقدرات المحنكة سيكون هناك حل جذري لمشكلة التسعيرة في القطاع الخاص خاصة أنه منذ سنة 2008-2009 لم تصدر أي تسعيرة إلا القرار الصادر في سنة 2022 والذي لم تتم الموافقة عليه رغم الترحيب به من قبل البعض سواء من الجهات الضبطية أو التفتيش والمتابعة ولكن هناك تفاوت من المصحات والعيادات الخاصة حيث أعلنوا عزوفهم عن العمل في حال اعتماد التسعيرة الصادرة عن وزارة الاقتصاد كونها لا تتماشى مع الوضع الاقتصادي الراهن.
وفي الختام: قرارات تصدر وأخرى تحتاج للتعديل وأسعار الخدمات الطبية ترتفع وتيرتها مع ارتفاع سعر الدولار والمواطن هو من يدفع فاتورة باهظة الثمن.
ويبقى التحقيق معلقاً مابقيت بعض الإجابات معلقة في أفواه بعض المسؤولين بالقطاع الصحي !!.