الرئيسية / الرئيسية / حساء مخلب الدب

حساء مخلب الدب

د.الصديق بودوارة

حتى‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬ورغم‭ ‬أنف‭ ‬‮«‬كونفشيوس‮»‬‭ ‬وتعاليمه،‭  ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لقسوة‭ ‬الإنسان‭ ‬ولا‭ ‬سقف‭ ‬للحضيض‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتدلى‭ ‬في‭ ‬ظلامه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بغرابة‭ ‬وشذوذ‭ ‬رغباته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إيجاد‭ ‬تفسير‭ ‬لها‭.‬

في‭ ‬الصين،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعجب‭ ‬بذلك‭ ‬السور‭ ‬العظيم‭ ‬بتاريخه‭ ‬وهندسته،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تذهلك‭ ‬تعاليم‭ ‬حكمائها‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬عميقاً‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬لأعوام‭ ‬طويلة‭ ‬عن‭ ‬تواريخ‭ ‬تلك‭ ‬الأسر‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لحضارة‭ ‬عمرها‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭. ‬ويمكنك‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬فن‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬الحرير‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬منذ‭ ‬475‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

في‭ ‬الصين‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتأمل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لانهاية‭ ‬في‭ ‬إبداعات‭ ‬النقش‭ ‬على‭ ‬البورسلين‭ ‬وأن‭ ‬تستمتع‭ ‬بالتنانين‭ ‬وهي‭ ‬تروي‭ ‬أساطيرها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والفضاء‭.‬

‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تستمتع‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬معاً،‭ ‬وبألف‭ ‬رائعة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لذكرها‭ ‬هنا،‭ ‬لكنك‭ ‬لن‭ ‬تستوعب‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للصيني‭ ‬الذي‭ ‬أبدع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬أيدي‭ ‬الدببة‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬صُنع‭ ‬حساء‭ ‬يملأ‭ ‬به‭ ‬معدته‭.‬

إنها‭ ‬‮«‬شوربة‭ ‬مخلب‭ ‬الدب‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تشاهد‭ ‬آلاف‭ ‬الدببة‭ ‬بدون‭ ‬أيد‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬والأبشع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يقطعون‭ ‬أيديها‭  ‬وهي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬هم‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬حساء‭ ‬شهي،‭ ‬والدببة‭ ‬تقضي‭ ‬بقية‭ ‬حياتها‭ ‬معاقة‭ ‬بلا‭ ‬مخالب‭ ‬ولا‭ ‬أيدي‭.‬

منذ‭ ‬بدايات‭ ‬التاريخ‭ ‬الأولى‭ ‬ثمة‭ ‬خلل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره،‭ ‬هناك‭ ‬نزعة‭ ‬تشد‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬مظلمة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنارتها‭ ‬ولو‭ ‬بألف‭ ‬شمس‭ ‬متوهجة،‭ ‬الإنسان‭ ‬هنا‭ ‬مصر‭ ‬بعزيمة‭ ‬لا‭ ‬تضعف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬إنسانيته،‭ ‬وكأن‭ ‬هذه‭ ‬الإنسانية‭ ‬تصبح‭ ‬فجأة‭ ‬حملاً‭ ‬ثقيلاً‭ ‬على‭ ‬كاهله،‭ ‬وكأن‭ ‬الأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬تصبح‭ ‬فجأة‭ ‬أيضاً‭ ‬قيوداً‭ ‬تكبله‭ ‬وتحد‭ ‬من‭ ‬حريته‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬المخجل‭ ‬من‭ ‬الآثام‭ ‬والبشع‭ ‬من‭ ‬التصرفات‭.‬

شيء‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬بخير،‭ ‬خلل‭ ‬غير‭ ‬مفهوم،‭ ‬وبشاعة‭ ‬لا‭ ‬تموت،‭ ‬تتوارثها‭ ‬الأجيال،‭ ‬شرق‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬وغربه،‭ ‬شماله‭ ‬وجنوبه،‭ ‬ومهما‭ ‬ارتقى‭ ‬العلم‭ ‬بالإنسان‭ ‬فإن‭ ‬غريزته‭ ‬معرضة‭ ‬للانحطاط‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬ودون‭ ‬مقدمات‭. ‬من‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬احتمالية‭ ‬الانحطاط‭ ‬هذه‭ ‬فليسأل‭ ‬شوربة‭ ‬مخلب‭ ‬الدب،‭ ‬وهي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬الجواب‭!‬

شاهد أيضاً

قصيدة من فلسطين

‭(‬1‭)‬ التانجو‭ ‬الأخيـر » سلمان دغش  أُلَمْلِمُ‭ ‬ليْلي‭ ‬الطَّويلَ‭ ‬الطَّويلَ‭ ‬على‭ ‬هُدُبٍ لا‭ ‬يَنامُ‭ ‬على‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *