بلغة الأرقام فإن عدد آيات القرآن الكريم بالضبط 6236 آية..لو أخذنا مجموع الآيات التي تتناول العبادات، فسنكتشف أنها أقل من 130 آية، اما اذا احصينا عدد الآيات التي تتعلق بالاخلاق فسنصل إلى رقم 1500 أية، يعني أننا أمام قرابة ربع آيات القرآن الكريم.
ولكن إذا سألنا أيا من الفقهاء عن نقائض الوضوء، أو مبطلات الصوم، فلن يأتي لا على ذكر الغش، ولا الكذب، ولا السرقة.
يعني قد يفتي لنا الفقيه بوجوب قضاء يوم صيام افسدته ذبابة عابرة، وصلت إلى الحلق ذات غفوة منا..
وفي السياق نفسه سوف نسمع كل يوم مواعظ حول ضرورة المحافظة على مواقيت الصلاة،ولكن جميعنا لا يلتزم بمواعيد العمل، بما في ذلك الواعظ. نحن في أمة هي أكثر من يستهلك الساعات، وأكثر من يسرق الوقت، وأكثر من يخالف المواعيد.
المنظومة الفقهية صعبّت علينا الدين ،وحولته من عمل إلى علم، واختزلت الاسلام كله في العبادات، ولهذا جرى إهدار البعد الاخلاقي، والمقاصدي.
المشكلة ليست في الشعائر الدينية، ولكنها في اختزال الدين الاسلامي في هذه الشعائر، أو تحويل الشعائر إلى دين. نقول في اليوم الواحد: “اهدنا الصراط المستقيم” على الأقل 17 مرة، أي في
كل ركعة صلاة، فماذا نفعل بين كل صلاة، وصلاة؟
الذين يرفعون اسعار السلع الغذائية، والأدوية، ويحسبون الدولار على قيمته في السوق الموازي، رغم انهم حصلوا عليه بالسعر الرسمي، هم مسلمين، وقد يسبقونك على الصف الاول في الجامع.
الذين يطلبون من اصحاب المصانع في الصين، كتابة صنع في ايطاليا، ثم يمتنعون عن أكل اللحوم غير المذبوحة على الشريعة الإسلامية، لأنها حرام، هم مسلمين.
الذين يقدمون الرشاوي لعناصر الجمارك، كي يدخلوا سلعا غير صالحة لاستهلاك البشري، ويصومون رمضان، وستة ايام من شوال، هم مسلمين.
الذين يديرون شبكات الفساد المالي والسياسي، على حساب معانات الناس، وعذاباتهم، هم مسلمين، ينطقون بالشهادتين، ويؤدون العمرة في العشرة الأواخر من كل رمضان.
الكل يقول لك ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن في الواقع الحال هي تساعد على ذلك..لأننا حولنا الدين إلى صلاة وصوم وحج، ولم نحول هذه العبادات إلى دين بمنظومته الاخلاقيا،
تأسيساً على قول النبي “ص” : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
الإسلام سلوك واتزان، وليس صكوك غفران، وتبييض ذنوب وصيام ليلة تجعلك كما ولدتك أمك.
إلى اللقاء نعم الإسلام ضمائر، قبل أن يكون شعائر.
الأستاذ / عبدالرزاق الداهش