الوسم يخفي الأرقام الحقيقية لإضطراب طيف التوحد في الجنوب الليبي
تعتبر قلة الوعي المجتمعي تجاه اضطرابات مثل التوحد واضطرابات الأعصاب تحديا كبيراً في ليبيا، حيث يواجه الأطفال المصابون وأسرهم صعوبات
تؤثر على جودة حياتهم وفرص اندماجهم في المجتمع. وبينما تزداد أعداد الأطفال الذين يعانون من هذه الحالات، يظل المجتمع الليبي بحاجة ماسة لتوعية شاملة تمكن هؤلاء الأطفال من الحصول على الدعم اللازم..من أبرز التحديات التي تواجه الأسر الليبية فهم محدود للتشخيص والعلاج،حيث تعاني غالبية العائلات من نقص في المعرفة
حول اضطرابات التوحد والأعصاب، مما يؤدي إلى تأخر تشخيص الحالات وحرمان الأطفال من التدخلات المبكرة التي قد تساهم في تحسين تطورهم.إضافة إلى ذلك، تواجه عديد الأسر وصمة العار المجتمعية، مما يمنعها في كثير من الأحيان من طلب المساعدة أو الدعم من المؤسسات الطبية والمجتمعية، ويؤدي إلى عزل الأطفال وحرمانهم من فرص المشاركة والاندماج.
تقرير : عزيزة محمد حسين
أما على صعيد الخدمات، فإن ندرة المرافق المتخصصة تمثمل تحدياً آخمر، إذ تفتقر عديد المناطق غي ليبيا إلى المراكز التي تقدم خدمات تأهيلية متقدمة، وإن وجدت فإنها تكون غالباً مكلفة أو غير متاحة للجميع، مما يضع عبءاً إضافياً على الأسر التي تسعى لتوفير رعاية مناسبة لأطفالها. في السياق نفسه، يواجه الأطفال المصابون بالتوحد واضطرابات الأعصاب تحديات في المدارس الليبية، حيث تفتقر المؤسسات التعليمية إلى التدريب والتجهيزات اللازمة لدعم هؤلاء الأطفال، ما يجعل عملية دمجهم وتعليمهم صعبة للغاية.
ولا تتوقف الصعوبات عند هذا الحد، إذ تعاني أسر الأطفال المصابين باضطرابات عصبية من قلة برامج الدعم النفسي والاجتماعي، حيث تفتقر هذه الأسر للدعم النفسي المستمر الذي يساعدها على مواجهة التحديات اليومية. وعلى الرغم من بعض المبادرات الفردية، إلا أن غياب برامج شاملة يزيد من الأعباء ويحد من قدرة الأسر على توفير بيئة صحية وداعمة لأطفالها.
هذا الواقع الصعب يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحرك حكومي ومجتمعي لدعم الأطفال المصابين بالتوحد واضطرابات الأعصاب في ليبيا، من خلال توفير مراكز متخصصة وتأهيل المدارس وتقديم برامج توعوية شاملة، ما يساهم في تحسين جودة حياتهم ومنحهم فرصاً للاندماج الكامل في المجتمع.

عدد الأطفال يتجاوز 2800
والمسجل حوالي 300 فقط
أرقام غير مسجلة وتحديات تواجه مراكز التوحد في الجنوب الليبي
في حديث خاص مع سعدة محمد شتور، نائبة مدير مركز التوحد في مدينة سبها، كشفت عن أرقام مثيرة للقلق حول انتشار اضطراب طيف التوحد في المنطقة الجنوبية من ليبيا. ووفقاً لتقديراتها، يتجاوز عدد الأطفال المصابين باضطراب التوحد 2800 طفل، إلا أن العدد الرسمي المسجل يبلغ حوالي 300 فقط، حيث تمتنع عديد الأسر عن الإبلاغ أو حتى الاعتراف
سعدة محمد شتور

مهدي جاتو
بحالة أطفالها. ويعاني المركز من ضغوط كبيرة مع تقديم خدماته لنحو 75 طفلًا فقط من أصل العدد الإجمالي، بينما ينتظر 30 طفلا آخرين الحصول على فرصة للانضمام إلى البرامج المتاحمة.
وتحدثت «شتور» عن نقص كبير في الكوادر المدربة، وخاصة المدربات، ما يحد من قدرة المركز على استيعاب عدد أكبر من الأطفال. وقالت: «بالرغم من قلة المدربات، تمكنّا من دمج 5 أطفال في المدارس العامة، وهو إنجاز يعكس الجهود المستمرة للمدربات والأخصائيين في المركز». كما أشادت بدعم إدارة التضامن الاجتماعي للمركز عبر توفير غرفة تعليمية بتقنية منتسوري، لكنها أشارت إلى أن هناك قصا كبيرا في بعض الاحتياجات الأساسية.
تأخر الصيانة: مركز سبها للتوحد مغلق منذ عام
من أبرز التحديات التي تواجه المركز في الوقت الحالي هو تأخر أعمال الصيانة التي أدت إلى إغلاقه لأكثر من عام. وأوضحت «شتور» أن هذا الوضع يؤثر بشكل سلبي على الأطفال، حيث أجبروا على البقاء في منازلهم، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في حالات
بعضهم بسبب انقطاعهم عن البرامج التدريبية. وأضافت: «الأمهات يتواصلن معنا باستمرار لمشاركة معاناتهن وآثار إغلاق المركز على تطور أبنائهن».
في ختام حديثها، ناشدت شتور الجهات المختصة للإسراع في إنهاء أعمال الصيانة وافتتاح المركز مجدداً، مؤكدة على ضرورة زيادة المراكز المتخصصة في الجنوب للتعامل مع الأعداد المتزايدة من الأطفال المصابين بالتوحد.
توعية مجتمعية ناقصة ونظرة قاصرة تجاه التوحد
من جانبه، قال مهدي جاتو، أحد المواطنين في مدينة غات، إن اضطراب طيف التوحد أصبح ظاهرة متزايدة على الرغم من عدم وضوح الأسباب، حيث يواجه الأطفال المصابون تحديات في التفاعل الطبيعي مع محيطهم. وأضاف أن التشخيص المبكر قد يسهم في تحسين حياة العديد من الأطفال، لكنه أشار إلى غياب الوعي العمام حول اضطراب التوحد وكيفية التعامل معمه، مما يزيد من صعوبة تقبل المجتمع لهذه الحالات.

الوعي المجتمعي والدعم النفسي:
مطالب أساسية للأسر
الأخصائية النفسية والمتخصصة في تعديل سلوك الأطفال « سالمة ياقة» أكدت بدورها على أهمية رفع الوعي حول اضطراب التوحد من خلال تنظيم ورش عمل وحملات توعية شاملة. وقالت ياقة: «يمكن لورش العمل والاستبيانات التي تستهدف الأمهات وطلبة الجامعات أن تساهم في تقديم فهم أفضل لاضطراب التوحد وتوجيه الأسر إلى كيفية التعامل مع أطفالهم». وأضافت أن هناك تطورًا بسيطًا في تقبل الأهالي للتوحد، خصوصًا في القرى، إلا أن المنطقة الجنوبية لا تزال تفتقر للمراكز المتخصصة والمجهزة لتلبية احتياجات الأطفال.
أم تناشد لإنقاذ أطفال الجنوب من العزلة المنزلية
فيما قالت سعدية ياني، والدة طفلة مصابة بالتوحد، إنها تعاني من نقص المراكز المتخصصة في منطقتها، حيث لا تزال ابنتها، التي بلغت من العمر ست سنوات، حبيسة المنزل لعدم توفر الخدمات التي تؤهلها للتفاعل مع الأطفال الآخرين. وذكرت أن بعض الأسر تضطر للسفر إلى المناطق الغربية أو الشرقية للحصول على تشخيص أو علاج مناسب، مما يمثل عبئاً مادياً كبيراً… وأشارت سعدية إلى أن المدارس في الجنوب غير مجهزة لاستقبال الأطفال ذوي التوحد، إذ لا توجد هيئة متخصصة لإعداد الكوادر أو توفير غرف للإسعافات الأولية التي تضمن سلامة الأطفال. وقالت:
«الوضع يتطلب تحركاً سريعاً لتخفيف معاناة الأسر وضمان حق الأطفال في التعليم والاندماج».
نظرة عامة: ضرورة تحرك حكومي ومجتمعي عاجل
هذا الواقع الصعب يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحرك حكومي ومجتمعي في ليبيا لدعم الأطفال المصابين بالتوحد، من توفير مراكز متخصصة وتطوير البيئة التعليمية وتأهيل الكوادر المدرسية إلى إطلاق حملات توعية شاملة، يبقى مستقبل الأطفال المصابين بالتوحد في ليبيا مرهوناً بمدى الاستجابة لهذه النداءات لتأمين حياة كريمة وفرص

سالمة ياقة

سليمان أوحيدة
«مستوى الوعي بالتوحد في الجنوب الليبي:
غياب الدعم والمعاناة المستمرة»
تعد قضايا التوحد واضطرابات الأعصاب من التحديات الكبرى التي تواجحه الأسر في المنطقة الجنوبية من ليبيا، حيث يفتقر الأهالي إلى الموارد والخدمات اللازمة للتشخيص ودعم أطفالهم.
وفي هذا السياق، تقول كنز حسن، الحاصلة على ماجستير في علم النفس، والتي تملك تجربة شخصية بمركز الصفاء لتشخيص التوحد في سبها:
«مستوى الوعي ضعيف جدا فيما يتعلق بأمراض الأعصاب بشكل عام، وبالتوحد على وجحه الخصوص.
المنطقة الجنوبية تعاني من غياب تام للأطباء المتخصصين في تشخيص هذه الأمراض، كما أن المعدات الطبية الأساسية، مثل أجهزة تخطيط المخ، غير متوفرة. هذا النقص يعكس بوضوح عدم الاهتمام بهذه الفئة».
وتضيف «كنز» أن الصعوبات التي تواجه الأسر الليبية تتفاوت حسب إمكانات كل أسرة، ولكن في الجنوب تتعمق هذه التحديات، حيث تتحمل الأسرة العبء الأكبر في ظل غياب الرعاية الصحية الأساسية.
«المعاناة هنا لا تقتصر على قلة الإمكانات، بل هي نتيجة لغياب شبه كامل للرعاية الصحية والدعم المطلوب،» .
كما أشارت إلى أن نقص الوعي وعدم توفر الدعم المناسب يشكلان جزءاً من هذه الصعوبات. «الوعي ضعيف جداً، وهناك نقص حاد في الدعم المجتمعي والمؤسسي، في بعض الأحيان، تكون الأسر وحيدة في معاناتها مع أطفالها، ما يزيد من العبء النفسي
والمادي عليهما.»
وبالنسبة للحلول الممكنة، تسرى كنز أن للمجتمع المدني دورًا كبيرًا في نشر الوعي وتعزيز الفهم حول اضطرابات التوحد. «من الممكن للمجتمع المدني أن يساهم بشكل فعّال في توعية المجتمع من خلال عقد ندوات ومحاضرات، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل تستهدف الشرائح المؤثرة والمهمشة على حد سواء.»

تفتقر عديد المناطق في ليبيا إلى المراكز التي تقدم خدمات تأهيلية متقدمة..وإن وجدت فغالباً مكلفة..!
“تجربة مركز الصفاء: أمل قصير الأمد
لأسر أطفال التوحد في الجنوب الليبي”
في خضم التحديات التي تواجه أسر الأطفال المصابين بالتوحد في جنوب ليبيا، كان لمركز الصفاء بصمة إيجابية في حياة العديد من هذه الأسر، رغم أن تجربته كانت قصيرة الأمد. تروي كنز حسن، الحاصلة على ماجستير في علم النفس والتي عملت في المركز، أن مركز الصفاء تم افتتاحه بدعم من منظمة اليونيسيف لمدة أربع سنوات. ورغم النجاح الذي حققه المركز في دعم وتشخيص وتأهيل عديد الأطفال، إلا أنه أغلق لاحقا بسبب عدم استمرار الدعم، مما ترك فراغًا كبيرًا في خدمات رعاية هذه الفئحة.
تصف «كنز» هذه التجربة قائلة: «تجربة الصفاء كانت إيجابية جدًا، حيث ساعدت عديد الأسر في تأهيل أبنائها وتشخيص حالات التوحد، كما تابعنا تطور وتحسن الأطفال في مستوى استجابتهم. على الرغم من نقص الإمكانات وغياب بعض الشروط المساعدة في التشخيص، إلا أن الجلسات كانت مجانية، ما جعل الأسر تلتزم بإحضار أطفالها لحضور الجلسات العلاجية.». لكن التحديات لم تقتصر على نقص الدعم المالي فحسب؛ فبالنسبة للأطفال الذين تجاوزوا عمر 11 عاماً، لا توجد مراكز أو كوادر متخصصة في التعامل معهم. «حالياً، لا يوجد أي مكان أو كادر مؤهل للتعامل مع الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم 11 عامساً، وهو ما يمثل فجوة كبيرة في الخدمات المقدمة لهذه الفئة.
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أماكن ترفيهية أو أنشطة مخصصة للأطفال المصابين بالتوحد في الجنوب، مما يزيد من العزلة التي يواجهها هؤلاء الأطفال وأسرهم.».وتشير كنز إلى أن إغلاق المركز وعدم توفير البدائل المناسبة يبرز «قصورا كبيرا» في الخدمات المقدمة للأطفال المصابين بالتوحد في الجنوب الليبي، حيث تعاني الأسر من عدم توفر الدعم الكافي لمتابعة حالة أبنائها وتأهيلهم.
أمهات أطفال التوحد والإعاقات الذهنية:
أبطال في مواجهة الوصمة الاجتماعية ودروس في التفاني والعطاء»
وأوضح عبدالله سليمان أوحيدة أهمية مواجهة الوصمة الاجتماعية والاعتزاز بهؤلاء الأطفال، واصفاً الأم التي تواجحه التحديات اليومية في سبيل رعاية طفلها بأنها مصدر إلهام وقوة. ولفت إلى أن هؤلاء الأمهات يُقدمن درساً نبيلاً في التفاني والصبر، مشدداً على ضرورة أن تفخر الأم بكل إنجاز، مهما بدا بسيطاً، لأن هذه الجهود الصغيرة تصنع فارقا كبيراً في حياة الطفل وتساعد في بناء مستقبل أفضل له.. مؤكداً أن حبهن ودعمهن لأطفالهن يُضيء الطريق ويزرع الأمل.»
خديجة بدر:
«المجتمع والأسر بحاجة إلى وعي
أكبر وتدريب لدعم أطفال التوحد»
أشارت خديجة بدر، معلمة من مدينة أوباري، إلى أن مستوى الوعي بالتوحد في المجتمع المحلي لا يزال ضعيفاً جداً، وأن هناك حاجة ملحة لتوعية وتدريب الأسر على التعامل السلوكي والنفسي الصحيح مع أطفال التوحد.. وأضافت أن عدد المراكز والمرافق المتخصصة التي تقدم الخدمات لأطفال التوحد لا يتناسب مع تزايد عددهم، حيث يعاني العديد من هؤلاء الأطفال من نقص الرعاية اللازمة بسبب قلة هذه المراكز. وأوضحت: «هناك عدد كبير من الأطفال المصابين بطيف التوحد لا تصلهم الرعاية المطلوبة، والمدارس ليست مهيأة لاستقبالهم».. وأهمية التدريب المكثف للمعلمين والأخصائيين لتمكينهم من التعامل مع هذه الفئة، وضرورة توفير البرامج التدريبية التي تساعدهم على فهم احتياجات الأطفال المصابين وإتقان أساليب التعامل المناسبة معهم، مشددة على أن هذا الدعم يمثل خطوة ضرورية لتحقيق الدمج والاحتواء في المجتمع التعليمي.
Share this content:
إرسال التعليق