أطفال القمر في مواجهة الشمس
حين تتوقف الشمس عن أن تكون منارة الحياة، وتتحول
إلى عدو قاتل يجسد الخطر بأشعته، يصبح القمر رفيقًا وملاجًا.
هكذا يعيش “أطفال القمر؟ المصابون بمتلازمة جفاف الجلد المصطبغ (Keroderma Pigmentosum)، اضطراب ورائي نادر يجعل من أدنى تعرض لأشعة فوق البنفسجية خطرا يهذد الحياة. في ليبيا، حيث تنخفض فرص التشخيص المبكر وتتراجع مستويات الذعم، تكافح أكثر من 28 حالة مع العزلة والفقر وضياع الحقوق، وسط صمت رسمي ومجتمعي قاتم
رعاية غائبة وتشريعات صامتة
ماذا قدمت الدولة الليبية لأطفال القمر
» تحقيق .. عواطف التاغدي
واقع “أطفال القمر» في ليبيا
رغم ندرة المرض عالميًا-بحوالي حالة واحدة لكل مليون شخص في الولايات المتحدة وأوروبا، وترتفع النسبة إلى 1:10,000 في مناطقٍ تشيع فيها قرابة النسب كالشام وشمال إفريقيا -لا توجد إحصائيات رسمية في ليبيا. اعتمدنا على شهادات العيادات والأطباء في العاصمة ومدن الغرب الليبي التي أوردت إجمالي 28 حالة حتى اليوم، في ظل غياب برامج فحص جيني منهجي ودعم حكومي فعّال.
شهادات الأسر: قصة فرح ونجود
سعت أسر (ة اشرف بحرص لحماية طفلتيهما فرح
(2009) ونجود (2018). لاحظ والدهما، أشرف سالم احميده أول الأعراض عند سنّتين على فرح: احمرار وعتمة في الجلد والعينين بعد دقائق تحت الشمس. اشترى لها
“البدلة الواقية” بخمسة عشر ألف دينار (1,500 دولار)، صالحة ل25 غسلة فقط، إضافة إلى أقنعة ونظارات خاصة وكريمات واقية. رغم تعاون المدرسة-بتوفير قاعة مظلمة لأداء الامتحانات-لا تزال التكاليف الباهظة
والأجهزة ونقص الأدوية تثقل كاهل الأسرة، ولا توقف رحلة البحث عن استجابة رسمية بعد لقاء مع رئيس الوزراء عبّر عن وعودٍ بلا أثر.
“أحلم بالتعافي وارتداء بدل واقية
تحقق لي حياة كحياة أقراني.”
حكاية أنس من طفل إلى شاب يحمل رسالة :
أنس فوزي (18 عامًا) من الجميل، درس في نهاره عبر شاشة الإنترنت، ورافق القمر في لياليه بعيدًا عمن ضوء الشمس الحارق. يحكمي عمن تعديلات المنزل:
الستائر المعتمة والإضاءة LED، وعن التنمر الذي هزّ حياته أحيانًا. رغم تفوّقه بحصوله على شهادة الثانوية، يواجه صعوبة الوصول إلى المعاهد الليلية المخصصة لأمثاله. يطالب الدولة ببيئة تعليمية آمنة، وسكن قريب من المرافق الصحية، وبدلاتٍ واقية وعلاجاتِ عاجلة، مؤكدًا:
التفسير الطبي: لقاء مع الدكتورة نسرين الحضيري ما هي متلازمة جفاف الجلد المصطبغ
هي اضطراب وراثي نادر يمنع الجلد ممن اصلاح الأضرار الناجمة عمن الأشعة فوق البنفسجية، فتظهر حروق شديدة وتصبغات وبقع، مع ارتفاع احتمال الإصابة بسرطانات الجلد قبل سن العاشرة تظهر أعراض حساسية العين للضوء ومشاكل في الرؤية وفي بعض الأشخاص يصل الأمر إلى مشاكل عصبية كتأخر النمو والإعاقة الذهنية .المتلازمة تعتبر نادرة عالميًا، وتقدّر نسبة الإصابة بحالة واحدة لكل مليون شخص. و ترتفع النسبة في المناطق التي ينتشر غيها زواج الأقارب .. يُشكل تشخيصها في ليبيا تحداً كبيراً بسبب قلة الوعي وندرة التحاليل الجينية.
اما عن أهمية التشخيص المبكر:
يقلل من مضاعفات السرطان الجلدي والعين، ويتيح اتباع إجراءات وقائية مبكرة-كالملابس الواقيمة، النظارات، ومرشحات النوافذ، إضافة إلى الدعم النفسي المستمر، التشخيص المبكر يُحدث فرقًا كبيرًا، فهو يُساعد في حماية الطفل من المضاعفات الخطيرة أهمها السرطانات الجلدية اللي تظهر في سن صغيرة.
بعد التشخيص نبدأ بإتخاد عدة إجراءات أهمها حماية صارمة من الشمس، استعمال ملابس واقية، نظارات خاصة، وكريم واق من الشمس ، مع ضرورة المتابعة الدورية مع طبيب الجلدية والعيون والأعصاب، وأيضا الدعم النفسي للأسرة والطفل ضروري جداً .
الحقوق القانونية لأطفال القمر وفقًا للتشريعات الدولية والوطنية
إن المرض ليس فقط تحديا طبيعا بل هو أيضا قضية حقوقية، تتعلق بالحق في الرعاية، التعليم، العمل، الحماية من التمييز .. وهنا، تصبح الأسئلة القانونية والحقوقية ضرورية..
نلتقي بالاستاذ احميد المرابط الزيداني مستشار قانوني وباحث في قضايا حقوق الانسان وعن الأبعاد القانونية لحالات اطفال
القمر أكد :
• أولًا: وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل (التي صادقت
عليها ليبيا)
المادة (4): تلتزم الدول باتخاذ جميع التدابير
(التشريعية، الإدارية، وغيرها) لتنفيذ الحقوق المعترف بها في الاتفاقية، بما يشمل الرعاية الصحية.
المادة (1/24): تعترف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وبالوصول إلى مرافق علاج الأمراض.
المادة (1/26 و2): تقر بأحقية الطفل في الضمان الاجتماعي والإعانات التي تضمن كرامته واحتياجاته
الخاصة.
- ثانيًا: وفقًا للتشريعات الليبية (القانون رقم 106
- مادة 1)
تنص على أن الرعاية الصحية والطبية حقٌ مقرر
للمواطنين وتكفله الدولة.
لكن رغم وجود هذه النصوص، أشار المستشار إلى غياب تشريعات خاصة أو اعتراف قانوني رسمي بأطفال القمر في ليبيا
معاشات أساسية وشروط معقدة:
هل يكفي دعم
التضامن الاجتماعي؟
فجوة كبيرة بين النص والتطبيق
• لا توجد قوانين خاصة بأطفال القمر أو أي برنامج
جميلة شقلابو
د. نسرين الحضيري
احميد الزيداني
معاشات أساسية وشروط معقدة:
هل يكفي دعم
التضامن الاجتماعي؟
س وال يد ريلول يلوان مالا وفو شرفرلا
وطني يعنى باحتياجاتهم.
- غياب التشخيص المبكر والدعم في المدارس أو توفير الألبسة الواقية أو الحماية من الإضاءة.
- الأسر تتحمل التكاليف الباهظة (مثل البدلات الخاصة، الأفلام العازلة، الإنارة المخصصة).
- لا دعم نفسي أو اجتماعي مخصص لهذه
الشريحة.
في حين لو قدمنا مقارنة بدول أخرى (فرنس
مثالًا)هناك
- تأسيس جمعيات متخصصة بأطفال القمر.
- توفير كافة الاحتياجات (طب، تعليم، نفسية،
اجتماعية).
• إدماج الأطفال في المدارس بإجراءات واقعية وملائمة
لا توجد إحصائيات رسمية واعتمادنا على سجل العيادات !!
دعم حكومي ومجتمعي واضح.
لهذا الدولة الليبية متأخرة جدًا في هذا الملف لمعالجة الأمر قانونيًا وواقعيًا نوصي بان وفاء الدولة بالتزاماتها القانونية ومواءمة
تشريعاتها المحلية مع الاتفاقيات الدولية.
إعداد بروتوكول وطني شامل للتعامل مع أطفال القمر يشمل:
- التشخيص.
- الوقاية.
- الدعم المادي.
- الرعاية الصحية والتعليمية.
- دعم حكومي لتكاليف الوقاية والملابس الخاصة، وتوفير وسائل نقل ودراسة مهيأة لظروفهم.
- تأسيس منظمات مجتمع مدني متخصصة للدفاع عن هذه الفئة.
- تنظيم حملات توعية وطنية للتعريف بأطفال
القمر وحقوقهم واحتياجاتهم.
- تهيئة المدارس والبيئة التعليمية بما يتناسب مع طبيعة حساسيتهم للضوء.
- الدعم النفسي والاجتماعي المخصص لتسهيل اندماجهم في المجتمع. كما أعلمن المستشار استعداده لتقديم الدعم القانوني والتوعوي والمناصرة والمؤازرة لهذه الفئة، مؤكدًا أن الدولة ملزمة بتهيئة بيئة ملائمة تشمل:
- الرعاية الطبية المجانية
- التعليم الآمن
- الدعم النفسي والاجتماعي
- الدعم والمؤسسات
ولفهم ما إذا كانت هناك برامج فعلية تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع توضح الاستاذة جميلة شقلابو مدير
ادارة شؤون ذوي الاعاقة بهيئة صندوق التضامن أن أطفال القمر (عدوي
الشمس) يتقاضون معاشًا أساسيًا ضمن
اللوائح المعتمدة استنادًا إلى قانون 16
لسنة 1985، بشرط العرض على لجنة طبية متخصصة في فرع الهيئة وتقديم ملف مستوف. يُمكن بدء ربط المعاش للأطفال من عمر أربع سنوات، ويُصرف بنفس القيمة المعتمدة
لفئات المعاش الأخرى وفقًا
للحالة الاجتماعية.
أشارت الأستاذة جميلة
إلى وجود تحديات كبيرة تواجه
الصندوق، أبرزها ضعف
التنسيق مع وزارات حيوية
كالصحة والتعليم والعمل، ما يعيق تقديم الدعم المتكامل
لأطفال القمر، رغم الجهود المستمرة لتوفير بيئة آمنة وتحقيق دمج فعلي في المجتمع. وشددت على أهمية الانتقال بهذه الفئة من حالة الاتكالية إلى الاستقلالية، بما يضمن لهم حياة كريمة ومشاركة فاعلة، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع وذوي حقوق مكفولة قانونا
توفر هيئة صندوق التضامن الاجتماعي معاشَا
أساسيًا لهذه الفئة بدءًا من سنّ أربع سنوات، لكمن العملية تعاني بطء الإجراءات ورفض تعاون الوزارات الأخرى. تدعو جميلة إلى تحسين التنسيق بين الصحة والعمل والتعليم والمواصلات، لتذليل العقبات وتأمين بيئة تعليمية وصحية مناسبة، تؤهل الأطفال للاندماج بدلًا من العزلة.
توصيات ورسائل موجهة للمسؤولين
- وفق لما واجهناه في تحقيقنا نوجّه عناية الجهات المسؤولة ووزارة الصحة لإقرار بروتوكول وطني للتعامل مع متلازمة xP: تشخيص مبكر، تأمين أجهزة وقاية، ودعم نفسي واجتماعي.
- تخصيص ميزانية لصندوق مكافحة الأمراض
الوراثية، توفر بنى تحتية جينية وتحاليل مجانية.
• تهيئة المدارس (فصول مظلمة وإضاءة منخفضة)
واستحداث برامج تعليم عن بُعد عند الضرورة.
• حملات توعية عبر الإعلام والمؤسسات الدينية
لنبذ التنمر وزواج الأقارب.
• تكامل جهات الدولة: تعاون حكومي شامل بين وزارات التضامن الصحي والثقافي والخاص بالتعليه
لتذليل معوقات الدعم.
من فرنسا إلى ليبيا:
الضوء نعمة
هناك ونقمة هنا
ختاما
ليس المرض وحده التحمدي،
بل صمتنا وتخاذل مؤسساتنا.
“أطفال القمر” ليسوا شذوذًا عن المألوف، بل بشرُ
ببحثون عن حقّهم في الحياة. حماية ضوء القمر
لهم رسالة إنسانية وأخلاقية، تنير
لنا طريق العدالة والرعاية الحقيقية.
Share this content:
إرسال التعليق