«تيبودا» مستوطنة جرفها الطوفان منذ ثمانية آلاف عام
لن أدعي أنني اكتشفت هذه المستوطنة، فأغلب سكان مدينة زوارة يعرفونها وخاصة هواة صيد الأسماك فقد كانت ملاذا لأسماك الفروج والمناني والتي سكنت تلك المستوطنة بعد أن وصلتها مياه البحر لتقضي على ساكنيها منذ ثمانية آلاف سنة .

لقد كان وصف ذلك المكان يغلب عليه الطابع الأسطوري من قبل من غاص في مياه «تيبودا» ولا يخفى على كل مطلع دور الأسطورة والخرافة الشعبية في الموروث الثقافي وثأثيرها لدى العامة، وكانت البداية سنة 1994 عندما وصلت لشواطىء (« تيبودا» والتي تقع غرب زوارة بحوالي ستة كيلو مترات عن طريق أحد الصيادين من كبار السن ويلقبونه بشيخ الصيادين (جدي ركيزة) والذي كان يروي لنا أساطير عن تيبودا في الموروث الشعبي للمدينة فأشهر تلك الروايات أن سكان تلك المدينة كانوا يقومون بأفعال أغضبت الله فأغرقها عقابا لهم عن تلك الأفعال أما الأسطورة الأخرى فهي أن تيبودا كانت تحكمها ملكة وكانت امرأة حكيمة أقامت العدل والمحبة بين سكانها فقتلت بالسم من أحد أبنائها طمعا في الملك والجاه فغضب الله عليهم فأتاهم بطوفان انتهى بغرق هذه المدينة وظل يحكي لنا واصفا الحجرات والبيوت والأزقة الموجودة في قاع البحر لتلك المدينة التي كانت تعيش في رخاء وأمن إلى أن انتهى بكل سكانها لغرقهم وموتهم جميعا، ورواية أخري ان تلك المدينة كان يسكنها الجن وأنها لاتزال تحت سلطانهم إلى وقتنا هذا وامكانية ظهورها مرة أخرى ليس بغريب؟
»د. شوقي معمر .. أستاذ التاريخ القديم
الصيد الجائر يدمر أجزاءاً من المدينة الغارقة

هذه الروايات والأساطير دائماً تتكرر بنفس الوتيرة في حقيقتها هي منطقة صخرية طبيعية علي هيئة في مجتمعات أخرى فقد سمعت عديد الأساطير كهوف قام الانسان بحفر ذلك المكان على هيئة والخرافات عن مدينة قرزة بمنطقة ورفله وأنها مدينة مسخوطة وأن سكانها قاموا بفعل أغضب الله تعالى فأنزل عليهم غضبه فحولهم إلى تماثيل وحيوانات لاتحزال وجوههم منقوشة على جدران المدينة . وهناك من يقول إن هناك روايات عن سماع أصوات طبول وغناء لسكان قرزة الأولين تسمع إلى حد الآن، هناك عديد الأساطير لا زالت متداولة في مجتمعنا الليبي ومنتشرة من منطقة إلى أخرى وصلنا إلى ذلك المكان وكان معنا عدة الغوص لمشاهدة تلك المدينة التي لازالت في قاع البحر فالمياه لم تكن عميقة بحوالي 4 أمتار فقط والمياه كانت صافية في مارس من تلك السنة ، وعند نزولك للمكان يتبادر إليك أن المكان ذو تشكيلة هندسية غريبة وأقصد بالغريبة أن الإنسان ترك بصمته في المكان داخل تلك الممرات التي زينت بها تلك المدينة التي أراد البعض تسميتها بذلك الاسم ولكن في حقيقتها هي منطقة صخرية طبيعية علي هيئة كهوف قام الانسان بحفر ذلك المكان على هيئة أقواس وممرات ضيقة تشبه الزقاق تؤدي إلى حجرات بها فتحات مربعة الشكل تبلغ مساحتها نصف متر نصف متر للأضاءة والتهوية وأيضاً هناك أعمدة صنعت بالحجارة الموجودة بالمكان وهي عبارة عمن مجموعة من الحجارة أسطوانية الشكل أو دائرية إن صح التعبير وضعت متلاصقة فوق بعضها لتشكل عموداً بطريقة هندسية رائعة . ووجدنا دوائر من الحجارة بالقرب من المكان قطرها متر مربع لم نعرف في البداية الغرض منها ، ومنذ تلك اللحظة بدأت قصة العشق مع تيبودا وتوالت الزيارات وتوالت أيضاً مئات الأسئلة التي لم أجد جواباً لها ، وأكثر تلك الأسئلة كيف غرق هذا المكان؟ ومن قام بتلك الأعمال داخل تلك الكهوف؟ وما تلك الدوائر الموجودة خارج المكان؟ بدأت رحلة البحث عن شيء مفقود لا وجود له في المصادر التاريخية إلا لدى الجغرافي بطليموس والذي يشير إلى هذا المكان بنفس الاسم وهو مرسى تيبودا، ولم أجد معنى تيبودا في البداية .
وبدأت رحلة البحمث عمن المجهول والغموض في بحر« تيبودا » أو المدينة الغارقة كما يحلو للعديد تسميتها وكانت البداية كما أشرت برحلة بطليموس التي يعود تاريخها للقرن الثاني الميلادي حيث سجل المكان كمرفإ في العهد الروماني ولكننا نبحث عن مدينة أو معلومة عن ذلك المكان فلم نجد شيئاً . ورغم ذلك لم أتوقف عن زيارة المكان بمعدات الغوص في ممرات تيبودا وحجراتها إلى أن ساقتني الأقدار لدراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة وبمحض الصدفة عثرت على تقرير جيولوجي يتحدث عن تسونامي حدث في البحر المتوسط في الألف السادسة قبل الميلاد عنمد ثوران بركان اتنا بجزيرة سيسيليا (صقليحة) وأحدث ذلك الثوران انفجارًا هائلاً تسبب في أمواج تسونامي كان ارتفاعهما قد وصل إلى أربعين مترا تسبب في دمار هائل للسواحل الليبية وتسبب في ارتفاع منسوب المياه وغرق عديد المستوطنات البشرية على سواحل ليبيا خلال ساعة فقط طمرت المياه شواطىء ليبيا بموجتين كانت أقواها الموجة الثانية التي وصلت إلى أربعين متراً كانت كفيلة بأن تقضي على كل شيء .

هذا النوع من التسونامي يسمى «ميجا تسونامي»
أبلغت فورا المختصين بالجامعة الذين لري wa en
استعدادهم للتعاون بالاتصال بإحدى الشركات المختصة بالتصوير عن طريق الأقمار الصناعية والتي أكدت تلك الصور بعد وصولهما بأشهر وجود مستوطنة بشرية
غرقت بسبب تسونامي في وال n ane na
السادسة قبل الميلاد بعد ثوران بركان «اتناه» لنعيد ترتيب كل الأوراق من جديد عن هذا الاكتشاف وعند عودتي لليبيا كزيارة قمت بالعودة للمكان واعادة تصويره بطرق علمية وكانت لحظة نزولي إلى تيبودا رغم أنني قمت باستكشافها عشرات المرات ولكن هذه المرة لختلف المشهد وتغيرت كل الاستنتاجات ويرجع بي الخيال لأكثر من ثمانية آلاف سنة وكأنني أرى مشهداً آخر لم أره من قبل بسبب معرفتنا لمعلومات مهمة عن هذه المستوطنة وليتضح سر «تيبودا»
وإحساس الإنسان ومعرفته بهول الكارثة التي حلت بسكانها وكيف عاشوا تلك اللحظات العصيبة وهنما حضرت عشرات الأسئلة والاستفسارات والتي كانت ععبة قبل معرفتنا بتلك الحقائق فاستطعنا معرفة سر تلك الدوائر المبنية بالحجارة على أنها كانت مواقد للنيران استعملها إنسان تيبودا وأيضاً أسباب اختياره لهذا المكان وعدد سكانها استنادا إلى مساحة المستوطنة والاكتشاف الأهم هو معرفة الإنسان للأعمدة وصناعتها وهذا لم يكن معتاداً أو معروفاً لدى الإنسان في تلك الفترة وهي العصر الحجري الحديث وكيف كانت حياته اليومية كل تلك الأسئلة كانت حاضرة عند وصولنا داخل تلك الحجرات والممرات بداخل تيبودا.
أما كلمة (تيبودا) فتعني المرفأ أو الميناء الصغير ففي المغرب يوجد نفس الاسم بمنطقة الناظور وهو لمرفإ يسمى تيبودا لا يزال يستعمل إلى حد الآن .
اكتشف بقايا لحمامات رومانية على شواطىء
تيبودا بزوارة صدفة عند بناء قرية سياحية على شواطئها رغم علم مصلحة الآثار بالمكان وأهميته التاريخية إلا أنها لحم تتخد أي اجراء ولو بلاغ لمركز الشرطة!
من الناحية العلمية نحن أمام اكتشاف هام جداً لم يكتشف مثله إلا في شواطىء مدينة عتليت بفلسطين مع الفارق أن تيبودا لا زال أغلبها مكتملا وعتليت فدمرت ولم يبق فيها سوى القليل منها ولكنها تحظى باهتمام مراكز بحثية متخصصة. لو كانت تيبودا في بلد آخر لقامت الدنيا ولم تقعد لأهمية ذلك الموقع على المستوى الدولي ولكن يبقى الاهمال واللامبالاة هما السائد لدى المسؤولين مع ملاحظة ان المكان قد دُمر أجزاء منه بسبب الصيد الجائر بمادة الجيلاتينة نتيجة الإهمال الذي يميز جهاتنا المختصة …
Share this content:
إرسال التعليق