في مقبرة ميترا
ترقد أسرة أريسوث بسلام منذ 1800عام !!
يبدو واضحا أن هده المنطقة وبالتحديد المنطقة المحصورة بين الباب الجديد أو خارج أسوار المدينة القديمة إلي منطقة صياد وحسب الشواهد والأدلة والمكتشفات الأثرية التي ظهرت نرى أن هده المنطقة من أهم المواقع الجنائزية الأثرية في إقليم المدن الثلاث وتغطي مساحة من الزمن تمتد مند القرن الأول قبل الميلاد إلي نهايات القرن الرابع الميلادي أي من الفترة البونيقية إلي الفترة البيزنطية عكست لنا مظاهر الحياة الدينية والاقتصادية والاجتماعية التي سادت في إقليم طرابلس خاصة والعالم الروماني عامة ، تعددت واختلفت فيه طرق وأنواع الدفن من حيت وضع الميت وأثاثه الجنائزي والشكل العام للمقابر وكثير من التفاصيل الأخرى كما هو موجود في مقابر قرقارش وبرج الدالية وجنزور وباب بن غشير وميترا وغيرها .
كما اعتبرت هده الفترة من أزهى الفترات التاريخية التي مرت بالبلاد تمتاز بالحيوية والنشاط والتغيرات الجوهرية الكبيرة في حياة الناس العامة والخاصة نتيجة لظهور حضارات عالمية عظيمة في البلاد وهي الحضارة البونيقية والرومانية والرومانية المتأخرة والبيزنطية وقد أدت هده الحضارات إلي تغيرات كبيرة في حياة الناس خاصة في معتقداتهم الدينية والجنائزية وقد بدأ هدا التأثير واضحا من خلال المكتشفات التي ظهرت بالمنطقة .
» الخبير الأثري : رمضان أمحمد الشيباني
من هو مترا ( Mithras )..؟
حسب ميثولوجية العالم القديم (الرومانية) يعتبر المؤله ميترا في نظر اتباعه الوسيط بين الالهة والرجال ومنقد الجنس البشري جاءت عبادته الي الغرب من بلاد فرس ايران وهو مؤله الضوء والمرتبط بالشمس دائما ويسمى بالشمس التي لاتقهر وانتشرت عبادته في العالم الروماني فقد عبده حتى الاباطرة . وحسب معتقداتهم ان ميترا طلع من الصخر وهو يمسك في يده شعلة وسكينا لابسا معلنا عن ولادته حاملا المشاعل وهما كاواتس وكوتوباتس يقفان على الجانبين الأول يمسك مشعلا مرتفعا والثاني يحمل مشعلا منخفضا وهما يمثلان شرو
وغروب الشمس وقد ولد ميترا في الغابة وتغدى على ثمار التين ولبس أوراقه ثم قهر الشمس وبرز منها مرة ثانية وبعد ذلك هزم الثور العظيم المخلوق الأول على الأرض وحمله الي كهفه ولكن الثور هرب مرة ثانية وحسب أوامر الشمس تابع مترا الثور ومعه كلبه وأخيرا استطاع أن يقبض عليه ويقفز على ظهره ويقتله بسكين وبهذه الطريقة أصبح مترا مؤسس الحياة على الأرض لانه يعتقد أن العمود الفقري للثور نبثت منه سنابل القمح ومن دمه ظهر عصير العنب ومن بقايا جسمه نبتت جميع الأعشاب ومن أصل الثور ظهرت باقي الحيوانات وقد انتشرت عبادة مترا في جميع العالم الروماني في متراي (مكان عبادة مترا) كان يصور وهو يقوم بقتل الثور مع إثنين من حاملي المشاعل على الجانبين ومعه كلبه ويبدو أن مترا كانت ترعاه الكهنة وكان يجنمع في المعبد المتعبدون للمشاركة في الاكل المقدس ولدخول عبادة مترا كان على المتعبد أن يمر ببعض أنواع الطقوس الدينية كما كان مطلوبا منه أن يعيش حياة نقية مطيعة وكانت توجد سبع درجات في طقوس عبادة مترا وكان المتعبدون يعتقدون أنهم بعد الوفاة سوف ترحل أرواحهم وتقابل مترا الذي يمنحهم البركة وحياة جديدة خالدة . ومن هنا نستطيع أن نؤكد بأن أصحاب هذه المقبرة العائلية من أتباع المؤله مترا.

تاريخ وظروف الاكتشاف
تعتبر هذه المقبرة من أقدم الاكتشافات الاثرية بمدينة طرابلس زارها لاول مرة المهندس وبر WEBER سنة 1903 م والذي كان يشرف على تخطيط شوارع مدينة طرابلس في العصر التركي الثاني وقد سجلها في مذكراته ومخططاته الاولية وقد ذكرها كثير من الدارسون الايطاليين منهم ماروكي ومونوس كما أشار اليها في مجلة الدراسات الفرنسية ” كلير مونت كانو ” وفي سنة 1914م نظفت المقبرة وأعيد دراستها وبسبب انفجار لغمين في المحجر المجاور لها ظهرت بعض معالمها ، وفي سنة 1919 م و1920 أشرف الدكتور رومانيللي على أكتشاف المقبرة وحفرها واظهارها الي حيز الوجود .
عرفت هذه المقبرة بمقبرة مترا نسبة الي أن هذه الاسرة الاويوية (الطرابلسية) كانت من اتباع المؤله مترا وهي في الاصل مقبرة اسرة إليا أريسوت وتقع في منطقة غوط الشعال أمام شارع ( 10 ) على بعد 8 كم تقريبا غرب مدينة طرابلس شمال طريق ( طرابلس – قرجي ) مباشرة وهي أجمل مقابر منطقة طرابلس وأكملها حفرت المقبرة بسطح هضبة صخرية من الحجر الجيري لها مدخل في الجانب الجنوبي عبارة عن مدخل منخفض يبلغ ارتفاعه 1.20م يوصل إلي ممر ضيق يبلغ طوله أربعة أمتار وعرضه متر وأحد ويوصل إلي حجرة الدفن التي كانت في أول الامر فوهة محجر مربع الشكل يبلغ طول ضلعه ثمانية أمتار وعمقه خمسة أمتار مكشوف بإستتناء الجزء الشرقي منه
يوجد في جدار المقبرة الشمالي المواجه لمدخل المقبرة حنية بها قبر جميل وهو القبر الرئيسي في المقبرة وشرق هذا القبر وفي نفس الجدار قبر أخر أقل مستوى من القبر الاول ويواجه القبر الثاني في الجدار الجنوبي في أقصى الشرق يوجد قبران أحدهما للخارج والثاني خلفه إلي الداخل ويبدو أنهما لم يستعملا للدفن .
القبر الاول :

في هذا القبر ترقد احدى سيدات أويا الجميلات مند مايقارب من 1800 سنة .
وهو القبر المواجه لمدخل المقبرة خاص بإمرأة تسمى أليا أريسوت ((AELIA ARISUTH)) وهو أهم مدفن بالمقبرة فنجده مزدان برسومات ملونه من حوله تجسد جانب من الحياة العامة وبعض المعتقدات الدينية السائدة في ذلك الوقت وهو عبارة عن حفرة مستطيلة في الجدار يوجد أسفلها حفرة بشكل تابوت وضعت فيها الميتة وغطى التابوت بالملاط الابيض رسم عليه بعض المناظر الجنائزية وكانت الميتة قد وضعت بشكل شه نائمة على ظهرها الرأس جهة الغرب والرجلين ناحية الشرق فنجد في أعلى الفتحة دائرة جميلة على هيئة اكليل ملفوف بالازهار والاوراق يحملها ملكان مجنحان طائران ” كيوبيدان ” ويمسك كل واحد منهما بغصن وفي وسط هذه الدائرة كتبت عبارة جنائزية تقول :

في رحاب إله الموت. (( D.M.S))
إليا أريسوت . (( AELIA ARISUTH ))
التي عاشت (( VIXIT ANNOS ))
60 عاما . (( SEXAGINTH ))
تقريبا (( PIUS MINUS ))

وعلى جانبي الحنية في كل جانب كاهن يمسك في يده شعلة كبيرة مشتعلة وفي وسط الحنية المنحوتة بالجدار المواجه فوق التابوت توجد صورة جميلة دقيقة المعالم والتفاصيل لاليا أريسوت رسمت في إكليل دائري جميل مزدان بأغصان الشجر والورود وترى إليا أريسوت تلبس رداء مغطى بشال أبيض تحته عباءة وفوق رأسها غطاء يشبه العمامة أبيض وعلى كل جانب من جانبي الاكليل توجد فتاة تحمل إكليل جميل وفي جداري الكوة الجانبيين يوجد في كل جانب ملاك صغير يستند على مشعل مقلوب رمز لنهاية الحياة وعلى سقف الكوة توجد صورة طاووس ناشرا جناحيه وبعض أشجار الكروم رمز الخلود .
إعادة إنشاء سقف جديد يحمي المقبرة من الظروف الطبيعية
وفي أسفل جدار القبر من الخارج يوجد منظر يمثل سباق العربات في حلبة السباق ” السرك ” أحد اهم الالعاب الرياضية التي كانت تقام بالعالم الروماني . فنرى أربعة عربات كل واحدة منها تتميز بلون خاص وهي اللون الأحمر والأخضر والأزرق والأبيض وبين العربات رجل يمسك كأس الانتصار لتقديمه للفائز وغالبا كانت العربة الزرقاء تمثل عربة أليا أريسوت التي
كسبت سباق الحياة وترى في أحد جانبي الميدان قاعدة عليها ثلاث مشاعل كانت يشعل واحد منها عند نهاية كل شوط .

عند اكتشاف المقبرة في أوائل القرن العشرين كان غطاء التابوت سليم وكانت توجد عليه صورة لبوءة ومكتوبا فوقه العبارة التالية ((QUE LEA JACET )) وتعني هنا ترقد لبوءة وهي إحدى الدرجات السبعة السرية لعبادة ميترا الاله الفارسي.
القبر الثاني :
يشبه القبر السابق لكنه أقل دقة وكان خاص بزوج اليا أريسوت المدعو أليوس يوراتانوس AELIOS IURA THNOS )) )) الذي يعتقد أنه كان نوميديا ومات وعمره 45 سنة والنقش الجنائزي المكتوب على القبر في حالة سيئة .وهذا النص هو :
DIS MANIBUS SACRUM )) ))
AELIOS MAGNUS OXIMUS IURATHAN )) ))
FILIUS VIXIT ANNOS QUI QUO QUADRO AGINTA OUIA )) ))
QUE PIUS MINUS ))

القبر في رحاب إله الموت إليوس إيوراتانوس عاش 45 سنة تقريبا يوجد فوق التابوت رسم جداري لاليوس متسلق بين أشجار الكروم والازهار وفي كل جانب من جانبي التابوت يوجد ملاك متكىء على مشعل مقلوب رمز لنهاية الحياة وسطح الحنية المنحوتة في الجدار مصور بكرمة عنب بين أغصانها بعض الطيور وعند أكتشاف المقبرة في بداية القرن العشرين كانت توجد فوق التابوت صورة أسد و كتب عليه الجملة الاتية :
(( QUI LEO JACET )) هنا يرقد أسد وهو إحدى درجات عبادة ميترا والقبران الثالث والرابع لم يستعملا وهما يشبها القبر السابق . وطريقة حفرهما كانت مختلفة عن القبران المقابلان بوجود حنيتين بواجهة القبر ما يشير الي أنهم حفروا في فترة لاحقة .
وتعتبر مقبرة ميترا من المقابر المهمة بمنطقة طرابلس وتمتاز بالرسوم الجميلة التي تحتوى على بعض الرموز الوتنية والمسيحية ولانستغرب هذا التداخل الفني والعقائدي في هذه الفترة حيت كانت المسيحية منتشرة والوتنية لاتزال أيظا قوية كما أن التشابه كبير بين عبادة ميترا والمسيحية ولذلك لانستطيع أن نعطي رأى قاطع في هذه المقبرة وربما تعود إلي مابين القرنين الرابع والخامس الميلاديين .
مؤخرا قامت مراقبة أثار طرابلس بالتعاون مع فريق مختص من جامعة روما الثالثة بإجراء عمليات ترميم وحفظ وصيانة للرسوم الملونة والجدران وإعادة انشاء سقف جديد يحمي
المقبرة من الظروف الطبيعية وتأهيل الموقع بشكل عام لاستقبال الزوار والدارسيين وتم إعادة افتتاحها يوم السبت الموافق 11/3/2023 .
Share this content:
إرسال التعليق