كشمعةٍ تُنير للحطب
عنقَ الفأس
حسام الوحيشي

الشمسُ تداعب الستارة الداكنة،
وفي الأفق المزاجي،
ترتجف صنوبرةٌ عاريةٌ بين زنبقتين.
في الأسفل، تحت الشرفة،
عشبٌ وأطفال، أرجوحةٌ تتأرجح بين ضحكتين،
والحلم البضّ… ثمرةٌ للأساطير.
النهار يشبه مشهدًا سينمائيًا مُعادًا،
مغمورٌ بالطمأنينة كبرعمِ لوزٍ هش.
في الداخل،
على رف الغرفة،
كتابٌ قديم مكتظٌ بالأضاليا والحزن،
أتشبث به، أتكوّر في حضنه كطفلٍ نُسي في المهد.
أيتها الكناية،
حاولت أن أنام،
غير أني لم أعرف كيف أُطفئ المصباح،
كأن ضوءه يقتاتني.
لكن هناك حليبا للألم تلتقمه الحروف…
الفتى الذي كان يضع الأزهار في الكتاب،
الذي كان يقلّني إلى الحديقة،
يشتري لي الحياة من الأزقة،
ويُلقي بأخطائي للقطط،
صار ضبابًا… يتناوشه غبار الأسلاف.
أولئك الذين لا نعرف وجوههم،
لكنهم يطلّون دائمًا كلما احتجنا إلى جملةٍ غامضة.
صوته يأتي من مكان بعيد،
واهنًا… كأنما يقف عند طرف الوداع.
يمضغ حزنه في كلمات مقتضبة:
«أنا بخير».
ثم يقفل الخط.
لم يكن يخدعني، لكنه لم يكن صادقًا.
أنا الظل الذي يغفو في ظلك،
أجلس لنقش اسمك على الماء،
أُفتّش عني في جهاز التحكم،
البطلة على الشاشة، بحذائها الشاهق،
تقهقه كأنها لا ترى أحدًا،
تكاد تدهس العالم،
والمساء الوديع ليس هنا…
لا أنتظر شيئًا، سوى أن تعودي.
نشرات الأخبار تكشّر عن عواجلها،
صياغاتٌ ركيكة،
وغمازات المذيعة دامية،
الوقت ثقيل كصخرةٍ فاغرة،
أُغيّر القناة،
ألوذ بالترجمة:
«تَبًّا».
أرتكب النصوص المبهمة،
لأن الكلمات الحادة تصنع المعارك.
ولهذا خُلقت «النثيرة»،
وشمٌ لوغارتميٌّ على كتف التعب،
يغزلها مستبدٌّ يرسل مجهره فجرًا بين المعاني،
ليقنص العصاة.
في الخارج،
سيارات بيضاء،
أحذية على السلالم الرخامية،
ابتسامات فوتوغرافية مرمية على البحر،
بيادق تمشي على كورنيش طرابلس،
«كِش» وشيكة خلف الأسوار المعدنية،
والجدران الحمراء تهمس بأسرار قديمة،
بابٌ نصف مفتوح… لا يعبره إلا العطش.
وعندما تمر بجانب الأشجار البعيدة،
انظر إلى الأرض…
ربما تجد نظراتي العتيقة،
بعثرتها هناك في نوبة تهجد.
سأهيل عليها القمح والغضب،
وأحدث الصلاة عن نواياي الجيدة.
خمسُ مرّات في العشق،
أنادي على الظبي الذي أكل كبدي اثنتي عشرة مرة،
فيعود محطّمًا…
فأُطعمه من جديد،
ويقتلني… كي لا أموت.
يشعر بمرارة في حلقه،
تروق له نكهتي البرزخية.
لم يقل شيئًا دافئًا.
في أحسن الظروف،
كان يتحدث عن القسوة،
وضاحية الأمير،
والأشياء التي نقولها… لكي لا نقول شيئًا.
الطيبون لا يكسبون الحروب.
أغلقت القصيدة غاضبًا،
وهي تربي مخالبها للذبح،
كأنها السكين العزيز،
تشطر العالم إلى جثتين:
الحب، والذاكرة.
تذكرت الشمعة التي تُنير للحطب عنق الفأس،
وكتبتها هناك أيضًا،
في هوامش الورق…
أغنيةً صوفية:
«عندما تمر، راقب العشب،
ابحث عن الشوق في كف الربوة التي تنتابها.
أعرف أن الكارثة ما زالت تنبض،
سأقدّم لها وجبة أخيرة… وأمضي، إن استطعت.»
يجرّ خطواته كمن نسي الخطوات،
يسحق الحروف وينذرها للعواصف،
يربط كلبًا أبلق،
ويكابد عشيرة سلوقية… بلا مفر.
لأن الوجد يسمل أرواحنا،
يضيف لها الملح،
ويجفّفها على الكاغد.
حين برز الشوك من مناديلنا الناعمة،
ونحن نمسح هراء الصبابة مرتين،
كسرنا بقسوةٍ فادحة…
نستحقها.
Share this content:
إرسال التعليق