×

خذوا المناصب والمكاسب

خذوا المناصب والمكاسب

        في‭عالم‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬يتقاطع‭ ‬التراث‭ ‬مع‭ ‬الحداثة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يموج‭ ‬بالتغيرات،‭ ‬يبقى‭ ‬الفنّ‭ ‬ملاذاً‭ ‬للروح‭ ‬ومرآةً‭ ‬تعكس‭ ‬واقعنا‭, ‬ومن‭ ‬تونس‭ ‬الخضراء،‭ ‬انطلق‭ ‬صوت‭ ‬قوي‭ ‬ليصدح‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الغناء‭ ‬والطرب‭ ‬حاملاً‭ ‬معه‭ ‬إرثاً‭ ‬موسيقياً‭ ‬عريقاً‭. ‬كله‭ ‬ألوانٌ‭ ‬زاهيةٌ‭ ‬يجسد‭ ‬لوحةً‭ ‬فنيةً‭ ‬فريدةً‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬المبدع‭.

‭ ‬بوشناق‭ ‬يُغني‭ ‬للناس‭ ‬قبل‭ ‬السلطة‭..‬

    الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬‮«‬‭ ‬لطفي‭ ‬بوشناق‮»‬‭ ‬برز‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬الأصالة،‭ ‬وسارت‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل،‭ ‬بصوته‭ ‬العذب‭ ‬وأدائه‭ ‬الفريد،‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سفيراً‭ ‬للهوية‭ ‬الموسيقية‭ ‬العربية،‭ ‬مجسداً‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬هموم‭ ‬الشعوب،‭ ‬وقضايا‭ ‬الوطن،‭ ‬ورسائل‭ ‬الإنسانية‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بوشناق‭ ‬مجرد‭ ‬مغنٍ،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬شاعراً،‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬يؤديها‭. ‬من‭ ‬المالوف‭ ‬التونسي‭ ‬إلى‭ ‬القصائد‭ ‬الصوفية،‭ ‬ومن‭ ‬الأغاني‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬العاطفية،‭ ‬ظل‭ ‬محافظاً‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬فني‭ ‬متفرد،‭ ‬متزناً‭ ‬بين‭ ‬التجديد‭ ‬والتمسك‭ ‬بالجذور‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الخاص،‭ ‬نقترب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القامة‭ ‬الفنية،‭ ‬لنتحدث‭ ‬عن‭ ‬محطاته‭ ‬المهمة،‭ ‬رؤيته‭ ‬للمشهد‭ ‬الموسيقي‭ ‬العربي،‭ ‬وأسرار‭ ‬تجربته‭ ‬الغنية‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬لعقود،‭ ‬بين‭ ‬المهرجانات‭ ‬العالمية‭ ‬والمشاريع‭ ‬الموسيقية‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬هويةً‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬رغم‭ ‬تقلبات‭ ‬الزمن‭.‬

‮«‬سفير‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‮»‬‭  ‬لقب‭ ‬تنازلت‭ ‬عنه‭.. ‬

وما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية

حوار/ ‬منال‭ ‬البوصيري‭ ‬

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬مشاركتك‭ ‬الأخيرة‭ ‬الصيف‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المدينة‭ ‬وكيف‭ ‬جاءت‭ ‬الدعوة‭ ‬لها‭ ‬؟

مشاركتي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬المدينة‭ ‬خلال‭ ‬الصيف‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬فرصة‭ ‬رائعة‭ ‬لإعادة‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬الليبي‭ ‬العزيز‭ ‬على‭ ‬قلبي‭. ‬كانت‭ ‬سهرة‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬تفاعلاً‭ ‬كبيراً‭ ‬وحباً‭ ‬صادقاً‭ ‬من‭ ‬الجمهور‭.‬

كنت،‭ ‬وما‭ ‬زلت،‭ ‬وسأظل‭ ‬دائمًا‭ ‬صادقًا‭ ‬في‭ ‬رسالتي‭ ‬الفنية،‭ ‬ومخلصاً‭ ‬للجمهور‭ ‬الذي‭ ‬أحبني‭ ‬ودعمني‭. ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أخيب‭ ‬ظن‭ ‬من‭ ‬وثق‭ ‬بي،‭ ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬ترسم‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬جمهورك،‭ ‬والأصعب‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬ما‭ ‬يليق‭ ‬به‭. ‬أسعى‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬فني‭ ‬بأمانة‭ ‬وصدق،‭ ‬وبما‭ ‬يرضي‭ ‬الله‭ ‬والضمير،‭ ‬ملتزماً‭ ‬بالحرفية‭ ‬والمهنية‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭.‬

‭_ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬المشهد‭ ‬الليبي‭ ‬اليوم‭.. ‬وما‭ ‬هو‭ ‬انطباعك‭ ‬لهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬؟‭ ‬

ليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬تجمعهما‭ ‬روابط‭ ‬عميقة‭ ‬وصادقة،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬للمجاملة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حقيقة‭ ‬تاريخية‭. ‬نحن‭ ‬شعب‭ ‬واحد‭ ‬بتاريخ‭ ‬مشترك‭ ‬وعلاقات‭ ‬متينة،‭ ‬ولا‭ ‬أرى‭ ‬أي‭ ‬فرق‭ ‬بيننا‭. ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عموماً،‭ ‬نحن‭ ‬إخوة‭ ‬بالدين‭ ‬والتاريخ‭ ‬والثقافة‭.‬

إخوتنا‭ ‬الليبيون‭ ‬عندما‭ ‬يأتون‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬يشعرون‭ ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬بلدهم،‭ ‬لأن‭ ‬لغتنا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬وحتى‭ ‬طبيعتنا‭ ‬متشابهة‭ ‬جدًا‭. ‬دائمًا‭ ‬أدعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يوحد‭ ‬الصفوف‭ ‬ويحفظ‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر،‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يوفق‭ ‬ولاة‭ ‬أمورها‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬الخير‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬الغالي‭ ‬على‭ ‬قلبي‭.‬

‭_ ‬تمتلك‭ ‬مشروعاً‭ ‬موسيقياً‭ ‬كبيراً‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الأغنية‭ ‬الحديثة‭ ‬بإيقاعها‭ ‬السريع‭ ‬والموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬التونسي‭ ‬الكلاسيكي‭.. ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬؟

  ‬أنا‭ ‬دائماً‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬المشروع‭ ‬الموسيقي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬امتداداً‭ ‬للماضي،‭ ‬وتعايشاً‭ ‬مع‭ ‬الحاضر،‭ ‬ورؤية‭ ‬للمستقبل،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬آتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وتراث‭ ‬موسيقي‭ ‬كبير‭ ‬تعلمت‭ ‬منه‭ ‬الكثير،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬أعيشها،‭ ‬وأن‭ ‬أعكس‭ ‬الواقع‭ ‬بصدق‭.‬

الفنان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صوت‭ ‬جمهوره،‭ ‬يُعبر‭ ‬عن‭ ‬أحلامهم،‭ ‬غضبهم،‭ ‬أفراحهم‭ ‬وآلامهم‭. ‬أنا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور،‭ ‬وأسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فني‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وتجاربهم،‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يمنحني‭ ‬الله‭ ‬العمر‭ ‬الكافي‭ ‬حتى‭ ‬يستمع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬أغنياتي‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬فيتخيلون‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬عشتها‭ ‬وعبرت‭ ‬عنها‭ ‬بفني‭. ‬فالموسيقى‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ألحان‭ ‬و كلمات،‭ ‬بل‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬واقعنا،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬حبنا‭ ‬لبعضنا،‭ ‬عن‭ ‬مشاكلنا،‭ ‬أحلامنا،‭ ‬وحدتنا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نمر‭ ‬به‭.‬

‭_‬تميزت‭ ‬بأداء‭ ‬الموشحات‭ ‬والأغاني‭ ‬الصوفية‭ ‬والمالوف‭ ‬التونسي،‭ ‬وأناشيد‭ ‬القصائد‭ .. ‬فهل‭ ‬الفنان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬اللون‭ ‬الغنائي‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬معطيات‭ ‬اخرى‭ ‬تحدد‭ ‬ذلك؟‭ ‬

  الهوية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الموشحات،‭ ‬الأغاني‭ ‬الصوفية،‭ ‬المالوف،‭ ‬الأناشيد،‭ ‬والقصائد‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للفنان‭ ‬تجارب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬امتداداً‭ ‬لهذا‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق‭. ‬هناك‭ ‬مواضيع‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُطرح‭ ‬في‭ ‬الأغاني،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تقتصر‭ ‬الأغاني‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬العبارات‭ ‬المتكررة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أحبك‭ ‬وتحبني‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتناول‭ ‬قضايا‭ ‬أعمق‭ ‬تعكس‭ ‬واقعنا‭.‬

الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القوالب‭ ‬الموسيقية‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬هويتنا،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬يمكننا‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬القوالب‭ ‬والأنماط‭ ‬الحديثة‭ ‬دون‭ ‬فقدان‭ ‬أصالتنا‭. ‬يمكن‭ ‬للفنان‭ ‬أن‭ ‬يجرب‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة،‭ ‬لكنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬في‭ ‬النغمة،‭ ‬الإيقاع،‭ ‬الكلمة،‭ ‬وعمق‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭.‬‭ ‬فالرسالة‭ ‬الفنية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الترفيه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثنا‭ ‬الثقافي‭ ‬ونقله‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

‭_ ‬بدأت‭ ‬مسيرتك‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬أغنياتك‭ ‬هي‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬جرى‭ ‬إيه‭ ‬يا‭ ‬دنيا‮»‬،‭ ‬ومنها‭ ‬كانت‭ ‬انطلاقتك‭ ‬الفنية‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لتكون‭ ‬مسيرة‭ ‬حافلة‭ ‬بالعطاء‭ .. ‬لو‭ ‬نعود‭ ‬للوراء‭ ‬لطفي‭ ‬بوشناق‭ ‬ماذا‭ ‬يُغير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة؟‭ ‬

‭- ‬بدأت‭ ‬مسيرتي‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬قدمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الألحان‭ ‬المميزة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬احنا‭ ‬الجود،‭ ‬احنا‭ ‬الكرم‮»‬،‭ ‬و«كل‭ ‬ما‭ ‬فيك‭ ‬زاد‭ ‬جنوني‮»‬‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬الشاعر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بوزيان‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬أغنية‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬‮«‬جرى‭ ‬إيه‭ ‬للدنيا‭ ‬يا‭ ‬ناس‮»‬‭, ‬التي‭ ‬لحّنها‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬صدقي‭.‬

بالنسبة‭ ‬لمسيرتي،‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬الجمهور‭ ‬العربي‭ ‬عني‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬النسبة‭ ‬البسيطة‭ ‬من‭ ‬أعمالي،‭ ‬إذ‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإنتاجات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحظَ‭ ‬بالانتشار‭ ‬الكافي‭. ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الإعلام،‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬ودعم‭ ‬المبدعين‭.‬

عندما‭ ‬تسأليني‭ ‬عن‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬الفنية،‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬بصراحة‭: ‬هل‭ ‬ما‭ ‬تسمعه‭ ‬اليوم‭ ‬يعبر‭ ‬عنك‭ ‬حقاً؟‭ ‬الساحة‭ ‬الفنية‭ ‬العربية‭ ‬تعج‭ ‬بالمبدعين‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬الغناء،‭ ‬والتلحين،‭ ‬لكن‭ ‬

لإعلام‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬وإعطائهم‭ ‬الفرصة‭ ‬لتقديم‭ ‬أنماط‭ ‬موسيقية‭ ‬جديدة‭ ‬وأعمال‭ ‬فنية‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭.‬

مسيرتي‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬وستظل‭ ‬متمسكة‭ ‬بالقضايا‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭. ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬أعمالي‭ ‬على‭ ‬الغناء‭ ‬العاطفي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬رسالة‭ ‬هادفة‭ ‬تخدم‭ ‬المجتمع‭. ‬الإعلام‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لتثبيت‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لدعم‭ ‬الإقتصاد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفن‭. ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬العصر‭ ‬بمواقفي،‭ ‬بكلمتي،‭ ‬بألحاني،‭ ‬وبإنتاجي،‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬مسيرتي‭ ‬الفنية‭. ‬واليوم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أعمل‭ ‬فيه،‭ ‬أشعر‭ ‬وكأنني‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭.‬

‭_ ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬الفنان‭ ‬لأيديولوجيا‭ ‬سياسية‭ ‬معينة‭ ‬وهل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يؤثر‭ ‬عليه‭ ‬؟

 ‬بالنسبة‭ ‬لاعتماد‭ ‬الفنان‭ ‬سياسة‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬سياسية‭ ‬معينة،‭ ‬فأنا‭ ‬بعيد‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬ولديّ‭ ‬موقف‭ ‬واضح‭ ‬منها‭. ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬السياسة‭ ‬تعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬عدو‭ ‬دائم‭ ‬ولا‭ ‬صديق‭ ‬دائم،‭ ‬بل‭ ‬تتغير‭ ‬المواقف‭ ‬حسب‭ ‬المصالح‭ ‬والظروف‭. ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬لكن‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والحرية،‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أؤمن‭ ‬بها‭. ‬أما‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬سياسية‭ ‬معينة،‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قناعاتي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

‭_‬كيف‭ ‬كان‭ ‬تعاملك‭ ‬مع‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬ضدك‭ ‬سواء‭ ‬بسبب‭ ‬مواقفك‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أو‭ ‬لمشاركتك‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬أُوسكار‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬لاقت‭ ‬هجوماً‭ ‬وانتقاداً‭ ‬واسعاً‭ ‬من‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬والإعلاميين‭ ‬في‭ ‬تونس؟‭ ‬

  لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬تعرضت‭ ‬لهجمات‭ ‬أو‭ ‬انتقادات‭ ‬خلال‭ ‬مشاركتي‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬بتونس،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أتذكر‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬انتماء‭ ‬لجهة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬سياسي‭ ‬معين،‭ ‬سواء‭ ‬تونسي‭ ‬أو‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عالمي‭. ‬غنيت‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬أحببتها،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬خلفيات‭ ‬سياسية‭.‬

‭_‬كانت‭ ‬لك‭ ‬تجربة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التمثيل‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬شاركت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭  ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬المسلسل‭ ‬التونسي‭ ‬“مكتوب”،‭ ‬كما‭ ‬اشتركت‭ ‬في‭ ‬أوبريت‭ ‬“عناقيد‭ ‬الضياء”‭..  ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬ماذا‭ ‬أضافت‭ ‬لك‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬ستتكرر‭ ‬؟

‭- ‬بالنسبة‭ ‬لتجربتي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التمثيل،‭ ‬لا‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬ممثلاً،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬خضتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬النص‭ ‬ورأيت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يسيء‭ ‬إليّ‭ ‬أو‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬صورتي‭. ‬التمثيل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬تجربة،‭ ‬مثلما‭ ‬خاضها‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬وعبد‭ ‬الوهاب‭ ‬من‭ ‬قبلي‭. ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬مشكلة،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬أضفت‭ ‬شيئاً‭ ‬للعمل،‭ ‬كما‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أضاف‭ ‬لي‭. ‬إذا‭ ‬عرض‭ ‬عليّ‭ ‬عمل‭ ‬جديد‭ ‬وشعرت‭ ‬أنني‭ ‬سأضيف‭ ‬له‭ ‬شيئًا‭ ‬وأنه‭ ‬سيضيف‭ ‬لي‭ ‬بالمقابل،‭ ‬فلن‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬قبوله‭.‬

‭_ ‬أديت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭  ‬السياسية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬مواطن‮»‬،‭ ‬و«السياسي‭ ‬والكراسي‮»«‬‭ ‬أغنية‮»‬‭ ‬‮«‬غزة‭ ‬اصمدي‮»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ .. ‬علاقة‭ ‬الفن‭ ‬بالسياسة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬؟‭ ‬

– ‬بخصوص‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬يُقال‭ ‬إنها‭ ‬سياسية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬مواطن‮»‬‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بل‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭. ‬هذه‭ ‬الأغنية‭ ‬لا‭ ‬تخص‭ ‬تونس‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬وضعاً‭ ‬عاماً‭. ‬عندما‭ ‬أقول‭ ‬‮«‬خذوا‭ ‬المناصب‭ ‬والمكاسب،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تبيعوا‭ ‬الوطن‮»‬‭, ‬فالمقصود‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬وسيادته‭ ‬وتاريخه‭ ‬ملك‭ ‬للجميع‭. ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مشاكل‭ ‬وصراعات،‭ ‬لكن‭ ‬الوطن‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭.‬

و‭ ‬علاقة‭ ‬الفن‭ ‬بالسياسة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭. ‬عندما‭ ‬ننتقد‭ ‬الخطأ،‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬سياسة،‭ ‬بل‭ ‬مسؤولية‭. ‬هل‭ ‬إذا‭ ‬رأيت‭ ‬شيئاً‭ ‬خاطئاً‭ ‬وانتقدته،‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أنك‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬السياسة؟‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬ذلك،الفنان‭ ‬هو‭ ‬مرآة‭ ‬الواقع،‭ ‬وهو‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭. ‬نحن‭ ‬صوت‭ ‬الشعب‭ ‬وذاكرته،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭ ‬عن‭ ‬قضاياه‭. ‬قد‭ ‬يعبر‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬بالقلم،‭ ‬وأنا‭ ‬أعبر‭ ‬عنها‭ ‬بفني‭.‬

لا أعتبر نفسي ممثلا فالتمثيل مجرد تجربة ولن أمانع في خوضها مجددا

‭_ ‬تغّنى‭ ‬الفنان‭ ‬لطفي‭ ‬بوشناق‭ ‬بعديد‭ ‬الأعمال‭ ‬الغنائية‭ ‬لليبيا‭ ‬منها‭ ‬عمل‭ ‬غنائي‭ ‬للبنيان‭ ‬المرصوص‭ ‬أيضاً‭ ‬أؤُبريت‭ ‬عودة‭ ‬وطن‭ ‬وتتر‭ ‬مسلسل‭ ‬السيرة‭ ‬العامرية‭ ‬وعديد‭ ‬الأغاني‭ ‬الوطنية‭ ‬الليبية‭ ‬الأخرى‭ ‬ كيف‭ ‬عبر‭ ‬الفنان‭ ‬لطفي‭ ‬أبوشناق‭ ‬عن‭ ‬عشقه‭ ‬لليبيا‭ ‬؟‭ ‬وكيف‭ ‬قيم‭ ‬الأعمال‭ ‬الغنائية‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬البلدين؟

– ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬أشارك‭ ‬فيه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬انتماء‭ ‬سياسي‭ ‬لأي‭ ‬جهة‭ ‬معينة‭. ‬ليبيا‭ ‬كدولة‭ ‬وشعب،‭ ‬من‭ ‬شمالها‭ ‬إلى‭ ‬جنوبها‭ ‬ومن‭ ‬شرقها‭ ‬إلى‭ ‬غربها،‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬احترامي‭. ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬سابقًا،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬سياسي،‭ ‬وأغني‭ ‬للشعب‭ ‬الليبي‭ ‬بكلماتي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬لجهة‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬معاداة‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭. ‬الفن‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يوحّد‭ ‬الشعوب،‭ ‬وهو‭ ‬الجسر‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬ويجمع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والمناسبات‭. ‬لذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أقع‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭ ‬معين‭.‬

نحن‭ ‬كفنانين‭ ‬نرحب‭ ‬دائمًا‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬وطنية،‭ ‬سواء‭ ‬لتونس‭ ‬أو‭ ‬لليبيا،‭ ‬بشرط‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬خلفيات‭ ‬سياسية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفنانين‭ ‬الليبيين‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬تونسية،‭ ‬وأنا‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬أمانع‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬وطني‭ ‬ليبي‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬لي،‭ ‬دون‭ ‬تردد‭.‬

‭_ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2004‭ ‬تم‭ ‬اختيارك‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭  ‬سفيراً‭ ‬للنوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ .. ‬ماذا‭ ‬قدمت‭ ‬لك‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬وماذا‭ ‬قدمت‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬؟‭..‬

‭-‬في‭ ‬البداية‭ ‬تم‭ ‬منحي‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬سفير‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‮»‬‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تنازلت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يضف‭ ‬لي‭ ‬شيئاً،‭ ‬ولأن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بقيت‭ ‬صامتة‭ ‬تجاه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬اُرتكبت‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬مجزرة‭ ‬إنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬تجاوز‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬40‭,‬000،‭ ‬والجرحى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭,‬000،‭ ‬وهناك‭ ‬10‭,‬000‭ ‬مفقود‭. ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬كارثة،‭ ‬بل‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭. ‬لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يشرفني‭ ‬أن‭ ‬أُلقّب‭ ‬بسفير‭ ‬للسلام‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬منظمة‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬حاسماً‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭. ‬التسمية‭ ‬رمزية‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تغير‭ ‬شيئاً‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

((المشروع الموسيقي الكبير))

امتداد للماضي وتعايش مع الحاضر رؤية للمستقبل

‭_ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفنان‭ ‬لطفي‭ ‬بو‭ ‬شناق‭ ‬؟‭ ‬

‭- ‬بالنسبة‭ ‬لدور‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬فأنا‭ ‬أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬مقصّر‭ ‬تجاهها‭ ‬بسبب‭ ‬انشغالي‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬الاستديوهات،‭ ‬وتجهيز‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية،‭ ‬السفر،‭ ‬وإحياء‭ ‬الحفلات‭. ‬بالطبع،‭ ‬أقوم‭ ‬بواجبي‭ ‬تجاه‭ ‬عائلتي،‭ ‬لكن‭ ‬ظروف‭ ‬العمل‭ ‬جعلتني‭ ‬أبتعد‭ ‬قليلاً،‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬هم‭ ‬يتفهمون‭ ‬طبيعة‭ ‬عملي،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حياتنا‭ ‬كفنانين‭.‬

‭_‬ما‭ ‬هو‭ ‬اللون‭ ‬الغنائي‭ ‬الأقرب‭ ‬إليك‭.. ‬و‭ ‬أين‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬التلحين‭ ‬أم‭ ‬الغناء‭ ‬؟

‭- ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬تحديد‭ ‬لون‭ ‬غنائي‭ ‬واحد،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أغني‭ ‬شيئاً‭ ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬به‭. ‬كل‭ ‬الألوان‭ ‬التي‭ ‬غنيتها‭ ‬كانت‭ ‬تجارب‭ ‬حقيقية‭ ‬أضافت‭ ‬لي‭ ‬وأضفت‭ ‬لها‭. ‬وأجد‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬والتلحين،‭ ‬ومعظم‭ ‬أعمالي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬إنتاجي‭ ‬وألحاني‭. ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬قدمت‭ ‬فناً‭ ‬صادقاً،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬وُفِّقت‭ ‬فيما‭ ‬قدمته،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬التلحين‭ ‬أو‭ ‬الغناء‭.‬

‭_ ‬هناك‭ ‬إقبال‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬غناء‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الفنانين‭ ‬الشباب،‭  ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬الآلية‭ ‬للتعريف‭ ‬بهذا‭ ‬الموروث‭ ‬وايجاد‭ ‬سبل‭ ‬لاحيائه‭ ‬بأصوات‭ ‬جديدة؟

– ‬لست‭ ‬ضد‭ ‬غناء‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬القديم،‭ ‬لكن‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬سبقونا‭ ‬عبّروا‭ ‬عن‭ ‬واقعهم‭ ‬وزمانهم‭. ‬أما‭ ‬نحن،‭ ‬فنعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً،‭ ‬بتغيراته‭ ‬وأحداثه‭. ‬الفنان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬عصره،‭ ‬كما‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬السابقين،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬التراث‭ ‬فقط‭. ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نبدع‭ ‬ونضيف‭ ‬شيئاً‭ ‬جديداً،‭ ‬ليكون‭ ‬لنا‭ ‬نحن‭ ‬أيضاً‭ ‬تراث‭ ‬يُغنى‭ ‬بعد‭ ‬100‭ ‬سنة،‭ ‬بحيث‭ ‬تستطيع‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬وما‭ ‬قدمناه‭ ‬من‭ ‬فن‭ ‬يعكس‭ ‬عصرنا‭.‬

‭_ ‬تعيش‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬مبعثرة‭ ‬القيم‭ ‬ودخول‭ ‬ألوان‭ ‬غنائية‭ ‬مستحدثة‭..  ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬القامات‭ ‬الفنية‭ ‬مثل‭ ‬حضرتك‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬الاتجاه‭ ‬لما‭ ‬نراه‭ ‬ونسمعه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أغاني؟

‭-‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬إنكار‭ ‬تأثير‭ ‬الإعلام‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭. ‬هناك‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭. ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التعميم،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬نشأ‭ ‬جيل‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بتاريخه‭ ‬أو‭ ‬حاضره‭ ‬أو‭ ‬مستقبله،‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬لومه،‭ ‬بل‭ ‬اللوم‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬دورهم‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المبدعين‭ ‬الحقيقيين‭. ‬علينا‭ ‬كإعلاميين‭ ‬ومثقفين‭ ‬ونخب‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الأعمال‭ ‬الهادفة‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬بالذوق‭ ‬العام‭.‬

‭_ ‬كلمة‭ ‬أخيرة‭ ‬لقراء‭ ‬مجلة‭ ‬الليبية‭ .. ‬

أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬قد‭ ‬كنت‭ ‬صادقاً‭ ‬معكم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬وإن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬يجمعنا‭ ‬لقاء‭ ‬قريب‭ .‬

Share this content:

إرسال التعليق