جامعتي ساحة نزال هل أَقاد أم أقود ..؟
كان ولازال اختيار التخصص الجامعي، مصدر حيرة وقلق لدى خريجي الثانوية العامة وذويهم، ويُشكل تحدياً مصيرياً يتعلق بالمستقبل المهني والوظيفي، ومدى تَدخّل الأهل من عدمه في ذلك الاختيار.
فقد يتبادر إلى الأذهان، أن تدخل الأهل، في وقتنا الحالي أصبح من الماضي بل على العكس.
تغير سوق العمل وما أفرزه من تخصصات حديثة أثّر على الاختيار وجعله محل جدل وخلاف كبيرين أكثر من السابق، فما يرغبه الآباء في أحياناً كثيرة لايتوافق مع مايريده الأبناء، فهل يمكن أن تَطلق على هذه الحقبة «ألفية التخصصات التقنية والمهنية بلا منازع..؟)»
ومازاد الطين بلة انتشار ظاهرة الغش في الآونة الأخيرة ،وتزايد نسب النجاح رفعت سقف طموحات الأهل، لدخول أبنائهم تخصصات لاتتناسب ومستوياتهم التعليمية الحقيقية.
فكيف نسد الفجوة بين الآباء و الأنباء بدون خسائر تذكر..؟
وهل بإمكان حلم الطفولة أن يقاتل ويصمد ،ليتحول واقعآ ملموسآ يومآ ما..؟
موضوع شائك تحكمة عدة عوامل ومتغيرات، ويطرح تساؤلات أكثر وأكثر ، يجيبنا عنها الاستطلاع التالي:-
مريم محمد.. سنة أولى هندسة ميكانيكية ..استأنفت
حديثها : من واقع مشاهداتي، هذا الموضوع أكثر تداولا عبر السوشيال ميديا، الطلبة يشتكون من الإجبار القسري من قبل الأهل ،لدراسة تخصص من اختيارهم .
فالأهل يتطلعون لتحقيق أحلامهم ، التي لم يتمكنوا من تحقيقها ، عن طريق أبنائهم وكأن الأبناء جسر ممتد أو آلة زمن ، تعود بالوقت للوراء لتحقيق أحلام الآباء .
ا استطلاع : سعاد معتوق
وتتابع ، الأهل عاشوا زمن ونمط تفكير ،يختلف عن وقتنا وتفكيرنا، جيلنا متكيّف مع متطلبات عصره ولديه نظرته الخاصة للتخصص المناسب ،وخاصة التخصصات الحديثة ،والتي ينظر إليها الأهل نظرة دونية ،وأخيراً أتمنى من الأهل ، أن لايكونوا عائقاً في طريق أبنائهم .
وتجدر الإشارة إلى أن أصدقائي من أول المشجعين
والمحفّزين لاختيار التخصص. والتقينا أساور بن حامد.. سنة أولى تقنية معلومات .. قالت :
بمجرد حصولي على الشهادة الثانوية ، وجدت نفسي في صراع مع والدي حول التخصص الجامعي المرتقب كان قرار والدي متأرجحا بين توجيهي وإجبارى لدراسة الطب أو الهندسة ،وكان أكثر ميلا للطب.
(والمفارقة العجيبة أن حلم طفولتي أن أصبح طبيبة أطفال) ، واجهت واقعاً صعباً ،اضطررت من خلاله إلى إستخدام كافة السبل لإقناعه برغبتي غي دراسة تقنية المعلومات، وتواصل مسترسلة اعتراض والدي نابع من أن تخصص تقنية المعلومات لايتماشى مع الفتيات في سوق العمل، وأخيراً نجحت في إقناعه بعد معاناة، وإلى هذه اللحظة لازال والدي يشعر بخيبة الأمل، ويذكرني بقوله «لو دخلت الطب
أفضل» ..
وتضيف تدخل الأهل أحياناً ،يترتب عليه نتائج غير متوقعة، قد يستسلم الابن لرغبة والديه، ويعيش صراعاً مريراً داخل نفسه ،يؤدي به إلى الفشل ،وخسارة مستقبله ، أو يدفعه لترك الدراسة
نهائياً.
أما الطالبة شهد محمد .. سنة أولى قانون فقالت :
كان القانون حلم طفولتي منذ البداية كما ساعدت البيئة المحيطة في تعزيز الشعور و ربطي وجدانياً بهذا المجال دون ضغوط من الأهل ،فعمي وعمتي كنت أعتبرهما من المحامين المتميزين .
وبخصوص تدخل الأهل هذه واحدة من القصص الكثيرة التي تحضرني، تربط عائلتي معرفة شخصية وصداقة بطبيبة (طب بشري) تُصرُّ على دخول ابنيها (ثالث إعدادي
ميوله علوم وأول إعدادي ميوله هندسة) نفس تخصصها ،وتتّبع الوالدة

إستراتيجية وأسلوب ( السلطة الأبوية ) والضغط المستمر معلَّلة أنها الأدرى بما ينفعهما .
ومن وجهة نظري هذا تصور خاطئ،وقرار جائر قد يؤثر سلباً على ابنيها ، والمثير في الموضوع رغم مستوى
الوالدة المعرفي والتعليمي، فهي تحمل أفكاراً واهية مخاطبة ابنها «تخصص العلوم لا يرتقي لمستوى عائلتن ومكانتنا الإجتماعية» .
للأسف الوالدة لم تنتبه ، لدور الفروقات الفردية في تحديد المصير الدراسي والمهني لأي شخص وما يناسب شخصاً قد لا يناسب الآخر .. وباعتقادي ردة فعل ابنيها بالقبول لا تتعدَّى كونها جبر خاطر الوالدة وإرضاءها على حسابهما .
ومن جهتها هبة عمر ..طالبة دراسات عليا تخصص فيزياء
قالت :
قد يكون قرار الأهل مفيداً وإيجابياً ،كان حلمي دراسة اللغة الإنجليزية ،ورأى أخي الأكبر بوضوح مايجدر بي عمله ، اقترح عليّ دراسة «تخصص دراسي علمي»،حتى لا أستنزف الجهد والوقت ،في تخصص يمكن الحصول عليه في أي وقت .
تغير سوق العمل
جعل التخصصات
التقليدية على المحك

فراس شيتة
في بادئ الأمر لحم أستوعب الفكرة، سلكت هذا التوجه من باب الفضول والمخاطرة، فدرست تخصص الفيزياء ،والفكرة الأجمل أن قسم الفيزياء تعتمد دراسته على اللغة الإنجليزية، وطوِّرت من لغتي الإنجليزية ،من خلال المشاركة في مجاميع «أون لاين»
داخل وخارج ليبيا، بالنتيجة ضربت عصفورين بحجر ، وحلمي لم يتوقف في دراسة ما أحب
وتضيف : من الأخطاء الشائعة مؤخراً يكون الأهل داعمين لأبنائهم بالكذب
ويعيشونهم الوهم كالسراب يحسبه
الظمان ماء، فهذه قصة إحدى الطالبات، مستواها الدراسي محدود وقدراتها
ضعيفة بينما الأجواء العائلية محفزة
وبقوة لدخول كلية الطب . الوالد والأخوات أطباء ، رسبت منذبداية العام الدراسي ، وأخفت رسوبها ومن بعد تم فصلها نهائياً من الجامعة ، وتقصد
الجامعة يومياً على أنها تدرس وهي لا تفعل شيئا سوى تضييع الوقت..!
ومن هنا أوجه رسالتي للآباء والأمهات فهم الأكثر فهماً ووعياً،من الضروري أن يستجيبوا لرغبة أبنائهم
، نحن نعيش زمناً كل شيء فيه مباح ، مما يعني أن كلمة ( لا ) يجب أن تقال بحذر طالما أنك تعارضه كولي أمر، أحياناً ردة فعله تكون غير متوقعة ، وتؤثر عليه وعلى الأسرة بالسلب .
وكان للطالب محمد الجزيري .. سنة أولى تقنية معلوما تحديث
مفاده :
(تخصصي الحالي حلم مستحدث) سبقه حلم راودني
سنوات عمري الأولى ، كان طموحي متجهاً إلى دراسة ( اللغات والترجمة ) وبتغيُّر المراحل العمرية والنضوج

اختيار التخصص مرآة تعكس العلاقة بين الجيلين
الفكري اكتشفت وبعملية حسابية أن سوق العمل يتطلب تخصصات مغايرة فوقعت في حيرة المفاضلة بين تخصصيّ (الاقتصاد وتقنية المعلومات) ورجحت
الكفة إلى تقنية المعلومات..
وتابع يقول : تعتبر نظرة المجتمع من العوامل الرئيسة لإصرار الآباء على فرض تخصص معين، فلا تزال الصورة النمطية طاغية بأن التخصصات الصعبة كالطب والقانون
أكثر قيمة ومكانة ووجاهة أمام المجتمع .
ويبقى دائماً القرار النهائي للطالب
ودور الأهل لايتجاوز الاستشارة والتوجيه بحكم الخبرة .
قابلت فراس شيتة .. سنة أولى حاسوب
.. بمجرد طرح الموضوع برقت عيناه،
وأومأ برأسه وكأنه يقول نعم وقال :
واجهت تحديا من هذا القبيل، كالعادة الأهل يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة تخصُّنا ، بحجة الحفاظ علينا وضمانا لمستقبلنا. وبرغم تجربتي السلبية أرى
وبشكل عام هذه الظاهرة قلت عن السابق لأن الأهل عاشوا ظروفاً مشابهة فرض عليهم أهلهم تخصصات لا ترتقي
لمستوى طموحاتهم وبالتالي لايفضلون تكرار التجربة مع أبنائهم .

زهرة سالم قشقش
ومن جانبها قالت أم هاني العزاوي .. طالبة دراسات عليا
كيمياء حيوية :
ترتيب التخصصات يشكل معضلة عند اختيار التخصص الجامعي فمعظم الأهل يفضلون التخصصات
التقليدية التي تُخالف ميول الأبناء المتجهة لتخصصات تروقهم كالرسم أو التاريخ ومن القصص التي صادفتني
شاب خريج ثانوية عامة يرغب في اقتحام سوق العمل مباشرة قوبل بالرفض من أهله، قام بمحاولات
باءت بالفشل وأخيراً رضخ لرغبة أهله، ودرس هندسة معمارية وذاق الأمرين، الرسوب من جهة، وإعادة السنة
الدراسية من جهة أخرى، لا يرسب لأنه فاشل، هو غير متقبل التخصص وغير متقبل فكرة الدراسة ذاتها،
وبعد وقت قليل ترك الدراسة وتتبع حلمه، وحاليا يعاني من الوحدة (منبوذ) أهله رفضوا التعاطي معه
وتقول نسرين هاشم .. سنة أولى علوم :
اختيار التخصص الجامعي محطة من المحطات التي تقرر المصير المهني
المستقبلي، وبالنسبة لأهلي لم يصادروا قراري في الاختيار بل كانوا داعمين
ومساندين و باركوا اختياري، توجد مساحة حوار إيجابي داخل العائلة مما دفعني للجوء إليهم والإستفادة من
خبرتهم ونظرتهم للأمور .
بعكس زملائي دفعتهم ضغوظ الأهل لدراسة تخصص لايرغبونه فكانت النتيجة الرسوب والانتقال من كلية إلى كلية .
قابلت محمد أبو زريدة .. سنة أولى إقتصاد .. استهل حديثه.
قائلا :
منذ نعومة أظفاري، بدأ الحلم يتكون داخلي رويداً رويداً المادية وقفت عائقاً وحالت بيني وبين حلمي، وبمرور التقليدية التي تُخالف ميول الأبناء المتجهة لتخصصات الزمن أصبح الحلم يخفت ويتلاشى وظهرت في الأفق
رغبة أخرى وخيار آخر كان الأقرب مني دراسة الاقتصاد و(للعلم معدل الشهادة الثانوية يؤهلني لدخول كلية الطب) .
أما عائشة محمد .. إدارية ولية أمر .. فقالت :
العادات والتقاليد ( ثقافة العيب ) ساهمت في حرماني من مواصلة حلمي والعمل في مجال التخصص الذي درسته عن قناعة وحب ( مجال المحاماة) رفض الوالد والإخوة ممارسة المحاماة كمهنة وحالياً أعمل إدارية في إحدى الوزارات، شعوري بالحسرة لا يفارقني زميلاتي منهن المحاميات ووكيلات النيابة والمستشارات .
وتضيف : من المهم جدا أن يدعم الأهل اختيار أبنائهم ، وعمن نفسي تركت الحرية والمجال لبناتي لاختيار دراسة تخصصهن وعملهن المستقلبي .
وإلتقينا حميدة البشري .. ما جستير دراسات إسلامية.. ولية أمر ..قالت:
الأسرة الليبية في العادة وخاصة التي ترى في نفسها أنها أسرة مثالية- تنظر إلى ابنها أو ابنتها على أنهما فرحتها الكبرى إذا تحصَّلا على الشهادة الثانوية بتفوق، تتمنى إقحامهم في أفضل التخصصات وتتدخل بصورة مباشرة وقد تفرض تخصصاً معيناً وربما كنت أنا أولهم لكن هذا الأمر يحدده ميول ورغبات الأبناء ، كل شخص لديه قدرة استيعاب مختلفة وهو مايعرف بالفروقات الفردية ،إلى جانب محاصرة الأبناء منذ الصغر ومحاولة التمهيد وتعزيز مهن معينة داخلهم ولهذا تأثير بالغ في طمس روح الإستكشاف ،أفضل طريقة لمساعدتهم تربيتهم على الإختيار والتمييز حتى يصبح بوسعهم مستقبلا القدرة على الإختيار الصائب .
بينما “كريمة أبوبكر” أستاذة علم نفس وولية أمر .. كان لها رأي مختلف حيث قالت: تهيئة الأرضية الخصبة للأبناء، تظهر آثارها على مصطلحاتهم وتعبيراتهم اللغوية وحتى على اختياراتهم المهنية والتخصُّصية بناء على ما اكتسبوه من البيئة المحيطة ( الأسرة الصغيرة )
ووجود القدوة المحفّزة والمنمّية للاتجاهات، وعملية غرسها داخل الطفل منذ نعومة أظفاره وحتى يكبر معه .. فالاتجاه هو القبول أو الرفض لأي موضوع معين، مما يعني مثلًا ما يدور من أحاديث داخل الأسرة عمن الدراسات العليا وميزاتها وفوائدها وأن الإنسان ليس مجرد رقم في المجتمع لابد أن يكون له قيمة ووزن ينمي الطموح لديهم، ومن بعد يُتوج بالاختيار المهني السليم .
وتسترسل: أبنائي هندسة ميكانيكية، وصيدلة، واقتصاد، كل منهم اختار تخصصه بناء على رغبته وميوله، ولم أتدخّل في اختيار التخصص.
وللإحاطة بالموضوع من ناحية علمية نفسية وإجتماعية بحثة، إلتقيناد. زهرة سالم قشقش.. عضو هيئة تدريس بكلية الآداب .. علم نفس .. وأفادتنا بقولها :
يحلم الآباء والأمهات بتخصص معين لأبنائهم بصرف النظر أحياناً عن مدى قدرتهم على النجاح في هذا التخصص،وفي مقابل ذلك يرغب الابن في تحقيق أحلامه وفق مايناسب ميوله وقدراته، وهنا يبدأ الخلاف بين الطرفين .
تدخل الأهل
عندما تسرق الأحلام وتتوقف

وتعتقد الكثير من الأسر أن التخصصات الصعبة هي المعيار الذي يجعل الأبناء ناجحين مهنياً ، وهذا الإعتقاد يضع الابن أو الابنة في صندوق مغلق ،مليء بالحمل والثقل والصعوبات ، مما يؤدي إلي التدنى الواضح في المستوي التعليمي لديهم.
ومن بين أسباب تدخمل الأهل في تحديد الاختيار الجامعي لأبنائهم، عدم ثقتهم أحياناً في قدراتهم على اختيار الاختصاصات المناسبة، بالإضافة إلى الرغبة الدائمة في التباهي والتفاخر أمام المقرِّبين والأصدقاء، ومن الطبيعي أن الطالب يمكن أن يستجيب لوالديه في دراسة تخصص معين، ومن ثمَّ تواجهه
بعض الصعوبات.
إن تدخل الأهل في اختيار التخصص الدراسي لم يعد كما كان في السابق، حيث كانت الجامعات والكليات محدودة، مما يجعل الاختيار محدوداً، وكانت مسؤولية الأهل تنحصر في تقديم المساعدة، إلا أنّ الأمر اختلف كثيراً اليوم، حيث إن الأبناء لديهم وعي كبير ويحددون رغباتهم منذ وقت طويل، ويعرفون أهدافهم ويسعون إلى تحقيقها.
ويُعتبر دور الوالدين في اتخاذ قرار التخصص الجامعي للأبناء دوراً توجيهياً ونُصحاً وإرشاداً دون إلزام.
وأن لايتعدى مساحة التشاور والحوار بعيداً عن الإجبار لأن الإجبار في مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى نتائج عكسية يتحمل نتائجها الطالب والأسرة معاً .. ومن الضروري تمتُّع الأبناء بحرية اختيار التخصص لأنهم الأدرى
Share this content:
إرسال التعليق