“أنا واسمي”
في كل مرة يُنادى عليك، تستدير لا لتواجه المنادي فقط، بل لتواجه اسمك أيضاً، ذلك الاسم الذي لم تختره، لكنه صار أقرب شيء إليك، أقرب من ظلك، من ملامحك، من صوتك حتى، الاسم ليس مجرد حروف تنطق، بل هو بطاقة تعريف، وجه آخر نحمله دون أن يكون لنا رأي في ملامحه، لكن ماذا لو كان ذلك الوجه لا يشبهنا..؟ ماذا لو كان عبثًا..؟ أو قيداً ..؟ أو نبوءة لم نرغب في تحقيقها..؟

استطلاع : آزاد الفرج
أسماء مثل “سعيد” أو “فرح” أو
“صالح”.. هل تشكل فعلا هوية
أصحابها، أم أنها مجرد كلمات؟
هل اسم “قصي” يجعل صاحبه بعيداً حقاً..؟ وهل “يسرى” تعيش حياتها بسهولة..؟
“حين يصبح الاسم سجنا”
مريم، شابة في العشرينيات، تكره اسمها. تقول:
“لطالما شعرتُ أنه لا يشبهني، هو أكبر مني، أقدم مني، وكأنه ثوب ثقيل فرض عليّ. في المدرسة، كنت أتحاشى مناداتي به، وحينما كبرتُ، فكرتُ بتغييره، لكن كيف تغيّر اسماً التصق بك منذ ولادتك ؟”

بطاقة لاتشبه حاملها
أما سمير، فقصته مختلفة: “اسمي اختاره جدي، قالوا إنه اسم رجل ناضج، لكن المشكلة أنني لم أكبر كفاية لأرتديه. كنت أبدو صغيرًا على اسمي، حتى أن أصدقائي كانوا يضحكون ويقولون: سمير؟ يبدو كاسم موظف حكومي في الخمسين!”.
“الاسم.. وجهنا الذي لا نختاره”
يرى البعض أن الاسم امتداد للعائلة، إرث يجب الحفاظ عليه، حتى لو لم يكن مناسباً لزمن صاحبه.
في كثير من البيوت الليبية، يُختار الاسم تيمّنا بالجد أو الجمدة، وكأن الأطفال مجرد امتداد للأموات، لا كائنات لهما هوية مستقلة. آخرون يبحثون عمن أسماء غريبة، مستوردة من ثقافات بعيدة، وكأن الاسم جواز سفر إلى عالم أكثر حداثة.
أم عبد الله، أمُ لثلاثة أطفال، تقول: “أردتُ أن يكون لابني اسمُ فريد، اسم لا يتكرر، فاخترت له اسما عصرياً وافداً لكن المشكلة أنه كلما تعرّف على أحد، كان عليه أن يشرح معنى اسمه، وأحياناً يجد صعوبة في نطقه بالعربية .
أما عبد الرحمن، فله وجهة نظر أخرى: “اخترت لابنتي اسماً تقليدياً بسيطاً، من بيئتنا، لأنني لا أريدها أن تقضي عمرها تشرح للناس كيف يُنطق اسمها أو من أين جاء”.
“بين المباهاة والعبء.. من يملك الحق في التسمية؟”
في مجتمعاتنا، الاسم غالبًا ما يكمون انعكاسا لرغبات الأهل، لا لصاحبه. البعض يرى في الاسم وسيلة للتفاخر الاجتماعي، يبحثون عن أسماء فاخرة أو ذات طابع ملكي، أو أسماء مستوردة تبدو أكثر “رُقيّا”، دون أن يسألوا أنفسهم: هل سيحب ابني أو ابنتي هذا الاسم؟ هل سيشعر بالراحة عند مناداته به؟ تقول سلمى، وهي أم لطفلين: “في صغري كنت أعاني لأن اسمي قديم جداً، وحينما أنجبت، اخترت لابنتي اسماً عصرياً وأنيقاً، لكنني اليوم أتساءل، هل ستشعر يومًا ما بنفس النفور من اسمها كما شعرتُ أنا؟”.

تقول أم هازار : أتعبني اسم ابنتي كثيراً حتى وجدت استحساناً من العائلة، أم زوجي كانت تريدهما زينب وزوجي يريدهما سلمى وأنا أردتهما هزار اسم جميل ومعاصر لكن بعد التسمية كنت مضطرة لشرحه واقناع الآخرين به
أما السيد خالد يقول : اسميت أولادي وبناتي من القرآن وخير الأسماء ما حمد وعبد، فلي ثلاثة أولاد عبدالله وعبد الرحمن وعبد الحق والبنات جويرية وأنفال.
“الاسم.. نبوءة أم مجرد علامة؟”
يؤمن البعض أن الاسم قد يكون نبوءة لصاحبه، وأن بعض الأسماء تحمل في طياتها قدَراً ما. أسماء مثل “سعيد” أو “فرح” أو “جهاد”، هل تشكّل فعلًا هوية أصحابها، أم أنها مجرد كلمات؟
هل اسم“قصي” يجعل صاحبه بعيداً حقاً؟ وهل “يسرى” تعيش حياتها بسهولة..؟
يرتبط الاسم بمعانٍ معبّرة تنعكس على صفات الشخص. على سبيل المثال، الأسماء ذات المعاني القوية مثل “علي” الذي يعني “العالي” أو “فاطمة” التي ترتبط بالنقاء، محمد وعائشة وعمر وسالم وغيرها من الأسماء درج الليبيون على تسمية أبنائهم بها في حقب سابقة ولازالت مستمرة إلى اليوم، هذه الأسماء يمكن أن تخلق توقعات معينة عن الشخصيات، مما يجعل المجتمع ينظر إليهم بشكل مختلف. إن الأسماء ليست مجرد رموز تعريفية، بل تلعب دوراً في كيفية رؤية الفرد لنفسه وتصورات الآخريمن عنمه، مما يُبرز أهمية دور الاسم في بلورة الصفات النفسية.
الأستاذة في علم النفس، د. هند الشعافي، تقول:
“الأسماء ليست مجرد علامات، بل تؤثر على نظرة الشخص لنفسه وعلى كيفية تعامل الآخرين معه.
هناك دراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يحملون أسماءً غريبة أو يصعب نطقها قد يشعرون بالعزلة أو الاختلاف غير المرغوب فيه”.
ابني كلما تعرف على أحد
عليه أن يشرح اسمه

اسمي اختاره جدي، قالوا إنه
اسم رجل ناضج، رغم أني لم أكبر كفاية لأرتديه. كنت أبدو صغيراً على اسمي..
“الاسم ليس قدراً، لكنه يلتصق بنا”
في النهاية، الاسم ليس مجرد حروف، هو قصة، أحيانا نحبها وأحياناً نحاول تغييرها أو التعايش معها.
لكمن يظل السؤال: لماذا لا نسأل أبناءنا يومًا ما، وهم يكبرون، إن كانوا راضين عن الأسماء التي منحناهم إياها؟ وإن لم يكونوا كذلك، ألا يحق لهم أن يختاروا وجوههم كما يريدون؟
Share this content:
إرسال التعليق