بقلم: د.الصديق بودوارة
فـــي غينيـــا الجديـــدة ( جزيـــرة كبيـــرة تقـــع فـــي جنـــوب غـــرب
المحيـط الهـادي، شـمال أسـتراليا. تعـد ثانـي أكبـر جـزر العالـم
بعـــد غرينلانـــد. والنصـــف الغربـــي منهـــا يحكـــم بواســـطة
إندونيســـيا الآن )، فـــي غينيـــا الجديـــدة هـــذه توجـــد جزيـــرة،
هـــذه الجزيـــرة ت ُ عـــرف باســـم «بابـــوا»، وفـــي «بابـــوا» هـــذه
ثمـــة شـــعب بدائـــي يســـمى «كوكـــو كوكـــو»، فمـــاذا يقدمـــه
لنــا هــذا الشــعب مــن موعظــة وهــو البعيــد عنــا مئــات الآلاف
مـــن المســـافات الشاســـعة؟ أحيانـــاً يجـــب أن نتعلـــم الـــدروس
حتـــى مـــن الذيـــن يبعـــدون عنـــا آلاف المســـافات.
(2)
إن شـــعب «الكوكـــو» هـــذا يقـــدس عـــادة غريبـــة، ويبـــدو أن
أفـــراده ليســـوا علـــى اســـتعدادٍ للتخلـــي عنهـــا حتـــى بعـــد
كل مـــا اجتـــاح العالـــم مـــن تطـــور . إنهـــم مازالـــوا حتـــى الآن
يحافظـــون علـــى عـــادة الأجـــداد فـــي تحنيـــط موتاهـــم،
ويلتزمـــون حرفيـــاً بتلـــك التقاليـــد التـــي تحـــرص علـــى أن تتـــم
العنايـــة بالجثـــة المحنطـــة وجعلهـــا تبـــدو وكأنهـــا لـــم تفـــارق
الحيـــاة إلا منـــذ زمـــن قليـــل، وكذلـــك علـــى استشـــارتها وأخـــذ
رأيهــا كلمــا حــل بالقبيلــة خطــب، وطلــب الحلــول منهــا كلمــا
وقعـــت القبيلـــة فـــي مشـــكلة. وإذا أردت معرفـــة المزيـــد
فليــس عليــك إلا أن تقــوم بزيــارة ســريعة إلــى قريــة «أنغــا.»،
فماهـــو الســـبب الـــذي قـــد يدفعـــك إلـــى ذلـــك؟ ومـــا الســـر
الـــذي يمكـــن أن تفســـره لـــك هـــذه القريـــة؟
(3)
قريـــة «أنغـــا» إحـــدى أهـــم القـــرى عندهـــم، إنهـــا تبـــدو
وكأنهـــا متحـــف طبيعـــي حـــي، وهـــي تقـــع علـــى ارتفـــاع 1500
م علــى ســطح البحــر، وقــد اكتشــفتها عالمــة الأنثروبولوجيــا
البريطانيـــة «بياتريـــس بلاكـــوود»، فمـــا الـــذي اكتشـــفته ياتريـــس هـــذه؟
(4)
لقـــد اكتشـــفت هـــذه العالمـــة أن هـــذه القريـــة تحتـــوي علـــى
موميـــاوات ( جثـــث محنطـــة ) تعـــود إلـــى 100 عـــام مضـــت،
ولكـــن، علـــى أي أســـاس تســـتند هـــذه الممارســـة؟
(5)
إنهـــم يعتقـــدون أن الأرض مســـكونة بشـــكل دائـــم بـــأرواح
شرســـة تتغـــذى علـــى دم الجثـــث المدفونـــة، وبالتالـــي فـــإن
كل جثـــة يتـــم دفنهـــا ماهـــي إلا غـــذاء جاهـــز لهـــذه الأرواح،
لذلـــك يجـــب أن لا ندفـــن الجثـــث بـــل أن نحنطهـــا، ولأن الجثـــث
المحنطـــة تملـــك معـــدل أعمـــار أطـــول بكثيـــر مـــن الأحيـــاء
الذيـــن لـــم يدركهـــم المـــوت فإنهـــا تملـــك بالتالـــي خبـــرة
متراكمـــة يجـــب الاســـتفادة منهـــا واستشـــارتها فـــي كل مـــا
يعتـــرض القبيلـــة مـــن مشـــاكل.
(6)
فــي الظاهــر قــد يبتســم القــارىء وهــو يطالــع هــذا المقــال،
وقـــد تهمـــس قارئـــة لنفســـها: يالهـــم مـــن متخلفيـــن،
ولكـــن، لمـــاذا نســـتخف بهـــؤلاء؟ ألســـنا نستشـــير الجثـــث
بدورنـــا؟ أليســـت المعتقـــدات الباليـــة هـــي مـــن تحركنـــا
وتوجهنـــا كمـــا تريـــد؟، أليســـت الأفـــكار والـــولاءات الماضيـــة
تقودنـــا كمـــا كانـــت تفعـــل قبـــل أن تنتهـــي؟
(7)
الخلاصـــة، كلنـــا قبيلـــة واحـــدة اســـمها «كوكـــو كوكـــو»، وكلنـــا
نســـكن قريـــة غامضـــة غريبـــة عجيبـــة مســـكونة بالجثـــث
اســـمها «أنغـــا». غيـــر أنهـــم أكثـــر صدقـــاً منـــا مـــع أنفســـهم،
وغيـــر أننـــا أكثـــر البشـــر ممارســـة للكـــذب فـــي هـــذه الدنيـــا. ولا
عـــزاء لشـــعب ٍ يكـــذب علـــى نفســـه.