السرايا الحمـــــــــــــرا
التي هزمت الأزمنة
ذات بهجة تغنى الشاعر بطرابلس منشداً : “يا أم السرايا “.. وكأنه ينحت اسماً آخر للمحروسة .
هناك علاقة قوية بين المدينة وقلعتها الحمراء .. وما من أحد قد زار طرابلس إلا وعلق بصره في تلك الأسوار العالية المطلة على البحر وأهم ميادينها .
( السريا) بنيت قبل الأتراك حتى وكانوا هم من أطلق التسمية ..أزمنة كثيرة مرت على ( السرايا ) ولكنها ظلت أقوى من الأزمنة ..من بنى السرايا .. ؟ ومعلومات أكثر مهمة على ابنة طرابلس، أو هرم طرابلس في هذا الترحال لأحد خبراء الآثار .
الخبير الأثري: رمضان إمحمد الشيبان
لم تكن السراي الحمراء تحمل اللون الأحمر دائماً. بل كانت في زمن تحمل اللون الأبيض الناصع..وهذا ما جاء في وصف لهذه القلعة في «كتاب البحرية» الذي صدر في سنة 1524 ميلادية حيث يقول فيه مؤلفة ,وهو احد ضباط البحرية الليبيين
(( من الجدير بالذكر أننا لم نرى في ديار المغرب قلعة أجمل من قلعة طرابلس، إن كل برج فيها يرى وكأنه مصنوع من الشمع , خاصة وأن قلعة طرابلس هذه تبيض بالجير كل سنة فتظهر للناظر كالفضة الناصعة .ومما يذكر عن هذه القلعة أنه كثيرا ما يلجا إليها الأهالي وقت الحروب والغزوات للاحتماء بها إذ ما إن يبدأ الغزاة بضرب أسوار المدينة بالمدافع التي يحملونها فوق ظهور سفنهم الغازية حتى يتسارع أهالي طرابلس إلي أبواب وحصون السراي طلبا للاحتماء تحت أبراجها وأسوارها المتينة.حيث يكونوا في مأمن تام طيلة فترة الغزو..وكانت هذه القلعة مستعدة لمثل هذه الحالات فكانت تضم كثيرا من المخازن والمخابز والطواحين والحمامات,وغيرها من أسباب الراحة والمعيشة ) تعتبر السـراي الحمراء من أضخم المـباني الأثريـة التي تثير اهتمام كل زائر لمدينة طرابلس ,وبما تبعته في النفس من ذكريات القرون الماضية وما تخللها من القتال والكفاح بين الشعوب مختلفة الأديان والأجناس. فهي بلا شك من أهم الآثار التاريخية التي صمدت في هذه البلاد.
إن قصة هذه القلعة طويلة نتيجة لقدم منشئها وللمدى التاريخي الطويل الذي مرت به وتعرضت خلاله إلي تغيرات كبيرة في عمارتها حسب ذوق ومتطلبات كل عصر وتبلغ المساحة المقامة عليها القلعة تقريبا ثلاثة عشرة ألف متر مربع وطول ضلعها الشمالي الشرقي مئة وخمسة عشر مترا والشمالي الغربي تسعون مترا والجنوبي الغربي مئة وثلاثون مترا والجنوبي الشرقي مئه وأربعون مترا .
ويرجح بأن قلعة طرابلس بنيت على انقاض مبنى يرجع للعصر الروماني وذلك من واقع نتائج الحفريات التي أجريت فيها زمن الاستعمار الإيطالي ومما يؤكد ذلك هو العثور على أثار قديمة منها بعض الأعمدة الكورنثية الرخامية الضخمة.
ثم تأتي الفترة البيزنطية سنة 534 م والمعتقد أن قلعة طرابلس شيدت في هذا الزمن . ومما يؤكد وجود القلعة في الفترة البيزنطية هو أنه عندما أتى الفاتحون المسلمون سنة642 م عسكروا بقواتهم شرق مدينة طرابلس القديمة في المكان الموجود فيه ضريح الشيخ عبد الله الشعاب ، وحوصرت المدينة لمدة تقرب من الشهر ولم يستطيعوا فتحها من ناحيتها الشرقية نظرا لوجود القلعة في هذه الجهة وقد تم فتحها فيما بعد من ناحيتها الغربية حيث اكتشف الجنود المسلمون أثناء حالة الجزر البحري وجود اتساع في الطريق بين نهاية السور والبحر .
ويحتمل أن بعض أجزاء القلعة وأسوار المدينة قد هدمت بأمر عمرو بن العاص سنة 22 هـ وقد رممت أسوار المدينة وتحصيناتها عندما أجرى عليها عبد الرحمن بن حبيب سنة132 هـ المتولي على إفريقيا بعض التصليحات من جهة البحر وفي سنة 345 ه زاد في إتقان السور وتحصينه أبو الفتح الصقلي.
وأستمر استخدام القلعة للدفاع عن المدينة ضد الغزوات المسيحية زمن من كانوا يحكمون باسم خليفة المسلمين , أما عندما انفصل بها حكامها وانفردوا بحكمها وتزايدت أطماعهم الشخصية وبدأ نتيجة لظلمهم بركان الثورة يغلي في عروق الناس فتغيرت مهمة القلعة من الدفاع عن المدينة إلي الدفاع عن الحكام ضد أهل المدينة . والأدلة على ذلك كثيرة أهمها أن القلعة كانت مفصولة عن المدينة كلية بخندق متصل بالبحر يحيط بالقلعة من جميع جوانبها ولا سبيل إلى الوصول إليها إلا عن طريق جسر يرفع من داخل القلعة عند اللزوم.
أول ذكر للمؤرخين عن قلعة طرابلس كان للرحالة الشهير التيجاني الذي زار قلعة طرابلس وسكن فيها 1370 م رفقة أحد ملوك بني حفص أبي يحيى زكريا اللحياني حيث يطلعنا التيجاني على وصف القلعة فيقول : (( وتخلى والي البلد إذ ذاك عن موضع سكناه وهو قصبة البلد فنزلنا بها ورأيت أثار الضخامة بادية على هذه القصبة غير أن الخراب قد تمكن منها وقد باع الولاة أكثرها فما حولها من الدور التي تكتنفها ألان إنما استخرجت منها ولها رحبتان متسعتان )) .
وقد شيدت هذه القلعة أو بعبارة اصح الشكل الموجودة عليه الأن , زمن استيلاء الإسبان علي طرابلس أوائل القرن السادس عشر للميلاد سنة1510 م . وقد اتخذت السراي الحمراء معقلا للإسبان ضد غارات وثورات الأهالي وقد ادخلوا عليها إصلاحات كبيرة وزادوا في مشتملاتها وظلت في أيديهم حتي سلموها سنة 1530 ألي فرسان مالطا بأمر الأمبرطور ((كارلوس الخامس )) ودام حكم فرسان القديس يوحنا حتى سنة 1551 م.تعاقب فيها بعض الحكام ومن هؤاء الحكام الذين اهتموا بالقلعة هما الراهب جورج سكيلنج 1535 1537- م والراهب جوفاني لافليتا 1546 1549- م وقد اهتم الأول بإصلاح الأسوار التي هدمها الأسبان وكذلك ترميم جوانب من القلعة والأسوار الإضافية التي تحمي أسوار القلعة الأصلية من الانهيار أما الثاني جوفاني لافليتا فقد اهتم بتحصين القلعة وطلب من الإمبراطور الأسباني شارل الخامس أن يساعد المنظمة في ترميم القلعة وذلك بواسطة سفير أرسلته المنظمة للإمبراطور مرفق بالخرائط الخاصة بالأعمال التي يعتزمون القيام بها من ترميم وإصلاح وتم قبول طلبهم وقاموا بترميم الأجزاء المتضررة واستحدثوا بعض الأجزاء الأخرى .ففي يوم 5 من شهر أغسطس سنة 1551 م بدأ الحصار العثماني لطرابلس وعندها كانت طرابلس تابعة لفرسان مالطا المتحصنين بالقلعة مع ستمئة وثلاثين جندى من مرتزقة الكلابريزي وفرقة من الصقليين وكانت القلعة محصنة بست وثلاثين قطعة مدفعية وبقنابل وصهاريج من النيران لإلقاء كرات المنجنيق على العدو القادم.
وقد حاول العثمانيون إحداث فجوة في سور قلعة طرابلس بواسطة المدفعية ولكنهم لم يستطيعوا ذلك , حتى أخبرهم أحد جواسيسهم المتواجدين بالقلعة بأنهم إذا ما أرادوا إحداث فجوة بسور القلعة فما عليهم إلا أن يركزوا ضرب المدفعية على الساحة التي كان الإسبان يسمونها ساحة القديسة بار برة وهي الساحة الكائنة بين برجي القديس جورج والقديس جاكمو حيث أن هذا الموضع ضعيف لا يوجد وراءه إلا مسكن الوالي ومخزن الذخيرة التي نقلت إلي كنيسة القديس ليوناردو وبالفعل فقد ركز العثمانيون ضربهم على هذه الجهة وأحدثوا ثغرة بسور القلعة استسلم فرسان مالطا وأصبحت مدينة طرابلس يوم 14 أغسطس 1551 م تابعة لحكم الدولة العثمانية .
ويقول الجراح الفرنسي عن قلعة طرابلس في الفترة ما بين 1668-1676م. مايلي((السراي الطرابلسية هي مدينة الولاية ,أسسها الأفارقة ثم رممها ووسعها الإسبان وبعدهم فرسان مالطا,وتقع فوق ركن المدينة في واجهة نصف النهار – واجهة الجنوب – والمحيط الذي يستدير حولها طوله خمسمئة خطوة تقريباً,البحر يطوق أسوارها الشرقية ,وبقية الأسوار يحيط بها خندق واسع عمقه قامة واحدة .شكل السراي مربع ,فوق حافتها أربعة أدراج ذات ارتفاع لا بأس به .والإسبان أسموها :برج القديسة بار برة وبرج القديس جاكمو(يعقوب)وبرج القديس جورج.في الوقت الحاضر أصبحت هذه الأسماء مجهولة,مدخل السراي ليست عليه موانع ولا جسور ولكن الأبواب الأربعة تقفل في المساء كلها,وتحتوي السراي في داخلها علي مساكن كثيرة وبابها وضعت فوقه نافورة ينساب منها الماء على هذه النافورة صناعياً من بئر بالقرب من باب المنشية وهناك سقيفة الحرس وإمامها حجرة صغيرة يستريح بها رئيس الحرس,(هذا ما يجري في النهار,أما في الليل فيدخل الحرس على بكرة أبيهم إلى السراي ولا يبقى خارجها أحد منهم ).
وبمجرد ما يدخل المرء إلى سقيفة الحرس فانه يلاحظ علي جدرانها الكثير من البنادق والسيوف المعلقة والكراسي المرصوفة لجلوس الحرس.وعلى شمال الداخل إلي السراي هناك دهليز طويل يجلس فيه محمد باشا وعثمان باشا على مقعد مطلي بماء الذهب عندما يستقبلان شوا ش الباب العالي ورسل السلطان أو الشخصيات البارزة,غير أن هدا المقعد الشبيه بالعرش حطمه بالي داي سنة 1674م. بناء على نصيحة من خليل باشا,ويعتبر هذا الدهليز أيضاً مقرا لسكرتيرية الولاية.وإذا تجاوز الداخل الباب الرابع فانه يصل إلى برحة يسمونها الميدان,حيث يقضي الوالي النهار في جلسات يعقدها في هذا الميدان لتصريف شؤون الحكم ويجلس الوالي فوق مقعد خشبي ملاصق للجدار ليس عليه أي نوع من أنواع الزخارف,وهذا الكرسي هو بمثابة العرش.وفي مؤخرة الدهليز المعد لجلوس الكتبة فتحة تطل عليه,أنها نافدة ذات قضبان حديدية متشابكة يصدر الوالي أوامره على الكتبة منها,وكلما اتجه المرء نحو الشمال اتسعت الباحة تدريجيا حيث يوجد مسجد الجند الذي كان كنيسة في عهد فرسان مالطا,وكانت تسمى كنيسة القديس ليوناردو,وقد حولها مراد آغا 1551-1553م.مسجد.أما جميع ما تبقي من أراضي السراي فهو مملوء بالبنايات السكنية ومخازن السلاح والذخيرة.كذلك توجد صيدلية وأفران ومطاحن وثلاثة سجون حيت تنفد أحكام الإعدام . وهناك حمام صغير يسجن بداخله الأسرى الذين يعملون في خدمة الباشا وضباطه,وأخيراً هناك الخزانة حيث تحفظ أموال الولاية ويمنع الدخول إليها منعا باتا, ولا يدخل الوالي إلى الخزانة إلا ليلا ومعه أحد أعوانه المخلصين . أما على أسوار السراي فهناك أربعون مدفعا وضع معظمها على الواجهة البحرية ومدي هذه المدافع يستطيع حماية الميناء ومدخله, ولكن إذا هاجم أسطول مسيحي طرابلس فما عليه إلا قصف السور المنهار ليحدث فيه شرخاً بعد بضع ساعات من القصف.
القلعة مقر لحكم الأسرة القهمانلية : في عهد القره مانليين أضيفت داخل السراي الحمراء عدة مبانى خصوصا في عهد «أحمد باشا» الذي اعتنى بها خاصا ًبتزيين قاعتها وحجراتها , وقام عثمان باشا 1649- 1672 م بإصلاح شأن القلعة من الناحية الدفاعية وخاصة من جهة البحر فقد فكر في إنشاء رصيف يرد الأمواج عن ذلك الجانب ويمكن استغلاله عند الضرورة قاعدة لبعض قطع المدفعية للدفاع عن الميناء . ومن الداخل فقد أنشئت الردهة القره مانلية.
وتصف لنا الآنسة توللي الإنجليزية التي عاشت في طرابلس في الفترة ما بين 1783-1793 تصف لنا القلعة كما يليى:
(( القلعة محاطة بسور يبلغ ارتفاعه 40 قدما فيه عدد من الشرفات المبنية على السور والمنفصلة بعضها عن بعض وعدد من الكوات لفوهات المدافع والأبراج . تغيرت بعض من معالمها المعمارية من الداخل نتيجة للإضافات الشاذة التي قام بها الباشا لتضم الفروع المتعددة من أسرته.
ونجد أنه قد أنشأت بعض المباني الجديدة داخل السراي لأفراد الأسرة القره مانلية حيث كثر عدد أفرادها فشغلوا كل مسافة فيها ,فنجد مبني الحريم ,وكان يوجد ديوان الباشا وهو من أضخم الدواوين الموجودة في ذلك العهد ,كما تضم غرفة الزوار والقناصل الدين كانوا يستقبلون من طرف باشوات الأسرة وديوان القضاء وصيدلية الحكومة ورئاسة الخزانة ودار سك العملة ,والسجون وقد هدم بعض منها بسبب ما يطرأ علي القلعة من تغيرات وأخيرا عندما استولت الحكومة الإيطالية علي ليبيا 1911 م أحدثت بعض التغيرات الجديدة منها بناء النفق المؤدي إلى الميناء ,وبناء الأقواس فوق حصون القلعة التي تقع في الجهة الشمالية منها ,وجلبت إليها النافورات المرمرية من بعض المنازل القديمة التي كانت تنتمي إلي العهد العثماني والقهمانلي نصبت في أروقة وساحات السراي الحمراء , ويلاحظ الزائر حتى الآن المنازل التي بنيت في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ,وأثار مبنى حريم ألأسرة القهمانلية ,وهذه المباني تشبه بعض البيوت الموجودة في مدينة طرابلس القديمة التي بنيت في القرن الثامن عشر والتاسع، عشر الميلادي لها طابقان وشرفة مقوسة. وفي العهد الإيطالي اتخذت الحكومة الإيطالية السراي مركزا للدوائر الحكومية العامة بعد أن أدخلت عليها بعض الإصلاحات والترميمات والتحويرات منها النفق والطريق الحديثة وبعض الأقواس فوق حصون القلعة و أتخذت بعض مبانيها مقرا لحاكم الايطالي وخصص جزء منها لعمله كمتحف .