يجب إلغاء الدوري
والبدء في إعادة هيكلة شاملة للبنية الكروية
قال أسطورة الكرة الهولندية، الراحل «يوهان كرويف»، ذات تجلٍ لا تركض كثيراً ، فهي لعبة تلعبها بعقلك».
ومتوسط الميدان الدولي السابق «رضا عطية» كان مثالاً على ذلك، إذ بدا عقله السلاح الذي مكّنه من تجاوز محدودية بنيته الجسدية، وصيّره «مايسترو» في الملعب،حيث لا تنسى أجيال ذلك المنتخب الليبي العملاق، هدف عطية الرائع في مرمى فلامينجو البرازيلي، وهكذا، لم يكن مستغرباً أن يتجه رضا عطية إلى التدريب بعد قرار اعتزال كرة القدم كلاعب.,
أجـرى اللقاء : كمــال رمضان
غير ان لاعبنا الفذ قرر البقاء في الملاعب، وإن فارق المستطيل الأخضر إلى الخط الجانبي، وفي هذا المجال، حصد النجاح – كما كان لاعباً – تاركاً بصمته مع فرق عدة، أبرزها المدينة والاتحاد المصراتي والخمس، وإزاء ذلك، لم يكن مستغرباً أن يعود إلى بيته الأول، بعد أن وقع اختيار إدارة الأهلي طرابلس عليه, ليكون مساعداً للمدرب الفرنسي «ديديه غوميز»،والفريق يسارع الخطى التحضيرية للموسم القادم من الممتاز .
«رضا عطية» الذي يدير الكرة بعقله قبل أن تركلها قدماه، يمتلك رؤية خاصة لمستقبل كرة القدم الليبية، تنبع من إلمامه بالراهن ونظرته التي تتخذ الواقعية منهجاً، بعيداً عن الطوباوية، وهذا ما لمسناه في لقائنا معه.
الاستعانة بكوادر أجنبية و الدفع بالشباب والصبر على النتائج
خطوات لا مناص من اقتفائها لوضع قاطرة كرتنا على سكة التطوير
لا أثق في قدرة اتحاد الكرة على إطلاق الدوري الممتاز في موعده
التمدد الأفقـي لعــدد الأنديــة والابتعـــاد عن التخصيــص والمحـاصصــة أسباب رئيــسـة في تـردي اللعبـة
- كيف تسير استعدادات الأهلي طرابلس للدوري الممتاز ؟
لا أستطيع أن أقدم وصفاً لحالة الفريق الفنية والبدنية وأنا ما زلت في البدايات ، وهمّي الأول أن أؤسس لعلاقة مهنية مع المدرب الفرنسي «غوميز».
- هل تعتقد أن الدوري الممتاز سينطلق وفق ما أعلنت لجنة المسابقات بعد أيام قلائل ؟
بالرغم من أننا نضع روزنامتنا التحضيرية وفقاً لهذا الموعد، لكنني لا أجزم بقدرة الاتحاد ولجنة المسابقات على الوفاء بوعدهم هذا.
- في ذلك إشارة إلى أنكم تتفقون مع الطيف الواسع من الشارع الرياضي الذي يتهم اتحاد اللعبة بالسقوط حتى ناصيته في وحل التخبط الإداري؟
هذا التخبط لا يخفى على أحد، وهو ليس وليد اللحظة,، إلا أنه اطرد مؤخراً، وأفضت التراكمات في العشوائية والمناكفات والعمل بردات الفعل إلى ما نعانيه الآن من دوامة مشاكل لا حصر لها، والتي هوت بكرتنا إلى هوة لا قرار لها.
اليوم وقد اعتمدت لجنة المسابقات باتحاد كرة القدم نظام المجموعات الأربع للدوري الممتاز .. أتراها آلية مناسبة لكرتنا ؟
لو كان الأمر بيدي لأصدرت قراراً شجاعاً بإيقاف الدوري إلى أن يتم تنظيم المشهد الرياضي، إذ يبدو معيباً أن نقف عند المناقشات حول الشكل الأمثل للدوري بينما يبلغ عدد المتنافسين ،بالإضافة إلى أن العام يقترب من نهايته، والدوريات في بلدان العالم تجاوزت 13 جولة.
لكن ما تحملته الأندية من تكاليف والتعاقدات التي أُبرمت مع اللاعبين يحتمان على الجميع تجاوز كثير من العوائق والمضي قدماً رغم حلكة التخبطات، ومع ذلك لن تتغير نظرتي بأنه «دوري مشي حالك»، لن يعود بالنفع على كرة القدم الليبية.
- وما المفترض برأيكم ؟
كما قلت إلغاء الدوري والبدء في إعادة هيكلة البنية الكروية بشكل كامل، بدءاً من الأندية وصولاً إلى اتحاد اللعبة، مع الأخذ في الاعتبار معايير صارمة إبان ذلك.
فما نراه من تمدد أفقي للأندية لا يتناسب مع الكثافة السكانية، والابتعاد عن تخصيص هذه الأندية دلائل على التسارع القهقرى لكرتنا، ناهيك عن المحاصصة التي تعتبر أم الكوارث في الرياضة والمسؤولة حالة التردي الحالي.
كل ذلك يلزم البدء في التغيير بسرعة، بدلاً من الارتكاس المطرد.
- وصّفت الواقع بدون رتوش ..لكن من يتحمل مسؤولية هذا التخبط تحديداً ؟
هي مسؤولية دولة، فكرة القدم فارقت منذ أمد بعيد مرحلة الهواية أو الإقصاء من التضمين في المشاريع الإستراتيجية للحكومات، إلا أننا كما يبدو مازلنا لا ننظر للعبة بالاحترام الذي تستحق.
وكرة القدم في هذا الإهمال ليست استثناءً من بقية الألعاب الرياضية، التي تعاني تهميشاً ولا يفارق التعامل معها منطقة النظرة النمطية كأداة للتسلية.
الأندية الكبرى تراجعت عن أداء دورها
وتركت الساحة شاغرة لأندية “الحقائب”
ولتغيير ذلك, ينبغي إحداث ثورة رياضية والسير على خطى دول أخرى، حظيت تجاربها بالنجاح, وما الدول الخليجية عنا ببعيد.
- هل أوضحت لنا معالم هذه الثورة التي تنادي بها ؟
بداية وكما أسلفت يجب إعادة هيكلة البنية الكروية كاملة, إلى جانب إعطاء الفرصة للشباب وضخ دماء جديدة – ليس في مفاصل كرة القدم فقط، فالعالم كله يسير في هذا الاتجاه، ما خلا ليبيا التي تكبل شبابها عن تبوؤ المناصب القيادية ووضعها على قاطرة التنمية والتقدم.
أما من يسمون بالكفاءات فيجب عليهم التأخر خطوة واحترام مسيرتهم السابقة، بعد أن كان الفشل ديدنهم، أو الاكتفاء بالدوري الاستشاري على أقصى تقدير.
وعند الحديث عن الكفاءات والخبرات الإدارية, لابد من الإشارة إلى شيئين مهمين, أولهما ضرورة الاستعانة بكوادر أجنبية لها باعها في هذا المجال، والثاني في عدم البقاء تحت رهن ثنائية «لاعب سابق – إداري حالي»، فالتسيير علم بذاته، وكثيرون نجحوا في هذا الأخير ولم يطؤوا يوماً المستطيل الأخضر كلاعبين محترفين, مثل «فوزي لقجع» رئيس الجامعة المغربية لكرة القدم، الذي يعد الأب الروحي لإنجازات المغرب الأخيرة بالرغم من أنه لم يكن لاعباً من قبل.
كذلك لا مندوحة من الارتقاء بالبنية التحتية من ملاعب وغيرها, إلى جانب قيام الأندية الكبرى بدورها، وهي التي تراجعت تاركة الساحة شاغرة لأندية لم تقدم شيئاً للعبة كي تتحكم في مصير الدوري.
- ولكن قد يقول قائل إن هذه محاباة لا يجب أن يتم التعامل بها بين الأندية ؟
هذا إن كانت هناك تسهيلات أو تفريق على مستوى تطبيق القوانين، أما الأدوار فتختلف حسب التاريخ والجمهور وكذلك المسؤوليات.
وبعيداً عن العواطف لا يمكن البتة المساواة بين ناديين أحدهما يمتلك قاعدة جماهيرية وتاريخاً، وآخر لا يتجاوز كونه «حقيبة» بيد مسؤول.
بل إنني أصارحك بأن وجود أندية مغمورة في الدرجات العليا مثلبة تعود بالسلب على كرتنا، فالتنافس عندها سينحدر، ولا يجب علينا أن نستغرب الإقصاء المبكر لممثلينا في البطولات القارية ونحن نعيش هذه المهزلة.
- نعيش على وقع انتخابات مجلس إدارة جديد لاتحاد كرة القدم .. وما بين المطالبات ودعاوى التأجيل تتلبد الغيوم فوق سماء كرة القدم الليبية ويحذر كثيرون من تدخل مرتقب للاتحاد الدولي .. هل توافق هذا الرأي ؟
إن كان التدخل بالتشاور وتشكيل لجنة تسييرية فالأمر هيّن، ففي رأيي أن تدخل «الفيفا» سيأخذ في المستقبل شكل التجميد والإيقاف.
- الحديث عن مشاكل كرتنا دون شجون .. ويمتد إلى منتخبات الفئات السنية التي حصدت مؤخراً الفشل الذريع .. هو كما يقول كثيرون انعكاس للواقع المتردي .. أظنكم تنحون هذا المنحى كذلك ؟
بالضبط، من لا يزرع لا يتوقع أن يحصد، والأسلوب الخاطئ لإدارة اللعبة وتخطيطها أفضى إلى ما نشاهده واقعاً مؤسفاً.
- واللاعب الليبي .. كيف تقيّم إمكاناته ؟ خاصة وأن اتهامات بدأت تكال له بالمحدودية الفنية
في ظل بنية تحتية معدومة، وغياب تأهيل اللاعبين الناشئين عن الخارطة الإستراتيجية للفرق – لاسيما الكبرى منها – لا يمكننا التطلع إلى أكثر من الراهن بكل مساوئه.
أيعقل أن الأندية الكبرى لا تعتمد أكاديميات بأجهزة فنية خارجية، ولم تسمع البتة بنظام فرق الكشافة «السكاوتينغ»،, هذا ونحن في 2024،فأنّى لنا أن نحقق المنافسة مع الجيران والدول الإفريقية !
وما يؤلم أن هذه الأندية تدفع الملايين من أجل التعاقد مع لاعبي الفريق الأول بينما تحرم الفئات السنية من أبسط الضروريات.
- هناك كلام عن مشروع واعد في هذا الصدد للأهلي طرابلس .. هلا أعلمتنا بملامحه الرئيسة ؟
أتمنى أن يمضي مشروع الأهلي طرابلس في الاستعانة بالأجهزة الفنية والإدارية الأجنبية وتعميمها على الفئات السنية, قدماً، وأن تحذو الأندية الأخرى حذوه.
لكن ما يثير توجسي أن الأمر مناط بالصبر – لاسيما من الجمهور – كي يؤتي أكله.. هذا ونحن نعلم أن الجزع كان العادة التي قضت على مشاريع رياضية واعدة في ليبيا.
كلمة أخيرة ؟
واقع كرة القدم الليبية يدعو للأسف، لكن ينبغي ألا نتوقف عند الرثاء وننهض بقوة في العمل الجاد للخروج من هذه الهوة السحيقة، وأكرر مجدداً أن الحلول تتطلب ثورة شاملة والصبر على النتائج.