ربما يُصدم القارئ إذا ما قيل له إن الشعر الإفريقي أقدم من «إفريقيا» نفسها، وأكثر إفريقية منها. فمصطلح «إفريقيا» مصطلح حديث صاغه الأوروبيون، ربما قبل ألفي عام، وهو الكلمة اللاتينية التي تشير إلى الحافة الشمالية لإفريقيا.
يعود تاريخ «إفريقيا» إلى وقت كانت فيه جنوب أوروبا وشمال إفريقيا مرتبطين ارتباطًاً وثيقًاً بالتجارة والصراع في حضارة متوسطية واحدة، ولم تكن «إفريقيا» تعني إفريقيا التي نعتقد أننا نعرفها، ولم يكن له أي علاقة ببقية القارة، والغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون هناك لم يكن لديهم أي فكرة عن أنهم «أفارقة»، ولا يوجد سبب للاعتقاد بذلك، كان لديهم أسماؤهم الخاصة، ودولهم، وفهمهم للعالم؛ ولكن قبل ذلك بفترة طويلة كان الأفارقة شعراء.
فعندما لم تكن إفريقيا «إفريقيا» بعد، وكانت مجرد قارة ضخمة يسكنها تنوع هائل من المجتمعات والثقافات البشرية، كانت كلمة «شعر» كافية للإشارة إلى الأشكال المتعددة من الفن في اللغة التي استخدمتها كل ثقافة وتستخدمها لإعطاء الشكل والمعنى للعالم. إنها قاعدة عالمية، بعد كل شيء ــ قاعدة تشمل إفريقيا ــ إنه حيثما توجد اللغة يوجد الشعر. وإذا كان هناك شيء واحد تمتلكه إفريقيا، وكانت تمتلكه دوماً بوفرة، فهو اللغة.
الشعر الإفريقي كالقارة نفسها … غني وفريد ومتعدد الأوجه ويعكس تجربة وارث (ارثاً غنياً) من الأوجاع والآلام ومن الآمال وعشق الجمال. الشعر الإفريقي هو بوابة إفريقيا. في السطور القادمة ترجمة لأربع قصائد لشاعرين إفريقيين أحدهما من نيجيريا والآخر من جنوب إفريقيا.
ترجمة وإعداد: عطية صالح الأوجل
(1) فــي عالــم آخــر …!!!
رزاق مالك
أريد أن أكون أباً …
لا يعيش….
لحظات جنون أبدي من الحزن على فقد أطفاله…
ولا طقوس أجسادهم تعود جثثاً مطوية كسجادة صلاة …..
ولا أن أمضي الليل أحدثهم …
عن مسقط رأسنا حيث صار الناس غرباء يبحثون عن ملاجئ.
أريد ….
أن ينشر أطفالي حصيرة ….
خارج بيتي ويلهون دون جدران لمنازل شوهتها البنادق ….
وأراهم يرددون اسم بلادهم في خشوع كالصلاوات…
ويمرحون في الشوارع دون خوف من اصطيادهم …
أو أن يتم نهبهم حتى الموت….
في عالم آخر،
أريد لأطفالي أن يروضوا الجراد في الساحة…
ويلعبوا مع الدمى في البيوت ….
ويستنشقوا رائحة الزهور التي تتموج مع ضربات الرياح ،
ويروا الطيور تقيس بأجنحتها عرض السماء .
رزاق مالك، شاعر ومترجم نيجيري. وهو أحد مؤسسي مجلة talewo، وهي أول مجلة رقمية مخصصة لنشر الأعمال المكتوبة بلغة اليوروبا. وقد نُشرت قصائده في مجلات مثل Kenyon Review وPrairie Schooner وPloughshares وThe Nation
وأماكن أخرى وقد فاز بجائزة الشرف في عام 2015 لأفضل قصيدة على الإنترنت بعنوان «Elegy»، والتي نُشرت في مجلة «One» في عام 2017، رشحت مجلة Rattle and Poet Lore قصائده لجائزة Pushcart. وقد تم إدراجه في القائمة المختصرة لجائزة Brunel International African Poetry Award في عام 2017. وكان من بين المرشحين النهائيين لجائزة Sillerman First Book for African Poets في عام 2018.
(2) مرثيــــة…. !!!
رزاق مالك
في الراديو، يغرق العالم …
بأحلام المهاجرين ..
المكدسة في جسد سفينة هش.
وفي ما يبدو وكأنه أداء بطيء
للحن رثاء،
يتمايل البحر ذهاباً وإياباً،
ووجهه ملطخ بالدماء.
أحياناً عندما أقول الوطن
يتحول فمي إلى …
قبر مؤقت للجثث المفقودة.
الحزن أحياناً يعني تلاشي الضوء
في عيون رجل
يجدّف بحياته عندما يهيج البحر
ويتقاسم جثث الغرقى.
في مكان ما اليوم،
تمسح امرأة نحيفة ومرهقة …
ظهر طفلها
لتعرف إن كان لا يزال على قيد الحياة.
هناك
طرق عديدة لمغادرة
العالم، لكن البحر هو الأكثر
خطورة.
وفي ليله ، يتردد صدى صراخ
النساء الحزينات
أعلى من صلوات
أولئك الذين يعودون إلى ديارهم
كل يوم لحمل صور
موتاهم مثل لافتة.
وفي السماء المظلمة،
تغني الطيور
أغاني الحداد المهيبة.
كل ما يبقى يصبح دليلاً على الغياب.
(3) ناشط راديكالي…. !!!
«واين فيسر »
تنعتني ناشطًا راديكاليًا
تدين أفعالي باعتبارها ترويجًا للتطرف
هيه … أمامك الكثير لتتعلمه …
ماتقوله مدح كبير لي …
إذا كنت حقاً تعرف ما يعنيه
ماذا يجب أن أكون غير ذلك،
إن الراديكالي يعني العودة إلى الجذور
يبدأ المزارع بإعداد الأرض
وبذر التربة، مع مرور الوقت، يجلب براعم جديدة
أنت تسميني ناشطًا راديكاليًا
لأنني أجد مصدر المشكلة أو السبب النهائي
لا شك أن هذا يؤدي إلى الاضطراب
أو الحجب وانتهاك القوانين غير المبررة
وماذا يجب أن أكون غير ذلك، إن لم أكن نشطًا
(سأكون سلبيًا بما يكفي عندما أنتهي وأموت)
يحتاج العالم إلى هزة لإيقاظه
ويجب التخلص من الطرق القديمة، مثل الأوراق
أنت تسميني ناشطًا راديكاليًا
وأنا أشكرك جزيل الشكر على هذا التكريم
لا شك أنه طريق البناء
من التشكيل والتحول – مستقبلنا المعاد تشكيل
(4) همس الأحجار…. !!!
واين فيسر 2017
لو كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، فما الأسرار الذي سترويها؟
هل ستكون من أحقاب خلت، عندما كانت السماء كلها أمطارًا نارية
وتدفقت الحمم البركانية وتجمدت الصخور لنحت هذه السهول ؟
أم ستتحدث عن الانقسام العظيم، عندما تمزقت الأرض
بسبب أمواج المد والجزر والرياح الهائجة وهدير الرعد الغاضب؟
لو كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، فما هي البدايات التي ستتذكرها؟
هل ستتذكر صرخة الإنسان الأولى، وهو لا يزال طفلاً في المهد
أم الطفل المتلهف الذي يحمل القوس والسهم، والذي كان مقدرًا له أن يصبح أسطورة؟
هل ستبتسم للطفل المضطرب الذي وضع جذوره لتنمو
ليكتب ويقرأ، ليبني ويشكل، ليغرس ويحصد ويزرع؟
لو كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، فما التاريخ الن سترويه؟
سنوات التمرد، عندما سعى الإنسان المراهق إلى نشر جناحيه
في تلك الأوقات العاصفة من الكبرياء والأنانية، والحرب والعبيد والملوك؟
هل لا تزال الذكريات حية في الأذهان عن أيام مأساوية معاصرة؟
حين اختار أشقاء شباب ساذجون طرقاً متفرقة؟
إذا كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، فما القصص التي ستشاركها؟
هل ستكون حكايات عن الجزيرة، عن البراري غير المروضة والرمال العذراء
عن التجار من عبر الخليج الذين كانوا يجمعون الصخور ويستخرجون المناجم من الأرض؟
ماذا عن المنبوذين المشوهين الذين كان العالم أعمى عنهم
المنبوذين بسبب قبحهم، والذين تبرأ منهم أقرانهم؟
إذا كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، فما الذكريات التي ستظل تطاردها؟
هل ستكون عن البشر في الأقفاص، المتهمين بارتكاب جرائم شنيعة
أم حراس العدالة المحكوم عليهم بالعمل في محاجر الجير المزعجة؟
كم مؤلم هو مشهد السجانين بعقول مقفولة بأقفال ومفاتيح؟
كم مفعم بالأمل مرهم المغفرة، والمسيرة الطويلة لتحريرهم؟
إذا كان بإمكان هذه الصخور أن تهمس، ما الانتصار الذي ستعلنه؟
هل سيكون فجرًا جديدًا، عندما تصبح الجزيرة جسرًا
ملجأً، ومكانًا للتعلم، وصورة ملهمة للعالم؟
تردد أصداء الحجارة الصمت، صمت بحكمة يمنحها الزمن
ولكن إذا كان بإمكان هذه الحجارة أن تهمس…..
فإنها ستقول: سامح دائمًا … ولا تنس أبدًا.
وُلِد الشاعر واين فيسر في زيمبابوي، ونشأ في كيب تاون، جنوب إفريقيا، ورغم أنه أبيض البشرة إلا أنه إفريقي الصوت والمشاعر.
له مجموعة شهيرة باسم أنا إفريقي، وله أكثر من 8 دواوين شعر منها:الحلم الإفريقي، أنا إفريقي، إيكاروس، الحياة في العبور، اغتنم اليوم، الخيط، الكعك، الفقاعات وأنا، وأوراق التمني، بالاضافة إلى 44 كتاباً في مجالات تخصصه.
الشاعر واين فيسر (Wayne Visser)
الموقع الشخصي للكاتب واين فيسر -Biography | Wayne Visser
-https://en.wikipedia.org/wiki/Wayne_Visser
- Meaning Of African Poetry. – Literature – Nigeria (nairaland.com)
- https://terseersambaki.wordpress.com/2017/03/12/african-poetry-by-akeem-kolawole-bello/
- The Novelty of African Poetry – The New Inquiry