» محبوبة خليفة
يحدث هذا كثيراً وأحياناً يعجبُ من يقرأُ لي ، فالسيدة التي تكتب الآن تميل أحياناً إلى الأسلوب الساخر في نشر ما تحب، والقاريء يعرف عن كتاباتها الرصانة في الغالب. لاأخفيكم سراً إن قلت لكم إنه القلم الذي يلعب بي كما يرى هو لا كما تود صاحبته التي هي أنا .
يميل بي يساراً أحياناً ، ويحذفني إلى أقصى اليمين أحياناً أخرى، ولا أُذيع سراً إنه يضعني غالباً في خانة يمين الوسط ويرفق بي وبكم فيعيدني بعض المرات إلى يسار الوسط فأعجب وأبتسم وأدعو له بالثبات .
تمنيتُ عليه كثيراً أن يتوقف عن التمرجح! وأن (يثبت على رأي) كما نقول في لهجتنا التي أحب.
أحياناً ينطقُ فيفزعني ، ويسأل بغَضب : أي رأي تريدين الثبات عليه والعالم حولك يموج ويدور حول نفسه ، ويتأرجح ،ويتراقص على موجات من الأخبار التي لا تُسِرّ قلباً ولا تفرح خاطراً؟ كيف ستتصرفين وكيف ستعلنين عن هويتك الفكرية والإنسانية، وحولك هذا الجحيم؟ كيف تواجهين من حولك بما يملأ قلبك والقيود تكبلني قبل أن تكبلك؟.
أيها السائر فوق الورق ، الصابر المحتسب على صاحبتك أحياناً ، الغاضب الثائر عليها دائماً ، ترفَّق
فهذا القلب مُتعَبٌ يا صديقي ورفيقي، إنه ممتلئٌ بمواجع القريب والبعيد أيضاً..
يبكي كثيراً إن تذكّر ماجرى لمدينةٍ كانت ملء العين والروح ، ويذرف دموعاً سخيةً إن طالع الأخبار ورأى بني جلدته يصارعون وحوش هذا الزمان، وحدهم تنزف دماؤهم أنهاراً ونتفرج نحن بأيدٍ مقيدة وأرواح منكسرة.
وتقول إنك تحب السخرية؟
-نعم إنها وسيلة المكتئبين للولوج إلى عالم مريح فمثلاً بدل أن تتابعي
أخبار الجنون من حولك تابعي أحوالي أنا ، علّميني متى ألتزم الصمتَ، ومتى أثرثر، ومتى أبكي، ومتى أقهقه حتى يختل توازني وأسقط بلا حراكٍ فوق أوراقك.
-أضحك كثيراً يا رفيقتي هذه الأيام رغم الأسى الذي يحيط بالناس.
هل انتبهتِ لغضب أهل (فالنسيا)*
من مليكهم؟
لقد أمطروه عندما زارهم بكل ما في أيديهم من حجارة وعلب فارغة فالتف حُرّاسه حوله وغطّوه بمظلاتهم، خشيةً على رأسه الملكي من غضب الناس المذعورة من هول ماجرى من خسارات، وأولها حزنهم لفقد أحبابهم المائتين وأحد عشر ،وفقدان ممتلكاتهم وعمرهم الذي أفنوه في جمعها .
أما لماذا أضحك فقد تذكّرتُ وجوهاً حزينةً يغمرها الطين ، وعيون هلعةً جفت مآقيها على آلاف الأرواح التي زفتها المياه إلى المياه ، الجموع التي خرجت غاضبةً هي الأخرى ذات صبيحة لا مثيل لها في تاريخ تلك المدينة حين انهار السدان المُهملان.
هذه الجموع المتألمة لم تجد أحداً يزور المدينة ذلك الصباح لتحذفه بالحجارة أو حتى بالورود ، ومع ذلك «زعل» منهم حكامنا واتهموهم بالتمرد على قوانين الطبيعة وغضبها التي اختارت-تلك الليلة- المدينة التي كانت تعتقد أنها بأمان- لكنها غادرت إلى البحر!
-لكن !!
-تكلم : لكن ماذا ؟
لاشيء تنتابني الآن موجة أسى
تدفعني لضحكٍ يشبه البكاء..