محطة إذلال
ونكــران وجحــود وقسمـة ضيــزى
استطلاع :عبدالله الوافي
المتقاعدون كم مهمل ومهمش !
يتظاهر الأوروبيون سنوياً لتقديم سن التقاعد وللتمتع بالحقوق والمهايا والمزايا والتأمين الطبي ومكافآت نهاية الخدمة وليطوفوا العالم في سن مبكرة لغرض السياحة التي لا تنقطع بينما ينظر الكثير من موظفي العالم الثالث ومن أبرزهم الموظفون العامون في ليبيا إلى سن التقاعد كمحطة إذلال ونكران وجحود وقسمة ضيزى، إذ تهوي خلال هذه المحطة مرتباتهم المتدنية أساساً إلى سقوف غير متوقعة من التدني ويحرمون من كل الحقوق وأولها التأمين الطبي الذي يصير المتقاعد في أمس الحاجة إليه بعد أن تطفو على جسده المنهك بعد سنوات العطاء الطويلة أمراض الشيخوخة التي لا حصر لها فيجد نفسه بعد أن قدم لبلده زهرة شبابه كماً مهملاً ومتاعاً منتهي الصلاحية وعلى أرفف النسيان والجحود والنكران وتزداد آلامه النفسية حين يرى بأم عينه شرائح أخرى قليلة تتمتع بالحظوة والمكانة والكثير من المزايا التي حرم منها في دليل دامغ على أن قسمة ثروة المجتمع على المواطنين في هذه البلاد قسمة ضيزى لا عدالة فيها ،وبينما يحاول الموظفون العامون في العالم المتقدم تقديم سن التقاعد والتبكير بها ليتمتعوا بالراحة والكرامة والسعادة والرخاء بعد سنين الشقاء يتهرب نظراؤهم في الدول المتخلفة من الوصول إلى هذه المحطة ليبعدوا عنهم شبح الإهمال بالمطالبة بالاستمرار في العمل ورفع سن التقاعد وحتى الطعن في الأعمار وتعديلها تصغيراً عن طريق المحاكم للتشبث بأسمال العمل حتى آخر يوم في الحياة
الهروب من كماشة سن التقاعد
علي منصور متقاعد قال بأن الكثير من دول العالم المتحضر شرقاً وغرباً وخاصة في أمريكا و أوروبا يتظاهرون لتقديم سن التقاعد بينما في بلادنا يتمنى الموظف العام باستثناء بعض الشرائح ومنها شريحة العاملين في النفط يتمنون أن يظلوا في أعمالهم حتى مفارقتهم للحياة لأنهم يدركون أن الدخول في التقاعد معناه الموت السريري فالمعاش الضماني المحتشم كما يقول المواطن (علي) معاش مذل للمتقاعد ولا يكفيه حتى لتأمين شراء بعض الطعام أو بعض الدواء أو بعض الكساء ناهيك عن عدم وجود التأمين الطبي والذي يعني أن يموت المتقاعد في بيته دون علاج فالمستشفيات العامة تعاني الأمرين بسبب نقص المعدات والتجهيزات والأدوية ، والعيادات الخاصة تقدم خدماتها في ظل غلاء فاحش لا يطيقه المتقاعد بالدراهم القليلة التي ينالها متأخرة عن موعدها كل شهر .. الأستاذ علي قال بأن قسمة الثروة في دول العالم الثالث وفي ليبيا قسمة ضيزى وظالمة فكيف يتمتع البعض بمرتبات مجزية في بعض القطاعات ومن بينها النفط غير المزايا الأخرى كالسفر والتأمين الطبي لهم وللأصول وللفروع بينما تحرم الأمة من أبسط الحقوق المتعلقة بالحقوق الضمانية وحقوق المتقاعدين والمسنين الذين أفنوا زهرة شبابهم في العطاء للمجتمع الجحود … وأضاف بأن هذا التمييز ليس قانونياً فهو لايبنى على طبيعة الشغل من حيث الصعوبة أو الخطورة ولا يبنى على الدرجات الوظيفية ولا يبنى على سنوات الخدمة ولا يبنى حتى على المؤهلات العلمية بل يبنى على مجرد الفرص التي تمنح للعاملين في بعض لقطاعات الإنتاجية أو الإدارية أو الرقابية وهو تمييز غير مقبول لا عدالة ولا منطقاً .
المتقاعدون كم مهمل ومهمش
السيد علي أبوذينة معلم تربوي وإعلامي كبير أفنى زهرة شبابه في التعليم منذ سبعينيات القرن المنصرم ثم التحق بالعمل النقابي والعمل الإعلامي وأبلى فيهما البلاء الحسن قال واصفاً أوضاع المتقاعدين بأنهم يصبحون فور بلوغ سن التقاعد مجرد كم مهمل ومهمش لا أكثر ولا أقل وأضاف بأن المتقاعد محروم من كل الحقوق والمزايا التي يتمتع بها نظيره في دول العالم الأخرى سواء المتقدمة أو متوسطة التقدم والتي من بينها المرتب المناسب والتأمين الطبي ناهيك عن اختفاء كل الخدمات الاجتماعية الأخرى ومختلف المزايا العينية والمالية والتي ينبغي أن يتمتع بها ، فالمتقاعد يضيف الأستاذ السيد لا يتمتع بتذاكر سفر منخفضة السعر ولا يتمتع بخدمات تخفيض في الفنادق وفي الركوبة العامة في البر أو البحر أو الجو ولا يتمتع بمؤسسات عامة ترعاه وتحفظ حقوقه وتصون كرامته كما أنه لا يتمتع بأندية أو جمعيات تخص المتقاعدين والمسنين يلتقي فيها بنظرائه من المتقاعدين والذين يمرون بنفس السن ويعايشون نفس الواقع النفسي والاجتماعي والحياتي فيجدون سلوى تقاسم الأفراح والأتراح والآلام والاهتمامات .. أخيراً شدد الأستاذ السيد أبوذينة على ضرورة الاهتمام بالمتقاعد وتقديم كل العناية والرعاية له وعدم تركه في مهب الإهمال والنسيان في سنوات عمره الأخيرة بعد أن اشتعل شمعة تحترق طوال سنوات الشباب من أجل إضاءة عتمة الأوطان .
محطة التقاعد محطة سيئة يتهرب الجميع من وصولها
المواطن خ. م رفض في البداية الإفصاح عن اسمه وحاول حتى تجنب الحديث ورد بزفرات حارقة قبل أن يقول بأنه متقاعد وأنه تمنى لو تعود به الأيام ليحسن اختيار عمل حر يحفظ له كرامته ويجنبه مذلة السؤال في آخر عمره بسبب تدني مرتبات جل العاملين في الوظيفة العامة باستثناء شريحة أو شريحتين تنعمان بالمرتب والسفر والتأمين الطبي بينما تتضور بقية الشرائح جوعاً ولا حياة لمن تنادي ، وأضاف بأن محطة سن التقاعد من المحطات السيئة في عمر العاملين في البلدان المتخلفة والتي من بينها ليبيا وأضاف بأن العاملين في الوظيفة العامة في الدول المتقدمة يتظاهرون من أجل تقديم سن التقاعد ليستريحوا راحة تامة ويتمتعوا بالراحة والحياة الكريمة والتأمين الصحي بينما يفر المواطن في بلادنا وفي الدول المتخلفة من الوصول إلى هذه السن بشتى الوسائل ومن بينها الطعن في العمر عن طريق المحاكم ليتجنب الفاقة والحرمان والنكران والجحود الذي يلقاه بمجرد تقاعده منادياً الجميع إلى ضرورة الاهتمام بسن التقاعد وبالمتقاعدين والمسنين جميعاً لأن الكل يصلون إلى هذه المحطة المقيتة إذا مد الله تعالى في أنفاسهم .
هل تنتقل عدوى بعض المؤسسات الاجتماعية إلى القطاع الحكومي؟
أثنى السيد جمعة محمد خليفة وهو أحد المتقاعدين على اهتمام بعض المؤسسات الاجتماعية بالمجتمع وخاصة جمعية بيوت الشباب الليبية والهلال الأحمر والكشافة بالشرائح التي عملت معها وتوقف نشاطها بسبب أو بآخر لكنها لازالت تحظى بالكثير من الاحترام والتقدير من خلال التكريم الذي يتلقاه أفرادها ومن خلال الاهتمام الذي أبدته جمعية بيوت الشباب الليبية على سبيل المثال بالرعيل الأول فيها وبالمؤسسين والرواد بعد اختيار مجلس رئاسي استشاري من المتقاعدين وقدامى الرواد والمؤسسين والاستفادة منهم وتكريمهم والاهتمام بأوضاعهم الصحية والاجتماعية والاهتمام بتسفيرهم لأداء العمرة والحج على نفقة الجمعية وبالأعداد الغفيرة من المستحقين لهذا التكريم متمنياً أن تنتقل هذه العدوى الرائعة إلى كل المؤسسات الاجتماعية وإلى كل القطاعات الحكومية من أجل ايفاء المواطن المتقاعد حقه كاملاً في الاهتمام والرعاية بعد سنوات من الكد والاجتهاد طيلة سنوات العمل في مختلف القطاعات الإدارية والإنتاجية والخدمية المتنوعة .
جمعية كبار السن في هون والدور الذي ينتظر الجميع
حاولنا الاتصال بالسيد حميدة سنوسي دارفون رئيس جمعية المسنين وكبار السن بمدينة هون والذي استقبل مكالمتنا بصدر رحب رغم ظرفه الاجتماعي القاسي ولم نتمكن من محادثته بتوسع وزرنا الجمعية والتي أثلجت صدورنا إذ تقدم الجمعية والتي تم تأسيسها بالجهد الجماعي التطوعي خدمات جليلة للمتقاعدين والمسنين حيث تستقبلهم برحابة صدر و كرم وتوفر لهم المقام المناسب الذي يلتقون فيه ويمارسون بعض هواياتهم ويجدون فيه العيادة التي يكشفون فيها على صحتهم فيما يتعلق ببعض العلل المتفشية مثل السكر والضغط وغيرهما كما تستقبلهم مكتبة أنيقة للراغبين في القراءة في مكان متميز بالهدوء والسكينة كما توجد قاعة لمشاهدة الأشرطة وفضاء خارجي صيفي لممارسة بعض الأنشطة هذا ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع في كل المدن والقرى الليبية لتقدم بعض الرعاية التي يحتاجها المتقاعد والمسن في سنوات عمره المتقدمة …
أخيراً ..
ظل حال المتقاعد حالاً موجعاً إذا لم تقم مؤسسات الدولة بتنفيذ كل التزاماتها نحو مواطنيها على حد سواء عبر تأمين أبسط الحقوق المعيشية للجميع دون استثناء و عبر قانون ضماني يكفل للمتقاعد نيل معاش ضماني تقاعدي يرتفع قدره مع ارتفاع كلفة المعيشة ولا يتجمد عند سقف الدراهم التي لا تسد الرمق كما هو الحال الآن وعبر رعاية طبية يكفلها له تأمين طبي صحي اُسوة بالمتقاعدين في كل أنحاء المعمورة و اُسوة ببعض الشرائح الوظيفية في هذا المجتمع الذي يعاني من التمييز والتفريق في معاملة أبناء الوطن الواحد وظيفياً وتقاعدياً أثناء الخدمة وبعدها .