» حسام الوحيشي
هل يمكنكم أن تسمحوا لي بإطلاق سراح «البنية الثقافية» نظراً لبراءتها من التهم المنسوبة إليها عند الحديث عن فشل الدولة في الازدهار؟
قد أتغاضى هنا عن وصم «البنية الثقافية» بالجرم، عندما تكون المسألة متعلقة بإخفاق الشعوب في التطور لأنني قد أرى أن تحليلي لم يتكامل في هذا الشأن بما يكفي لإنتاج حكم قاطع. الشعوب ليست هي الدول رغم أنها جزء منها، تتميز الدولة ككائن سياسي محض بعلامة فارقة هي «المؤسسات»، منها ينبع كل الدفق الضابح في أوردة جسدها الهرمي.
حتى مراجعة معلقة لقضية البنية الثقافية وعلاقتها بفشل الأمم، يمكننا تحفظاً تركها لتتعفن وراء قضبان السجن الاحتياطي بتهمتها، وأرجو أن لا تخرج بكفالة مهما ارتفعت قيمتها إلى ذلك الحين.
السياسات والمؤسسات هي السبب في تخلف الدول، هذه جملة جازمة لدي. إن الجغرافيا، العرق، الدين، العقيدة، الأجداد، التاريخ، الثقافة براء من كل ما ينسب إليهم من هراء. سأكافح هنا بصرامة ضد كل من يخلط بين الشعب والدولة دون مراعاة الفروقات الجوهرية للمفهومين، وقد أصل إلى درجة من التطرّف أصفهم فيها بالتعصّب أو السذاجة بلا مواربة في اللفظ رغم قسوة هذا النهج وتشدده. ولتبرر لي الغاية لو تفضلت هذا الأسلوب أو لا تفعل لن ألقي بالاً للأمر. يغمرني شعور بأهمية الطرح في هذه اللحظة يعصف بالمرونة ومشتقاتها.
«إنها السياسة الحمقاء» التي تفرضها النخبة العفنة على جسد مصالحها غير الوطنية، إنه ثوب مصالح الطبقة المتنفذة الضيّقة الذي يخنق عافية جسم الأمة من خلال تكريس القيم المتخلفة حيثما وجدتها داخل الخرائب الثقافية الخائرة، في الماضي المريض، من خرافات القدماء، من هثرمات الحاضر، من العطن المجايل إلخ.
وإذا ما دكنا كرة أخرى على البنية الثقافية فسنقول إنها حمّالة أوجه. تستطيع المؤسسات عبر سياساتها أن تستدعي ما شاءت من ملامحها وتهجر ما أرادت بقبضتها السلطوية المفعمة بالقوانين واللوائح والاستراتيجيات والتكتيكات والخزائن والتنفيذيين والقضبان والسبطانات والطائرات غير المُخيّرة.
لا بأس أبداً، ليسمح لي الإخوة رغم قداستهم العاجية بوصمهم بكل إجلال ممكن بالقليل من الصفات البشرية. أعني بلطف أن السمكة تفسد من رأسها للأسف، وأن الشعب وبنيته الثقافية مجرد ذيل في هذه المعمعة. يبدو هذا كحكم جازم آخر. المؤسسات الثقافية مسؤولة عن البنية الثقافية، والمؤسسات الجغرافية مسؤولة عن التضاريس، والمؤسسات الدينية مسؤولة عن الدين، والمؤسسات التاريخية مسؤولة عن التاريخ و… و… و، أي خلل في الأولى هو نتاج لفشل سياسات الثانية والعكس ليس صحيحاً.
التبسيط فيما سلف متعمد جداً وليس بسبب ضعف عضلات التعقيد الامبراطورية لدى الكاتب..
قد يتبع..