الرئيسية / الدراسة / فَكِّرْ بِنَفْسِكَ

فَكِّرْ بِنَفْسِكَ

جاء‭ ‬نص‭ ‬الشاعرة‭ ‬حنان‭ ‬محفوظ‭ (‬فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ‭) ‬في‭ ‬تسعة‭ ‬وعشرين‭ ‬سطراً‭ ‬توزعت‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬مقاطع‭ ‬قصيرة‭ ‬معبـأة‭  ‬بإيقاع‭ ‬شجي‭ ‬يهز‭ ‬الكيان‭ ‬بإيحاءاته‭ ‬المكتظة‭ ‬بعذوبة‭ ‬لغوية‭ ‬رقيقة‭ ‬ونغمات‭ ‬تتهادى‭ ‬كمعزوفة‭ ‬موسيقية‭ ‬آسرة‭ ‬تطوق‭ ‬الروح‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتبثها‭ ‬مضمون‭ ‬رسالتها‭ ‬المحفزة‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬وأريحية‭. ‬وقد‭ ‬تكررت‭ ‬لازمة‭ ‬النصِّ‭ ‬الجميل‭ (‬فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ‭) ‬أربع‭ ‬مرات‭ ‬تربعت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬فقرة‭ ‬من‭ ‬فقراته‭ ‬بهدف‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬النصّ‭ ‬الآمرة‭ ‬كمطرقة‭ ‬تتوالى‭ ‬التنبيه‭ ‬بإصرار‭ ‬متتابع‭ ‬حد‭ ‬الإجبار‭ ‬والفرض‭ ‬المتأسس‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الإمكانات‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بالذات‭.

حنان‭ ‬محفوظ‭ ‬

تعاكس‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭.     ‬محمود‭ ‬درويش

يونس‭ ‬شعبان‭ ‬الفنادي

وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬شعرنا‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬قد‭ ‬صدح‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬زمنية‭ ‬بعيدة‭  ‬بهتافه‭ ‬الشعري‭ (‬فكّرْ‭ ‬بغيرك‭) ‬متكرراً‭ ‬ست‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬نصه‭ ‬المحرِّض‭ ‬المعنون‭ ‬بذات‭ ‬العبارة،‭ ‬ويحمل‭ ‬التكرار‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التفكير‭ ‬بالآخرين،‭ ‬أما‭ ‬استعمال‭ ‬ضمير‭ ‬المخاطب‭ ‬المذكر‭ ‬المنفصل‭ (‬أنتَ‭) ‬فهو‭ ‬تأصيل‭ ‬لعمق‭ ‬التواصل‭ ‬الوجداني‭ ‬ومواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬جريئة‭ ‬واضحة،‭ ‬تتضمن‭ ‬خطاباً‭ ‬صريحاً‭ ‬للإنسان‭ ‬على‭ ‬اتساع‭ ‬الكون،‭ ‬بشموليته‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬نوعه‭ ‬البيولوجي،‭ ‬وجنسيته‭ ‬الوطنية،‭ ‬وزمنه‭ ‬ومكانه‭ ‬الجغرافي‭: ‬

وأَنتَ‭ ‬تخوضُ‭ ‬حروبكَ،‭ ‬فكِّر‭ ‬بغيركَ

لا‭ ‬تَنْسَ‭ ‬مَنْ‭ ‬يطلبون‭ ‬السلامْ

ويتجسد‭ ‬خطاب‭ (‬فكِّر‭ ‬بغيرك‭) ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬نبذ‭ ‬الأنانية‭ ‬المشينة،‭ ‬وترسيخ‭ ‬التضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬لهم‭ ‬كسلوكٍ‭ ‬وممارسةٍ‭ ‬إنسانية‭ ‬نبيلة،‭ ‬مضمناً‭ ‬نصه‭ ‬مفردات‭ ‬جمالية‭ ‬متضادة‭ ‬مثل‭ (‬الحروب‭) ‬و‭(‬السلام‭) ‬و‭(‬بيت‭) ‬الآمنين‭ ‬و‭(‬خيام‭) ‬المشردين‭ ‬وغيرها‭ ‬زادت‭ ‬إيقاعه‭ ‬تأثيراً‭ ‬ورسوخاً،‭ ‬ولم‭ ‬يستعمل‭ ‬عبارة‭ (‬فكِّرْ‭ ‬بنفسك‭) ‬الانقلابية‭ ‬إلاّ‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬خاتمة‭ ‬النصّ،‭ ‬وظَّفها‭ ‬لتعزيز‭ ‬كُلِّ‭ ‬الأمثلة‭ ‬المتضادة‭ ‬التي‭ ‬ساقها‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭ ‬واحتضنتها‭ ‬سطوره،‭ ‬ليطالبه‭ ‬بكل‭ ‬تحريض‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الخاتمة‭ ‬القصيرة‭ ‬بضرورة‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬أمنيته‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬لذات‭ ‬الغاية‭ ‬النبيلة‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬يتلاشى‭ ‬فيها‭ ‬كيانه‭ ‬الشخصي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الآخرين،‭ ‬فيهديهم‭ ‬ويقودهم‭ ‬إلى‭ ‬دروب‭ ‬النور‭ ‬والخير‭ ‬والمحبة‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬كافة‭:‬

وأَنتَ‭ ‬تفكِّر‭ ‬بالآخرين‭ ‬البعيدين،‭ ‬فكِّرْ‭ ‬بنفسك

قُلْ‭: ‬ليتني‭ ‬شمعةٌ‭ ‬في‭ ‬الظلامْ

وفي‭ ‬زمننا‭ ‬الراهن،‭ ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬نجد‭ ‬شاعرتنا‭ ‬حنان‭ ‬محفوظ‭ ‬تعاكس‭ ‬في‭ ‬نصِّها‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭) ‬ذاك‭ ‬التوجه‭ ‬الإنساني‭ ‬الشمولي‭ ‬لنصّ‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬حين‭ ‬جعلت‭ ‬خطابها‭ ‬مفتوحاً‭ ‬غائماً،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬بدقة‭ ‬وصراحة‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬المخاطب‭ ‬أو‭ ‬هويته‭ ‬أو‭ ‬صفاته،‭ ‬بل‭ ‬اختارت‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬الباب‭ ‬موارباً‭ ‬ليكون‭ ‬خطابها‭ ‬الشعري‭ ‬يستجيب‭ ‬لاحتمالات‭ ‬عديدة‭ ‬تستهدف‭ ‬ربما‭ ‬فرداً‭ ‬محدداً‭ ‬بعينه‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬حبيبها‭ ‬الذي‭ ‬تدعوه‭ ‬للاهتمام‭ ‬بحياته‭ ‬الشخصية‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬أو‭ ‬فضاء‭ ‬الوطن‭ ‬الواسع‭ ‬بجغرافيته‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬وشعبه‭ ‬العربي‭ ‬الواحد‭ ‬والذي‭ ‬ربما‭ ‬تدعوه‭ ‬للاهتمام‭ ‬بعمله‭ ‬المشترك‭ ‬والسعي‭ ‬لوحدة‭ ‬أقطاره،‭ ‬أو‭ ‬ربوع‭ ‬بلادها‭ ‬الليبية‭ ‬وأهلها‭ ‬وتحريضهم‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجانب‭ ‬الوطني‭ ‬والهوية‭ ‬الليبية‭ ‬وخلع‭ ‬أردية‭ ‬القومية‭ ‬والأممية‭ ‬البائدة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تماثله‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬كيان‭ ‬الإنسان‭ ‬الوجداني‭ ‬والعقلاني‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬فيوض‭ ‬مشاعر‭ ‬عاطفية‭ ‬وتوجهات‭ ‬فكرية‭. ‬تقول‭ ‬الشاعرة‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬نصها‭ (‬فكر‭ ‬بنفسك‭):‬

فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ

وَجَهِّزْ‭ ‬أَعْذَارَ‭ ‬قَلْبِكَ‭ ‬قَبْلَ‭ ‬الحَقِيبَةْ‭ ‬

وَاسْتَعِنْ‭ ‬بِحنِيِّنِكَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬

كَي‭ ‬تُغَادِرَهُمْ‭ ‬

ويكشف‭ ‬لنا‭ ‬المقطع‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ (‬آخرين‭) ‬سيغادرهم‭ ‬المخاطب،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يجهز‭ ‬أسبابه‭ ‬التي‭ ‬أوجبت‭ ‬قراره‭ ‬بتركهم‭. ‬وفي‭ ‬مفارقة‭ ‬غريبة‭ ‬تطالبه‭ ‬الشاعرة‭ ‬بأن‭ ‬يستعين‭ ‬بحنينه‭ ‬إليهم‭ ‬لكي‭ ‬يتغلب‭ ‬على‭ ‬صعوبة‭ ‬فراقهم،‭ ‬وهذا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬يجعل‭ ‬الأمر‭ ‬مربكاً‭ ‬وصعباً‭ ‬كما‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬مريض‭ ‬بأن‭ ‬يتداوى‭ ‬بالداء‭ ‬نفسه‭. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدفقة‭ ‬الشعرية‭ ‬تحمل‭ ‬شحنة‭ ‬مشاعر‭ ‬تفيض‭ ‬بالقلق‭ ‬الذي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الحرص‭ ‬مبرراً‭ ‬له‭.‬

فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ‭ ‬

مَا‭ ‬عَادَ‭ ‬مَنْ‭ ‬وَعَدَ‭ ‬الرُّجُوعْ‭ ‬

وَمَا‭ ‬عَادَ‭ ‬المَكَانُ‭ ‬كَمَا‭ ‬كَانْ‭ ‬

فَكُلَّمَا‭ ‬ضَاقَتْ‭ ‬عَلَى‭ ‬يَدَيْكَ‭ ‬قُيُودُ‭ ‬وَعْدِكْ

حَلَّقَ‭ ‬وَعْدُهُم‭ ‬بِرِيشِ‭ ‬الخَدِيعَةْ‭ ‬

وفي‭ ‬المقطع‭ ‬الثاني‭ ‬تستحضر‭ ‬الشاعرة‭ ‬أحداثاً‭ ‬وسوابق‭ ‬تستلهم‭ ‬منها‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر،‭ ‬وتسردها‭ ‬أمثولة‭ ‬ماضوية‭ ‬لازالت‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬لتوخز‭ ‬بها‭ ‬المخاطب‭ ‬وهي‭ ‬تذكره‭ ‬بأن‭ ‬الذي‭ ‬غادر‭ ‬لم‭ ‬يرجع،‭ ‬وأن‭ ‬المكان‭ ‬ذاته‭ ‬لم‭ ‬يظل‭ ‬على‭ ‬حالته‭ ‬الماضوية‭ ‬لتؤكد‭ ‬أن‭ ‬الارتهان‭ ‬للوعود‭ ‬المطلقة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬صدقيتها‭ ‬التامة‭ ‬وعدم‭ ‬وهميتها‭ ‬أو‭ ‬مخاتلتها‭. ‬وهذا‭ ‬المقطع‭ ‬يضج‭ ‬بالحكمة‭ ‬وخبرات‭ ‬الحياة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬وتعزيزه‭ ‬بالنماذج‭ ‬المستذكرة‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬السطور‭.‬

فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ

فَلاَ‭ ‬أَحَدٌ‭ ‬يَعُدُّ‭ ‬مَعَكَ‭ ‬السِّنِينْ

وَلاَ

الْمِسْبَحَةَ‭ ‬الْمُنْفَرِطَةْ

وَلاَ

خُطُوَاتِكَ‭ ‬عَلَى‭ ‬رَصِيفِ‭ ‬الاِنْتِظَارْ‭ ‬

فَكُلُّ‭ ‬مَا‭ ‬فِي‭ ‬الأَمْرِ‭ ‬

تَرَكُوكَ‭ ‬هُنَا‭ ‬

وَقَالُوا‭ ‬

اِنْتَظِرْ‭ ‬

سَوْفَ‭ ‬نَأْتِيكَ‭ ‬بِقَبَسِ‭ ‬النَّهَارْ‭ ‬

وَلَمْ‭ ‬يَعُودُوا‭ ‬

وَلَمْ‭ ‬يَأْتِ‭ ‬النَّهَارْ

في‭ ‬المقطع‭ ‬الثالث‭ ‬تتكرر‭ ‬مجدداً‭ ‬رسالة‭ ‬النصّ‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭) ‬واستمرارية‭ ‬نسق‭ ‬الخطاب‭ ‬التوجيهي‭ ‬المتأسس‭ ‬على‭ ‬استحضار‭ ‬صور‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬المآل‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬سبقوا،‭ ‬وعدم‭ ‬صدقية‭ ‬وعودهم‭ ‬الوهمية‭ ‬الخادعة،‭ ‬ونتائج‭ ‬تلك‭ ‬الثقة‭ ‬المفرطة‭ ‬فيهم‭ ‬وما‭ ‬سببته‭ ‬من‭ ‬خسارة‭ ‬فادحة‭. ‬وقد‭ ‬تضمن‭ ‬المقطع‭ ‬استنطاق‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬حوار‭ ‬مسرود‭ ‬يستدعي‭ ‬الأحداث‭ ‬والمواقف‭. ‬وأضافت‭ ‬مفردتا‭ (‬الانتظار‭) ‬و‭(‬النهار‭) ‬المكررتان‭ ‬مرتين‭ ‬إيقاعاً‭ ‬موسيقياً‭ ‬شجياً‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬النص‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مذاقه‭ ‬بمرارة‭ ‬الخذلان‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬نهايته‭ ‬الموجعة‭ (‬ولم‭ ‬يعودوا‭ … ‬ولم‭ ‬يأتِ‭ ‬النهارْ‭).‬

فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ

فَخِلْجَاتُ‭ ‬مُهْجَتِكَ‭ ‬

أَهْدَرَهَا‭ ‬الرَّجَاءْ

وَلاَ‭ ‬أَمَلْ‭ ‬

إَذَا‭ ‬لَمْ‭ ‬تُفَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ‭..‬

فَكِّرْ‭ ‬بِنَفْسِكَ‭ ‬

فَأَنْتَ‭ ‬لَهَا‭ ‬حُضْنُ‭ ‬‭ ‬احْتِوَاءْ‭…‬

‭ ‬في‭ ‬المقطع‭ ‬الرابع‭ ‬الأخير‭ ‬يتواصل‭ ‬نفس‭ ‬السياق‭ ‬النصي‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬العبارة‭ ‬اللازمة‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭) ‬مرتين،‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬استهلاله‭ ‬والثانية‭ ‬مغمورة‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭. ‬وإن‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬السجعية‭ ‬الإيقاعية‭ ‬القوية‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬موسيقاه‭ ‬الداخلية‭ ‬كانت‭ ‬هادرة‭ ‬تهز‭ ‬النفس‭ ‬وتزلزل‭ ‬أركان‭ ‬الروح‭ ‬ولكن‭ ‬تهبها‭ ‬خاتمة‭ ‬جميلة‭ ‬تستقوي‭ ‬بها‭ ‬وتحفزها‭ ‬على‭ ‬الانطلاق‭ ‬ربما‭ ‬تفاعلاً‭ ‬واستجابة‭ ‬لرسالة‭ ‬النص‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭).‬

في‭ ‬الختام‭..‬

‭ ‬إن‭ ‬نصَّ‭ ‬الشاعرة‭ ‬حنان‭ ‬محفوظ‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭) ‬الذي‭ ‬يتقابل‭ ‬عكسياً‭ ‬مع‭ ‬نصِّ‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ (‬فكِّر‭ ‬بغيرك‭) ‬ويحمل‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ربما‭ ‬مغايرة‭ ‬لرسالته،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعارضها‭ ‬أو‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬يتحداها،‭ ‬بل‭ ‬يعزف‭ ‬نبضاته‭ ‬الشعرية‭ ‬والفكرية‭ ‬بالتوازي‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬مسيرة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬كل‭ ‬الألوان‭ ‬والأطياف‭ ‬والتوجهات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬وإن‭ ‬تفاوتت‭ ‬الأدوات‭ ‬والأساليب‭ ‬ودلالاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬وغاياتها‭ ‬المتعددة‭ ‬أو‭ ‬المتباينة‭ ‬أحياناً‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬بوصلة‭ ‬قصيدة‭ (‬فكِّر‭ ‬بغيرك‭) ‬للشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬تتجه‭ ‬مباشرة‭ ‬لمخاطبة‭ ‬الإنسان‭ ‬صراحةً،‭ ‬فإن‭ ‬نصَّ‭ (‬فكِّر‭ ‬بنفسك‭) ‬للشاعرة‭ ‬حنان‭ ‬محفوظ‭ ‬يخاطب‭ ‬الإنسان‭ ‬أيضاً،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يتجاوزه‭ ‬مدايات‭ ‬بعيدة‭ ‬نحو‭ ‬غيره‭ ‬سواء‭ ‬الفردي‭ ‬الدلالي‭ ‬أو‭ ‬الايحائي‭ ‬الرمزي،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬يظل‭ ‬نصاً‭ ‬عذباً‭ ‬رقيقاً‭ ‬تستوطنه‭ ‬جماليات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬بواطنه‭ ‬وأنغامه‭ ‬المعوفة‭ ‬بإتقان‭ ‬وحرقة‭ ‬وقلق‭ ‬ومحبة‭ … ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الشعر‭ ‬الحقيقي‭.‬

شاهد أيضاً

«اذهبي أنت بنت جدتك»

‭ إشراف :منى أبو عزة  ‬س‭.‬ع‭ .. ‬صيدلانية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصيدليات‭ ‬وتتعرض‭ ‬للظلم‭ ‬وعدم‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *