مــن بحـر الألـم.. إلـى صحـــراء الأمــل
البرزخ الأسود
في البحر لا توجد فقط الحيتان واسماك البحر، فكثير ما تكون المقابر الطافية.
ففي كل مرة يتكرر المشهد التراجيدي ذاته، ويلدغ البؤساء من نفس البحر أكثر من مرة، ومن مرتين.
انه البرزخ الكارثي الأسود الممتد من جغرافيا الألم، بكل تفاصيله المزعجة، وإلى جغرافيا الأمل، بكل امتداد
وجبات من آلاف الموتى الأفارقة، تتفرق أرواحهم بين قبائل الضمير الدولي المصاب بالسكتة الأخلاقية، وبين الحيتان.
وهكذا يكون مصير الحالمون في قوارب التايتانيك المتهالكة، ليذهبوا في سرداب النسيان .
وترحل آلاف النعوش العائمة،ممن تكسرت بهم أحلامهم ،ومجاديفهم بين صمتين، معلقين على رقبة المجهول؟
هل نكتفي بتجريم باعة الموت (بالقطاعي)، ونلبسهم وحدهم هذه الجريمة الجنائية، والإنسانية، والأخلاقية، دون أن ننتبه أن هناك تجار للموت بالجملة؟
الأفارقة الذين يقطعون تذاكر سفر بلا عود إلى الموت، على تصور أن مراكبهم ستأخذهم إلى بر الأحلام، هم ضحية خدعة بصرية أو بصرية ،دفعتهم ليضعوا كل حسن ظنهم في المستودع الأخلاقي للعالم الغربي.
من مشروع موت إلى مشروع حل
نقولها وبوسعنا أن نعيدها: ليس بحسن الظن أو بحسن النية وحدها يحيا الإنسان.
يتصور المهاجرون الأفارقة أنهم يركضون نحو الحياة، ولكنهم يمضون إلى الموت في رحلة الشقاء والفناء.
لهذا ففتح حوار حول دوسيه تدفق المهجرين بين دول المصدر ودول الممر، ودول المقصد، مهم جدا، وينبغي ان يكون صريح جدا.
المجاملة والتجميل لا يتناسب مع آلاف الشباب الذين يتحولون إلى مشاريع موتى، وهم يتصورون أنهم وراء مشاريع حياة.
وقد نحتاج إلى مأسست هذا الحوار الدولي في منتدى للهجرة عبر المتوسط وتطويره إلى أكبر من المصالح السياسية.
دوسيه الهجرة لا ينبغي التعامل معه كملف أمني، لأنه يشمل ما هو إنساني، واجتماعي، واقتصادي، وسياسي أيضا.
الآن نحتاج إلى معالجات حقيقية تستهدف الأسباب ولا تقف عند الإعراض، ولحل المشكلة، لا إدارة تداعياتها.
الغرب والى الآن مازال يبكي بدموع من سراب، هو نفسه الذي أرتكب أكبر جريمة ترنسفير في التاريخ، حينما بشحن ثروات هائلة من الجنوب إلى الشمال ،ليراكم الثراء في النصف الشمالي والشقاء في الجنوبي.
عملية النهب الممنهجة سواء بالإكراه ،أو بالمخاتلة خلال الحقبة الكولنيالية، تم تجييرها بمنطق الوصي الشمالي والقاصر الجنوبي ،ولكن الذي انتحل شخصية الوصي كان مجرد لص محترف.
آليات روشيتة العلاج
مشروع إعمار دولي على غرار مشروع مارشال لتحسين جودة الحياة في دول جنوب الصحراء، هو الحل الأمثل.
صندوق دولي لتنمية دول المصدر، أرقام مساهمات، آليات عمل، ومفردات تنقل القضية من كلمات انشائية، إلى عمل وإنشاءات.
فتح موضوع الهجرة الشرعية واستنزاف الرأسمال البشري في دول جنوب المتوسط، قبل موضوع تدفق الهجرة غير الشرعية لدول شماله.
ليكن البحر الأبيض المتوسط، بحيرة سلام، وتعاون، وتلاقح حضاري وليس البحر الأبيض المتوحش، والذي تحول إلى مقبرة مائية للقبور العائمة.
أكثر من ثلثي عدد المهاجرين يعبرون إلى جنوب أوروبا انطلاقا من السواحل الليبية وايطاليا هي الوجهة لثلاثة أرباعهم.
تراجع عدد المهاجرين إلى أوروبا في الوقت الذي ارتفعت فيه نسب الموت في هذه الرحلات حسب تقرير لمفوضة الاجئين.
بلغ عدد الجنسيات التي ينتمي إليها المهاجرين والذين يقصدون اوروبا عبر ليبيا أكثر من اربعين جنسية.
أغلب جهود مكافحة الهجرة تنصب في منطقة سواحل البحر المتوسط بينما جهود لا تذكر في منطقة مصادر الهجرة.
ارقام صادمة تظهر كل مرة عن عدد ضحايا الهجرة خلال عبورهم البحر بينما لا تتوفر أي ارقام عن ضحايا عبور الصحراء.
كل الكلام عن الهجرة غير الشرعية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة بينما لا أحد يتكلم عن هجرة العقول والرأس مال البشري.
عدد كبير من المنظمات الإنسانية التي تستقبل المهاجرين غير الشرعيين يشتبه في أنها مجرد واجهات لمافيا تهريب البشر.