الرئيسية / موضة / محليات / ذئب اللغة!..

ذئب اللغة!..

حسام الوحيشي 

شخصياً،‭ ‬لا‭ ‬أعتبر‭ ‬‘‘جمال‭ ‬الزائدي’’‭ ‬صحفياً‭ ‬أو‭ ‬إدارياً‭ ‬بارزاً‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أتعامل‭ ‬معه‭ ‬كمثقف‭ ‬وكاتب‭ ‬يقدم‭ ‬منظومة‭ ‬ذهنية‭ ‬تنضوي‭ ‬ضمن‭ ‬الباقات‭ ‬الأكثر‭ ‬تماسكاً‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية‭. ‬وبسبب‭ ‬اقتراب‭ ‬نصه‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬وعدم‭ ‬ابتعاده‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬صداقتنا‭ ‬اللطيفة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يؤذها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أسميه‭ ‬تجاوزاً‭ (‬تناقضاتنا‭ ‬الفكرية‭) ‬مع‭ ‬ابتسامة‭ ‬خفيفة،‭ ‬لهذا‭ ‬وزيادةً‭ ‬تهمني‭ ‬جداً‭ ‬سطوره‭ ‬رغم‭ ‬فترات‭ ‬الانقطاع‭.‬

عندما‭ ‬ارتكب‭ ‬جمال‭ ‬مقالة‭ ‬‮«‬الكمبرادور‮»‬‭ ‬وجيّرها‭ ‬بالكامل‭ ‬لهجاء‭ ‬المرتهنين‭ ‬للغرب‭ ‬رغم‭ ‬إمكانية‭ ‬المصطلح‭ ‬لتناول‭ ‬المصابين‭ ‬بحالة‭ ‬الرضوخ‭ ‬للشرق،‭ ‬ألحت‭ ‬عليّ‭ ‬الرغبة‭ ‬لأقرأ‭ ‬رأيه‭ ‬في‭ ‬‮«‬الكمبرادور‮»‬‭ ‬بصيغة‭ ‬الجمع‭. ‬فالرأسمالية‭ ‬وليبراليتها‭ ‬ليست‭ ‬اللاعب‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الوطني،‭ ‬وآثار‭ ‬النظرية‭ ‬الأوراسية‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬متأمل‭ ‬ذي‭ ‬قامة‭ ‬فارعة‭ ‬كالزائدي،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يتقصد‭ ‬القفز‭ ‬عليها‭ ‬ويتخطاها‭ ‬لأغراض‭ ‬في‭ ‬جمجمته‭. ‬

سأخبركم‭ ‬أنّني‭ ‬كتبت‭ ‬نصاً‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لاذعاً‭ ‬لاستفزازه‭ ‬على‭ ‬التوغل‭ ‬وتعميق‭ ‬الطرح،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬سيلاً‭ ‬من‭ ‬الجمل‭ ‬التي‭ ‬تبرر‭ ‬الوثبة‭. ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬كنت‭ ‬سأستفيد‭ ‬وأتعرف‭ ‬على‭ ‬كينونة‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬من‭ ‬زاويته‭ ‬المضمخة‭ ‬بالثراء‭. ‬لم‭ ‬أنشر‭ ‬مقالي‭ ‬الحاد‭ ‬الذي‭ ‬عنونته‭ ‬‮«‬بتشريح‭ ‬الكمبرادور‮»‬،‭ ‬ولكنني‭ ‬نشرت‭ ‬نسخة‭ ‬مطلسمة‭ ‬تدندن‭ ‬حوله‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬إثارة‭ ‬سخط‭ ‬‮«‬اللعين‮»‬‭. ‬نعم،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع،‭ ‬فأنا‭ ‬أراعي‭ ‬أحاسيس‭ ‬من‭ ‬يهمني‭ ‬أمر‭ ‬مشاعرهم‭ ‬أحياناً،‭ ‬وهذه‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬يلمع‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬البرق‭ ‬في‭ ‬سمائي‭ ‬المكفهرة‭.‬

اليوم‭ ‬قرأت‭ ‬مقالاً‭ ‬جديداً‭ ‬للأستاذ‭ ‬جمال‭ ‬الزائدي‭ -‬رفع‭ ‬الكلفة‭ ‬قد‭ ‬يزعجه‭- ‬أنا‭ ‬أفرط‭ ‬في‭ ‬المراعاة،‭ ‬هذه‭ ‬أعراض‭ ‬خطيرة‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تتطور‭. ‬لنعد‭ ‬من‭ ‬المسارات‭ ‬الجانبية‭ ‬إلى‭ ‬نصه‭ ‬‮«‬كم‭ ‬نبعد‭ ‬عن‭ ‬واحة‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭. ‬الأسلوب‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يدون‭ ‬به‭ ‬جمال‭ ‬مقالاته‭ ‬ليس‭ ‬موجهاً‭ ‬لجمهور‭ ‬اللغة‭ ‬البيضاء‭ ‬الذي‭ ‬تغزل‭ ‬لهم‭ ‬الصحف‭ ‬مادتها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭. ‬إنه‭ ‬يخاطب‭ ‬شريحة‭ ‬تستطيع‭ ‬استيعاب‭ ‬ما‭ ‬اختزله‭ ‬في‭ ‬جمل‭ ‬فخمة‭ ‬ترسم‭ ‬صورة‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭. ‬فهو،‭ ‬كما‭ ‬أعرف،‭ ‬قارئ‭ ‬نهم‭ ‬يضع‭ ‬الناقد‭ ‬أمامه‭ ‬عندما‭ ‬يناقش‭ ‬موضوعاً‭ ‬ويخمد‭ ‬النار‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تشتعل‭ ‬بمآلات‭ ‬للفرار‭ ‬العاجل‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يحاصر‭. ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬ما‭ ‬أدغمه‭ ‬ببساطة‭. ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أصبح‭ ‬فطرياً‭ ‬لديه‭ ‬وليس‭ ‬تربصياً‭. ‬فن‭ ‬التنزه‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬مع‭ ‬تفادي‭ ‬فخاخ‭ ‬الصياد‭ ‬حصاد‭ ‬مران‭ ‬قديم‭. ‬

المقصد‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬أرغفة‭ ‬الكاتب‭ ‬الساخنة‭ ‬ليس‭ ‬إرغامه‭ ‬على‭ ‬البوح،‭ ‬بل‭ ‬التلذذ‭ ‬بأفكاره‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬والذهاب‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تريد‭. ‬لن‭ ‬أقدم‭ ‬سردية‭ ‬مناقضة‭ ‬هنا‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬متاحة،‭ ‬ولكن‭ ‬سأستفهم‭ ‬فقط،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينبس‭ ‬به‭ ‬صديقي‭ ‬العزيز‭: ‬‮«‬ما‭ ‬هي‭ ‬آلية‭ ‬الحكم‭ ‬التي‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الليبي؟‮»‬‭ ‬أعني‭ ‬القيم‭ ‬النسبية‭ ‬التي‭ ‬تعليها‭. ‬ضع‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬استخلصته‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬وفق‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬التاريخي‭ ‬الراهن‭.‬

الإجابة‭ ‬حسب‭ ‬الأستاذ‭ ‬جمال‭ ‬الزائدي‭ ‬في‭ ‬مقاله‭: ‬توجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ (‬بنْية‭ ‬اجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأبوية‭) ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬ذلك‭ (‬نخبة‭ ‬منبهرة‭ ‬تتعمد‭ ‬ترسيخ‭ ‬السديمية‭ ‬أو‭ ‬مصابة‭ ‬بالجهل‭). ‬ولكن‭ ‬الممارسة‭ (‬الديمقراطية‭) ‬ضرورة،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ (‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الليبية‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭).‬

تناقضات‭ ‬يفرضها‭ ‬النص‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬سياقه‭. ‬هل‭ ‬يقول‭ ‬جمال‭: ‬إنّ‭ ‬الضرورات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬غير‭ ‬ضرورية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬لأنّ‭ ‬النخبة‭ ‬لا‭ ‬تعي‭ ‬أنّ‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وبدائية‭ ‬أبوية؟‭ ‬هذا‭ ‬جليّ‭ ‬وغير‭ ‬قابل‭ ‬للتفسير‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬مع‭ ‬محاولاتي‭ ‬العديدة‭ ‬الفاشلة‭ ‬لليّ‭ ‬عنق‭ ‬السطور‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭.‬

عزيزي‭ ‬جمال،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأخرى‭ (‬آلية‭ ‬الحكم‭) ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المعضلة‭ ‬الليبية؟

لماذا‭ ‬كتبت‭ ‬مقالك؟‭ ‬هل‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬الانتظار‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬ديمقراطية؟‭ ‬لا‭ ‬بأس،‭ ‬ماذا‭ ‬نفعل‭ ‬كنخبة‭ ‬واعية‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك؟‭ ‬هل‭ ‬نستمر‭ ‬في‭ ‬استزراع‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬ترفضها‭ ‬الحقيقة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتفرضها‭ ‬الحقيقة‭ ‬السياسية،‭ ‬وننضم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬السديميين‮»‬‭ ‬والجهلة‭ ‬المنزعجين‭ ‬من‭ ‬التباين‭ ‬كما‭ ‬نعتهم؟

هل‭ ‬ستقول‭ ‬أنّك‭ ‬تلتقط‭ ‬صورة‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬وتصف‭ ‬ما‭ ‬احتواه‭ ‬الكادر؟‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬‮«‬دجيم‮»‬‭!‬

حدثنا‭ ‬بتواضع‭ ‬لا‭ ‬بلاغة‭ ‬كارثية‭ ‬تشوبه،‭ ‬انزل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬برجك‭ ‬النخبوي‭ ‬السامق،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬تراعي‭ ‬تجربتنا‭ ‬البسيطة‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬الذهن‭ ‬العالي‭. ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بالنص‭ ‬وأنت‭ ‬تحفره،‭ ‬ساعدنا‭ ‬في‭ ‬تهجي‭ ‬أبجدية‭ ‬المواربات‭ ‬والمجازات‭ ‬والاستعارات‭ ‬و»بنات‭ ‬آوى‮»‬‭. ‬يا‭ ‬ذئب‭ ‬اللغة،‭ ‬اذهلنا‭ ‬ببراثن‭ ‬لا‭ ‬مخمل‭ ‬يغلف‭ ‬قساوتها‭ ‬القاتلة‭!‬

شاهد أيضاً

وفي الخارج أحاطوني بالترحاب والتقــدير!

في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬انطباعاً‭ ‬مختلفاً‭ ‬عن‭ ‬تصاميمها‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬أعجبتني‭ ‬وكانت‭ ‬دردشتنا‭ ‬تتحول‭ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *