زينة محمد العاصي
لأصبح أول امرأة تنتخب عميداً للبلدية
شهد ملف تمكين المرأة الليبية تقدماً هائلاً عبر العديد من الامتيازات غير المسبوقة ، فلم يعد هناك سقف لطموحها لا سيما في ظل وجود إرادة سياسية مساندة .. وعلى مدى السنوات الأخيرة فُتحت للمرأة آفاقا جديدة لم تتح لها من قبل ، مهدت لها الطريق لمشاركة واسعة النطاق في كافة القطاعات ، ورغم أن العادة جرت في ليبيا على أن من يتولى قيادة البلديات هم من الرجال إلا أن زواره تلك المدينة الصغيرة التي تبعد عن العاصمة طرابلس حوالى 120 كم غرباً كسرت القاعدة … فها هي زينة محمد العاصي تنال شرف أول سيدة تشغل عميداً لبلدية زواره التقيناها لنسجل معها هذا اللقاء.
التقتها: آمنــة رحومــــة
حدثينا عن بداية زينة العاصي؟
– هناك العديد من المراحل الانتقالية التي مررت بها في حياتي، فقد تخرجت عام 1981 لأعمل في مجال تخصصي كمعلمة لطلبة الإعدادي، ولكني لم أكتف بذلك بل واصلت دراستي بعد زواجي وكانت عائلتي،و زوجي وأولادي هم المشجعين والداعمين لي، منهم امتلكت قوة العزيمة والإصرار على الاستمرار في رحلة العلم، وباجتهادي ومثابرتي تمكنت من إنهاء الدراسة الجامعية لأحصل على البكالوريوس عام 1997م.. من كلية الآداب زوارة – فرع جامعة الزاوية، لكن الشغف الذي كان بداخلي جعلني أقرر مواصلة دراستي لنيل شهادة الماجستير في تخصص اللغة الانجليزية عام 2006م.. وهو ما جعلني أمتلك خبرةً في المجال الذي أحببت.
توليتِ عديد المناصب الإدارية والآن تعملين كمستشار في شؤون المرأة بالمجلس البلدي زوارة فأين وجدتِ نفسكِ ولماذا؟
– نعم عملت في العديد من المناصب الإدارية، منها تقلد منصب عميد سابق لبلدية زوارة، ومستشار وعضو عن كرسي المرأة و مدير وحدة تمكين ودعم المرأة بالبلدية حالياً.. وأصدقك القول بأني وجدت نفسي في كل عمل قمت به، فأنا عندما أصبحت معلمة لم أكتفِ بذلك بل عقدت العزم على مواصلة التعلم برغبة جامحة وتلك الرغبة الصادقة جعلت مني أستاذة ثم أكاديمية.. وبالتالي أعطي لأبنائي وبناتي الطلبة الذي أقوم بتدريسهم وتعليمهم كل ما أملك من جهد لكي يستفيدوا من ذلك عند تخرجهم و دخولهم سوق العمل.. أما الآن فأنا أجد نفسي مستشارة للمرأة في المجلس البلدي زوارة.. وأتمنى أن أضع بصمة تساهم في التطور في المجالات المختلفة والتي تعمل بها المرأة.
هل أنتِ أول امرأة ليبية تنال منصب عميد لبلدية في ليبيا أم أن المنصب كان حكراً على زوارة وحدها ؟ومتى كان ذلك ؟
– لا أنا لست أول عميد في ليبيا، بل كنت أول امرأة تتولى منصب عميد بلدية في بلدية زوارة فقط.. وقد كان ذلك عام 2021
كيف كانت ردة فعلكِ عندما تم اختيارك لمنصب عميد بلدية زوارة وخاصة أنكِ أول امرأة تتقلد مثل هذا المنصب؟
– كل خطوة نخطوها في الحياة يوجود فيها الكثير من المتاعب والتحديات، أما عن كوني أول سيدة تتقلد منصب عميد بلدية لزوارة فإنني أعتقد أنها مسؤولية وأمانة وحمل ثقيل.. ولكن بفضل الله تمكنت من تسيير العمل بطريقة سهلة، وهذا لم يكن ليحدث لولا وجود الأشخاص الرائعين الذين كانوا يعملون بجد وصدق في البلدية.
هل مررتِ خلال مسيرتك العملية بالمشاكل؟
– أؤكد لك بأني كأم لديَّ مسؤوليات كثيرة منها الاهتمام بالزوج وتربية الأبناء وحضور المناسبات الاجتماعية والعملية والعلمية، لذا الأمر لم يكن سهلاً أبداً، فقد خضت الكثير من التجارب والتحديات وواجهت عديد الصعوبات سواءً أثناء فترة عملي كمعلمة في عديد المدارس أو عندما التحقت بالجامعة ووصولاً إلى مرحلة دراسة الماجستير، حيث إنه بعد تفوقي تم ترشيحي لإكمال دراسة الدكتوارة، وأيضاً تم إدراج اسمي في قائمة الذين سيتم ايفادهم للدراسة بالخارج ولكن للأسف الشديد لم يتم تنفيذ هذا الإجراء. ولكن ذلك لم يزدني إلا قوة ورغبةً وشغفاً وثقةً بنفسي وإصراراً لإكمال المشوار الذي بدأته.
كيف تم انتخابكِ؟
المرأة الأمازيغية امرأة قوية ذات شخصية مستقلة
– استمريت في أداء عملي في مجال التعليم بكل إخلاص لمدة أربعين عاماً.. حيث مكنتني هذه المهنة من الحصول على الخبرة العملية في عديد المجالات، وكنت أطور نفسي بالقراءة التي أعتبرها غذاء العقل، إلى أن جاء موعد الانتخابات البلدية، وأرى أنه كان انتخاباً شعبياً صادراً من قاعدة شعبية، والحمد لله فزت بلقب أول عميد إمرأة للبلدية بنتيجة ساحقة باكتساح أكبر عدد من الأصوات، وكنت راضية على نفسي إلى حد معقول، لأني عملت بجد وحاولت تقديم المساعدة التي كان يتمناها المواطنون الذين وضعوا فيّ الثقة.
ما هو أصعب موقف مررتِ به خلال مسيرتك العملية؟
– هناك العديد من المواقف الصعبة التي مررت بها، ولكن أعتقد أن أصعب موقف عشته هو نيل ثقة مواطني زواره وإنتخابي عميداً للبلدية ثم عضواً عن كرسي المرأة إلى أن أصبحت مستشاراً للبلدية ومديراً لمكتب دعم وتمكين المرأة ، والإهتمام بتسهيل مصالح المواطن العادي الذي يخشى تكرار مشهد خذلان المسؤول« فكل من سيتم إنتخابه حسب رأي الشارع لن يقدم شيئاً مثله مثل الذين سبقوه»
إذاً أخبرينا كيف تجاوزتِ مثل هذه المواقف؟
– أنا شخصياً تجاوزت هذا الأمر عن طريق سياسة الاحتواء وتحمل غضب الناس وردود الأفعال التي قد تصل لما لا تتخيلينه من الاعتداءات اللفظية غير المسموح بها، والحمد لله وبفضله وكرمه، تمكنت من الوقوف مع هؤلاء الناس في أصعب المواقف والظروف لحل عدد من المشكلات منها ما يتعلق بالمرتبات أو القضايا الاجتماعية، أو الربط بينهم وبين مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بخدمة المواطن أو الجهات المختصة كشؤون الزكاة أو الشؤون الاجتماعية و الضمان و التضامن أو بعض القطاعات التي تحدث فيها مشاكل.. ومن خلال تواصلنا معهم يتم الحل من طرفنا ومثال على ذلك قطاعي التعليم والصحة وبعض القطاعات الأخرى، وعملي ليس مقتصراً على حل مشاكل النساء فقط بل حتى مشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى الأورام والعقم وفئة الشباب والأطفال والرجال، لأنه عندما تم انتخابنا لم ننتخب لنخدم شريحة واحدة ولم يكن توجهنا للنساء لنخدم شؤون المرأة فقط بل على العكس تماماً، كنا نحضر ونشارك في اجتماعات خاصة بالبنية التحتية وغيرها من الاجتماعات، كما كنا نقوم بتجهيز بعض المشاريع والفضل لله قبل كل شيء ثم لأعضاء المجلس والعمداء الذين كانوا يعاملونني معاملة أخت لهم في المجلس وكأم للأعضاء الأصغر مني سناً، وبتعاوننا الجاد تمكنا من حل الكثير من المشاكل.
ما هو الانجاز الذي حققته زينة العاصي حين توليها منصب عميد لبلدية زوارة ؟ على سبيل المثال المشاكل الدائمة جراء الفوضى والازدحام والبيروقوراطية في منفذ رأس اجدير الذي تديره إدارياً مدينة زوارة؟
– أعتقد أن منفذ رأس اجدير هو ملك للدولة الليبية واقع تحت إشرافها مثله مثل كل المنافذ الحدودية و مسألة الازدحام والفوضى تتفاوت على مدار العام ، وكل منا يعمل حسب موقعه و لأجل ليبيا.
– هل تم تشجيع المشاريع الصغرى في المدينة وحل مشكلة البطالة فيها.
منفد رأس إجدير هو ملك للدولة الليبية وأي مختنقات نتشارك في حلها
– بالنسبة للمشاريع الصغرى قمنا بإعداد خطة لإقامة المعارض الخاصة بالنساء العاملات بشكل متسلسل منتظم وذلك لعرض مشاريعهن الصغرى. ومن ضمن تلك المعارض المعرض الأول لسيدات بلدية زوارة الذي تمت إقامته يوم 11/6/2023، والمعرض الثاني كان بتاريخ 31/12/2023.. كما قمنا أيضاً بمعرض خاص بمناسبة رأس السنة الأمازيغية لدعم المرأة، بالإضافة إلى إقامة عديد الدورات التدريبية في (الخياطة والتطريز، والمعجنات والحلويات، والإكسسوارات، والديكورات المنزلية، والصناعات والخزف، والكروشيه والصوف)، وكل ذلك لدعم المرأة وجعلها قادرة على العمل بجد لمواجهة كل التحديات و العراقيل التي تعترض طريقها.
كيف تصفي لنا المرأة الأمازيغية.؟
– الحديث عن المرأة الأمازيغية يطول.. فالمرأة الأمازيغية عبر التاريخ هي المرأة الحاكمة والقيادية والداعمة لزوجها، وتربي أبناءها على الأخلاق النبيلة والشجاعة والثقة بالنفس وحب الخير.. كما أنها متمسكة بتراثها وثقافتها ولغتها والدليل على ذلك أن كل مناسباتنا الاجتماعية مهما طرأ عليها من تغيير وتطوير إلا إنها لازالت تحافظ على العادات والتقاليد المتأصلة من جذرونا المتمثلة في الأكل والزي الشعبي المتميز وغيرها من العادات والتقاليد الجميلة.. وبالتالي فإنني أؤكد بأن السيدة الأمازيغية سيدة قوية ذات شخصية مستقلة وأكبر مثال على ذلك أن وزير الدولة لشؤون المرأة أمازيغية الجذور أباً عن جد، ولله الحمد فهي خير من يمثل المرأة الأمازيغية من حيث اللباقة الدبلوماسية.
كلمة نختم بها لقاءنا ؟
– أود أن أشكر جميع أعضاء المجلس البلدي بزواره لما لقيته من ترحاب واحترام أثناء عملي معهم كعميد وممثل للمرأة بزواره وأنا بدوري أباءلهم ذات الشعور ، ونصيحتي لكل إمرأة أن تثابر وتتجاوز التحديات لتحقيق أهدافها المرجوة .