الفارس الليبي الوحيد الحائز على ذهبية في سباق بأوروبا
“عادل القيادي”
سنة 218 مخر “حن بعل” بأفياله عُباب البحر المتوسط نحو أوروبا، حاملاً آمالاً في مفاجأة روما وكاتباً الفصل الأبرز في الحرب البونية، وهذا العام شدّ من الجنوب المتوسطي فارسٌ ملؤه الطموح الرحال إلى القارة العجوز، مفسحاً المجال أمام الفروسية الليبية كي تجد موطئ قدم في الخارطة العالمية.
رحلتان بينهما 1800 عام ويزيد، وتباينات لا حصر لها، بيد أنهما يتقاطعان في الرغبة الجامحة في طرق أبواب نجاح غير اعتيادية، والإيمان بأن المستحيل مجرد “عبارة زائدة عن قاموس الأبطال”.
الفارس “عادل محمد القيادي” لا يفتأ يصل الليل بالنهار في التدريب من أجل حصد التألق تلو التألق، يهب حياته للفروسية، فمنذ مطلع الفجر، ووسط أنفاس الخيول يرى أن عالم المجد ما يزال يفتح ذراعيه لمن يريد.
مناف بن دلة
خالفت أوامر المدرب

فتوجت في مضمار “دوفيل” الفرنسي
مسيرته خليط من الإرادة والشغف البالغ حدّ التتيّم، والعزيمة التي لا تنكسر، ودافعه عشقٌ للخيل وسباقاتها نما في الفؤاد منذ الطفولة، لتصبح المعجزات في حضرته “واقعاً”، ويستحيل التوقف ستّ سنوات عن امتطاء الصهوات منطلقاً لانتصارات تالية.
أما الخيل فهي أكثر من مجرد شريك، هي رفيقٌ تعزف معه أجمل السيمفونيات على المضامير، وتصبح تحت زمام “الجوكي” رجلاه في الركض رجل، واليدان يد، وفعله ما تفعل الكف والقدم.
في هذا الحوار يفتح الفارس “عادل القيادي” قلبه لـ«الليبية»، متحدثاً عن محطاته الاستثنائية وقصة صعوده من مخاضات الألم إلى القمة، وتصوره لواقع الفروسية الليبية، حيث يتطرق إلى الطفرة التي تعيشها سباقات الميادين، في ظل دعم كبير تناله عبر إسطبلات “غرغار” – التي أخذت بيده نحو العالمية – و”ذات الرمال” و”الليث” وغيرها، والمآلات المستقبلية المتوقعة للعبة.
حققتم انتصارات لافتة في الموسم الحالي.. أربعة ألقاب في الجولة الـ35 وخمسة في الـ15.. ما سرّ هذا التألق الكبير؟
كأي فارس، لا يمكن أن يكون النجاح الذي أُصيب مجرد بطولة “مارفيلية” مني، بل نتاج تعاون مشترك بيني كفارس والخيل والمدرب.
وهذا الموسم كسابقاته، عنيتُ جيداً بالخيل التي أمتطي، وحرصتُ رفقة المدربين على أن تكون بكامل جاهزيتها صبيحة السباق، وبالإصرار والتركيز والتوفيق يصير الحلم واقعاً.
الإصابة الخطيرة والابتعاد عن امتطاء الصهوات 6 سنوات لن تكون كافية لانتزاعي من عشق السباقات
معادلة الفوز ثلاثية في سباقات الخيل، معاملاتها الفارس والفرس والمالك.. برأيكم أي من هذه العوامل هو الأبرز والقادر على ترجيح الكفة؟ وهل ترى أن جهود الفارس تتوارى خلف التغني بإمكانات الفرس في جلّ وسائل الإعلام المهتمة بالفروسية؟
الفروسية أشبه بلوحة لا تكتمل من دون كل ألوانها، فالفارس هو اليد التي تمسك بالريشة، لكنه يحتاج إلى رؤية المدرب، والخيل التي تمثل الألوان، وتوفير الثقة بين الثلاثة أمر لا مندوحة منه لحصد النجاح.
أما بالنسبة للتعامل الإعلامي، فصراحة أرى أن الإعلام الليبي متوازن في تعاطيه، ولطالما كال المديح للفرسان الأبطال، على العكس من الإعلام الخارجي الذي يركز على مواصفات الخيل المشاركة.

هناك طقوس بعينها للجوكي يقدم عليها قبل التجهيز للسباقات تتضمن تدريبات معينة ومعايير صارمة.. هلا أضأتم عليها؟
يوم الفارس يبدأ مبكراً، فمنذ الساعة الرابعة فجراً ننزل الميدان، وكل مدرب له برنامجه الخاص، فبعضهم يطالب بالتمرن مع الخيل لمسافات محددة “800 أو 1000 متر مثلاً”، وآخرون يتركون للفارس العنان.
أما التدريب خارج الميدان فلا نجده عندنا، لاسيما وأن التدريب مع الخيل “أحياناً نمتطيها 30 مرة يومياً” يستنزف طاقات الفارس.
كيف تتعامل يوم السباق مع الضغط النفسي الناجم عن المنافسة الشديدة في عشرة أشواط وضغط الجمهور؟
بالنسبة لي أتعامل معه بهدوء وكأنه يوم عادي، أؤمن بأن المنافسة تتضمن الفوز والخسارة، وبقدر ما أفرح بالأولى أتقبل الثانية بصدر رحب، ولعمري إن هذه المقاربة هي الأنجع.
كتبتم اسمكم بأحرف من ذهب في سبتمبر الماضي عندما صرتم أول فارس ليبي يحرز ذهبية في المضامير الأوروبية – تحديداً في سباق دوفيل بفرنسا – حدثنا عن شعوركم في حينها؟
كانت لحظة تختصر عمراً من الحلم، لعب فيها الإصرار والتوفيق دوراً كبيراً.
يومها، لم أكن المرشح الأول، الفرس التي أمتطي صنفت خامسة، والمتابعون توقعوا أن أحل عاشراً، بل إن المدرب نصحني بالتمسك بالمركز الخامس فعلاً.
لكن عندما انطلقت، شعرت أن الريح تدفعني، سرى الأدرينالين في شراييني وقررت مخالفة أوامر المدرب، لأحقق المستحيل وأظفر بسباق السرعة ذاك.
كثيرون ممن يتابعون هذه السباقات لماماً يسارعون لعقد مقارنات بينها وبين تلك التي تُجرى في الدول الخليجية، لاسيما إمارة دبي.. وقد كانت لكم مشاركة في دبي وفرنسا.. هلا رصدتم أهم الفوارق بين تلك السباقات والتي تُنظم في ليبيا، وهل يمكن أن يأتي يوم نبلغ فيه تلك المرحلة من التنظيم العالي؟

اسطبلات “غرغار” و”ذات الرمال” و”عكارم” و”الليث”
فتحت أبواب التألق أمام سباقات الميدان
وأخرجتها من عباءة فروسية قفز الحواجز
الفوارق واضحة.. في الخارج هناك نظام صارم، وأرضية مثالية تحافظ على سلامة الخيل والفارس، ولكل فارس مساره، ولا مجال للمضايقة أو العشوائية.
أما في ليبيا، فالوضع يتحسن، لكننا بحاجة إلى تطوير الأرضية وتنظيم الميدان، فالأرضية هي سرّ تميز سباق عن غيره.
ما نوع السباقات التي تفضّلها؟
أحب سباقات المسافات المتوسطة، ما بين الميل والميل وربع الميل، أي نحو 2000 متر.
تلك المسافات تسمح للفارس بأن يوظف إمكاناته ويظهر مقدرته، بينما يكون اللاعب الأبرز في سباقات السرعة إمكانات الخيل بالدرجة الأولى.
وإن سألناك: كيف ترى واقع الفروسية الليبية في المشهدين العربي والعالمي, فبماذا تجيب ؟
تنظيمياً ما يزال أمامنا الكثير، لكنني أؤمن بقدرتنا على التقدم، لاسيما وأن شغف الليبيين بالخيل استثنائي.. هناك الفروسية صناعة، أما عندنا فشغف وتيمم، إذ تجد أحدهم ينفق بسخاء على الخيل لأنه يحبها ولا يرتجي من ذلك فوزاً أو مكسباً، بل هو إرضاء لشغفٍ يملؤه واتباعاً لعادات الأجداد.
تستعد لمشاركة جديدة في المغرب.. حدثنا عنها؟
سأشارك في الـ23 من نوفمبر في كأس الإمارات المقرر إجراؤه بالمغرب، رفقة الجواد “الزير” التابع لإسطبلات “غرغار”، وأتمنى أن أرفع اسم ليبيا عاليًا.
لنعد إلى البواكير.. كيف كانت، ومتى أحسست أنك خُلقت لتكون فارساً؟
الفروسية تسري في دمي، فهي إرث عائلتنا، ومنذ طفولتي أمتطي صهوة الجواد، ولم تحل إصابة قوية تعرضت لها سنة 2013 دون أن أستمر فارساً.
توقفت حينها ستّ سنوات، بيد أن عودتي تزامنت مع تحقيق الانتصارات الكبرى.
بعد كل هذه التجارب.. ما هو طموحك القادم؟
مواصلة النجاحات، كما أتمنى أن أكون من بين أقوى ملاك الخيل في ليبيا، وأن أُسهم في بناء مستقبلٍ مشرق للفروسية الميدانية.
ختاماً.. لابد أنكم لاحظتم التطور الحاصل في سباقات الميادين في بلادنا، والتي نجحت مؤخراً في الخروج من عباءة فروسية قفز الحواجز.. أترى أن مردّ ذلك الدعم الذي تحصلت عليه مؤخراً؟ وهل تعتقد أنها قادرة على المضي قدماً لتلامس العالمية؟
بالتأكيد، النجاحات رهينة الدعم المادي والتغطية الإعلامية، وبعد أن استأثرت فروسية قفز الحواجز بالاهتمام، جاء الدور على سباقات الميادين، وهي الأقرب لموروثنا الشعبي وصاحبة الشعبية الأكبر.
بفضل إسطبلات مثل “غرغار” و”ذات الرمال” و”عكارم” و”الليث” وغيرها، خطت سباقات الخيل بسرعة وطفقت تحقق الإنجازات وتجذب اهتمام المتابعين من كل حدبٍ وصوب، وذلك ما تستحق عليه هذه الإسطبلات جزيل الشكر.
Share this content: