جيل زد .. تحوّل صراع الأجيال إلى فجوة وعي
رزان نعيم المغربي
أثناء مكالمة مع شقيقتي في طرابلس، قالت لي ضاحكة: «بدأت أتعلم من أولادي كيف أواجه الحياة هنا ،كيف أتجاهل مواقف كنت أراها من المسلّمات الأخلاقية التي تربينا عليها،جيل اليوم اخترع منظومته الخاصة للنجاة.» كانت تتحدث عن جيل وُلد بعد التغيّرات الكبرى التي هزّت منطقتنا، أو كان يومها طفلاً يراقب الكبار وهم يهتفون بكلام لايعني لهم شيئاً على أرض الواقع، جيل يسخر من الشعارات التي صدّقناها، ويكسر القوالب التي خنقتنا وصمتنا، مراعاة لتقاليد المجتمع، جيل يتجاوزنا، مستخدماً أدواته الخاصة.
نعم، إنه انقلاب ناعم في بعض البلدان، وخشن في أخرى، يهزّ العالم في الحالتين، بما يمتلكه من أدوات جديدة.
ولفهم التحوّل الذي أحدثه جيل زد، علينا أن نتأمل الاتجاهات العامة وخصائصه الاجتماعية. هذا الجيل لا يشبه من سبقه، لا في أدواته ولا في رؤيته للعالم. فهو جيل رقميّ بالفطرة، يتعامل مع التقنية، التي انفجرت لحظة ولادته، يعيش في عالم مفتوح، متنوّع، وسريع الإيقاع، يصعب ضبطه بمعاييرنا القديمة. يبحث عن المعنى الذي يحقق من خلاله ذاته، كما يشاء هو وليس كما عاش حتى الجيل الذي سبقه ويدعى «جيل الألفية»، يتطلع أن يكون أكثر مرونة مع المحيط دون انتماء حقيقي له، هدفه التأثير حتى لو فقد الوجاهة. لذلك، لم تعد المسألة «صراع أجيال» كما اعتدنا، بل فجوة وعي تتّسع بين من يرى العالم منظومة ثابتة، ومن يعش فيه بصفته مساحة للتجريب الدائم.
في أماكن كثيرة حول العالم، أحدث هذا الجيل تحوّلات ملموسة في طرق العمل والتعلّم والتعبير. لأنهم لاينتظرون الفرص، وإنما يصنعونها من شاشة صغيرة، وبكلفة تكاد لا تُرى. غير مهتمين بالاعتراف، لأنهم ببساطة صنعوا فضاءهم الخاص حيث يتبادلون المعرفة والدعم ويخلقون اقتصادهم الرقمي بوسائل صعبة الفهم علينا. نحن، الذين حكمنا عليهم بأنهم يعيشون زمن التفاهة، نسينا أن العالم الذي بنيناه لم يَعُد يتسع لأحلامهم وسرعتهم.
جيل زد غيّر شكل الخطاب العام وفرض حضوراً جديداً لا يمكن تجاهله. لم يكن امتداداً لنا، خلق بنفسه بداية مختلفة تماماً . وربما حان الوقت أن نحتويهم، ونغير خطابنا معهم، ومعظمه التحسّر على الماضي والزمن الجميل، أن نتعلّم كيف نحيا في زمنٍ يعيد تعريف كل شيء، حتى معنى الجيل نفسه.
Share this content: