رواية من القرن الماضي تستشرف مستقبلنا العلمي والاجتماعي
‘‘عالم جديد شجاع’’
ألدوس هكسلي
. ترشدنا إلى ضرورة طرح الأسئلة الأخلاقية بشكل دائم عن كيف نستخدم التقنية؟ وما هي الحدود التي يجب علينا أن نضعها للحفاظ على إنسانيتنا ؟.
من روايات الخيال العلمي، صدرت في ثلاثينيات القرن العشرين، وأصبحت مصدر إلهام لعديد القصص والأفلام التي جاءت بعدها. ‘‘عالم جديد شجاع’ «لألدوس هكسلي» تعد واحدة من أفضل مئة رواية عالمية، ومن الأعمال الأدبية المهمة التي ترمي ظلالها بوضوح على مجتمعات القرن الواحد والعشرين، تستشرف المستقبل العلمي والاجتماعي، وتسلط الضوء على قضايا مختلفة عن التقنية والإنسانية، استشفها الكاتب في خضم الثورة الصناعية الثانية مع بداية مرحلة جديدة شهدت تطور عالم صناعة السيارات على يدي فرود، ليبدأ معها عصر جديد وتحديات جديدة.
تصور الرواية مجتمعاً مستقبلياً ، يعيش في عام 632 ب. ف (بعد فورد)، متقدم تقنياً، لكنه فاقد لروح الإنسانية. البشر يخلقون ويربون في مختبرات بطرق معينة حتى يصيروا ملائمين لأدوارهم مسبقاً، لكل طبقة (القادة، النخبة، والعمال) وظيفة في المجتمع، يتم برمجتها وراثياً وعقلياً بشكل يناسب وظيفتها المحددة، حيث تتحكم فيهم السلطات بقوانين شديدة التنظيم، ما يجعل حريتهم في الاختيار أو التعبير عن فرديتهم قليلة جداً.
السعادة في عالم «هكسلي» أمر اصطناعي ، يتم تحقيقها باستخدام مخدرات تضمن الشعور بالسعادة وتخدر المشاعر القوية التي تشكل مصدر قلق أو اضطراب. بينما العلاقات الإنسانية يتم محوها واستبدالها بتجارب سطحية وجسدية، تبعث في النفس سعادة مزيفة تستخدم كأداة للسيطرة.
إسقاط الرواية على واقعنا المعاصر
دخلت التقنية الحديثة حياتنا بشكل ضخم، لدرجة أنها أحياناً تتحكم في تفاصيلنا اليومية وتحكم قراراتنا، وتخلق لنا «عالما رقميا جديدا» نعيش فيه بطرق مشابهة لما وصفه «هكسلي»، كعملية التحكم في المعلومات؛ حيث تعمل السلطات على السيطرة على المجتمع من خلال توجيه الأفكار والمعلومات، في مناخ يتسم بالرقابة الشديدة، والتحكم بالمعلومات التي يتم نشرها. إضافة إلى رواج الأنظمة التقنية (التطبيقات) التي نستخدمها وتقوم بجمع بياناتنا الشخصية وتوجيهها بالطريقة التي تخدم مصالح فئة معينة، ما يشكل تلاشيا للخصوصية التي تؤثر بشكل مخيف على حريتنا الشخصية. أيضاً، تحدث « هكسلي » عن السعادة المصطنعة والمهدئات الحديثة، عبر المخدر «سوما» والذي يشير إلى إدماننا على وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الترفيهية التي تشكل نوعاً من الهروب من الواقع، ناهيك عن الشاشات والأجهزة الذكية الخاصة بنا، والتي صارت تلعب دور المهدئ الذهني، وتضمن لنا نوعاً من السعادة المؤقتة، نلمسها لدى الكثير من الأشخاص الذين يفضلون قضاء وقت طويل على الوسائط المتعددة بدلاً من التعامل مع مشاكلهم الحقيقية.
دروس وتحذيرات
نستخلص من الرواية عديد الدروس، فهي تدعونا إلى ضرورة الحذر من الاعتماد على السعادة السطحية. إذ إننا وسط الترفيه الدائم، قد ننسى القيمة الحقيقية للسعادة التي يمكن إدراكها عبر الحياة الواقعية، بأفراحها وأتراحها، وأن الواقع من الممكن أن يكون جميلاً من الخارج، لكنه قد يكون فاقداً للروح. أيضاً، ترشدنا الرواية إلى ضرورة طرح الأسئلة الأخلاقية بشكل دائم عن كيفية استخدم التقنية، وما هي الحدود التي يجب علينا أن نضعها للحفاظ على إنسانيتنا؟
Share this content: