مجازر الفاشر !
ما الذي يدور في إقليم دارفور، ونحن في العام 2025 م ؟
من المسؤول عن المجازر التي ترتكب في الإقليم وتحديداً في حاضرته مدينة الفاشر ؟
آلاف عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب التي تعرض لها المدنيون الأبرياء من نساء وأطفال وعجزة ؟
هل يعقل أن يقتل هذا العدد الكبير من البشر من أجل السيطرة على مقدرات الإقليم المنكوب عبر تاريخه ؟!
من هي القوى الإقليمية التي تقف وراء حرب الابادة التي يتعرض لها الإقليم ؟
الفاشر مانشيت عريض لأحدث جرائم القتل في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين..
من أين ستبدأ حكايتنا المأساوية …
بقلم: عصـــــام فطيس
شيطان في دارفور
الحكاية بدأت مع العام 2003 وبداية الاضطرابات في إقليم دارفور، الذي يمتد على مساحة تُقارب 549 ألف كلم مربع، الذي يزخر بثروات زراعية وحيوانية إلى جانب معادن نفيسة مثل الذهب،واليورانيوم جعلته مطمعا للدول ، ومع هذا كله عانى الإقليم منذ استقلال السودان من تهميش الحكومات التي توالت على حكم البلاد وغابت التنمية ، مما أدى لوقوع الانفجار في عام 2003 بظهور حركات مسلحة أعلنت التمرد على السلطة الحاكمة في الخرطوم ليبدأ فصل جديد من العنف في الإقليم لم يتوقف إلا لماماً إلى يومنا هذا .

من راعي إبل إلى زعيم ميليشيا !
وكالنبت الشيطاني وفي غفلة من الزمن ظهر راعي إبل يدعى محمد حمدان دقلو (عرف باسم حميدتي ) تعود أصوله لقبيلة الرزيقات العربية التي تقطن إقليم دارفور غربيّ السودان.
حميدتي مثل جل أقرانه (من قادة الميليشيات) ترك مقاعد الدراسة مبكرا في العشرينات من عمره وانخرط في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد وشكل جماعة مسلحة لحماية القوافل التجارية من قُطّاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته ، وجنى من خلال ذلك ثروة كبيرة من عمله ومكّنه ذلك من تقوية جماعته المسلحة خاصة بعد اكتشاف الذهب في جبل عامر .. ثم انضم بعد ذاك لمليشيات الجنجويد الموالية لحكومة البشير والتي كان يقودها المجرم موسى هلال
ليصبح الرقم 1 في الإقليم ومن ثم ينقلب على هلال بعد أن أصبح عبءً ثقيلاً على حكومة الخرطوم .
كارثة البشير والنوم في العسل !
توالت السنون وتضخمت ميليشات دقلو وفي العام 2013 في ظل الخوف من إنقلاب المؤسسة العسكرية عليه أصدر الرئيس عمر البشير مرسوما رئاسيا أضفى فيه الشرعية على ميليشيات دقلو ومنحها اسم «قوات الدعم السريع» مكلفا اياها بحمايته ، ليدق المسمار الأول في نعشه .
ومن 5000 آلاف فرد تضخمت ميليشيا الدعم ليصل عدد أفرادها ل100 ألف فرد جُند معظمهم مرتزقة من تشاد والنيجر ومالي وإفريقيا الوسطى .
راعي الإبل أصبح من أكبر بارونات السودان وتضخمت نشاطاته ما بين استغلال غير مشروع لمناجم الذهب إلى تجارة المخدرات والأسلحة وكبر وكبر وأصبح كياناً ضخماً منافساً للدولة رغم التحذيرات التي كانت تطلقها الأجهزة الأمنية وتصل للبشير إلا أنه لم يبال بها ، إلى أن صحى يوم العاشر من أبريل 2019 على إنقلاب قاده الفريق عبدالفتاح البرهان وحميدتي مطيحا به ليفرضا وضعاً جديداً على السودان … لم يكن يتصور أحد أنه سيكون الأكثر دموية .
ثنائية السلطة !
بعد وصول البرهان إلى السلطة لم يتعظ من تحذيرات وتنبيهات الأجهزة الأمنية من خطر حميدتي وارتباطاته الخارجية وميليشياته التي تحولت لقوة موازية للجيش السوداني، ونجح عبر مخطط خبيث رسمته دولة الامارات من التمدد في مختلف ولايات السودان ، التي قامت بتقديم دعم كامل وغير مسبوق للدعم السريع ليصبح دولة داخل دولة.
إلى أن جاء يوم العاشر من أبريل للعام 2023 م وقوات الدعم تخرج من معسكراتها وتسيطر على الخرطوم وتوسع من نطاق عملياتها لتخض حربا دامية في مختلف أنحاء السودان ، لتبدأ أعمال النهب والقتل والاغتصابات ، ودمار للعاصمة وعديد المدن والولايات ومقتل وتهجير مئات آلاف السودانيين إلى دول الجوار .
مابين كر وفر
تواصلت المعارك بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع في مختلف أنحاء السودان إلى أن تمكن الجيش في 21.مارس . ٢٠٢٥ من دحر المليشيات من كامل ولاية الخرطوم ومواصلة مطاردتها ، وهو ما أدى لعودة آلاف النازحين للعاصمة واستئناف الحياة في الخرطوم .
إثر الهزيمة القاسية أمام الجيش السوداني وبعد أن أدرك حميدتي صعوبة تحقيق أوهامه لجأ إلى الخطة البديلة التي رسمها لها مشغلوه في أبي ظبي بتركيز سيطرته على إقليم دارفور تمهيدا لفصله عن السودان . فأحكم سيطرته على مدنه مدينة مدينة في ظل جسر جوي إماراتي لم يتوقف ، وإمدادات لوجستيكية حسب تصريحات المسؤولين السودانيين تأتيه عبر أثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى ، ، آلاف من المرتزقة الذين جندوا من دول إفريقية وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا ولم يتبق أمامه إلا الفاشر .
مجازر الفاشر ..
لم يعد أمام ميليشيات الدعم للسيطرة على كامل إقليم دارفور إلا مدينة الفاشر التي هي آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم وتعد عمقا استراتيجيا لولايات كردفان والشمالية ونهر النيل كما تربط السودان بكل من ليبيا وتشاد ، ففرضت عليها حصارا تاما استمر لعام منعت خلالها دخول الغذاء والدواء ، مواصلة أعمال القصف بالطائرات والمدفعية لمراكز ايواء النازحين والمطابخ العامة التي أقيمت في المدينة لإطعام الجائعين ، ونتيجة لتزايد أعمال القتل الممنهج وصعوبة وصول الامدادات لقوات الجيش المحاصرة ، أعلن رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان عن انسحاب الجيش من المدينة لحماية المدنيين ليبدأ الفصل الأشد دموية في تاريخ السودان !
آلاف المرتزقة يتوافدون على دارفور من مختلف دول العالم
شهادات دولية
وجه عدد من المنظمات الدولية والإقليمية إتهامات بالجملة لمليشيات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين شملت إعدامات ميدانية وإغتصابات وتعذيب وإختطاف للكوادر الطبية التي ظلت في المدينة ، ولم تجد تحذيرات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي نفعا لايقاف الجرائم .. بل تواصلت بوتيرة مرتفعة ، وظهرت مقاطع مصورة لأفراد الدعم وهم ينفذون إعدامات ميدانية ، ولعل مجزرة المستشفى السعودي بجامعة الفاشر إحدى أكبر المجازر التي ارتكبت في الفاشر ، حيث أجهزت العناصر الإجرامية على كل الجرحى والمصابين في المستشفى دون أي شفقة أو رحمة .
أرقام مفزعة !
لم تتوفر إلى حينه إحصاءات دقيقة بعدد القتلى في مدينة الفاشر ، شبكة أطباء السودان تقول إن عدد القتلى منذ حصار المدينة تجاوز 14 ألف قتيل .
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية كتبت أن ميليشيا الدعم ترتكب جرائم فظيعة في المدينة ، وتحدثت عن مقاطع مصورة وصور للأقمار الصناعية تكشف هول ما جرى ويجري في المدينة .
قناة البي بي سي نشرت شهادات مروعة من السكان الفارين من الفاشر أفادوا فيها بقيام المليشيا بأعمال القتل على الهوية والعرق ، والإغتصاب والنهب والحرق .
باحثون في جامعة ييل الأمريكية قالوا إن صورا جديدة أُلتقطت بالأقمار الإصطناعية تظهر استمرار جرائم القتل داخل الفاشر ومحيطها وحددوا 31 موقعا تحتوي على أجسام يرجح بأنها لجثث بشرية .
قدرت الأمم المتحدة عدد الفارين من المدينة بأكثر من 65 ألف ، فيما يواصل عشرات الآلاف الفرار للنجاة من الموت .
خاتمة
اختزلت مجازر الفاشر أزمة إنسانية هائلة على حدودنا الجنوبية الشرقية ، وهي أزمة كشفت إلى أي مدى انتفت الإنسانية في قلوب البشر ، من أجل الوصول إلى السلطة .. والعالم يكتفي بالشجب والإدانة فيما المدنيون يقتلون كل يوم بدم بارد .
لابد من الاعتراف أن الواقع الدموي في إقليم دارفور سيكون له إنعكاساته داخل السودان وخارجه ، وأصبح السودان مهدداً بإنفصال جديد خاصة بعد إعلان الميليشيا عن تأسيس حكومة موازية تتخذ من نيالا مركزا لها ، ومع أحاديث عن صفقة سياسية بين الطرفين إلا أننا نرى ذلك أمرا صعبا وبعيد المنال على الأقل في الحاضر.
Share this content: