ظل الغزالـــة الأخير..
في عام 1923 شُيّد في قلب طرابلس أول تمثال برونزي من تصميم النحّات الإيطالي أنجيلو فانيتي (Angiolo Vannetti)، في الميدان الذي سيُعرف لاحقًا باسم “ميدان الغزالة”.
أطلق فانيتي على عمله اسم “نبع الحياة”، وقدّم فيه حسناء بملامح ليبية تحمل جرة ماء وتضمّ غزالة، في تجسيد لقولته الشهيرة: “أحلى ما في هذا البلد، الغزال والمرأة”.
ظلّ التمثال حاضرًا في ذاكرة المدينة، يرافق الليبيين في مرورهم اليومي دون أن يتحوّل يومًا إلى موضع اعتراض، بل إلى رمز للجمال والخصوبة وهدوء الواحات. ومع الزمن أصبح أيقونة لطرابلس، وعلامة راسخة في وعي أجيالها المتعاقبة
في التسعينيات، قامت الحكومة بتغيير تصميم النافورة المحيطة بالتمثال، حيث تم رفعه على نافورة أكبر حجماً ومسورة بالحديد، مما عزله عن الناس. كما تم تغيير طريقة تدفق المياه لتصبح كحجاب يخفي أجزاء منه.
بعد 2011، بدأت جماعات متشددة بالتحريض ضد التمثال باعتباره “صنماً”
في 2012، قامت مجموعة بتغطيته بالقماش ومن هذا المنعطف بدأت لعبة الباس الدمية تأخذ حيزا على الأرض وإسقاط كل ماهو أنثوي في جسد الحسناء
في 27 أغسطس 2014، تعرض لهجوم بقذيفة “آر بي جي” خلفت أضراراً واضحة في جسده البرونزي انشغل البعض بالتعليق على مصيره، فيما مرّ آخرون عنه مرورا باهتا وسط دوامة صراعاتهم اليومية
فجر الثلاثاء 4 نوفمبر 2014، فوجئ سكان طرابلس باختفاء التمثال بعد اقتلاعه وتدمير قاعدته من قبل مجموعة مجهولة وشهود عيان ذكروا أنه تم ربطه بشاحنة وسحبه تحت حماية مركبتين عسكريتين.
وظلت قاعدته حفرة عميقة تبتلع أصوات النساء والأطفال الذين يذهبون تباعا إلى صمتها وتضيع أحلامهم كغزالة تائهة من بنادق الوأد التي لا تكف عن مطاردتها وحتى اليوم، لا يزال مصير التمثال الأصلي مجهولًا كما هي مجهولة حقائق كثيرة عن اختفاء وموت سيدات وأطفال سجلوا كضحايا في دفاتر التحقيقات واختفت أسرارهم كما اختفت الحسناء والغزالة ذات صباح في هدوء بلا جلبة بلا رادع ولا محاكمة.. بلا تعرية لمن استبدل الجمال بالقبح وغطى الحقيقة بعمامة وسلاح.
وإلى اليوم، لا يزال الميدان يحتفظ باسمه، ويبقى التمثال — رغم غيابه — محفوراً في ذاكرة الليبيين، وشاهِدا لا يمّحي على سؤال واحد: كيف لم ننجُ؟
Share this content: