أحلى الأسماء لجريمة واحدة:
من «أفرح بيا» إلى «الإكرامية»
كيف نجح المجتمع الليبي في «تعميد» الرشوة؟
قبل ردح من الزمن كان طلبها أو عرضها من الأمور المُستهجنة وكان الإقتراب منها محفوفاً بالعار الاجتماعي والخطر القانوني الداهم ، وكان التورط في وقائعها يدل على عدم النبل والإفتقار إلى النخوة وإلى الشهامة قبل الإفتقار إلى المال والإفتقار إلى متاع الحياة الدنيا، هذا طبعاً قبل أن تصير اليوم أمراً مقضياً وقد خلعت عن وجهها القبيح الحياء وارتدت براقع مُزيفة من بينها « افرح بيا» و« العمولة» و «الاكرامية» .
الرشوة مفسدة عظيمة انتشرت في مجتمعنا بعد أن وصلته عابرةً للحدود الشرقية والغربية وسرعان ما تلقفها ضعافُ الإيمان والفاسدون لتتطور من ثقافة عرض و ثقافة طلب مُلح إلى ثقافة ابتزاز وفرض الأمر الواقع بالقوة وثقافة اتاوة حتى على المارة والمسافرين وأصحاب الحقوق العينية والمادية الذين يُحرمون من حقوقهم إذا لم يخضعوا لها ، وإذا لم يستقعطوا من مدخراتهم وأموالهم الخاصة واعتماداتهم نصيباً وفيراً لثلة من الفاسدين، وبين هذا وذاك تضيع الحقوق وتفوت المكاسب وتمنح العطاءات الكبيرة والصغيرة لغير مستحقيها وغير الجديرين بها وتعطل المصالح وتُقطع حتى الطرق العامة على المسافرين المنكوبين قبل منحها للمفسدين في الأرض .
<< تحقيق : عبدالله الوافي
عدم اقتراب المسلم من الرشوة ولو كان به خصاصة
الدكتور أنور وادي قال بأن الرشوة هي إعطاء مال أو منفعة معينة أو وعد ما لشخص يحمل في طياته صفة الموظف العمومي ، وغالباً بهدف مباشر هو التأثير على قراره أو تغيير سلوكه الشرعي المعتدل نحو مصلحة ما ، حيث تؤدي الرشوة في النهاية إلى الامتناع عن القيام بعمل قانوني محدد أو الامتناع عن واجب أو تحقيق مصلحة معينة غير مشروعة لشخص الراشي ، وأضاف بأن أطراف الرشوة الرئيسين هما الراشي والمرتشي، مؤكداً بأن تسهيل أي اجراء لا ينبغي أن يتم تسهيله ، يُعد من الرشوة ، وقد يتسبب مثل هذا التسهيل في تفويت واضاعة حق أو حقوق للغير أو للمجتمع أو لعامة الناس ، مثلما أنه من الممكن أن يؤدي إلى السكوت عن مخالفة أو جريمة ارتكبت في حق فرد أو في حق الجماعة ، وقد تؤدي الرشوة إلى منح امتيازات معينة ومحددة لغير مستحقيها
بالتأكيد على أنه ينبغي عدم الاقتراب منها ولو كان المسلم به خصاصة .

قبيحة رغم ما تتزين به من براقع
أحمد منصور قال بأن الرشوة من أقبح الأفعال التي يمكن أن يُقدم عليها المسلم أخذاً ومنحاً ووسيطاً وأضاف بأن الرشوة دخلت بلادنا كجريمة من الجرائم العابرة التي ظللنا لسنوات عديدة نسمع بها وهي تجوب أقطاراً مجاورة ، مؤكداً بأن الليبيين ظلوا أمداً من الدهر يستهجنونها ويستغربون القيام بها خاصةً من قبل الموظفين العامين ورجال الأمن في بعض الدول المجاورة والدول الإسلامية خاصةً في المنافذ البرية والبحرية والجوية وحتى على الطرقات الرئيسة حيث يتم استيقاف المارة وتفتيش مستنداتهم الثبوتية ومستندات مركباتهم واستغلال أي خلل أو فقدان لأي مستند أو صلوحية معينة لفرض دفع الرشوة أو تجشم عناء التوقيف والتعطيل والتأخير والمنع ، وأضاف بأن الرشوة تُوصف أحياناً بعدد من التسميات في البلاد العربية فهي هنا « افرح بيا» وهناك «اكرامية» و في دولة ثالثة « عمولة» وهكذا، وهذه التسميات مجرد براقع لتغطية قبحها الشديد ومخاطرها الجمة على مصالح الناس وعلى مصالح الأمة، فالرشوة فساد كبير وينبغي مواجهته بكل ما نملك من وسائل قانونية وثقافية ودينية وعقابية من أجل الحد من انتشارها و تفشيها ، ويختتم أحمد الحديث بأن ذلك الاستهجان وذلك الاستغراب لم يدم طويلا إذ انخرطت الكثير من الفئات في البلاد في فرضها على الغير بشكل علني وسافر وبأساليب ضغط مختلفة ومتنوعة الأمر الذي يدفعنا للاهتمام بمواجهة هذه الآفة الأخلاقية الكبيرة .
توظيف الإعلام في تعزيز ثقافة النزاهة
أتاوت تحت التهديد :

من المسؤول عن تحويل طرق ليبيا إلى نقاط جمركية غير شرعية؟
الأستاذ باسم المودي وهو إعلامي كبير قال بأن انتشار الآفة المتمثلة في الرشوة يرتبط بدرجة كبيرة بغياب الشفافية وضعف تداول المعلومات داخل المؤسسات ، فالإعلام كما يقول الأستاذ باسم له دور فعال في الحد من خطورة الرشوة اإذا ما كان إعلاماً قوياً ومهنياً وحراً ، لأنه يصبح مهماً في الحد من الرشوة من خلال كشف الاخلالات ، وتعزيز ثقافة النزاهة ، وتشجيع المواطنين على الثقة في الجهات الرقابية ، وأضاف بأن الحد من انتشار الرشوة يتطلب دعم الإعلام أثناء تأدية دوره التوعوي والرقابي وتمكينه من الوصول إلى المعلومات ونشرها بمهنية ، فالمجتمع الذي يمتلك إعلاماً مسؤولاً كما يقول الأستاذ باسم هو الأكثر قدرةً على مكافحة الفساد وتعزيز السلوك السليم داخل المؤسسات .
الرشوة في الدين وفي القانون
الأستاذ عبدالرزاق الشنيتي قال بأن الرشوة محرمة سواء في تقديمها أو أخذها، وذلك كما جاء في الآية

السجن والغرامة ثلاثة أضعاف:
هكذا يواجه القانون
جريمة إفساد الحقوق
الكريمة ((ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ، لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )) وأضاف بأن الرشوة تُعتبر إفساداً للمال والوظيفة وتؤثر على مصالح المجتمع كله وليس فقط على مصلحة الفرد أو مجموعة الأفراد ، وفيما يتعلق بعقوبة اطراف الرشوة فتتمثل في اللعن والطرد من رحمة الله ، كما جاء في الحديث الشريف (( لعن الله الراشي والمرتشي )) ، والرشوة بطبيعة الحال من الجرائم الاجتماعية لأنها تؤدي إلى افساد النظام المجتمعي وأخلاقياته برمتها ، وفيما يتعلق بحكم الرشوة في القانون فإنها تتلخص في قانون العقوبات بالسجن وغرامة مالية لا تقل عن ثلاثة أضعاف قيمة المبلغ موضوع الرشوة ، والعقوبة تشمل أيضاً المرتشي والوسيط الذى يتوسط بين طرفي الفعل في جريمة الرشوة بين الراشي والمرتشي، وفى حال كان الغرض من الرشوة يتمثل في ارتكاب جريمة تحمل عقوبة أشد ، فإن الجريمة تصبح أكثر خطورة ، مما يؤدي إلى عقوبة أشد لكل المتورطين .
جريمة إبادة وجرائم تدمير
ايمان المقوز قالت بأن الرشوة من الجرائم البشعة التي لاحدود معينة لمضارها فإذا كانت الرشوة تتعلق بالمبلغ البسيط الذي يدفعه المخالف في جنحة سير على الطرقات العامة فإنها قد تكبر وتتحول إلى جريمة من جرائم الإبادة ، فالذي يجلب إلى المجتمع سلعة غذائية فاسدة أو أدوية فاسدة ومنتهية الصلاحية ويقوم بدفع رشوة كبيرة للموافقة على إدخالها إلى البلاد دون المرور على الرقابة الصحية أو الرقابة الغذائية هو في الواقع يرتكب جريمة من جرائم الإبادة والتي قد تؤدي بشكل مباشر إلى ازهاق أرواح الناس أو إصابتهم بأمراض خطيرة مثل الأورام والسرطان أو يعرضهم للموت بسبب الأدوية الفاسدة والمنتهية الصلاحية ، والذي يقوم بإقامة مشاريع سكنية أو مشاريع مواصلات عامة غير مطابقة للمواصفات المتعلقة بالجودة ويقوم عن طريق دفع الرشوة بتمرير تلك المشاريع فإنه يساهم بهذا في نهب المال العام وفي نفس الوقت يساهم في الإضرار بمستعملي الطريق العام ، وفي الإضرار والايذاء الخطير للمتساكنين كذلك الأمر يتعلق بكل ما يتم استيراده من الخارج من أجهزة وأدوات ينبغي أن يراعى فيها ما يتعلق بالمعايير، الأستاذة ايمان قالت بأن الرشوة جريمة كبيرة قد تترتب عليها جرائم أخرى أشد منها ضرراً على الناس وعلى الأمة وعلى المجتمع وينبغي التفطن لها .
سبل مواجهة الرشوة
مفتاح القمودي ركز في كلامه على أهمية محاربة الرشوة بتوعية الناس بمخاطرها على المجتمع وعلى الأفراد وعلى قيم المجتمع المسلم ، وأضاف بأن التوعية لابد أن يتصدى لها الاعلام بالدرجة الأولى وأن يستعين بخبراء في القانون العقابي في حملته ضد هذه الجريمة وخبراء في الاقتصاد للتعرف على ما ينجم عنها من خطورة تتعلق باقتصاد المجتمع، وكذلك ينبغي الاستعانة بعلماء الدين لمناقشة حكم الرشوة في الدين الإسلامي ، الأستاذ مفتاح قال بأن التصدي للظاهرة الخطيرة ينبغي أن ينبع أيضاً من المساجد التي يرتادها المسلمون عموماً خاصةً خلال خطب الجمعة وتوضيح خطورتها على المجتمع وعلى أخلاقيات وقيم المجتمع المسلم وحكمها في الشريعة الإسلامية ، كما ينبغي أن تتضمنها أنشطة تربوية مختلفة في المؤسسات التعليمية بشكل عام ، وكذا الحال بالنسبة للمناهج التعليمية التي ينبغي أن تواجه الظاهرة الخطيرة وتغرس في صدور النشء النزاهة والصدق ونبذ المحرمات جميعها دون استثناء .
إضراب سائقي الشاحنات بسبب فرضها بالقوة
السيد مفتاح القمودي لم ينس أن يشير إلى دور المشرع الليبي في ظل انتشار جريمة الرشوة وتحولها من جريمة عادية إلى ظاهرة خطيرة ، إذ

متــى وكيــف أصبح “العار الاجتماعي” أمراً مقضيــاً
بعــد أن كـــان مستهجناً..؟
صل الأمر المتعلق بها في فترة ما في بلادنا إلى حد أن سائقي الشاحنات في طول البلاد وعرضها قد أضربوا عن العمل مما هدد مشروع النقل الغذائي والنقل المتاعي والنقل التجاري والنقل العام وأصابه في مقتل خطير وغير مسبوق في تاريخ البلاد بعد استشراء الظاهرة التي صار يعاني منها السائقون عموماً في كل البلاد وفي كل المدن ، حيث تُفرض عليهم بالقوة من موظف عمومي أمني كان يفترض فيه أن يقوم بخدمة المارة ومستعملي الطرقات العامة وتأمين مرورهم بسلاسة وسلامة في قرى ومدن وشوارع بلادهم لا أن يقوم بفرض أتاوات مالية عليهم حال الذهاب وحال العودة وحال الحركة ، ويبدو أنه قد اتخذت بعض الإجراءات للحد من انتشار الظاهرة إلا أننا لا نعلم على حد الدقة مدى نجاح الإجراءات الإدارية التي تم اتخاذها في قمع المخالفين ، مؤكدا بأن علاج الظاهرة ينبغي أن يكون علاجا قانونياً أيضاً من خلال حض المشرع الليبي على سن قوانين عقابية رادعة للتصدي للظاهرة وينبغي أن تتضمن مواداً مشددة تصل إلى التعويض والحبس والسجن والطرد من الوظيفة العامة حال ثبوت التهم على المتهمين بارتكابها .
أهمية انعاش الاقتصاد الوطني
ورفع المداخيل للقضاء عليها
محمد منصور الحراري قال بأنه يحترم كل السبل المتاحة للقضاء على الظاهرة القبلية والبعدية والقانونية والتثقيفية والتوعوية والإعلامية والعقوبات الردعية ، إلا أنه يعتقد
أيضا بأن هناك سبل قبلية ينبغي الإقبال عليها لمنع حدوث وانتشار ووقوع مثل هذه الجرائم وذلك بإنعاش الاقتصاد الوطني ورفع نسبة الدخل المجتمعي للمواطنين لأن هذا السبيل من أفضل السبل لمنع ظهورها ، فالموظف العام الذي يتحصل على ما يكفيه من موارد المجتمع المادية لن يُقبل على طلبها أو فرضها بل سيرفضها وقد يتقدم بالشكوى ضد من عرضها عليه باعتبارها تشكيك في أمانته ونزاهته ونظافة يده ، وأضاف بأن هناك بعض المجتمعات الآسيوية التي استطاعت تحسين دخول الأفراد المالية ، تمكنت من القضاء على الظاهرة الخطيرة أو في أقل تقدير تمكنت من النزول بنسبتها إلى الحد الأقصى مشيراً إلى وجود هذا النوع من العلاج محلياً فيما يتعلق بدخول الهيئات القضائية وأعضاء النيابات العامة والعاملين بسلك القضاء ما سمح بترفعهم عن التعاطي بها في أحكامهم القضائية وهو الأمر الذي ينبغي أن يستطيل إلى الكثير من الفئات الأخرى التي ينبغي أن تعيش حياة كريمة بعيداً عن الحاجة التي تؤدي إلى تدهور الأخلاق وتدهور القيم وانتشار مفاسد كثيرة من بينها «الرشوة».
Share this content: