×

رحلة من الأهرام إلى قلب أوروبا

رحلة من الأهرام إلى قلب أوروبا

    في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1858،‭ ‬اُلتقطت‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬صورة‭ ‬تاريخية‭ ‬لـ»دوسيل‭ ‬المملوكي‮»‬‭ – ‬أحد‭ ‬آخر‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬نابليون،‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬بالزي‭ ‬الرسمي‭ ‬الكامل،‭ ‬مرتديًا‭ ‬ميدالية‭ ‬سانت‭ ‬هيلين‭ … ‬ولتلك‭ ‬الصورة‭ ‬قصة‭ ‬جديرة‭ ‬بأن‭ ‬تُحكى‭.‬

   ‭ ‬مماليك‭ ‬فرنسا‭ ..‬

    عطية‭ ‬صالح‭ ‬الأوجلي‮ ‬

  بداية‭ ‬القصة‭: ‬أحلام‭ ‬إمبراطورية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬النيل

بدأت‭ ‬القصة‭ ‬بأشهر‭ ‬غزو‭ ‬للمشرق‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬أن‭ ‬حلمه‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬لن‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بغزو‭ ‬واحتلال‭ ‬مهد‭ ‬الحضارات‭ ‬ودمجها‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬‮«‬الحضاري‮»‬‭ ‬الكبير‭. ‬فكان‭ ‬غزو‭ ‬مصر،‭ ‬الذي‭ ‬تذرع‭ ‬بتحرير‭ ‬شعبها‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬المماليك،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬قطع‭ ‬طريق‭ ‬الهند‭ ‬على‭ ‬الإنجليز‭.. ‬في‭ ‬صبيحة‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1798،‭ ‬أبحرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬سفينة‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬تولون‭ ‬الفرنسي،‭ ‬محملةً‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬54‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬بينهم‭ ‬36‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬بقيادة‭ ‬نابليون‭ ‬ذي‭ ‬التسع‭ ‬والعشرين‭ ‬ربيعًا‭. ‬لكن‭ ‬الحملة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عسكرية‭ ‬بحتة،‭ ‬فقد‭ ‬ضمت‭ ‬السفن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬160‭ ‬مدنياً‭ ‬من‭ ‬نخبة‭ ‬المفكرين‭ ‬والمختصين،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يدركوا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬أنهم‭ ‬سيشاركون‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭.‬

     من‭ ‬الخصوم‭ ‬إلى‭ ‬الحرس‭ ‬الشخصي‭: ‬ولادة‭ ‬وحدة‭ ‬المماليك

رغم‭ ‬شراسة‭ ‬قتال‭ ‬المماليك،‭ ‬حسمت‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحديثة‭ ‬المعارك‭ ‬لصالح‭ ‬الجنرال‭ ‬الشاب‭. ‬فأعجب‭ ‬نابليون‭ ‬بشجاعتهم‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬قرر‭ ‬تشكيل‭ ‬وحدة‭ ‬قتالية‭ ‬منهم،‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬فصائل‭ ‬يبلغ‭ ‬قوام‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬مائة‭ ‬رجل‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬نواة‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬لاحقًا‭ ‬بـ«مماليك‭ ‬الحرس‭ ‬الإمبراطوري‮»‬‭.‬

كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجنود‭ ‬خليطًا‭ ‬من‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭. ‬وتخطيط‭ ‬نابليون‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬الآلاف‭ ‬منهم،‭ ‬يتم‭ ‬إرسالهم‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬للتدريب‭ ‬والانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حروبه‭ ‬المستقبلية‭.‬

     من‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬مرسيليا‭: ‬رحلة‭ ‬لا‭ ‬عودة

غير‭ ‬أن‭ ‬رياح‭ ‬التاريخ‭ ‬جاءت‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تشتهي‭ ‬السفن‭. ‬تحالف‭ ‬الإنجليز‭ ‬مع‭ ‬العثمانيين،‭ ‬وأغرق‭ ‬الأسطول‭ ‬البريطاني‭ ‬بقيادة‭ ‬نيلسون‭ ‬الأسطول‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬أبي‭ ‬قير،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬وهروب‭ ‬قائده‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭.‬

لكن‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬المنسحبة‭ ‬حملت‭ ‬معها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬المماليك،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأقباط‭ ‬ومسيحيي‭ ‬سوريا‭ ‬وفلسطين‭ ‬واليونانيين،‭ ‬لينتهي‭ ‬بهم‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬مرسيليا‭. ‬هناك،‭ ‬اهتم‭ ‬نابليون‭ ‬شخصيًا‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيمهم،‭ ‬وجعلهم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الإمبراطوري،‭ ‬متميزين‭ ‬بزيهم‭ ‬الشرقي‭ ‬المميز‭: ‬العمائم‭ ‬الحمراء‭ ‬والخضراء‭ ‬تحمل‭ ‬شارات‭ ‬الهلال‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والسراويل‭ ‬القرمزية‭ ‬الواسعة‭.‬

      من‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭: ‬بصمة‭ ‬شرقية‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬أوروبا

خاض‭ ‬هؤلاء‭ ‬المماليك‭ ‬مع‭ ‬نابليون‭ ‬كل‭ ‬معاركه‭ ‬الأوروبية،‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬والبندقية‭ ‬وإسبانيا‭.. ‬تمت‭ ‬ترقية‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬ومنحهم‭ ‬الأوسمة،‭ ‬لكن‭ ‬أقسى‭ ‬صفحاتهم‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬التمرد‭ ‬الإسباني‭ ‬عام‭ ‬1808،‭ ‬حيث‭ ‬ارتكبوا‭ ‬مذابح‭ ‬ومواجهات‭ ‬دموية‭ ‬خلّدها‭ ‬الرسام‭ ‬الإسباني‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬غويا‭ ‬في‭ ‬لوحاته‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬و‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1808‭.‬

        نهاية‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬ومصير‭ ‬المماليك

قادت‭ ‬طموحات‭ ‬نابليون‭ ‬الجامحة‭ ‬إلى‭ ‬مصيره‭ ‬المحتوم‭: ‬الهزيمة،‭ ‬ثم‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬العرش،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬المنفى‭. ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬لمماليكه،‭ ‬حيث‭ ‬اختار‭ ‬سبعة‭ ‬منهم‭ ‬فقط‭ ‬مرافقته‭ ‬إلى‭ ‬المنفى،‭ ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬الباقون‭ ‬في‭ ‬مرسيليا‭ ‬ليواجهوا‭ ‬التمييز‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والتصفية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬معارضي‭ ‬نابليون‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬حملة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الأبيض‮»‬‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬سخرية‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬رمزًا‭ ‬للقوة‭ ‬إلى‭ ‬وصمة‭ ‬هوية،‭ ‬فالزي‭ ‬المملوكي‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬شد‭ ‬انتباه‭ ‬المارة‭ ‬وتعجبهم‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬لغضب‭ ‬أنصار‭ ‬الملكية‭. ‬هذا‭ ‬الظهور‭ ‬الواضح‭ ‬للزي‭ ‬الشرقي‭ ‬جعلهم‭ ‬أهدافاً‭ ‬مكشوفة‭ ‬ومرئية‭ ‬للميليشيات‭ ‬الغاضبة‭ ‬التي‭ ‬نفذت‭ ‬التصفية‭.‬

     أبرز‭ ‬الوجوه‭: ‬من‭ ‬حراس‭ ‬إلى‭ ‬أبطال

برز‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المماليك‭ ‬شخصيات‭ ‬تاريخية‭ ‬لافتة،‭ ‬مثل‭:‬

‭- ‬رستم‭ ‬رضا‭ ‬الجورجي‭ ‬الأصل،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬حارس‭ ‬نابليون‭ ‬ومرافقه‭ ‬الشخصي‭.‬

‭- ‬الملازم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬دسبون،‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬لحم،‭ ‬والذي‭ ‬عمل‭ ‬مترجمًا‭ ‬مع‭ ‬نابليون‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬أوسترليتز،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬وسام‭ ‬وترقية‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬ملازم‭ ‬أول‭.‬

أما‭ ‬آخر‭ ‬المماليك‭ ‬بقاءً‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬فكان‭ ‬موسى‭ ‬الكوسا،‭ ‬الجندي‭ ‬المسيحي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬سوري‭ ‬الذي‭ ‬انضم‭ ‬للقوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬أثناء‭ ‬حصار‭ ‬عكا‭. ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الأوروبية‭ ‬ومعركة‭ ‬واترلو،‭ ‬وعاش‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1873‭ ‬ليكون‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬نهاية‭ ‬حقبة‭.‬

    الفصل‭ ‬الأخير‭ : ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬المكسيك

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬المماليك‮»‬‭ ‬موسى‭ ‬الكوسا،‭ ‬لم‭ ‬تنتهِ‭ ‬قصتهم‭ ‬تمامًا‭. ‬لقد‭ ‬عادوا‭ ‬للظهور‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬النظام‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬“نابليون‭ ‬الثالث”‭ (‬ابن‭ ‬أخ‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭) ‬حيث‭ ‬وصلوا‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬المكسيك‭ ‬ليشاركوا‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬هناك‭. ‬

      ‭ ‬الخلفية‭: ‬التدخل‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬المكسيك‭ (‬1861-1867‭) ‬

حاول‭ ‬نابليون‭ ‬الثالث‭ ‬إنشاء‭ ‬إمبراطورية‭ ‬تابعة‭ ‬لفرنسا‭ ‬في‭ ‬الأمريكتين‭. ‬استغل‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬للمكسيك‭ ‬لتنظيم‭ ‬حملة‭ ‬عسكرية‭ ‬ثلاثية‭ (‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬اللتان‭ ‬انسحبتا‭ ‬لاحقًا‭) ‬لغزوها‭.‬

  ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الحملة‭ ‬النهائي‭ ‬هو‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالرئيس‭ ‬بينيتو‭ ‬خواريث‭ ‬وإقامة‭ ‬إمبراطورية‭ ‬مكسيكية‭ ‬يحكمها‭ ‬الإمبراطور‭ ‬ماكسيميليان‭ ‬الأول‭ (‬الأرشيدوق‭ ‬النمساوي‭ ‬الذي‭ ‬نصبته‭ ‬فرنسا‭).‬

     “دور‭ ‬المماليك‭: ‬‮«‬الفرسان‭ ‬الشرقيون‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الجديد”

تم‭ ‬تشكيل‭ ‬وحدة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الفرسان‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬“‮«‬الفرسان‭ ‬الشرقيون‮»‬‭    ‬“ Chevau-légers orientaux”‭  ‬أو‭ ‬“‮«‬سرية‭ ‬المماليك‮»‬“‭. ‬تم‭ ‬تجنيدهم‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬مرسيليا‭ ‬التي‭ ‬هاجر‭ ‬منها‭ ‬مماليك‭ ‬نابليون‭ ‬الأول،‭ ‬وكانوا‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقية‭ ‬وسورية‭ ‬ويونانية‭. ‬حافظوا‭ ‬على‭ ‬الزي‭ ‬الشرقي‭ ‬المميز‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬به‭ ‬أسلافهم‭: ‬“العمائم،‭ ‬السروال‭ ‬الواسع‭ (‬الشراويل‭)‬،‭ ‬والأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬مثل‭ ‬السيف‭ ‬المنحني‭ (‬السنان‭)‬”‭. ‬كان‭ ‬مظهرهم‭ ‬مثيرًا‭ ‬للإعجاب‭ ‬والرهبة‭.‬

  ‬تم‭ ‬نشرهم‭ ‬في‭ ‬المكسيك‭ ‬كقوة‭ ‬صدمة‭ ‬سريعة‭ ‬الحركة‭. ‬كانت‭ ‬مهمتهم‭ ‬الرئيسة‭ ‬هي‭ ‬“مكافحة‭ ‬حرب‭ ‬العصابات”‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬المؤيدون‭ ‬لخواريث‭. ‬كانت‭ ‬تضاريس‭ ‬المكسيك‭ ‬الوعرة‭ ‬ومناخها‭ ‬القاسي‭ ‬اختبارًا‭ ‬صعبًا‭ ‬لهم‭.‬

     “النهاية‭ ‬المأساوية‭:‬”

فشلت‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بسبب‭ ‬مقاومة‭ ‬المكسيكيين‭ ‬الشرسة‭ ‬والضغوط‭ ‬الدولية‭ (‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الأمريكية‭)‬‭. ‬تم‭ ‬إعدام‭ ‬الإمبراطور‭ ‬ماكسيميليان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1867‭ ‬وانسحبت‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭. ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬معلومات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬المصير‭ ‬النهائي‭ ‬لسرية‭ ‬المماليك‭ ‬هذه،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬حيًا‭ ‬منهم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬أو‭ ‬تشتت‭.  ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬عاد‭ ‬منهم‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تضاعف‭ ‬منها‭ ‬مشاعر‭ ‬الخذلان‭ ‬والهزيمة‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬دوائر‭ ‬الانتماء‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬ميزتهم‭ ‬سوى‭ ‬جدران‭ ‬تحجبهم‭ ‬وتذكرهم‭ ‬ببؤس‭ ‬المصير‭ ‬القادم‭.‬

       ‭ ‬الخاتمة‭ ‬

وهكذا‭ ‬دُوّن‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬المماليك‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المكسيك‭ ‬البعيدة‭. ‬كانت‭ ‬محاولةٌ‭ ‬من‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الثانية‭ ‬لاستحضار‭ ‬أمجاد‭ ‬نابليون‭ ‬الأول،‭ ‬لكنها‭ – ‬كسابقتها‭ – ‬آلت‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬والنسيان‭. ‬تمثل‭ ‬قصة‭ ‬المماليك‭ ‬رحلةً‭ ‬استثنائية‭ ‬عبر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬من‭ ‬أهرام‭ ‬الجيزة‭ ‬إلى‭ ‬جبال‭ ‬المكسيك،‭ ‬مروراً‭ ‬بحقول‭ ‬أوروبا‭ ‬الدامية،‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬طموح‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬وتداخلها‭ ‬الثقافي‭ ‬القسري‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬مصائر‭ ‬بشرٍ‭ ‬علقوا‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭. ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬مأساة‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يضعفون‭ ‬أمام‭ ‬إغواء‭ ‬القوة،‭ ‬فيعتقدون‭ ‬أن‭ ‬تبدل‭ ‬الولاء‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬انتقال‭ ‬من‭ ‬صف‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ويجهلون‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬سيتلاعب‭ ‬بهم‭.  ‬رحلة‭ ‬المماليك‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬كفتح‭ ‬عسكري،‭ ‬انتهت‭ ‬كأسطورة‭ ‬إنسانية‭ ‬عن‭ ‬الولاء‭ ‬والاغتراب‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يرحب‭ ‬بهم‭.‬

Share this content: