×

رحلتي في السنوكر

رحلتي في السنوكر

قفزت من الواقع إلى عالم المعجزات

البطل «خالد أبومداس))

أجرى الحوار : مناف بن دلة

الصمت في حرم الجمال جمال،لكن الصمت في حضرة السنوكر يتعدى ذلك لاستدعاء التركيز الكامل والمضي بقوة نحو نيل الانتصار.. تلك السمة التي طبعت اللعبة انعكست بقوة على شخصية أبطالها فتراهم لا ينبسون ببنت شفه إلا قليلا, يؤثرون أن تتحدث عنهم إنجازاتهم، بدلا من الكلمات.. إلا أنه لا غنى عن هذه الأخيرة في البيان, لاسيما وأن السنوكر بأجوائها المهيبة تظل بعيدة عن أضواء الشهرة, التي استأثرت بها ألعاب أكثر شعبية, على غرار كرة القدم والسلة وحتى شبيهتها البلياردو..وفي محاولة لاستنطاق مسيرة ملحمية،ملأى بالتحديات,

ناضحة بالإنجازات, كاشفة عن أن زمن المعجزات لفا يول بعد، قابلنا بطل السنوكر «خالد أبومداس», لنكشف

عن صنيع يستحق أن يضاف إلى مهام هيراكليس الاثنتي عشرة، في تصيير المستحيل واقعاً..القصة تعود إلى عقدين مضيا، في زوايا صالة هادئة بحي الأندلس، حيث يختلط صوت احتكاك الكرات بصمت مهيب، كان فتى يافعا يُمسك بعصا سنوكر يتفرس بها, ثم يطارد حلفا أكبر من حدود مدينته.. لم يكن يعلم «أبومداس» أن شغف الاستكشاف سيقوده بعد سنوات إلى ساحات البطولات الإفريقية، وأنه سيقف تحت أضواء شيفيلد في مواجهة أبطال العالم.

بين قلة الإمكانات وغياب الدعم، نسج خالد رحلته بعرق وصبر، واضغا موهبته وإصراره في مواجهة كل العوائق..اليوم، يجلس أمامنا ليحكي كيف أصبحت السنوكر بالنسبة له أكثر من لعبة… صارت حياة.

نرحب بك كابتن خالد .. والسؤال الأول الذي براود أي متماس مع السنوكر لتوه .. ما الفرق بينها وبين البليادرو ؟

أهلاً وسهلاً وتشرفت باللقاء معكم في هذه السانحة، بداية فهذا السؤال دائماً ما يواجه لاعبي السنوكر، بالرغم من أن الفروق بينها وبين البلياردو كبيرة والبون شاسع، من حيث حجم الطاولات والكرات وطريقة حساب النقاط، وباختصار تميل البلياردو إلى الشكل الترفيهي، بينما يتسم السنوكر بإطار تنافسي بحت.

حققت حلم الطفولة بالوصول إلى المستويات الاحترافية .. وما يزال في جعبتي مزيد من الأحلام

كيف بدأت رحلتك مع السنوكر؟

مطلع الألفية، كنت طالباً في الثانية ثانوي ، واللعبة آنذاك تحبو خطواتها الأولى في بلادنا، بعد أن رسخت بواكيرها سنة 1999.

ولأن صالات السنوكر كانت قريبة من بيتنا في منطقة حي الأندلس بطرابلس، فقد داومت على المشاهدة، ثم اللعب، وتدربت على يد رواد اللعبة، حتى اشتد عودي واستطعت أن أبز المنافسين وأتفوق

عليهم لاحقاً.

ومذ ذاك وهبت حياتي لهذه اللعبة، أتدرب يومياً عليها من الصباح إلى المساء ولا أتوقف لحظة عمن المشاركة في البطولات المحلية والخارجية، محققاً حلمأً بدأت بواكيره تتجسد منذ البداية، حيث تنبأ الإنجليزي «نيكولاس برو» الذي أشرف على تدريب منتخب ليبيا لستوكر في بطولة إفريقيا سنة 2013 – بالمشاركة مع الأردني «أحمد مرشد العنيزي» – بأن «خالد أبومداس» سيكون له باع في اللعبة، وذلك ما تحقق لاحقاً.

فيما بعد لمع نجمك في البطولات المحلية وانتقلت عنها إلى الإفريقية والعربية .. حدثنا باستفاضة عن هذه المسيرة اللامعة ؟

منذ 2005 وأنا لا أفتأ أشارك في البطولات الخارجية، سواءً العربية والأفريقية، وعندما احتضنت طرابلس البطولة الإفريقية عام 2008 نجحت في بلوغ ثمن النهائي، ومع مداومة المشاركات تمكنت من هزيمة بطل إفريقيا «وهو من جنوب إفريقيا» وغيره من أبطال المنطقة، لأبلغ الذروة سنة 2013، بنيلي المركز الثاني في البطولة الإفريقية التمي نظمت بمراكش المغربية، وبت على أبواب الاحتراف.

هلا أوضحت هذه الجزئية .. فكثيرون لا يميزون آلية الاحتراف في السنوكر ؟

الاحتراف في مستويات عليا مثل الموجودة في بريطانيا يتطلب لمبتغيه نيل لقب قاري، وعندما نحصلت على المركز الثاني في مراكش، تمكنت من ذلك، بعد أن تعرض بطل القارة للإيقاف، وتلك مثلت فترة ذهبية في مسيرتي، بل هي معجزة وجدت طريقها إلى أرض الواقع.

وفقا لأي معيار أطلقت على إنجازك وصف المعجزة؟ عندما تمارس لعبة على طريقة الهواة وتفتقد لأدنى الإمكانات وتعملبدون مدرب، ثم تنجح في تجاوز أبطال إفريقيا وتبلغ مستويات عالمية وتباري محترفين كنت تراهم من وراء الشاشات، محقق حلمك الأكبر.

فبالتأكيد أن ما تحققه يتجاوز العادي ليجاري ما تذكره الملاحم الميثولوجية

هزمت بطل إفريقيا

واقتلعت التأهل إلى بطولة العالم

بأقل الإمكانات

.

أتعني أنك افتقدت لأي دعم حكومي؟

لعل الإجابة بالإيجاب تجانب الحقيقة، صراحة تحصلت البعثة الليبية المشاركة في بطولة إفريقيا للسنوكر سنة 2013 «بالمغرب» على دعم منقطع النظير من وزير الرياضة انذاك، السيد «عبد السلام غويلة»، الذي بادر بنفسه لحضور منافسات بطولة ليبيا ووعدنا بالدعم اللازم، ثم أوفى بوعوده، وعندما أبت بالمركز الثاني، قابلته بعد طول معاناة، فاستبشر بذلك واستمر في دعمه لمسيرتي الاحترافية، بطريقة لم أكن أتخيلها، وهو في ذلك لم يحد على ديدنه في دعم كافة الألعاب الرياضية، التي يملك أيادي بيضاء عليها.

لكنني عندما تحدثت عمن صعوبة ما حققته انطلقت من صورة شاملة للسنوكر في ليبيا، حيث تفتقد لأبسط الإمكانات، فلا توجد صالات تتبع اتحاد اللعبة، ونضطر للعب في صالات خاصة، ما يجعلك تنفق

100 دينار يومياً أثناء التدريبات، والتحضير لاستحقاقات

إفريقية دون مدرب مع كثير من النقائص اللوجستية، حيث انتظرت سنوات لأتحصل على عصا احترافية، كل ذلك يجعل من الصعوبة بمكان التفوق على المنافسين العالميين، وهذا ما أكدته وسائل إعلام عالمية التقتني، وأبدت استغرابها من تمكني الوصول لهكذا مستوى في ظل الظروف المحيطة.

مؤخرا وقعت عقدا مع شركة «سبتيموس» تتكفل فيه بدعمك على مستوى التحضير والمشاركات الداخلية

والخارجية .. هل تعتقد أن السنوكر التي عاشت في الظل عن حيث الدعم المادي اللوجستي بحاجة ملحة إلى مثل هكذا شراكات؟

نعم، وبداية أود أن أبث جزيل شكري إلى السيد

«عبد اللّه الذويبي» رئيس شركة «سبتيموس»، نظير مساهمته في دعم الرياضة والرياضيين، لاسيما لاعبي السنوكر.. ودعم الرياضة في عالم اعتمد الاحتراف منذ عقود، ورمى وراءه ظهرياً أسلوب الهواية، صار لا مندوحة منه لنيل الإنجازات، وإذا ما اتسعت هذه الشراكات لتلف

المشهد السنوكاري، أجزم بأن اللعبة ستتطور كثيراً وسنرى أبطالاً ليبيين في المحافل الخارجية.

شركة «سبتيموس» تولت رعايتي

والشراكات الاحترافية ضرورية لتطوير الرياضة

مثلت ليبيا في بطولة العالم في شيفيلد عام 2014، كيف تصف تلك التجربة؟

نجربة استثنائية بكافة المقاييس، فمن الجانب

النفسي كان ملئي الفخر بتمثيل ليبيا عالمياً، أما على المستوى التنافسي فمواجهة أبطال اللعبة حظوة لا

ينالها الكثيرون.

مؤخراً شاركت في البطولة الإفريقية بالمغرب .. هلا بسطت في الحديث عن هذه المحطة ؟

بمكن اعتبار المشاركة جيدة، حيث بلغت دور ال16، وبسبب توقفي في السنوات الثلاث الماضية، فيعد ما حققته إيجابياً، مع أمل أن أعاود الكرة مستقبلاً وأحصد

الألقاب.

لو عدنا إلى البواكير.. ما الذي جعلك تتمسك بهذه الرياضة رغم غياب الدعم الإعلامي والعادي في ليبيا؟

الشفف بالأساس، ذلك الحب للعبة هو ما جعلني لا أبالي بمما لا ألاقمي في سمبيلها، حيمث اضطمررت للمفاضلمة بينها وبين العمل، عندما أبت الجهة التي أعمل عندها أن تمنحني تفرغاً للتدريب، عندها تكفلت العائلة بكامل التحضيرات، بالرغم من معارضة والدي رحمه اللمه، والذي استحال اقتناعا وفرحة في النهاية، بعد أن شاهد إنجازاتي.

وهل ما تحقق يستحق هذه الجهود والتضحيات؟

نعم، بداية اتباعاً لشغف يعتمل في النفس وإرضاء لطموحات تجتاحني، كما أن المقابل المادي للبطولات التي حققتها يعد جيدا جيدا.

ما سبق وذكرت يحيلنا على سؤال آخر .. هل يوجد اهتمام رسمي من الجهات الناظمة للشأن

الرياضي ؟

في السنوات القليلة الماضية عانت السنوكر في ليبيا سباتا حقيقيا، لكن ومع تغييرات شهدتها هيكلية الاتحاد الليبي للبلياردو والسنوكر، أعتقد مستبشراً بأن رياح التغيير الإيجابي قادمة وبقوة.

ما التحديات الأكبر التي تواجه لاعب سنوكر ليبي؟

كثيرة، أولها النقائص المادية واللوجستية، حيث نفتقد صالات مملوكة لاتحاد اللعبة، تمكن الرياضيين من ممارسة لعبتهم المفضلة دون مقابل، وكذلك المقابل المادي المنخفض، ما حذا بكثير من الموهوبين إلى صرف النظر عن الاستمرار في السنوكر.

وهل تفكر في تدريب لاعبين شباب؟

نعم وإن كنت أركز على استمراري لاعبا في الوقت الراهن، لكنني قد أطرق باب التدريب مستقبلاً، بعد أن

أخضع لدورات تدريبية وأخوض امتحانات تسمح لي بنيل الإجازات المعتمدة.

اخترت السنوكر على العمل وعائلتي هي التي دعمتني لأكمل المسيرة

أتعتقد بإمكانية تنظيم بطولات سنوكر عالمية في ليبيا. يعني أتراها مجدية من حيث الإشهار والعوائد المالية؟

بلى فطرابلس نجحت بقوة في تنظيم بطولة إفريقيا سنة 2008، وإذا ما توفرت الإرادة سننجح في تنظيم بطولة عالمية «حال رصد جوائز قيمة لها»، وسيكون لها انعكاسات إيجابية على المشهد الرياضي بكامله، لاسيما توسيع قاعدة اللاعبين، بالإضافة لفوائد

السنوكر تحتاج لصبر وطول أناة وتركيز عال .. كيف تتعامل مع ذلك وأنى هي الطريقة المناسبة للاستعداد النفسي قبل المباريات؟

نعم، السنوكر يحتاج تركيزا عاليا ومنافساته تقام في صمت مطبق، بل إنك أثناء التدريب قد تلتزم الصمت لخمس ساعات ويزيد، وإذا ما رغبت في النجاح فينبغي عليك الالتزام بالقواعد، وبعد التدريب يمكنك أن تروّض نفسك على ذلك، وسترى آثاره بادية في حياتك، من حيث قدرتك على الاحتفاظ بتركيزك عاليا في أحلك الظروف والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة.

ما هي رسالتك للشباب الراغب في احتراف السنوكر أم على الأقل ممارسة اللعبة؟

بداية لا بد من توفر الموهبة، فهي الركن الوثيق لأي نجاح والعمود الذي يقام عليه، كما يجب عليهم التدرب بلا هوادة، ومواجهة العوائق بهمة عالية، والتحدرج بصبر في المراتب حتى يبلغوا الشأو الذي يرغبون.

وأخيرا .. ما هو الحلم الكبير الذي يراودك؟

لعلك تتفاجأ إن أخبرتك أنني حققت حلمي الكبير مبكرا، عندما نجحت في نيل الاحتراف ببريطانيا

لعامين ،لكن لا اخفي كذلك طموحي المتقد لمعاودة

التألق الإفريقي وحصد الألقاب الخارجية.

ليبيا قادرة على تنظيم بطولات سنوكر عالمية وهذه الأخيرة قادرة على إحداث نقلة نوعية للعبة والسياحة داخلياً

Share this content: