×

هذه القصة ليست مجرد حكاية فردية، بل هي صرخة لنساء كثيرات يعانين في صمت،ضحايا لظروف مجتمعية لا ترحم.

هذه القصة ليست مجرد حكاية فردية، بل هي صرخة لنساء كثيرات يعانين في صمت،ضحايا لظروف مجتمعية لا ترحم.

رحلة نحو الحرية

في إحدى ليالي الشتاء الباردة، استقبلت رسالة على هاتفي من سيدة من إحدى مدن الجنوب الليبي. لم تكن مجرد رسالة، بل كانت نداء استغاثة من امرأة تحمل ثقل سنين من العزلة والألم. بعد إلحاحها، سمحت لنفسي بالاستماع إليها في وقت متأخر، وحين بدأت بالحديث، لم أسمع سوى نحيب موجع. كانت السيدة س.ع.

تبلغ من العمر 35 عافا، موظفة في قطاع التعليم، وزوجة وأم لتوأم، لكنها كانت أيضا سجينة لظروف لم تخترها قط..تزوجت س. ع. قبل 17 عافا من رجل لا تعرفه، بعد أن اختاره لها صديق أخيها، وهو تقليد ساند في محيطها الاجتماعي. انتقلت للعيش في منطقة نائية مع زوجها الذي كان يعيش مع والدته فقط. ومنذ الليلة الأولى، بدأت معاناتها. هجرها زوجها ونام في غرفة والدته بالطابق الأرضي، تاركا إياها وحيدة في بيت لا تشعر فيه بأي انتماء. كانت تسأل نفسها:

«هل أنا قبيحة؟ هل هو مريض؟» كانت مشاعر الشك والحيرة نهشها، خاصة مع قسوة حماتها التي منعتها من الاقتراب من الطابق الأرضي.

عاشت س. ع. سنوات طويلة على هذا الحال، زوجها يقضي النهار معها، لكنه ختفي عند حلول الليل ليبقى مع أمه.

حاولت مواجهته مرارًا، لكنه كان يتوسل إليها ألا تتركه. حتى جاء يوم أصيب فيه زوجها بوعكة صحية حادة، اضطر للبقاء في بيتهما. حينها، انكشف السر الذي كان يطارده. دخل الزوج في حالة من التوتر والارتعاش، ثم غط في نوم عميق، ليستيقظ على فراش مبلل. كان يعاني من التبول اللاإرادي، وهو ما يفسر تهربه الدائم من النوم معها.

كانت س. ع. على وشك ولادة توأمها، ورغم صدمتها وألمها، لم تجد خيارًا آخر سوى الاستمرار. فالمجتمع المغلق الذي تعيش فيه لا يرحم المطلقات، ووالداها متوفيان وإخوتها متزوجون. هربت حماتها تاركة إياها وحيدة مع أطفالها الرضع وزوجها المريض. عادت س. ع. إلى العمل لتعيل نفسها وأبناءها وزوجها الذي تحمول إلى شخص حزين ومتقلب المزاج.

تحمّلت سنوات طويلة من المعاناة، كرهت خلالها الأدوية، والملابس المبللة، والتهرب

المستمر، والأسلوب الجاف لزوجها.

أصيبت س. ع. بالعديد من الأمراض المزمنة نتيجة للضغط النفسي الهائل الذي عاشته. لكن الأمل لم يفارقها. ورثت قطعة أرض من والديها، وقررت أن تبدأ في بناء بيت صغير لها ولأبنائها، بعيدًا عن هذا الجحيم. لقد قررت أن تشتري ما تبقى من عمرها وتمنح أبناءها حياة كريمة بعيدًا عمن هذا الوضع.

سألتها: «هل كنت ستقبلين به زوجًا و علمتِ بحالته قبل الزواج؟» أجابت بحسم: «لا، كنت سأرفض على الفور.» هذا ما يؤكد أن الزواج القائم على أسرار لا يمكن أن يستمر، كما سألتها عن سبب عدم تدخل أحد من أهلها، فأخبرتني أن أخاها واجهها بعبارة مؤلمة: «السيدة المحترمة تحفظ سر بيتها وتتحمل من أجل أولادها.»

جذور هذه المشكلة عميقة وتتعلق

بالزواج السريع، وغياب حق الفتاة في اختيار شريك حياتها، وقسوة البيئة الاجتماعية المنغلقة. الحل كان واضحًا:

الانفصال هو السبيل الوحيد للنجاة. كان قرار س. ع. بالانفصال قرارًا شجاعًا نابعًا من رغبتها في الحياة والتعافي. لقد ساعدتها غي وضع خطة طريق، وركزنا على علاج تبعات الصدمة، حتى تتمكن من بناء علاقة صحية مع أبنائها بعيدًا عن سيطرة والدهم.

Share this content:

إرسال التعليق