×

«نساء بلا وجوه»

«نساء بلا وجوه»

        هل تُصنع الديمقراطية من خلف ستار

منسقة وحدة دعم المرأة داخل المفوضية العليا للانتخابات :

بعض المؤسسات اليوم لا توفر بيئة داعمة لمشاركة المرأة السياسية بشكل فعال

في ظل التجربة الانتخابية للبلديات في الفترة الأخيرة والتي أثارت كثيراً من النقاشات حول حضور المرأة ومكانتها، تتجدد الأسئلة حول دورها: هل هي مجرد مشاركة شكلية أم أنها قادرة فعلا على اقتحام مواقع صنع القرار؟ بين برامج التمكين من جهة، والقيود الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، تقف المرأة المترشحة أمام تحديات لا تقل صعوبة عن مسؤولياتها. في هذا الحوار مع الاستاذة نيروز البدوي منسقة وحدة دعم المرأة داخل المفوضية العليا للانتخابات نحاول أن نقترب من رؤيتها لتجربة النساء في الانتخابات، ولنوجه لها بعض الاسئلة حول وعي المترشحات، حوادث الجدل مثل “طمس الصور”، ومستقبل المشاركة النسائية في المشهد السياسي الليبي..

“بين الطموح الشخصي والوعي السياسي.. أي النساء ستغيّر المعادلة؟” .

الانتخابات البلدية: مشاركة نسائية أم مسرحية انتخابية بوجوه ممسوحة؟

كثيرون يقولون إن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية كانت “ديكور سياسي” أكثر من كونها مشاركة حقيقية… هل تتفقين مع هذا الرأي؟ أم لديك شواهد على العكس؟

إن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية ليست مجرد “ديكور سياسي”، بل هي مشاركة فعلية وملموسة في صناعة القرار المحلي، فقد أكدت القوانين الانتخابية على وجود كوتا للنساء في كل قائمة، ما يضمن تمثيلها بشكل فعال داخل المجالس البلدية.

وليس هذا تمثيلًا شكليًا فقط، بحل توجد شواهد عديدة على مساهمة النساء في طرح القضايا المهمة، وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق المرأة والخدمات الاجتماعية والتنمية المحلية.

فالمرأة اليوم واعية ومدركة جيداً لأهمية دورها فبالثالي لم تعد مكتفية بالكوتا أو المشاركة ضمن القوائم فقط، بل بدأت تنافس الرجل حتى على المقاعد الفردية، ما يعكس إمكانياتها الحقيقية والمهمة داخل البلديات ، كما ان وجود المرأة في المجلس البلدي يضمن فتح ملف المرأة وقضاياها، ويعطي مساحة حقيقية لمعالجة التحديات التي تواجههما، سواء في المجالات الاجتماعية، الاقتصادية، أو الحقوقية، هذه التجارب تثبت أن المرأة اليوم شريك أساسي في صناعة القرار المحلي، وأن حضورها ليس شكليًا، بل هو مساهمة حقيقية في تطوير المجتمعات المحلية وتعزيز التوازن والعدالة في التمثيل السياسي.

ما الذي يمنع المرأة الليبية من أن تكون صانعة قرار لا مجرد رقم في قائمة انتخابية؟ هل هو قصور من النساء أنفسهن أم من المجتمع والمؤسسات؟

المجتمع أحيانًا لا يمنح المرأة الثقة الكاملة لتولي مواقع صنع القرار، وقد يواجهها بعقبات ثقافية أو اجتماعية، كما ان بعض المؤسسات اليوم لا توفر دائمًا بيئة داعمة لمشاركة المرأة السياسية بشكل فعال.

لكن من جهة أخرى، نحن نشهد اليوم نساء قادرات ومؤهلات تثبت أنهن يمكن أن يصنعن فرقًا حقيقيًا عندما تتاح لهن الفرصة والدعم الكافي،أمثلة على ذلك السيدة نادية سليمان، التي حققت أعلى الأصوات على المقاعد الفردية في بلدية الزاوية الوسط، والسيدة الزائرة المقطوف، أول عميد بلدية في زلطن، هؤلاء النماذج يؤكدن أن المرأة الليبية لديها القدرة على القيادة وإحداث تأثير ملموس داخل المجالس البلدية عندما يُمنح لها الدعم والاعتراف بحقها في المشاركة.

ومن المهم جدًا أن يكون لكل مؤسسة وحدة لدعم المرأة، تعمل بشكل خاص على قضايا المرأة داخل المؤسسة، وتوفر البيئة المناسبة لمشاركتها الفعّالة في اتخاذ القرار سواء داخل او خارج المؤسسة نسمع عن برامج تدريب وتأهيل للنساء، لكن الواقع يقول إن حضور المرأة في الإدارة ما زال ضعيفا… هل هذه البرامج مجرد شعارات للاستهلاك، أم أن الخلل في آليات تطبيقها؟

الواقع يشير إلى أن حضور المرأة في مواقع الإدارة والإشراف ما زال ضعيفًا، لكن هذا لا يعني أن برامج التدريب والتأهيل مجرد شعارات للاستهلاك. المشكلة الأساسية غالبًا تكمن في آليات التطبيق وغياب الدعم الكافي لتحويل التدريب إلى فرص حقيقية داخل المؤسسات.

برأيك، هل كل من تترشح اليوم تدرك فعلا مسؤوليتها السياسية والاجتماعية، أم أن بعض الترشيحات مجرد طموح شخصي بلا وعي بدور المجلس البلدي؟

في الواقع، هناك تنوع بين المرشحات؛ بعض النساء تدرك تمامًا مسؤوليتها السياسية والاجتماعية، وتعتبر ترشحها فرصة لخدمة المجتمع والمشاركة الفعّالة في صناعة القرار المحلي. وهؤلاء من النساء يظهرن التزاما حقيقيًا ويحرصن على طرح قضايا المرأة والمجتمع ضمن أولويات المجلس البلدي.

ومن جهة أخرى، قد توجد بعض المترشحات التي تكون مدفوعة بطموح شخصي فقط، دون وعي كامل بالدور الكبير الذي يتحمله عضو المجلس البلدي ومسؤولياته تجاه المواطنين.. لكننا نشهد اليوم تزايد عدد النساء المؤهلات والواعية بدورهن..

البعض يرى أن المجتمع لا يثق في المرأة، والبعض الآخر يحفل النساء أنفسهن مسؤولية ضعف حضورهن… أنتِ مع أي الرأيين؟ ولماذا؟ في الواقع، المسألة ليست بسيطة لتُحمّل النساء أو المجتمع وحده المسؤولية. هناك عوامل متعددة متداخلة. من جهة، المجتمع أحيانا لا يمنح المرأة الثقة الكاملة لتولي مواقع صنع القرار بسبب تقاليد أو ممارسات اجتماعية سابقة. ومن جهة أخرى، بعض النساء قد تواجه صعوبة في تجاوز العقبات أو في الترشح بثقة كاملة، خصوصًا في بيئات غير داعمة.

لكن التجربة العملية أثبتت أن المرأة الليبية قادرة على فرض حضورهما وكسب ثقة المجتمع عندما تتحاح لها الفرصة والدعم. حضور المرأة في المجالس البلدية يثبت يوميًا أنها ليست أقل كفاءة أو قدرة من الرجل.

التمكين في ليبيا تدريب على الورق أم كسر فعلي لحواجز المجتمع ..؟!

عندما تصبح صورة المرشحة تهديدًا كيف نثق في صوتها؟

وأن الثقة فيها تزيد كلما شاهد المجتمع نتائسج ملموسة من عملها.

كيف يمكن للمرأة أن تكسر الفكرة المتجذرة بأن السياسة “ميدان رجالي”؟ وهل برأيك الخوف من المجتمع مازال يحكم خيارات النساء؟

لكسر الصورة النمطية عن السياسة كميدان رجالي، تحتاج المرأة أولًا إلى الثقة بنفسها وبقدراتها على القيادة واتخاذ القرار. دعم المجتمع لها وتشجيع المؤسسات على إشراكها في مراكز صنع القرار يصنع بيئة واقعية تُثبت جدارتها.

أما عن الخوف من المجتمع، فهو لا يزال حاضرًا عند بعض النساء، لكنه يتضاءل تدريجيًا مع رؤية نتائج ملموسة لنجاحات نسائية في العمل العام والسياسي، ما يمنح النساء جرأة أكبر على خوض التجربة السياسية والمساهمة الفعلية في صناعة القرار.

السياسة ميدان رجالي.. إذن ماذا تفعل نادية سليمان والزائرة المقطوف هناك؟

حادثة “طمس صور المترشحات” ورضوخ بعضهن لذلك… هل ترينها فضيحة سياسية؟ أم مجرد انعكاس طبيعي لثقافة محافظة لا يمكن تجاوزها بسهولة؟

حادثة طمس صور المترشحات تعكس تحديا حقيقيًا لمشاركة المرأة السياسية، لكنها ليست مجرد “فضيحة سياسية” بالمعنى التقليدي. هي انعكاس لثقافة اجتماعية محافظة لا زالت تؤثر على صورة المرأة في المجال العام، وتضع بعض المترشحات أمام ضغوط للامتثال لتوقعات المجتمع ، فهذا الوضع يضع المترشحات أمام تحد حقيقي: كيف يمكن للمرأة أن تكسب ثقة الناس وتشارك بفعالية إذا اضطرّت لإخفاء هويتها أو تقيد ظهورها؟ وخاصة إذا كانت تقوم بدعاية إنتخابية لنفسها؟ فهذا لن يضعها في محمل الفوز مهما كانت إمكانياتها تؤهلها لذلك ، فإخفاء الهوية يقابله انعدام الثقة فبالتالي ضروري لهؤلاء النساء ان يؤمنّ بأنفسهنّ ما دمن قادرات على التغيير وصنع القرار

ألا تعتقدين أن قبول بعض المترشحات بطمس صورهن كان تنازلا مجانياً، أضر بهن أكثر مما نفعهن؟ كيف تقرئين هذا الموقف؟

قبول بعض المترشحات بطمس صورهن ليس تنازلاً “مجانيًا”، بل هو انعكاس للضغوط الاجتماعية والثقافية الواقعية التي قد تواجه المرأة في المجتمع الليبي. ومع ذلك، هذا الموقف قد يضر بالمترشحات

” صورة المرأة في اللافتة الانتخابية انعكاس ثقافة أم فضيحة سياسية؟

من ديكور انتخابي إلى عمادة بلدية

كيف كسرت النساء المحزم السياسي.؟

أكثر مما ينفعهن، لأنه يقلل من وضوح هويتهن أمام الناخبين ويحد من تأثيرهن الانتخابي.

ما الذي يمنع أن تُفرض قوانين واضحة تلزم باحترام صورة المرأة المترشحة واسمها كما يُحترم الرجل؟ وهل تعتقدين أن المفوضية أدت دورها في هذا الجانب أم قصرت؟

لا يوجد ما يمنع من سن قوانين واضحة تضمن احترام صورة واسم المرأة المترشحة كما يُحترم الرجل. وأرى بان هذه القوانين ضرورية لضمان المساواة ومنع أي تمييز أو تحقير خلال الحملات الانتخابية ولكن فرض القوانين من الأساس يتطلب تعاونًا بين السلطة التشريعية، السلطة القضائية، الهيئات الرقابية، والمنظمات الحقوقية. اما المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تقوم بدورها في تنفيذ القوانين القائمة، لكنها ليست الجهة المخولة بوضع أو تعديل التشريعات.

برأيك، هل مستقبل المرأة السياسية في ليبيا مرهون بجرأة الجيل الجديد؟ أم أننا ما زلنا بحاجة إلى “ثورة ذهنية” قبل أن نتحدث عن كسر القيود؟

مستقبل المرأة السياسية في ليبيا مرتبط بشكل مباشر بجرأة الجيل الجديد من الشباب، الذين يمثلون غالبية المترشحين اليوم. هذا الجيل أكثر وعيًا وتفتحًا، وقادر على تحدي الصور النمطية القديمة، ودعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية بشكل طبيعي وفعّال.

لكن هذا لا يعني أن الطريق خال من العقبات. مازلنا بحاجة إلى تعزيز ثقافة المجتمع بالكامل تجماه المرأة، وفتح المجال أمامهما دون قيود اجتماعية أو ضغوط، أي ما يمكن أن نسميه “ثورة ذهنية”. كلما تبنى الشباب هذه الروح، وتعاونوا مع المجتمع لدعم المرأة، زادت فرصها في أن تكون صانعة قرار حقيقي، وليست مجرد مشاركة رمزية.

أ.نيروز البدوي

Share this content:

إرسال التعليق